صفقات وقرارات فى عالم يمر بلحظات فارقة وتجاذبات: شراكة خليجية - أمريكية تنطلق من الطاقة إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى

الرياض صبحى شبانة
اختتم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب زيارته الى دول الخليج الثلاث، السعودية، قطر، الإمارات، فى جولة تصدرت عناوينها كثير من الصفقات الاقتصادية وعدد من التصريحات السياسية، فى لحظة يمر بها الشرق الأوسط والعالم كله بلحظات فارقة، من التجاذبات بين القوى العالمية.
فى الرياض كان الرئيس ترامب على موعد للقاء قادة دول الخليج فى قمة خليجية - أمريكية، وذلك غداة وصوله المملكة السعودية، حيث كان فى استقباله ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى مطار الملك خالد الدولى.
جرت القمة الخليجية - الأمريكية فى ظل تغيرات كبيرة شهدتها المنطقة، لا سيما بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمفاوضات الإيرانية - الأمريكية، وتراجع ما يُعرف بـ«المحور الإيراني» فى المنطقة، وتوترات خلف الكواليس بين إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وكان الرئيس الأمريكى قد أعلن الثلاثاء فى الرياض رفع العقوبات عن سوريا، وذلك قبل لقائه الرئيس السورى الجديد أحمد الشرع الأربعاء قبيل القمة الخليجية - الأمريكية.
وكان الرئيس الأمريكى قد تعهد فى الرياض فى خطاب ألقاه على هامش منتدى الاستثمار السعودى - الأمريكى بجعل العلاقات الأمريكية - السعودية أقوى، واصفًا زيارته الرياض بأنها تاريخية، وقال: نحتفل بمرور 80 عامًا من العلاقات الوثيقة مع السعودية ونتخذ خطوات لتقويتها.
وأعلن ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان توقيع وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فيما وعد الرئيس دونالد ترامب بجعل علاقتيهما أقوى، وأنه «لن يتردد فى استخدام القوة العسكرية للدفاع عن السعودية».
وقال الأمير محمد بن سلمان إن الاتفاقات الموقعة مع الولايات المتحدة ستدعم فرص العمل وتوطين الصناعات فى السعودية، مشيرًا إلى أن الشركات الأمريكية تمثل ما يقارب ربع حجم الاستثمار الأجنبى فى السعودية، ومضيفًا إن «ما وقعناه اليوم مع الرئيس ترمب هو جزء من طموح أكبر».
وأعلن ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، عن رفع الاستثمارات السعودية الجديدة فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تريليون دولار، من 600 مليار دولار المعلن عنها سابقا.
بدوره تعهد الرئيس ترمب بجعل العلاقات الأمريكية - السعودية أقوى، وأثنى الرئيس الأمريكى على ولى العهد السعودى قائلًا إن «هناك تحولًا كبيرًا ورائعًا فى المنطقة بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان».
وأكد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن المملكة العربية السعودية ستنضم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية فى الوقت الذى تراه مناسبًا، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستكون يومًا مميزًا فى تاريخ الشرق الأوسط.
وذكر أن اتفاقات بمليارات الدولارات وقعناها مع السعودية، مشيرًا إلى أن الرياض ستصبح مركز أعمال للعالم بأسره، موجهًا حديثه إلى السعوديين أنتم من أكثر الأمم ازدهارًا فى العالم وشبه الجزيرة العربية مكان جميل، فمن الرائع أن تستضيف السعودية كأس العالم والبطولات الأخرى»، متابعًا أن «إيرادات القطاعات غير النفطية فى السعودية تجاوزت القطاع النفطي، وهذه المنطقة تطورت بفضل أبنائها، كما أن السعودية حافظت على تقاليدها وعاداتها مع تطلعها للمستقبل، وما يحدث فى هذه المنطقة معجزة حديثة على الطريقة العربية».
وعدَّد ترامب إنجازاته المتتالية قائلًا «نضيف تريليون دولار من الاستثمارات لأمريكا بزيارتى للسعودية، وحققنا كثيرًا خلال الأشهر الماضية، فالصين وافقت على خفض الرسوم الجمركية وسنعمل على المزيد، وقلصنا حجم البيروقراطية فى الولايات المتحدة، وكل الدول تأتى إلى البيت الأبيض لإبرام اتفاقات تاريخية».
وانتقد إدارة سلفه الرئيس جو بايدن بقوله إن «إدارة بايدن زعزعت استقرار المنطقة، وسحب الإدارة السابقة تصنيف الحوثى من الجماعات الإرهابية كان خطوة خاطئة».
