الجمعة 4 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف ينجح السيسى

كيف ينجح السيسى
كيف ينجح السيسى


يواجه المشير عبد الفتاح السيسى الكثير من التحديات بعد إعلان ترشيحه للانتخابات الرئاسية نزولاً على الاختيار الحر لجموع الشعب المصرى وتلبية لنداء الواجب، فهو الخيار الوحيد الآن لإنقاذ مصر ومن ثم تنطوى رئاسته على تحديات داخلية وخارجية وإقليمية ومخاطر أكثر من المرحلة الانتقالية.
 
فمنذ ظهوره فى الحياة العامة كوزير للدفاع فإنه جمع بين ذكاء رئيس جهاز مخابرات ولمسة سياسى بالفطرة ليطور مزيجًا استثنائيًا من السلطة والشعبية، لم يتوفر فى مصر منذ إنهاء الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر زعيما مصريا من طراز فريد
 
وبالتالى دور الرئيس فى قيادة الدولة سيوجب على المشير السيسى مواجهة العديد من التحديات التى تعد أكثر تعقيدًا بكثير من تلك التى واجهها خلال قيادته لفترة الأزمة ومن تلك التى واجهها رؤساء سابقون.
 
خاصة أن داعمى المشير السيسى يدفعون بأن وضعه كبطل قومى يتمتع بجاذبية ستمكنه من التغلب على المصاعب المتراكمة فى إدارته للدولة وكيف يستطيع محاربة الفساد الذى تفشى فى جميع القطاعات فضلا عن قدرته على تحفيز الناس على العمل والإنتاج وفى نفس الوقت كيف سيتعامل مع المطبلطية والمنافقين وإغراءات الكرسى وهل سيسلم البلاد بعد ولاية واحدة والتى قد تمتد إلى دورتين لإكمال تنمية البلاد، وكيف سيستطيع استقطاب الشباب وسيدفعهم للمشاركة فى الحياة السياسية والاجتماعية لمواجهة التحديات التى تواجه الأمة؟ وأخيرا كيف سيتعامل مع ثورة 25 يناير التى قامت ضد فساد الحزب الوطنى وثورة 30 يونيو التى أنقذتنا من جماعة الإخوان الإرهابية؟!
 
كل هذه الأطروحات والتساؤلات نطرحها على خبراء علم الإدارة والتاريخ وبعض القوى السياسية ليضعوا تصورهم لطريقة ادارة الدولة فى المرحلة المقبلة.
 
د.صبرى الشبراوى، أستاذ الإدارة بالجامعة الأمريكية، قال لنا إن المشير السيسى عليه أولا إعادة هيكلة الدولة فكريًا وإداريًا بشكل علمى، فالعلم لا بديل عنه فى النهضة.
 
فمصر بشعبها قادرة على تبنى استراتيجية جديدة للنمو وقادرة على تعبئة قدراتها كى تنهض وتلحق بأوروبا ولدينا كل المقومات والمشكلة مشكلة إدارة التى هى صانعة الحضارة.
 
وقال: على المستوى الاقتصادى على المشير السيسى إعادة النظر فى الفكر السائد فى الخصخصة. ففى الستينيات كان الاقتصاد المصرى يعتمد على قطاع عام يتمثل فى الشركات المملوكة للحكومة. وقد أدى هذا إلى عزل القاعدة الشعبية عن الإدارة حيث كان يتم إدارة تلك الشركات ،بواسطة مجموعة معينة تأخذ القرارات بما يسهم فى تحقيق أهدافهم الشخصية والمحافظة على دوافعهم الخاصة، وبالتالى أصبح هؤلاء رأسماليين بدون رأس مال، يديرون تلك المؤسسات بدون مخاطرة.
 
وأصبحت الحكومة تحاسب الحكومة، والشعب بعيد عن الإدارة والمراقبة. وحتى الجمعيات العمومية التى كانت تعقد سنويا للنظر فى الميزانيات وكيفية إدارة الشركات، لم يكن من حق الشعب حضورها، بل كان ذلك الحضور يقتصر على الموظفين الحكوميين.
 
