ثورة 25 سجاير!

احمد حلمى
لا يمكن أن تكون السجائر هى الوسيلة التى تدارى بها الحكومات فشلها، فنجاح الحكومات يقاس على أساس زيادة دخل الدولة بشكل حقيقى دون المساس بالأسعار أو رفع الضرائب أو إقرار التزامات مالية جديدة إلا أن تاريخ الحكومات المصرية المتعاقبة يؤكد أنها كانت تستخدم تلك القاعدة لتعلن للجميع فشلها، فالحكومة اتخذت قرارًا برفع تسعيرة السجائر ويبدو أن هذا القرار كان لحل أزمة «البندرول» التى نشبت بين الشركة الشرقية للدخان إحدى شركات القطاع العام ومصلحة الضرائب.
أثار القرار الأخير لحكومة الدكتور حازم الببلاوى والمتعلق برفع تسعيرة السجائر موجة كبيرة من الجدل بين الناس ما بين مؤيد ومعارض للقرار، فالموافقون على هذا القرار يرون أن السجائر ليست من السلع المهمة بالنسبة للإنسان، فهى ليست مأكلاً أو ملبسًا أو مسكنًا، وبالتالى فإن رفع أسعارها ليس بعيب أو جريمة، فمن يريد أن يدخن فعليه أن يدفع.
والمعترضون على القرار يرون أن هناك قطاعًا عريض من المصريين يدخنون وبما للتدخين من تأثير إدمانى على الإنسان يجعل موضوع الإقلاع عنه شيئًا صعبًا جدًا، يكاد يصل إلى المستحيل بالنسبة للبعض.
ويرون أيضًا أن المدخن يمكن أن يدفع كل ما فى جيبه فى سبيل شراء علبة سجائر، وبالتالى فإن هذا القرار يعتبر من القرارات التى تزيد من العبء المادى على المواطن المصرى، بل ويرون أن الحكومة ظالمة فى هذا القرار لأن الزيادة الحكومية فى حد ذاتها يمكن تحملها ولكن الزيادة الحقيقية التى يرفعها التجار بعد رفع الحكومة لا يمكن تحملها والحكومة عاجزة تمامًا عن ضبط السوق وغير قادرة على معاقبة هؤلاء التجار.
بل ذهب البعض إلى ربط هذا القرار بالسياسة، فيقول مصطفى إبراهيم وهو من المدخنين: أنا موافق على القرار، لأن البلد فى حاجة إلى المال ويعتبر ذلك دعمًا للمشير عبدالفتاح السيسى فيقول الأسعار ترفع الآن تمهيدًا لقدوم الرئيس السيسى لأنه حينما يأتى إلى الحكم لن يرفع الأسعار مرة أخرى وستظل ثابتة.. وأنا من المؤيدين له ولذلك فأنا مؤيد لهذا القرار.
ويقول أحمد يوسف مهندس كمبيوتر: أنا موافق على القرار، لأن السجائر فى دول العالم مرتفعة الأسعار، فحينما كنت فى إسبانيا كانت السجائر هناك غالية جدًا، فمثلاً العلبة المارلبورو هناك يصل سعرها إلى 8 يورو وكان سعر اليورو وقتها يعادل الـ6 جنيهات أى أن العلبة يصل سعرها إلى ما يقرب من الخمسين جنيها.
أما الدكتور أحمد عبدالله «صيدلى» فيقول: من المهم جدًا رفع أسعار السجائر وأنا من أشد المؤيدين لهذا القرار، ولكن بشرط هو أن توجه هذه الأموال إلى وزارة الصحة حتى يتسنى لها القيام بدورها فى معالجة هؤلاء المدخنين من الأمراض التى تصيبهم جراء ذلك.
أما صلاح عبدالعزيز فيقول: هذه القرارات غير صائبة، لأن الحكومة حينما تفعل ذلك تعطى الضوء الأخضر لكل الشركات، والتجار والعاملين فى مختلف السلع لرفع أسعارها، والدليل على كلامى أنه بمجرد رفع الحكومة سعر السجائر وعرف التجار هذا القرار ارتفعت أسعار باقى السلع مباشرة، فالألبان بكل أنواعها والبيض ارتفعت أسعارها والجبن، ولذلك فأنا أرفض هذا القرار تمامًا.
أما الدكتور نبيل على أستاذ المحاسبة فيقول: لا جديد فى سياسة حكومة الببلاوى ولا تختلف عن الحكومات التى سبقتها.
