الثلاثاء 24 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بالتزامن مع محاولة ضبط استراتيجية أمنها القومى إيـــران تفقد السيطرة على «محور المقاومة»

تمر إيران بتوقيت حرج دفعها بشكل أو آخر إلى إعادة ضبط استراتيجية أمنها القومى، بعد أن تمكنت إسرائيل تقريبًا من تصفية كل قيادات الحليف الإقليمى الأكثر أهمية لإيران فى محور المقاومة، وتدمير جزء كبير من بنية اتصالاتها الداخلية، واختراق الداخل الإيرانى بشكل كبير.



وكشفت إسرائيل عن قدرة إيران المحدودة فى التصدى لأى خطر خارجى، مما زعزع الثقة بين طهران وأذرعها العسكرية الخارجية، وزحزح ميزان القوى فى الشرق الأوسط بعيدًا عنها.

أدت استراتيجية إيران المترددة إلى توقف الحلفاء بشكل كبير عن الدوران مجازيًا حول ما يسمى محور المقاومة، كما أدى الفشل فى الرد الحقيقى واستخدامها لمسلسل الضرب الفاشل لحفظ ماء الوجه من خلال الصواريخ الباليستية بعيدة المدى دون رؤوس متفجرة، والتى كشفها الفلسطينيون أنفسهم فى نهاية المطاف، إلى دفع الميليشيات المتحالفة معها إلى التشكيك فى ولائها والتزامها، وربما اتهامها بالتواطؤ مع العدو والتصرف تصرفات أكثر براجماتية اتسمت بالتعاون الضمنى مع القوى الغربية فى مناطق مثل سوريا والعراق.

ويسلط  ذلك الضوء على الانقسام بين خطاب إيران وموقفها الفعلى، وخاصة بعد أن شعرت أذرعها العسكرية الخارجية وعلى رأسها حزب الله أن طهران غير مستعدة لتحمل نفس المخاطر التى يتحملها محور المقاومة، ورغم أن البنية الأمنية الإيرانية اعتمدت بشكل أساسى على أدوات دون النووية، وكانت إحدى هذه الأدوات القدرة على فرض القوة العسكرية خارج حدودها من خلال وكلاء متحالفين وخاصة حزب الله التنظيم الأكثر ولاء، والذى تعتمد عليه فى بسط سيطرتها على التنظيمات والجماعات الإرهابية فى إفريقيا وآسيا الوسطى، إلا أنه فى نهاية المطاف تبددت وبسرعة سنوات من العمل والتمويل الضخم والتسليح العسكرى الهائل لما يسمى بمحور المقاومة فى منطقة الهلال الشيعى، بعد أن أعطت الحكومة الإيرانية الأولوية لدبلوماسية الأسلحة النووية المتجددة مع الولايات المتحدة على حساب رعاية مصالح حلفائها، وتقديم نفسها كمتفرج بريء على الاضطرابات فى الشرق الأوسط. 

إيران تتخلى عن أذرعها العسكرية 

يتعرض حلفاء إيران لتهديد وجودى من جبهات متعددة، وبعيدا عن الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية تشكل الانقسامات الداخلية بين الفصائل الشيعية والاستجابة الموحدة لفكرة السلام المطروحة على نحو متزايد من قبل العديد من الدول العربية السنية، ودخول لاعبين جدد من آسيا الوسطى، خطرا كبيرا على مستقبل المحور، ولا يمكن لإيران تجاهله مما دفعها بعض الشيء عن التخلى مؤقتا عن دعمه، وذلك لأن القيادة الأصولية فى طهران تدرك تمام الإدراك حقيقة مفادها أن الشعب الإيرانى لا يؤيد الإنفاق الهائل الذى ينفقه النظام على الحروب بالوكالة، وعلى كيانات مثل حماس والجهاد الإسلامى والجماعات السورية والحوثيين والميليشيات العراقية وحزب الله والجماعات والتنظيمات الأخرى التى تبنت تمويلها إيران، وخاصة فى ظل الانهيار الاقتصادى وانتشار الفقر على نطاق واسع حيث تميزت الانتفاضة الوطنية الأخيرة فى إيران بهتاف المتظاهرين بشعارات تندد بالمساعدات المالية لمحور المقاومة الإيرانى مما سلط الضوء على الفجوة العميقة بين النظام والشعب الذى من المفترض أن يخدمه.