وقد أدى هذا، بطبيعة الحال، إلى انهيار تلك المؤسسات، لأن الملكية العامة أصبحت فى الواقع ملكية خاصة للمديرين بدون المشاركة فى رأس المال أو المخاطرة. وقد أدى تجميد الفكر فى إدارة هذه الشركات إلى عدم تحديثها، وترهلها، وإدارتها بأسلوب عقيم متخلف وغير علمى، بواسطة قيادات إدارية سطحية لا تمتلك مهارات ذات مستوى علمى، مما أدى إلى انحسارها فى السوق المحلية، وبالتالى أهدرت قيمة التصدير الخارجى. بل إنها حتى على مستوى السوق المحلية، قد عزلت نفسها عنه.
 
 مما أدى إلى فقدانها لمصداقيتها أمام المستهلك المصرى. وكل هذا كان فى صالح المنتجات المستوردة من وجهة نظر المستهلك الذى فقد الثقة فى المنتج الوطنى، حتى أصبحت كلمة مستورد من الخارج تعنى الجودة. ومن ثم أدى انحسار الشركات داخليا وعدم إدراكها لديناميكيات السوق خارجيا إلى عدم قدرتها على إشباع رغبات الشعب المصرى وفهم احتياجاته، وكذلك إمكانية إشباع رغبات المستهلك الأجنبى والسوق الخارجية.
 
وبالتالى قل الطلب على المنتج المصرى داخليا وخارجيا. وزاد المخزون، وزادت أعباء ومديونيات الشركات الداخلية والخارجية، وزيادة الاستيراد على مستوى الدولة، والعجز فى ميزان المدفوعات، واستمرار الاتجاه نحو الكساد ونقص السيولة.
 
واستطرد: أن فكر القطاع العام المملوك للحكومة هو فكر قديم ثبت فشله وأدى إلى انهيار الاقتصاد المصرى،والدليل على ذلك أن الشركات العالمية ذات المبيعات الضخمة التى تقدر بمئات البلايين من الدولارات، هى شركات قطاع خاص مملوكة للشعب فمثلا شركة مرسيدس العالمية التى تقدر مبيعاتها السنوية بمقدار 120 مليار مارك ألمانى مملوكة للشعب الألمانى، وشركة جنرال موتورز التى تبيع سنويا بحوالى 160 مليار دولار (تعادل ميزانية من خمس إلى عشر دول فى الشرق الأوسط) مملوكة بالكامل للشعب الأمريكى. فالملكية الشعبية هى الملكية الحقيقية، وهذا المفهوم لا بد أن يرسخ فى أذهاننا.
 وقال إن سياسة الدولة فى الخصخصة هى سياسة خاطئة لأنها استبدلت القطاع العام القديم بالقطاع العائلى، مما أدى إلى ظهور الاحتكارات،مشيرا إلى أن ترويج أسهم هذه الشركات للشعب بأسعار منخفضة كان كفيلا بتوسيع قاعدة الملكية والحد من الاحتكار، والمشاركة فى اتخاذ القرار.
 
وأضاف أن الأساليب الحالية فى علاج المشكلات الاقتصادية تتم بطرق تقليدية، بينما كان يجب معالجة الكساد، كما أوضحت من قبل، عن طريق الإنتاجية والتوجه تسويقيا، وتوسيع قاعدة الملكية، بما يدعم احتياجات السوق.
 
وأوضح أن المنافسة هى الحل الوحيد والممكن لمواجهة الكساد من خلال إنتاج منتجات وخدمات من شركات ذات كفاءة وقدرة عالية على الابتكار، وتوسيع السوق الخارجية والداخلية الذى يمثل المخرج الحقيقى لاقتصادنا. وإن أى سياسات مسكنة أخرى، هى من قبيل الحلول المؤقتة أو المؤجلة للمشكلة الاقتصادية. فالمحاولات الراهنة لحل المشكلة من خلال السياسات النقدية سوف تؤدى إلى تفاقمها. فالسياسات النقدية تعتبر عاملا مساعدا فى ضبط إيقاع حركة السوق وتوجيه الاستثمارات. ولكن أساس الحل هو تنمية القدرة الإنتاجية للشعب من خلال مؤسسات ذات كفاءة عالية فى التفكير والتطوير، وقدرة الشعب على الابتكار والمنافسة وزيادة الناتج القومى، بحيث يكون هذا الناتج هو المحك فى التطور والتقدم، لأن نجاح أى اقتصاد يقاس بذلك، بالإضافة إلى ما لديه من تكنولوجيا متقدمة للتسويق. إن المؤسسات والشركات الحكومية، وغير الحكومية، لا بد أن تكون موجهة تسويقيا وبشريا لكونهما ركنى التقدم، الذى يقوم على تجديد فكر الفرد، بالمواصفات العالمية، ليكون قادرا على إنتاج سلعة أو خدمة تنافس السلع والخدمات العالمية.
 
