الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
انقذوهم كيف تُغيث «قمة بغداد» غزة وليبيا والسودان؟

نقطة تلاقى

انقذوهم كيف تُغيث «قمة بغداد» غزة وليبيا والسودان؟

 يمكن أن ننظر لاجتماع القادة العرب، فى الانعقاد العادى لمجلس الجامعة العربية، بالعاصمة العراقية، بغداد، بِعَدِّه «الأصعب» من حيث التحديات المصيرية التى تعيشها بلدان عربية، وتنتظر حلولًا وتدخلات إنقاذ عاجلة، فى وقت واحد.



 ويجتمع القادة العرب، فى بغداد اليوم، وسط تغيرات فى الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وأزمات ممتدة بلا حلول، تتفاقم فاتورتها يومًا بعد يوم، وسط غياب آفق الحلول «المؤقتة» أو المستدامة لتلك الأزمات؛ خصوصًا التطورات فى «قطاع غزة، والسودان وليبيا»، إلى جانب الوضع فى سوريا.

 

من هذا المنطلق، ينتظر الشارع العربى، من مخرجات القمة، خُطى «إنقاذ» سياسى وأمنى وإنسانى، بنتائج تحظى بإجماع عربى لتنفيذها على أرض الواقع.

ويبدو أن تلك الغاية الأساسية التى يستهدفها العراق، من استضافته للقمة العربية الرابعة والثلاثين، ذلك أن وزير الخارجية العراقى، فؤاد حسين، وصف استضافة بلاده للقمة، فى مؤتمر صحفى، باعتبارها «محاولة لتوحيد المواقف ولمّ الشمل، فى مواجهة أزمات تشهدها المنطقة».

وإلى جانب انعقاد اجتماع القادة العرب، تستضيف بغداد، القمة العربية التنموية الخامسة؛ لمناقشة مشروعات تنموية واقتصادية واجتماعية، غير أن التطورات التى تشهدها ملفات عدد من الدول العربية، وتأثيراتها الإقليمية، تفرض نفسها على أجندة مناقشات القادة العرب.

ولعل ما يعزز ذلك، السياقُ الذى تُعقد فيه القمة، من حيث التوقيت، وواقع الأزمات العربية وتحدياتها، ومن أبرز هذه الازمات ما يلى:

1 - أزمة غزة:

بلا شك تتصدر التطورات فى قطاع غزة، مع استمرار العدوانى الإسرائيلى على القطاع، وتدهور الأوضاع الإنسانية للفلسطينيين، اهتمامات قمة بغداد، لا سيما مع استمرار الحصار المفروض من دولة الاحتلال الإسرائيلى على القطاع، منذ شهر مارس قبل الماضى.

والمَخاطر تتزايد، أمام حالة الجمود المحيطة بجهود وقف إطلاق النار، التى تبذلها مصر وقطر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما يدلل على ذلك، حديث وكيل الأمين العام للشئون الإنسانية «توم فليتشر»، فى اجتماع مجلس الأمن الثلاثاء الماضى، بأن «إسرائيل تفرض عمدًا ودون خجل ظروفًا غير إنسانية على المدنيين فى الأرض الفلسطينية المحتلة»، وتأكيده على أن «كل فرد من بين 2.1 مليون فلسطينى فى قطاع غزة يواجه خطر المجاعة».

أمّا التحدى الآخر فى هذا الأمر؛ فهو انعقاد قمة بغداد، بعد ما يزيد على شهرين من انعقاد القمة العربية الطارئة فى القاهرة، يوم 4 مارس 2025، التى خُصّصت لمناقشة القضية الفلسطينية، والرد على دعوات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؛ حيث اعتمدت تلك القمة، الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير، ومع ذلك لم تشهد الفترة الزمنية الفاصلة بين القمتين إحراز أى تقدُّم يُذكر بخصوص وضع الخطة موضع التنفيذ، وبات الجمود سيد المشهد.