الذكاء الاصطناعى
فى السياق نفسه، أكد وزير المالية السعودى محمد الجدعان، أن العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة تزداد قوة عامًا بعد عام، مشيرًا إلى أن الاستثمارات الثنائية تُعد دليلًا ملموسًا على ذلك. كما أشار إلى أن المملكة حققت تقدمًا كبيرًا فى خفض معدلات البطالة، وأن نسبة السيدات فى سوق العمل ارتفعت بشكل ملحوظ. وأضاف: «وصلنا إلى 100 مليون زائر، وهو هدف رؤية 2030، وقد تحقق قبل عامين من الموعد المستهدف».
فيما قال وزير السياحة السعودى، أحمد الخطيب، إن قطاع السياحة فى المملكة سيصبح ثانى أكبر مساهم فى الاقتصاد الوطنى بعد قطاع النفط بحلول عام 2030.
وأضاف الخطيب، خلال مشاركته فى منتدى الاستثمار السعودى - الأمريكى الثلاثاء الماضي، أن السعودية باتت ضمن أكثر 10 دول زيارة على مستوى العالم، مؤكدًا أن المستهدف هو دخول قائمة الدول الخمس الأكثر زيارة بحلول عام 2030.
وأوضح الوزير أن المملكة تهدف إلى جذب 50 مليون زائر سنويا بحلول نهاية هذا العقد.
ومن جانبه قال وزير الاستثمار السعودى، خالد الفالح، إن رؤية المملكة 2030 قطعت شوطًا هامًا فى مختلف القطاعات، بما فى ذلك قطاع الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن الشراكة مع أمريكا تعد من أهم شراكات المملكة، سواء على المستوى الاستثمارى أو الجيوسياسى.
وأضاف الفالح، خلال كلمته فى منتدى الاستثمار السعودى - الأمريكى المنعقد فى الرياض على هامش زيارة ترامب، أن الاستثمارات داخل السعودية تضاعفت خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعكس متانة العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأشار وزير الاستثمار السعودى إلى أن رؤية السعودية 2030، وبرامجها المختلفة قطعت شوطًا متقدمًا فى تحقيق مستهدفاتها الرامية إلى تنويع واستدامة موارد اقتصاد المملكة، وفتح آفاق جديدة للاستثمار فى قطاعات واعدة تشمل الطاقة التقليدية والمتجددة، والتقنيات والصناعات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والسياحة، والصحة، والتقنيات الحيوية، والخدمات اللوجستية، وسلاسل الإمداد، وغيرها من القطاعات الحيوية.
كما صرّح وزير الاتصالات السعودى بأن وفدًا سعوديًا استعرض مع مسئول الذكاء الاصطناعى فى البيت الأبيض تقنيات أمريكية متقدمة، من بينها حلول ساهمت فى إصدار جوازات سفر خلال 5 دقائق، إضافة إلى روبوتات نانوية تُسهم فى خفض تكلفة علاج بعض الأمراض من 2.2 مليون دولار إلى بضع مئات فقط.
الشرق الأوسط
عن الأوضاع فى الشرق الأوسط أكد الرئيس الأمريكى أن من يسمون أنفسهم بناة الأمم دمروا الدول أكثر مما صنعوا، فـ«حزب الله» جلب البؤس إلى لبنان، وعلى إيران بناء دولتها بدلًا من دعم الميليشيات، لكننى مستعد لإنهاء صراعات الماضى وإقامة شراكات جديدة، مضيفًا «إذا رفضت إيران غصن الزيتون فسنواصل المواجهة عبر العقوبات، ولن تحوز طهران سلاحًا نوويًا أبدًا، وأريد عقد صفقة معها ليصبح العالم أكثر أمنًا».
وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة وافقت على بيع حزمة أسلحة للسعودية بقيمة تقارب 142 مليار دولار، واصفًا الصفقة بأنها «أكبر اتفاق للتعاون الدفاعي» تبرمه واشنطن فى تاريخها، مشيرًا إلى أن الاتفاق أُبرم خلال زيارة الرئيس دونالد ترمب للرياض، ويشمل صفقات مع أكثر من 12 شركة دفاع أمريكية فى مجالات تشمل الدفاع الجوى والصاروخى وتعزيز قدرات القوات الجوية وتطوير مجال الفضاء والأمن البحرى والاتصالات.
