
أسامة سلامة
بابا العمال
اختار بابا الفاتيكان الجديد لنفسه اسم «ليو الرابع عشر» تيمنًا بالبابا ليو الثالث عشر، الذى أطلق عليه لقب بابا العمال، نظرًا لوقوفه مع مطالب العمال، حيث طالب لهم بأجر عادل وظروف عمل آمنة وتحديد ساعات العمل وتشكيل نقابات خاصة بهم، ومؤكدًا فى الوقت نفسه على حقوق الملكية، وهو ما يعنى خلق حالة توازن بين الرأسمالية والاشتراكية، فهو كان مع حرية المبادرة وضد الاشتراكية التى تسيطر على وسائل الإنتاج، كان ذلك مع بداية الثورة الصناعية فى الغرب، حيث كان رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية من عام 1878 حتى وفاته فى 1903، ومع زيادة عدد المصانع وارتفاع أعداد العمال كان انحيازه للعمال مهمًا باعتبارهم من المضطهدين الذين يتم استغلالهم نظرًا لحاجتهم للعمل، ولأنه وقف دائمًا مع الفقراء والمحتاجين والضعفاء فقد اشتهر أيضًا بأنه البابا الاجتماعى، وعندما اختار البابا الجديد نفس الاسم لم يكن الأمر مدهشًا لكثير من متابعى سيرته، فقد عرف عنه مواقفه القوية فى القضايا الاجتماعية وخاصة فيما يتعلق بمناصرته للمهاجرين ومساندته لحقوق الأقليات ودفاعه عن الفئات المهمشة، ولعل وجوده فى بيرو لفترة طويلة امتدت إلى عشرين عامًا وحصوله على جنسيتها رغم كونه أمريكي المولد جعله يتأثر بأفكار لاهوت التحرير إلى حد ما، وهو ما كان مؤثرًا أيضًا فى سلفه المتنيح البابا فرنسيس، والذى كانت مواقفه واضحة فى مناصرة الفقراء والمحتاجين والمضطهدين فى كل أرجاء العالم.
البابا ليو الثالث عشر اشتهر أيضًا بأنه واءم بين الكنيسة الكاثوليكية والأفكار الجديدة فى عصره وهو أمر متوقع أن يقوم بمثله البابا ليو الرابع عشر والذى أمامه العديد من القضايا التى عليه الاشتباك معها، مثل دور ومشاركة المرأة فى الكنيسة وهل يتم التوسع فيه كما يريد دعاة التحديث أم تحجيمه حسب رغبة المحافظين؟ وكان البابا فرنسيس قد بدأ خطوات فى زيادة مساهمة المرأة، حيث عين عددًا من النساء فى مناصب قيادية داخل الفاتيكان، ومنحهن فرصة المشاركة فى العديد من الأنشطة المهمة، وبجانب ذلك سيكون على البابا التعامل مع ملفات أخرى شائكة على رأسها المشاكل المالية للفاتيكان، وفضائح استغلال رجال دين لأطفال، والموقف من المثليين، والانفتاح على العالم وخاصة على العالم الإسلامى، وهى قضايا كان البابا الراحل بدأ فى مواجهتها والتعامل معها، ومن المتوقع وقياسًا على مواقف وآراء البابا الجديد قبل اختياره على رأس الكنيسة أنه سيسير على نفس نهج وطريق البابا فرنسيس ولكن قد يكون بطريقة أهدأ وأقل صدامًا مع الكرادلة المحافظين، ويبقى السؤال الذى يشغل بال كثيرين: كيف سيتعامل البابا مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى كانت علاقته فاترة مع البابا الراحل بسبب مواقف الأخير الرافضة لبعض قرارات الرئيس الأمريكى سواء فى فترته الأولى أو الحالية، خاصة فيما يتعلق بالهجرة ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الاحتمال الأكبر أن تكون نفس العلاقة بين البابا ليو الرابع عشر وترامب نظرًا لأن الأول يساند حقوق المهاجرين، بجانب آرائه قبل اختياره على رأس الكنيسة الكاثوليكية الداعمة للفقراء فى مواجهة الرأسمالية المتوحشة التى يتبناها الرئيس الأمريكى من خلال مواقفه وقراراته، وهناك أيضًا قضايا الصراعات الدولية والتوترات بين الدول المختلفة والتى وصلت إلى حد الحرب، البابا فى أول كلمة له دعا إلى إحلال السلام فى العالم، وكرر أكثر من مرة تعبير السلام منزوع السلاح، وهو ما يجعلنا نعتقد أنه سيكون مثل سلفه فى دعمه للقضية الفلسطينية والدعوة إلى وقف العدوان الإسرائيلى على غزة، ورفض إبادة الفلسطينيين، وإنقاذ أطفال غزة من الموت بسبب نقص الأدوية والطعام والشراب، وسيعمل أيضًا على تنفيذ وصية البابا الراحل بتجهيز سيارته الخاصة وتحويلها إلى مستشفى متنقل فى غزة، بالتأكيد لن يحيد البابا الجديد عن موقف الفاتيكان من الدولة الفلسطينية التى تم الاعتراف بها خلال حبرية البابا فرنسيس، وأيضًا من المرجح أن يستمر البابا فى العلاقة الجيدة التى بدأها البابا فرنسيس مع الأزهر ونتج عنها وثيقة الأخوة الإنسانية، كما ستكون القضايا الاجتماعية والفقر فى العالم على رأس قائمة أولويات البابا ليو الرابع عشر، وهو بأفكاره المعروفة عنه فى مناصرة الفقراء والمستضعفين مرشح أن يحصل هو الآخر على لقب البابا الاجتماعى وبابا العمال.