2 - اشتباكات طرابلس:

تعقد القمة العربية، فى توقيت تشهد فيه ليبيا توترات أمنية خطيرة، بعد أن شهدت العاصمة طرابلس تصاعدًا لافتًا فى وتيرة الاشتباكات المسلحة، بين الأطراف الليبية؛ خصوصًا القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وعناصر جهاز «الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب».

وأعادت الاشتباكات المسلحة التى شهدتها طرابلس المشهد الأمنى فى ليبيا، إلى وضع ما قبل وقف إطلاق النار؛ بسبب حجم التدمير فى المنشآت والمبانى، وأعداد القتلى جراء تلك المواجهات.

وتضع تلك التطورات، الملف الليبى، ضمن أولويات أجندة القادة العرب، فى اجتماعهم ببغداد، وتفرض التدخل؛ أملًا فى تسوية شاملة للأزمة الليبية.

3 - تصاعُد المواجهات فى السودان:

وإذا كان الاهتمام الدولى، يتجه نحو تطورات قطاع غزة؛ فإن مشهد الحرب الداخلية فى السودان، الممتدة منذ أكثر من عامين، شهد تصعيدًا خطيرًا الفترة الأخيرة، باستهداف المنشآت والبُنَى التحتية فى السودان، وهو ما يضاعف من فاتورة تلك الحرب على السودانيين.

وواجَه السودان، الأيام الأخيرة، هجومًا مكثفًا من المُسَيّرات، من ميليشيا «الدعم السريع»، على مدينة بورسودان، فى الشرق، فى تطور جديد فى مسار الحرب، ما أدى لتدمير عدد من المنشآت والمرافق بتلك المدينة، وهو ما دفع الجامعة العربية للتدخل، الأسبوع الماضى، بانعقاد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، انتهى باعتماد مشروع قرار، يدعو إلى «تكثيف الدعم العربى للسودان ومؤسّساته، وحشد جهود الإغاثة الدولية للسودانيين».

ويجب أن نسجل هنا، فاتورة الحرب السودانية، حتى الآن؛ حيث قدرت تقارير أممية وإعلامية خسائر الحرب الاقتصادية الكلية بنحو 200 مليار دولار أمريكى، والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى، مع دمار لنحو 60 فى المائة من البنية التحتية للدولة، وتشريد نحو ثلث السكان بين نازح ولاجئ، فى أزمة إنسانية وصفها الاتحاد الأوروبى بأنها الأسوأ فى القرن الواحد والعشرين.

ويقدر عدد ضحايا الحرب حتى الآن، بنحو 60 ألفًا، وإصابة وإعاقة مئات الآلاف، وتشريد نحو ثلث سكان البلاد، كما دمرت الحرب أيضًا البنى الاقتصادية والتحتية للدولة، وأصبح نحو نصف السكان تحت خط الفقر، بينما يهدد الجوع نحو 20 مليون شخص؛ وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

4 - الوضع فى سوريا:

ولن تكون الأوضاع فى سوريا، ببعيدة عن اهتمامات القمة العربية؛ خصوصًا مع تزايُد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضى السورية، واستهدافها مواقع فى دمشق، وريفها وحمص وحماة، فى اعتداء سافر على السيادة السورية.

يضاف إلى ذلك، أن قمة بغداد، هى القمة العربية العادية الأولى التى تعقد بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتولّى إدارة جديدة مسئولية الحكم فى سوريا، غير أن الرئيس السورى الإنتقالى، أحمد الشرع لن يشارك فى تلك القمة، وسيمثل بلاده وزير الخارجية، أسعد الشيبانى.

ورغم ذلك، تناقلت تقارير صحفية، على لسان الأمين العام المساعد للجامعة العربية، السفير حسام زكى، أن «الاجتماعات التحضيرية، للقمة العربية، تناقش إمكانية صدور قرار عربى؛ لدعم الفترة الانتقالية بسوريا، وأن تكون هناك مشاركة عربية فى تحقيق الانتقال السياسى».

