الأحد 8 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«حلــوان.. أنـــا»..لسان حـال كـل مصرى

«حلــوان.. أنـــا»..لسان حـال كـل مصرى
«حلــوان.. أنـــا»..لسان حـال كـل مصرى


«الحلاوة من حلوان» تذكرت هذا الهتاف لأحد بائعى الفواكه الذى يقابلك أثناء خروجك من محطة مترو حلوان أثناء زيارتى لإحدى صديقاتى، عندما شاهدت الفيلم الوثائقى «حلوان.. أنا» للمخرج محمد عادل فى إطار الورشة الفرنسية L'Histore Du Jour التابع للمركز الثقافى الفرنسى لتأهيل شباب مصريين على كيفية كتابة وإخراج أفلام وثائقية، فى ثالث تجربة إخراجية له بعد فيلمى «لحم»، و«الأوله».
 
المخرج دون أن يدرى لم يعبر فقط عن تجربته الذاتية عن حلوان التى تربى ونشأ بها، وتفاصيل علاقته بالمكان لكن نقلنا من تجربته الذاتية لتجعلها مشتبكة مع تجارب كل مشاهد على الفيلم، فحلوان لم تكن سوى النموذج الذى يجد فيه كل متفرج حياته وبيته والتغيريات التى أصابت الحى الذى يعيش به، لتجد نفسك لا تتوانى عن أن ترى حلوان التى طرحها المخرج ما هى إلا رمز يعبر عن مصر، على طريقة المخرجين الكبار كصلاح أبو سيف وحسن الإمام، وحسين كمال فى فيلم «ثرثرة فوق النيل» على سبيل المثال عندما كانت العبارة سوى المكان الذى يرمز لمصر ويضم داخله كل التشوهات والانحرافات آنذاك وغيرها من الأمثلة.
 
حلوان لم تكن سوى تعبير حقيقى عن التحولات التى شهدها الوطن بأكمله، من أبسط التفاصيل إلى أعمقها، على المستوى السياسى والاجتماعى والاقتصادى، من منطقة تقطنها شرائح اجتماعية تمثل صفوة المجتمع من الباشوات والأرستقراطيين الأثرياء بل اتخذها الملك فاروق كأبرز المناطق للاستراحة والاسترخاء بها، حيث تضم الحدائق الخلابة والأشجار المبهجة، فضلا عن العديد من المبانى الأثرية، وهذا الطراز الأنيق الذى كانت تتمتع به مصر كلها فى الأربعينيات والخمسينيات، لتكون حلوان أيضا شاهدًا على تحول جديد تسربت إليه يد الإهمال والعشوائية كما أسماها المخرج بـ«بلد الميكروباصات» وتلونت بفرشاة سوداء عناصرها البلطجة والعنف والتطرف بعد أن كانت تحوى ألوانها خليطا من الرقى والهدوء والتسامح.
 
حلوان عكست أيضا ماحدث فى مصر خلال العقود الأخيرة، هذا التحول الذى اتجه إلى التطرف الدينى ورفض الآخر، والفرز الذى أصبح على الهوية، مدعما مادته الفيليمة بأرشيف توثيقى من الصور يحكى فيه بلقطات سريعة عن مجتمع حلوان الذى كان يشرب فيه الشباب البيرة فى شوارعه بحرية شديدة دون أن يستوقفه أحد أو يكفره أحد، ربط فيه شكل وطبيعة الناس القاطنين حلوان التى اختلفت وتبدلت بكادراته التى ركزت على تلك الكتابات الموجودة على الجدران «مصر إسلامية» فى نبذ واضح للآخر، وانتشار هؤلاء المتحدثين الحصريين باسم «الرب».
 
وفى لقطة ذكية ومن خلال تركيز المخرج على إحدى التفاصيل العميقة، رصد بشكل موجز شكل هذا التحول فى تغيير محل عصير القصب أسفل منزله لاسمه من «جنة الفواكه»، إلى «فواكه الإسلام»، لنصبح أمام حلوان جديدة لا يعرفها أحد، والتى يتم تنقيبها وتحجيبها وأسلمتها عنوة بالرغم من أنها كانت تفتح ذراعيها للجميع أصبحت تستقبل فقط من يكفرون ويعترضون على كل سلوكياتهم.
 
المخرج تمتع بلغة بصرية مختلفة، مزج فيها التشكيل للتعبير عن فكرته، فالألوان لعبت دورًا مميزًا فى لقطات بمفردها لتوضيح رسالة ما، وتدرجت الألوان مابين زاعقة مبهجة تعبر عن حلوان الجميلة قبل أن تصاب بأمراض المجتمع المصرى كله، لتتجه الألوان إلى الخفوت وتغطيها طبقة من السواد والضبابية.
 
لم يحو شريط الفيلم موسيقى مصاحبة لمشاهده ولكن كان صوت الراوى الذى عبر عن سكريبت محكم الصنع، بمثابة موسيقى داخلية صادقة تتحدث عن كل مشهد وتفاصيله الإنسانية بعمق شديد.
 
لن يتركك المخرج بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم أن تذهب دون تفكير، لتجد نفسك مكان المخرج لك أيضًا تجربة ذاتية مشابهة مع حلوان، قد تكون فى شبرا أو المهندسين أو مصر الجديدة أو مصر كلها، نفس المشاعر المتناقضة من علاقتك بأى مكان مابين الحب والكراهية، مابين الانتماء والنفور، الحنين والابتعاد، سوف يجبرك للبحث فى ذاتك عن حلوان الخاصة بك.