أما حسين عبد الرازق القيادى التجمعى فعلق قائلا: مايجرى فى مصر الآن هو عملية تغيير شاملة بدأت بصياغة دستور جديد يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة ويتلوها انتخاب رئيس جديد بصلاحيات وسلطات مختلفة عن السلطات المطلقة التى كانت موجودة فى دستور 1971 ودستور .2012
 
وأهم التحديات الداخلية التى يواجهها السيسى حال فوزه هو ملف الاقتصاد والأمن وتحقيق السلم المجتمعى، أما خارجياً فهو يستبعد، وجود قطيعة مع أمريكا رغم فتور العلاقة معها،موضحا أنه عليه أن يحدث توازنا فى العلاقات الخارجية، خاصة أن مصر ظلت تابعة للمعسكر الغربى أكثر من 30 سنة، مشيراً إلى أن نصف السلاح فى الجيش المصرى روسى، والقطيعة مع روسيا بهذا الشكل لا يحقق المصالح المصرية.
 
وقال: هناك شبه اتفاق بين كل القوى والاتجاهات على أن هناك قضيتين أساسيتين لابد أن يحتلا الأولوية فى برنامج السيسى، وهما قضية تحقيق الأمن والاستقرار وقضية الأزمة الاقتصادية والمالية، وكما يبدو فتحقيق الأمن هو القضية العاجلة الآن مع تزايد العمليات الإرهابية، ففى الفترة الماضية تحققت خطوات معقولة على هذا الطريق وأهمها حالة الثقة والسلام بين المواطنين وجهاز الشرطة الذى تحول خلال عامين وخمسة أشهر من أداة قمع وبطش وإرهاب للمواطنين والثوار فى 25 يناير، إلى حليف ومشارك ومساند للشعب وللثوار فى جميع مدن وميادين مصر فى 30 يونيو، أما الأزمة الاقتصادية فهى القضية الأصعب.
 
وتشمل الحلول العاجلة لحل الوضع الاقتصادى المتدهور إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة للعام المالى 20142015 لخفض العجز وتصحيح التوجه الاجتماعى لتحميل الأغنياء لا الفقراء أبعاد الأزمة، وأن تصدر الموازنة الجديدة خلال ثلاثة أشهر من الآن، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى حوالى 1500 جنيه وخفض الحد الأقصى إلى حدود 15 ضعفا فقط، مع تعديل النظام الضريبى بتخفيض الضرائب غير المباشرة ووضع نظام حقيقى للضرائب التصاعدية، والعمل على تشغيل المصانع المتوقفة عن العمل والبالغ عددها 4200 مصنع ويعمل بها 2 مليون عامل، والتفاوض مع البنوك الدائنة للحكومة لتسوية هذه الديون وتخفيض قيمة الفوائد المحتسبة عليها والبالغ نسبتها 17٪.
 
وأضاف قائلا: أما على المستوى طويل الأجل فلابد من تبنى سياسة جديدة بديلة للسياسات التى تم اعتمادها منذ عام 1974 والقائمة على انسحاب الدولة من الاستثمار والتنمية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين والرهان على القطاع الخاص المحلى والأجنبى وحده وعلى آليات السوق الرأسمالية فى تحقيق التنمية والتوازن فى الأسعار، فقد ثبت فشل هذه السياسات التى فرضها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى وهيئة المعونة الأمريكية تحت اسم التثبيت والتكيف الهيكلى.
 