 تطورات إقليمية

وإلى جانب ما تشهد أزمات عدد من الدول العربية، من تصعيد، تعقد قمة بغداد، وسط تطورات إقليمية مهمة، أبرزها ما يلى:

1 - جولة ترامب الخليجية:

تنطلق اجتماعات القادة العرب، فى اليوم التالى، لانتهاء جولة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، للشرق الأوسط، والتى زار فيها ثلاث دول خليجية، هى السعودية وقطر والإمارات، كما شارك فى اجتماعات مجلس التعاون الخليجى بالرياض.

وتنطلق أهمية جولة ترامب، كونها تشكل فرصة لتعزيز الدور الأمريكى، فى إحلال السلام بالمنطقة والعمل على تهدئة الأوضاع الإقليمية، وهو ما أكدته مصر فى بيان لوزارة الخارجية، الثلاثاء الماضى، بأنها «تتطلع فى أن تسهم الزيارة، فى تحقيق تقدم على صعيد وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن والمحتجزين وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة لتخفيف معاناة الشعب الفلسطينى».

وتعول مصر على قيادة الرئيس ترامب لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى؛ تتويجًا لجهوده التى تهدف إلى إحلال السلام الدائم وتحقيق الاستقرار الإقليمى، وتشدّد على ضرورة مساندة جهود الوساطة المصرية القطرية الأمريكية لتحقيق وقف إطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة؛ تمهيدًا لتنفيذ الخطة العربية للتعافى المبكر وإعادة الإعمار. 

2 - المفاوضات «الأمريكية- الإيرانية»:

من التطورات الإقليمية، مسار المفاوضات الأمريكية، مع إيران، الذى ترعاه سلطنة عُمَان، والذى عقدت أربع جولات؛ بهدف التوصل لتفاهمات بشأن الملف النووى الإيرانى.

وسبق ذلك، اتفاق وقف إطلاق النار فى جنوب البحر الأحمر، بين واشنطن، وجماعة الحوثيين اليمنية، فى خطوة مهمة لرأب الصدع بتلك المنطقة الحيوية.

على خطى القاهرة

وإذا كانت تلك التحديات التى تفرزها مستجدات الأزمات العربية، تفرض نفسها على مناقشات قمة بغداد؛ فإن التعاطى معها بحلول وخُطى إنقاذ، تستدعى دعم مشاريع القرارات العربية السابقة بشأن تلك الأزمات. وإذا نظرنا لمشهد الوضع فى قطاع غزة، سنجد أن من المهم أن تقدم قمة بغداد دعمًا لمخرجات «قمة فلسطين» التى عقدت فى القاهرة، شهر مارس الماضى، ذلك أن البيان الختامى تضمّن 23 بندًا، شكلت خارطة طريق شاملة لدعم القضية الفلسطينية؛ حيث كان من أبرز هذه البنود، ما يلى:

1 - التأكيد على أن تحقيق السلام العادل والشامل الذى يلبى جميع حقوق الشعب الفلسطينى، خيار العرب الاستراتيجى؛ خصوصًا حقه فى الحرية والدولة المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطنى على أساس حل الدولتين، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين ويضمن الأمن لجميع شعوب ودول المنطقة.

2 - تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، بما فى ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل فى المنطقة، وفى سياق العمل على إنهاء كافة الصراعات بالشرق الأوسط، مع تأكيد الاستعداد للانخراط الفورى مع الإدارة الأمريكية، وكافة الشركاء فى المجتمع الدولى؛ لاستئناف مفاوضات السلام بغية التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وتجسيد الدولة الفلسطينية على أساس حل الدولتين ووفق قرارات الشرعية الدولية، وبما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

3 - تأكيد الموقف العربى الواضح، الذى تم التشديد عليه مرارًا، بما فى ذلك بإعلان البحرين الصادر فى 16 مايو 2024، بالرفض القاطع لأى شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه أو داخلها، وتحت أى مسمى أو ظرف أو مبرّر أو دعاوَى، باعتبار ذلك انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولى وجريمة ضد الإنسانية وتطهيرًا عرقيًا.