فنفس السياسات تُطبق بالحرف، فعندما تتعثر الحكومة فى إيجاد مورد مالى لتغطية أى عجز لديها فأسهل طريق تسلكه هو زيادة الضرائب على السجائر وذلك لسبب: أولاً لأنه حل سريع جدًا فبمجرد إصدار مثل هذه القرارات يدخل العائد بشكل سريع ومباشر فى خزانة الدولة، ثانيًا لا يدخل الحكومة فى صدام مع الناس لأنه لا يجرؤ أحد على رفض هذا القرار، أو مهاجمة الحكومة بسببه لأن السجائر ليست من السلع الاستراتيجية أو المهمة بالنسبة للمواطن.
فكل حكومات العالم يقاس نجاحها على أساس زيادة دخل الدولة، ولكن دون المساس بالأسعار أو رفع الضرائب أو إقرار التزامات مالية أخرى على مواطنيها.
أما الحكومات فى مصر فدائمًا ما تقوم بزيادة دخلها من الشعب نفسه إما بزيادة الأسعار أو بزيادة الضرائب أو حتى بفرض ضرائب جديدة.
أما أغرب حالات الرفض لهذا القرار فكان من مدام هبة عبدالرحمن ربة منزل وهى غير مدخنة ويرجع رفضها لهذا القرار إلى أنه سيؤثر على ميزانية البيت فزوجها مدخن وقد حاول كثيرًا الإقلاع عن التدخين ولم يستطع، ولذلك فإن ميزانية السجائر ستزيد وتؤثر على ميزانية البيت.
وقرار زيادة سعر السجائر حدث من قبل ثلاث مرات فى عام 2008 فى حكومة عهد نظيف وكان سببها تدبير الزيادة فى المرتبات وكانت الزيادة وقتها 25 قرشا للمحلى و50 قرشًا للأجنبى، ولكن الزيادة الفعلية فى السوق كانت 50 قرشا للمحلى وجنيهًا للأجنبى.
أما الزيادة الثانية فكانت فى ظل حكومة قنديل فى 2012 وكانت نسبة الزيادة هى 75 قرشا للمحلى و1 جنيه للأجنبى.
ولكن التجار كان لهم رأى آخر فزادت السجائر المحلية 1 جنيه والأجنبى 1.5 جنيه.
أما الزيادة الثالثة فهى فى ظل حكومة الدكتور الببلاوى فكما صرح المهندس نبيل عبدالعزيز رئيس شركة «الشرقية للدخان» إحدى شركات قطاع الأعمال العام بأن الزيادة ستزيد حصيلة الخزانة العامة للدولة بمبلغ 1.5 مليار جنيه.
وأضاف أن قرار «وزارة المالية» جرى تطبيقه على أن تكون الزيادات بمعدل 1 جنيه للسجائر المحلية التى تنتجها «الشرقية للدخان»، بالإضافة إلى زيادة 1 جنيه للسجائر ذات الشريحة المتوسطة مثل «روزمان» و«إل إم» أما الشريحة المرتفعة مثل «مارلبورو» و«ميريت» فستزيد جنيها ونصف الجنيه عن سعرها السابق.
وقد صاحب هذا التصريح تصريح آخر من رئيس مصلحة الضرائب، حيث أكد ممدوح عمر أنه لن يكون هناك أى زيادة فى أسعار السجائر، وأضاف أن المنشور الصادر عن وزارة المالية بشأن تحديد أسعار بيع السجائر المحلية والمستوردة هو رصد فقط لأسعار بيع السجائر الفعلية للمستهلكين والتى تم جمعها من مصادر ومواقع مختلفة وذلك بغرض حساب ضريبة المبيعات عليها.
وأشار إلى أن تحديد أسعار البيع الفعلية ستقودنا عمليا إلى زيادة حصيلة الدولة من ناحية والحد من التلاعب بالمستهلكين من ناحية أخرى، حيث إن المنشور سيكون أداة فى يد أى مستهلك للسجائر يستطيع أن يواجه به أى بائع يريد المبالغة فى الأسعار.
تلك هى تصريحات كبار المسئولين فى الحكومة والتى من المفترض أن تكون هناك إجراءات حازمة فى تطبيق هذه التصريحات، خاصة أنها تأتى بعد الخلاف المعروف بين مصلحة الضرائب والشركة الشرقية للدخان حول تطبيق «البندرول» وهو ما رفضته الشركة الشرقية، وأعلن رئيسها نبيل عبدالعزيز أنه جار التوافق والتفاهم مع مصلحة الضرائب، ويبدو أنهم كالعادة اتفقوا على أن يتحملها المواطن.