وجاءت هذه الانتفاضة مخالفة لتوقعات النظام الذى استغل صراع حماس فى غزة من أجل حشد الرأى العام واستخدامها كعامل تشتيت مرحب به عن الفقر المدقع وكراهية النساء الصارخة والقمع العقابى فى الداخل، ورغم ذلك لم يهتم الإيرانيون بالحرب على غزة، بل اتهموا النظام الإيرانى بتأجيج نيران الصراع فى غزة لإبقاء المنطقة غير مستقرة حتى يمكن استخدامها لخدمة أيديولوجية النظام الإيرانى، حتى أن الملالى استغلوا الصراع لتصوير الاحتجاجات فى إيران على أنها تتضمن عملاء إسرائيل، زاعمين أن هؤلاء المحتجين خاضعين لسيطرة أجنبية وهذا التكتيك راسخ.

 إلى جانب ذلك يتم الابتزاز بالأسلحة النووية واحتجاز المواطنين الأجانب وقمع الشعب الإيرانى، يشكل جزءًا من الذخيرة الأساسية للنظام الدينى الثيوقراطى الذى يتمسك بالسلطة بشكل أكثر يأسًا فى مواجهة الانتفاضات المتزايدة، بالإضافة إلى التفات إيران الى أولوياتها الحالية، فرغم تدمير إسرائيل للبنية التحتية لمحور المقاومة، ركزت إيران بشكل حصرى على المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، وتجاهلت أى رد فعلى على العدوان الإسرائيلى، واكتفت بالخطابات والشعارات الرنانة عن القضية الفلسطينية والمقاومة.

إحياء الاتفاق النووي

لكن النظام الإيرانى أبدى اهتمامًا كبيرا لإحياء الاتفاق النووى باستخدام سرد خفض التصعيد كوسيلة ضغط، ويعكس هذا التركيز الدبلوماسى تحولًا استراتيجيًا أوسع حيث تفضل إيران المكاسب الأمنية والاقتصادية طويلة الأجل على التصعيد العسكرى على الرغم من معاناة حلفائها وأذرع محور المقاومة.

 وذلك إلى جانب إدراك إيران المتأخر للخطر فى منطقة الخليج، حيث أصبح تنامى النفوذ السعودى أمرًا واقعًا، ربما بعد محاولات المملكة العربية السعودية ضبط نهجها لتعظيم قوتها الإقليمية من خلال تشكيل تحالفات مع دول كبرى فى الشرق الأوسط، مثل مصر والأردن وتركيا، وأيضا احتمالات استئناف اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج التى تشكل إطارا للأمن الجماعى ضد النفوذ الإيرانى التى قد جمدت بسبب العدوان على غزة، ومع هدوء الغبار فوق غزة فى نهاية المطاف قد تشعر المملكة العربية السعودية ودول الخليج مرة أخرى بالجرأة لتعزيز العلاقات مع إسرائيل، مما يؤدى إلى مزيد من التحول فى ديناميكيات القوة فى المنطقة.

تمرد لاعبى المحور 

رغم أن إيران حققت مكاسب كبيرة فى ترسيخ نفوذها من خلال الهلال الشيعى منذ سنوات عديدة، لكنّ عامًا واحدًا فقط من الصراع الحقيقى كان كافيا لتمرد أغلب لاعبيها فى المحور، والذى من المستحيل إعادة تشكيله مرة أخرى، ففى الوقت الذى ينخرط فيه معظم أعضاء محور المقاومة فى الصراع المفتوح مع إسرائيل، تظل مليشيات دمشق وحتى النظام الموالى لإيران على الهامش، على الرغم من أنها مدينة ببقائها لطهران وحزب الله داعميها الرئيسيين بعد الثورة السورية عام 2011، لكنهم فضلوا وزن المكاسب والخسائر أكثر من أى وقت، وخاصة بعد إدراكهم أن إيران نفسها تجرى حسابات مماثلة وتحاول أن تنأى بنفسها عن الحرب وعدم التورط بشكل مباشر فيها بعد أن اتضح للعالم أجمع أنها لا تملك القدرات السياسية ولا الاقتصادية ولا العسكرية الكافية لخوض حرب مفتوحة مع إسرائيل وأمريكا.

 أما جماعة أنصار الله (الحوثيون) فى اليمن فقط خرجوا عن السيطرة الإيرانية منذ فترة، وأصبحوا يتصرفون وفقا لمصالحهم الخاصة، حتى أنهم وصفوا ببلطجية البحر الأحمر بعد استهدافهم عددًا من السفن ليست فقط السفن الإسرائيلية كما يدعون، بل السفن التجارية أيضا، وقد اكتسب الحوثيون تغطية عالمية كبيرة بتصريحاتهم الرنانة وضرباتهم الصاروخية الفاشلة على إسرائيل واستهداف السفن البحرية، لكن الواقع هو أنه لم يكن لهم أى تأثير على الحرب الجارية، وتصرفاتهم تهدف إلى صرف الانتباه عن الوضع المزرى الذى يواجهونه محليًا، وخاصة تعاونهم الأسابيع الأخيرة مع تنظيم القاعدة الإرهابى، وعلى الرغم من خروجهم عن سيطرة إيران، فإن تصرفاتهم تسمح لإيران بالتبرير بعدم استخدام قوتها التقليدية للرد على الفظائع الإسرائيلية، حيث ينظر إلى الحوثيين كعضو فى محور المقاومة.