وجاء فى البيان أن «الحزمة التى وُقعت هى الأكبر فى تاريخ التعاون الدفاعى الأمريكي، وتمثل دليلًا واضحًا على التزامنا بتعزيز شراكتنا».
من ناحية أخرى أعلن ترمب خلال كلمته فى منتدى الاستثمار السعودى - الأمريكى رفع العقوبات عن سوريا بعد مناقشة الأمر مع ولى العهد السعودى وبطلب منه، مضيفًا «نأمل أن تنجح الإدارة الجديدة فى جلب الاستقرار لبلدها، وقد قمنا بالخطوة الأولى لتطبيع العلاقات مع سوريا ولنمنحهم فرصة جديدة»، مشيرًا إلى أن أهل غزة يستحقون المستقبل الأفضل، فالإرهاب فى القطاع ولبنان أنهى حياة كثيرين، مضيفًا «أسمع أن الإدارة الجديدة فى بيروت محترفة وتريد الأفضل».
وحول الملف الأوكرانى شكر ترامب السعودية على الدور البناء فى تيسير محادثات أوكرانيا، مؤكدًا أن «الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ما كان ليدخل أوكرانيا لو كنت موجودًا»، وقال «أفضل السلام دائمًا ولا بد من أن يتوقف القتل، ونؤمن بالسلام من طريق القوة، وقد ساعدنا فى وقف العنف بين الهند وباكستان».
نقطة انطلاق
أكَّدَ الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، وزير الخارجية السعودى فى المؤتمر الصحفى الذى انعقد بعد القمة الخليجية - الأمريكية، أن توقيع وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية يشكّل نقطة انطلاقٍ نحو مرحلةٍ أكبر من التعاون المتعدّد فى المجالات الحيوية، مشيرًا إلى أن الاتفاقيات الموقعة تشمل الطاقة التقليدية والمتجدّدة، التقنية المتقدمة، الذكاء الاصطناعي، سلاسل الإمداد، والصناعات النوعية.
وأوضح، أن التعاون بين البلدين فى مشروعات الطاقة الجديدة يهدف إلى توفير طاقة مستدامة بتقنيات متقدمة، وستوفّر هذه المشروعات فرص عمل نوعية للمواطنين السعوديين، خصوصًا فى المجالات التقنية.
وأكَّدَ أن الاستثمارات السعودية قائمة على قرارات استراتيجية تراعى مصلحة المملكة أولًا، مشيرًا إلى المناخ الاستثمارى الجاذب للاقتصاد الأمريكي، الذى أسهم فى تعزيز أوجه التعاون المتبادل. وبيّن أن حجم التجارة بين المملكة والولايات المتحدة خلال الفترة من 2013 حتى 2024 بلغ نحو 500 مليار دولار؛ ما يعكس متانة العلاقات الاقتصادية، والحرص المشترك على تعزيزها بما يخدم الأهداف الوطنية للطرفين.
وحول الشأن الإقليمي، كشف وزير الخارجية أن الرئيس الأمريكى دونالد ترمب التقى الرئيس السوري، بحضور ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، عبر الاتصال الهاتفي، حيث بحث القادة سُبل دعم استقرار سوريا وتجاوز تحدياتها ورفع المعاناة عن شعبها.
وأضاف، أن المملكة ترحب بإعلان الرئيس الأمريكى رفع العقوبات عن سوريا، وتثمّن هذه الخطوة التى وصفها بـ«المهمة»، مؤكدًا أن السعودية ستكون من أوائل الداعمين لإعادة بناء الاقتصاد السورى.
فى السياق ذاته، جدّد الأمير فيصل بن فرحان، تأكيد موقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية، مشددًا على ضرورة وقف الحرب فى قطاع غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية، والعمل الجاد على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967.
وفى ختام تصريحاته، أعرب وزير الخارجية عن ترحيب المملكة بوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، معتبرًا ذلك خطوة إيجابية لتعزيز الاستقرار الإقليمى.
كما أشار إلى أن التعاون الاستثمارى بين المملكة وأمريكا فى قطاع الطيران سيُمكّن الشركات السعودية من مواكبة التطورات العالمية فى هذا المجال الحيوى.
ووصف زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب؛ بأنها تحمل أهميةً خاصةً؛ كونها أول زيارة دولية له منذ توليه الرئاسة فى الفترة الجديدة، وتشكّل دلالةً واضحةً على عُمق الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، وتطلع البلدين إلى مزيدٍ من التقدُّم والتنسيق فى الملفات ذات الاهتمام المشترك.