ولكن السوق والتجار كان لهم رأى آخر، فبدلا من أن تباع السجائر المحلية والمحدد سعرها بـ25,6 جنيه وصل سعرها إلى 7.50 جنيه والسجائر الأجنبية المحدد سعرها بـ17 جنيهًا للعلبة وصل سعرها إلى 81.50 جنيه، ولأن التجار فى بلدنا أقوى من الحكومة نفسها فتسعيرتهم هى التى ستطبق على الناس.
فحينما واجهت أحد البائعين بأسعار الحكومة، رد قائلا: الأسعار دى الحكومة تبلها وتشرب ميتها.
ومن ناحية أخرى يرى بعض الخبراء أن زيادة أسعار السجائر المحلية قد تنعش سوق تجارة السجائر المهربة وعلى وجه الخصوص السجائر الصينية، فبعد الحملة التى شنت مؤخرا ضد هذه الأنواع والتى أثبتت معامل التحليل التابعة لوزارة الصحة المصرية أن معظم هذه السجائر مسرطنة، وبعد أن ابتعد عنها الكثير من المدخنين جاء هذا القرار، وفى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها المواطن المصرى التى تجبره على تدخين مثل هذه الأنواع رخيصة الثمن، فمتوسط بيع العلبة المهربة ما بين 3.50 و4 جنيهات، وبالتالى تعتبر نصف ثمن العلبة المحلية وستلقى إقبالا من الناس مرة أخرى.
وعلق على ذلك سيد صابر أحد بائعى السجائر المهربة بأن السجائر المحلية مثل كليوباترا وسوبر سجائر سيئة جدا، فكل العلب تجد فيها عيوبًا فهى مصنعة بشكل سيئ جدا ولا تستحق ثمنها أصلا حتى شكل العبوة من الخارج سيئ جدا، وما زاد عليه وضع تلك الصور المفزعة على العلب.
أما السجائر المستوردة- هكذا يطلق على السجائر التى يبيعها- فهى فى علب جيدة وشكلها حلو والسيجارة نفسها ليس فيها عيوب، وبالرغم من ذلك بنصف ثمن المصرى.
فسألته: ألا تعلم أن السجائر التى تبيعها للناس مسرطنة؟!
فأجاب: إنها شائعات أطلقتها الحكومة حينما وجدت معظم الناس تتجه إلى تلك الأنواع من السجائر وهجرت السجائر المصرية بسبب سوء تصنيعها!
أما الدكتور إيهاب يوسف خبير مكافحة الغش التجارى، فقد توقع زيادة الطلب على السجائر المهربة وأن تصل خسائر الخزانة العامة نتيجة زيادة معدلات تهريب هذه السجائر إلى نحو 7- 8 مليارات جنيه بعد تطبيق زيادة الأسعار.
فقبل الثورة كانت نسبة تهريب السجائر المغشوشة تتراوح ما بين 3- 4٪ وارتفعت هذه النسبة بعد الثورة لتتراوح ما بين 20- 25٪ وهى قابلة للزيادة الآن بعد رفع الأسعار.
وأشار يوسف إلى أن خسائر مصر من الرسوم الجمركية بلغت 3 مليارات جنيه العام الماضى نتيجة زيادة نسبة تهريب السجائر، خاصة أن الحكومة قد أقرت زيادة فى ضريبة المبيعات على السجائر العام الماضى.
وأن الزيادة الجديدة فى الأسعار سترفع نسبة التهريب بشكل كبير، لافتا إلى أن مكسب المهرب من حاوية السجائر الواحدة يتراوح ما بين 1- 5,1 مليون جنيه ولا تزيد العقوبة على مجرد المصادرة فى الوقت الذى تصل فيه العقوبة فى حالات الغش التجارى إلى الحبس من 24 ساعة إلى 3 سنوات أو الغرامة حتى 10 آلاف جنيه.
والآن وبعد أن أصبحت السجائر ثالث أكبر موارد الدولة المالية بعد قناة السويس والسياحة، حيث تدخل السجائر وحدها إلى خزينة الدولة 21 مليار جنيه سنويا، هل أصبحت حكومات جمهورية مصر العربية عاجزة عن تدبير نفقاتها إلا عن طريق السجائر؟!
وهل أصبحت السجائر هى الدجاجة التى تبيض ذهبا لتلك الحكومات الفاشلة؟!