4 - إدانة القرار الصادر عن الحكومة الإسرائيلية بوقف إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وغلق المعابر المستخدمة فى أعمال الإغاثة، والتأكيد على أن تلك الإجراءات تعد انتهاكًا لاتفاق وقف إطلاق النار والقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.

5 - التحذير من أن أى محاولات آثمة لتهجير الشعب الفلسطينى أو محاولات لضم أى جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة، سيكون من شأنها إدخال المنطقة فى مرحلة جديدة من الصراعات، وتقويض فرص الاستقرار، وتوسيع رقعة الصراع ليمتد إلى دول أخرى بالمنطقة.

6 - اعتماد الخطة المقدمة من مصر، بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين والدول العربية واستنادًا إلى الدراسات التى أجريت من قبل البنك الدولى والصندوق الإنمائى للأمم المتحدة، بشأن التعافى المبكر وإعادة إعمار غزة باعتبارها خطة عربية جامعة، والعمل على تقديم كافة أنواع الدعم المالى والمادى والسياسى لتنفيذها، والتأكيد على أن كافة هذه الجهود تسير بالتوازى مع تدشين مسار سياسى وأفق للحل الدائم والعادل.

7 - التأكيد على الأولوية القصوى لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار لمرحلتيه الثانية والثالثة، وأهمية التزام كل طرف بتعهداته؛ وبخاصة الطرف الإسرائيلى، وبما يؤدى إلى وقف دائم للعدوان على غزة وانسحاب إسرائيل بشكل كامل من القطاع، بما فى ذلك من محور «فيلادلفى»، ويضمن النفاذ الآمن والكافى والآنى للمساعدات الإنسانية والإيوائية والطبية، دون إعاقة وتوزيع تلك المساعدات بجميع أنحاء القطاع.

8 - الترحيب بالقرار الفلسطينى بتشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، التى تتشكل من كفاءات من أبناء القطاع، والترحيب بجهود دولة فلسطين؛ للعمل على الإصلاح الشامل، وسعيها لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية فى أسرع وقت.

 دعم المؤسّسات الوطنية

وإذا كانت قمة القاهرة، شكلت معالجة شاملة للقضية الفلسطينية؛ فإن الأوضاع فى ليبيا والسودان وسوريا، تستدعى إعادة التأكيد على الموقف العربى، الداعم للمؤسّسات الوطنية فى تلك الدول، وضرورة الحفاظ على كيان الدولة الوطنية، ومؤسّساتها لمواجهة مخاطر التقسيم والاعتداء على السيادة.

ولعل الشاهد على ذلك، ما أكده إعلان المنامة، الصادر عن القمة العربية العادية التى استضافتها البحرين، فى مايو 2024، والذى أكد على «الدعم الكامل لدولة ليبيا وسيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها ووقف التدخل فى شئونها الداخلية، وخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضيها فى مدى زمنى محدد، وندعو مجلس النواب الليبى والمجلس الأعلى للدولة الاستشارى بضرورة سرعة التوافق على إصدار القوانين الانتخابية التى تلبى مطالب الشعب الليبى لتحقيق الانتخابات البرلمانية والرئاسية المتزامنة وإنهاء الفترات الانتقالية».

وفى حالة السودان، كانت قمة المنامة قد أكدت على ضرورة «الحفاظ على سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه والحفاظ على مؤسّسات الدولة السودانية وفى طليعتها القوات المسلحة»، إلى جانب «الالتزام بتنفيذ إعلان جدة بغية التوصل إلى وقف لإطلاق نار يكفل فتح مسارات الإغاثة الإنسانية وحماية المدنيين». 

من هذا المنطلق، تشكل مقاربة الدولة الوطنية، وحماية المؤسّسات الوطنية، ضمانة عربية؛ للحفاظ على وحدة وسيادة واستقرار، الدول التى تشهد توترات وتحديات داخلية، وتستدعى توافقًا عربيًا وحشد الجهود الدولية؛ لدعم هذه المقاربة، إذا أردنا تهدئة حقيقة بالمنطقة.