
أحمد الطاهري
المستقبل الذى علينا اختراعه يا دولة الرئيس
كل الأمور لها وجهان، يختلف التعامل معهما حسب النظرة لكل وجه ما الذي سيحركك؟.. الفرصة أم التحدى؟.. الحاضر أم العائق؟ والدول حالها كحال الأفراد مخيرة وليست مسيرة. مؤكد أن مصر الدولة كانت فى حال بالغ الصعوبة عام 2013، يصل إلى حد التعقيد بحسابات القوة الشاملة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن تستعيد الدولة قدرتها وتقف من جديد على مؤسسات صلبة ومجتمع متماسك كان الأمر يحتاج إلى معجزة.. وحدث أن تمكنا من اجتياز هذه الصعاب، وكلمة السر كان «الأمل» الذي حمله الخطاب السياسى للدولة، وأن مصر قادرة على المستقبل وتحدياته وأنها قادرة على حجز مقعدها فى العالم الجديد بين الأمم.
وفى العام 2022 أصدرت مؤلفى «عند منتصف الطريق»، والذي استشرفت فيه كثيرًا من تفاصيل نعيشها الآن فى عام 2025، ولم يكن رجمًا بالغيب، ولكن قراءة متأنية فى الواقع الذي يولد من رحمه المستقبل.
بمعنى أننا كنا للتو قد انتهينا من أزمة وجائحة كورونا، وما تركته من تداعيات اقتصادية واجتماعية أيضًا لندخل فى مواجهة تداعيات الأزمة الروسية - الأوكرانية، وفى خضم كل ذلك حدودنا المباشرة، غربًا حيث الحال فى ليبيا غنى عن المقال، وشرقًا حيث كان الانفجار منتظرًا فى غزة قبل أن تشتعل حرب الإبادة، وجنوبًا حيث السودان وما يواجهه، وشمالًا حيث ثرواتنا - فى المتوسط التي تستدعى اليقظة والانتباه.
«وقفنا عند منتصف الطريق» فليس لدينا خيار العودة إلى الوراء، وليست لدينا رفاهية الانتظار والعالم يتحرك من حولنا، ولا سبيل إلا التحرك إلى الأمام نحو استراتيجية معلنة، لا أدرى كيف سقطت من الخطاب الحكومى المصري وهى استراتيجية مصر «2030».
هذه الاستراتيجية التي كان يفترض أن تكون معروفة التفاصيل والأبعاد لكل مواطن مصري فى العام 2025، وأن تقترن بها كل أفعال الدولة والحكومة، لأنه أول منجز استراتيجى مصري بعيد المدى، وبالفعل أنجزت مصر من محدداتها الكثير ولكن مصر لم تقصص روايتها.
فى مرحلة تغيير النظام العالمي ظهر البعد الآخر لصندوق النقد والبنك الدولى، وهو البعد السياسى أو بمعنى أوضح كونهما «أداة سياسية» تعكس إدراك وأهداف أصحاب القدرة فى القرار الاقتصادى العالمى دون تصريح أو تلميح ولكن بسلوك وقرار.
الغلاء حاضر فى كل العصور ولكنه وصل مرحلة «الضجر»، والتي تفوق الشكوى الاعتيادية، وللناس أعذارهم، لأن للرأى العام أسئلة لا يجد لها إجابات فى الملف الاقتصادى على وجه التحديد.
وذلك على الرغم من الحديث المتكرر للدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء للرأى العام من خلال المؤتمرات الأسبوعية، وهى العادة الجيدة التي استحدثت مع التعديل الوزارى الأخير، والذي بلغ من التفاؤل حد نعته «بالتغيير الوزاري».
ولكن هل المسألة فى ظهور السيد رئيس مجلس الوزراء والحديث عن المشكلات دون اقتحامها ووضع رؤيته بما يجيب عن أسئلة الرأى العام؟
مؤكد أن تحريك أسعار المنتجات البترولية من بنزين وسولار قرار غير شعبوى لا يحبه الناس، ولكن الأكثر قسوة من وجهة نظرى أن نستمع إلى تصريح بأنه «لا أحد يستطيع التنبؤ بما هو قادم»، فى حين أن مصر وفق تصريح سابق للسيد رئيس الوزراء «مستعدة لكل السيناريوهات».. بين المعنى الأول والثانى مشترك، وهو ما يحمله التوقيت من مصاعب وتحديات، ولكن.. بون شاسع فى تأثيره على صلابة مجتمع هو بالفعل يقف مع دولته فى مرحلة مواجهة لتحديات شرسة بشكل غير مسبوق.
أدرك أن السيد رئيس الوزراء يريد مصارحة الرأى العام الداخلى بالتحديات، وفى الوقت نفسه المحافظة على مناخ الاستثمار والتنمية، فلا يريد بكلماته أن يضر اقتصاد وطنه، وفى الحال نفسه يريد أن يقول للمجتمع إننا فى مرحلة مواجهة.
مسألة هروب المستقبل من الخيال المصري العام ليست مسألة هامشية، الأمم «تحيا بالأمل»، وتنتصر بـ «الأمل»، وكل ما تحقق من إنجاز كان فى جوهره صناعة أمل بعد ثورة 30 يونيو.
هذه الحالة المتمثلة فى صناعة الأمل انعكست على وتيرة البناء فى مصر قبل كورونا على كافة المجالات، والآن نجد تجاهل الحديث عن الأمل والمستقبل ينعكس أيضًا على كل المجالات.. وهنا تظهر التفاعلات النقابية فى مصر، إذ وجد أصحاب المهن المختلفة ضالتهم فى نقابة تعى مصالحهم، وهو تفاعل إيجابى وليس سلبيًا، لأن هذا دور النقابات، ولكن الاستغراق فيه دون تفاعل حقيقى من الحكومة سوف تكون له أبعاد سياسية واجتماعية فى المستقبل القريب.
اصنع الأمل يا دولة الرئيس.. وإذا لم يكن المستقبل حاضرًا أمامنا.. فعلينا اختراعه.
وللحديث بقية