بينما يرى المؤرخ د.عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة إن هناك العديد من التحديات التى تواجه السيسى بعد انتخابه، ومنها العودة إلى دور الدولة «الكفيلة» وهذا لا يتأتى إلا بتوجيه اقتصاديات البلاد نحو التنمية الذاتية بكل أركانها لمنع الاستيراد إلا لمستلزمات الإنتاج حتى نوفرها محليا، وذلك عن طريق توظيف البحوث العلمية المتوافرة فى مختلف مراكز البحث العلمى فى مصر وما أكثرها بدلا من ركنها على رفوف المكتبات وحصول أصحابها على مكافآت مالية أو ترقية مهنية.
 
بينما يرى د.سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، أن أكثر الأزمات التى سوف تواجه السيسى بعد ترشحه للرئاسة، هى تردى الوضع الاقتصادى بشكل يجبر أى مرشح مقبل لرئاسة الجمهورية أن يأخذ ملف الاقتصاد على أول اهتماماته، ثم الملف الأمنى يأتى كأولوية قصوى.
 
فضلا عن أن موقفه لابد أن يكون واضحاً من الإرهاب وعدم التسامح أو المصالحة مع الجماعة الإرهابية مع إعادة تحديث أجهزة الأمن وتحديث مؤسسات الدولة مع الاهتمام خارجيا بملف نهرالنيل حتى يستطيع النهضة بالبلاد ووضعها على الطريق الصحيح. 
 
أما عبدالغفار شكر وكيل مؤسسى حزب «التحالف الشعبى الاشتراكى» فيرى أن هناك عدة تحديات تواجه المشير، أولها القضاء على أعمال العنف والإرهاب التى تقوم بها الجماعات التكفيرية فى سيناء أو داخل البلاد وتشارك فيها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها فى إطار مخطط يستهدف شل أجهزة الأمن وإرباك المجتمع بهدف إسقاط الدولة.
 
أما التحدى الثانى فهو كيفية التعامل مع قيادات عهد حسنى مبارك التى عادت للعمل العام مرة أخرى والمطالبة بتطبيق العدالة الانتقالية لمحاسبة كل من أجرم فى حق الشعب سياسيا واقتصاديا وجنائيا وأن يشمل العقاب من احتكر الحكم وزور الانتخابات ونهب المال العام وقتل المعارضين خارج القانون أو عذبهم.
 
وعن التحديات الخارجية استبعد عبد الغفار شكر أن تحل روسيا محل أمريكا، مشيراً إلى أن روسيا لا تستطيع مواجهة أمريكا فى أى حال من الأحوال، مؤكداً أن وجود السيسى فى منصب رئيس المخابرات الحربية جعله يدرك تماماً أبعاد القوة الخارجية.
 
وقال إن السيسى ليس عبدالناصر ولا روسيا لديها القوة التى كانت عليها من قبل، متوقعاً أن يحدث السيسى نوعاً من التوزان فى العلاقات وليس الاتجاه لمعسكر على حساب الآخر، مستبعداً أن يطالب السيسى فور وصوله للمنصب بتعديل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، نظراً للظروف السياسية التى تمر بها المنطقة العربية وتغير موازين القوة، مشيراً إلى أن مصر هى الجيش الوحيد الموجود فى العالم العربى حالياً، الأمر الذى يجعل الجيش فى حاجة حالياً إلى التمسك باتفاقية السلام مع إسرائيل.
 
بينما يرى د.هانى رسلان الخبير بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية أن هناك حزمة متكاملة من الإجراءات والرؤى لابد على المشير السيسى اتخاذها بخطى متناغمة تشمل جميع الملفات الخارجية والداخلية والأمنية وإن يبقى الملف الأمنى هو التحدى الأكبر فى حال استقراره سيؤدى إلى انتعاش فى الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية
وطالب السيسى بضرورة إعادة تموضع شاملة لوضع مصر الإقليمى مع إعادة تعريف السياسية الخارجية لمصر وفقا للمصالح الوطنية.
 
وأيضا طالب بإعادة النظر فى ملف الأمن الإقليمى لمصر من السودان وليبيا وسوريا وأقصى الشرق «إيران» مع إعادة قراءة لأوضاعنا الحالية وتعاملنا مع دول الخليج خلال الفترة المقبلة.