ميليشيات العراق

أما ميليشيات العراق فقد تقدمت رغم تراجع إيران ودخلت  مرحلة جديدة فى دعم حماس فى غزة وحزب الله فى لبنان، ورغم أن عملياتها كانت محدودة جدا فى الشهور السابقة، فإنها قبل أسبوع واحد فقط اكتسبت دورًا أكثر أهمية فى الحرب الإقليمية الخفية، ورغم تنصل إيران من معظم عمليات ميليشيات محور المقاومة، فقد ركزت الفصائل العراقية على تصعيد أنشطتها للضغط على صناع القرار فى تل أبيب، من خلال تحسين تكتيكاتها وتطوير أسلحتها، مما يضمن تحقيق نتائج ملموسة لضرباتها على الأجزاء الجنوبية والشمالية فى إسرائيل، وخاصة فى ميناء إيلات وحيفا، ورغم التحديات الداخلية الكبيرة والضغوط الخارجية التى تواجهها فإن التنظيمات العراقية رفضت بشكل تام التراجع عن المهمة الأوسع المتمثلة فى المشاركة فى وحدة الجبهات التى دعت لها إيران فى البداية، وتشير هذه الاستراتيجية إلى الجهود المنسقة عبر محور المقاومة فى المنطقة، والتى تستهدف إسرائيل والمواقع العسكرية الأمريكية على جبهات متعددة.

والأمر المثير للدهشة هو امتلاك التنظيمات العراقية لترسانة أسلحة متنوعة ضخمة تضم الطائرات بدون طيار وصواريخ الكروز «العرقاب»، وحنى أنظمة الردع وغيرها، ولا يقتصر دور التنظيمات العراقية فى هذه الحرب على الدفاع عن غزة ولبنان فقط، بل إدراكهم أن المعركة الحالية تشكل لحظة محورية فى الصراع على السلطة فى غرب آسيا، وأن بغداد لا بد أن تكون لاعبًا رئيسيًا له ثقل فى تشكيل مستقبل المنطقة، مما يؤكد عزم التنظيمات العراقية على تصعيد عملياتها العسكرية وتنويع تكتيكاتها، وإدخال أسلحة أكثر تقدمًا إلى القتال.

حزب الله

أما حزب الله اللاعب الأهم فى محور المقاومة فلا زال ينازع فى ظل تصاعد التوترات مع لبنان، ورغم إحباطهم المتزايد إزاء ما يعتبرونه تخليًا من جانب حلفائهم وخاصة إيران بعد العمليات الأخيرة التى شنها جيش الاحتلال الإسرائيلى، فإن حربهم على العدوان الإسرائيلى تتسع لتحصد المزيد والمزيد من أرواح المدنيين، ومن الناحية الديموغرافية لا يشكل الشيعة سوى نحو 40% من سكان لبنان، فقد حاولوا دائما الانغماس فى الأيديولوجية الخمينية، وكأن لبنان ملك لهم وحدهم، ويريد حزب الله أن ينظر إليه باعتباره المدافع عن لبنان وأنه لا يقل أهمية عن محرر القدس، رغم وضعه الداخلى الذى أصبح اليوم أكثر صعوبة من أى وقت مضى، وإذا كان حزب الله حقا كما يدعى لا يريد الجلوس على حراب مقاتليه، فعليه أن يشكل ائتلافًا سياسيًا مع شركاء الوطن لبحث سبل السلام الممكنة وإنهاء الحرب، حتى لا يتم التضحية بلبنان ومواطنيها المدنيين وأراضيها التاريخية.

وعلى الرغم من التصعيد التدريجى للأعمال العدائية من قبل العدوان الإسرائيلى وأذرع محور المقاومة الموالى لإيران؛ فإنه لا أحد يرغب فى حرب شاملة فى هذه المرحلة، ولكن الكل يريد استمرار الصراع من منطق الحفاظ على الوضع الراهن بأى ثمن، وقبول سجل التدهور المؤكد مع تجنب أى محاولة حقيقية لإحلال السلام، لأنها تشكل محاولة يائسة لتجميد الواقع فى أفضل سيناريو ممكن، بحيث لا تتفاقم الأمور أكثر.