السيرة النبوية «العطرة» والتعاليم البناوية «العكرة»!

هاجر عثمان
لا يمكن طبعًا أن يكون موضوعنا هذا عن المقارنة بين «سيد الخلق» نبى الرحمة المهداة محمد- صلى الله عليه وسلم- وإمام الإرهاب الدموى «حسن البنا»، لكننا نحاول أن نوضح كعادتنا الفارق بين «الإسلام المحمدى» الصحيح السمح، والإسلام البناوى القطبى الذى خرجت منه «القاعدة»، ونكشف بالتحليل النسخ المشوهة للإسلام التى يصدرها الإخوان الإرهابيون وحلفاؤهم، فبدلوا التحرر للعبودية، والتسامح للتعصب، والحب للكره، والانفتاح للانغلاق!
«ماهر فرغلى»- الباحث فى شئون الحركات الإسلامية - قال لنا: لم يكن حسن البنا مرحلة واحدة، بل مر بثلاث مراحل حياتية شكلت شخصيته حيث بدأ صوفيا يتبع الطريقة الحصافية، وكان شابا صغيرا فى مقتبل العمر انغمر فى جو الصوفية من الأذكار والاحتفالات وإحياء ذكرى المولد النبوى الشريف، ولكن اختلف تماما عن مرحلة «البنا» الذى أسس الجماعة الإرهابية، حاول أن يظهر للناس على أنه رجل تجميعى توفيقى بين الأفكار الصوفية والسلفية، وإقناع الآخرين بأنه لا فرق بينهما ليجذب إليه أكبر عدد من المريدين، وكلا المرحلتين كانت تخفى الوجه الأكثر خطورة من شخصية البنا الذى أسس النظام الخاص الذى يعد الجناح العسكرى للجماعة وممارسة العمل السياسى ثم مرحلة الاغتيالات فى التنظيم.
وأضاف «فرغلى» أنه بكل تأكيد لا يمكن المقارنة بين «إسلام البنا» وبين «الرسالة المحمدية العالمية»، ذلك الرجل الذى ولدت على يديه الأفكار المتطرفة والإرهابية، فكانت رسائل البنا التى ضمت خطبه يوم الثلاثاء كانت بمثابة منهج لهذه الجماعة وتدرس فى الأسر، والتى تحدث فيها عن كل شىء بدءا من غياب الخلافة الإسلامية وكيفية إعادتها والمخالفين من العلمانيين والسلفية فى الإسلام، وكان يحكم على هؤلاء المخالفين بالكفر، فضلا عن نشر أفكار الجهاد والخروج عن الحكام ورفع السلاح.
فيقول البنا فى كتابه «الرسائل»: «الإخوان يعلمون أن أول درجة من درجات القوة: قوة العقيدة والإيمان، ويلى ذلك: قوة الوحدة والارتباط ثم بعدهما: قوة الساعد والسلاح»، كل فكرة إذا أراد أصحابها أن تصبح واقعاً، فلابد أن تساندها القوة، أوضح أن شخصية البنا كانت مركبة بدرجة كبيرة، وكان من الطبيعى أن تئول لهذا المصير بالاغتيال، فهو من سمح لتنظيمه الخاص بقتل المعارضين كالنقراشى، إلى أن تستمر الجماعة حتى يومنا هذا تسير على نفس المنهج من اللجوء للعنف والإرهاب فى مواجهة المجتمع بأكمله عندما رفض حكمهم.
وأشار إلى أن أبرز ما زرعه «البنا»، وكانت مشكلة كبيرة فى جماعته فكرة أن الجماعة معصومة من الخطأ، وتحتكر الإسلام الصحيح، والأخ الإخوانى عندما يموت فهو «خلص ونجا»، أى أنه رجل إخوان فرقة ناجية، وأزمة «البنا» أن منهجه قام على اعتبار أن الجماعة هى «جماعة المسلمين وليست جماعة من المسلمين»، بمعنى أن الإخوان هم الإسلام، وأنها الجماعة الحقيقية الممكنة للإسلام، ما عدا هذه الجماعة فتكون مخالفة لهدى الإسلام الصحيح، لدرجة أن المستشار طارق البشرى ألف كتابا باسم «الطريق إلى جماعة المسلمين» أى الطريق إلى «الإخوان».
وتعود أزمة «البنا» إلي فهمه الخاطئ للقرآن وتفسيراته وتقديراته المخالفة عن حقيقة الظروف المحيطة لكل آية، ووصل الأمر بجعل الإخوان كفرقة من الفرق الناجية نتيجة لتأثره بالشيعة، وهو ما تسبب فى أخطاء فادحة ورجوع الدعوة الإسلامية بشكل كبير، عكس رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم التى كانت روحانية، كان يقف على جبل أحد اثبت أحد فإن عليك نبى وصديق وشهيدين، لنا أن نتخيل رسولا يعامل الحجر كإنسان له روح بهذه السماحة، فما بالنا بالتعامل مع البشر.
واستطرد: الفرق بين تصورات الرسول عليه السلام للإسلام الروحية وبين «البنا» التى نقلت الدعوة لتصورات الجمود، وكانت أكبر أخطاء «البنا»، بالإضافة إلى فكرة الإمامة التى تعود للشيعة، البيعة التى أسس لها بطريقة ليس لها علاقة بالدين الإسلامى ولا بالهدى النبوى فبمجرد أن جعل البيعة تتم بمصحف وفوقه مسدس، فبكل تأكيد انحرف عن أفكار الإسلام، فلم يحترم حتى المصحف، فضلا عن وضع يد العضو الإخوانى على المصحف فى الظلام الدامس على الطريق الماسونية، تختلف بكل تأكيد عن بيعة الرسول كان نبيا ممكنا، فيتم مبايعته على المنشط والمكره، أما «حسن البنا» فلم يكن نبيا ولا رسولا ولا حاكما ممكنا حتى يفرض هذه البيعة على أتباعه، وهو يوضح فكرة التقديس التى صنعها البنا لذاته.
«البنا» حول الجماعة إلى صنم يعبد من دون الله، أفكار جماعته القائمة على السمع والطاعة، التى تقتل حرية التفكير المنافية بكل تأكيد لما نص عليه الإسلام وحثه للناس أجمعين على التدبر واستخدام العقل.
وأضاف «الخرباوى»: إن احساس «البنا» بإماميته للأمة ظاهرا حين أطلق على نفسه لقب «الإمام» حينما كان لا يزال فى بدايات شبابه، ولكنه أيضا حينما آمن بهذه الإمامية قام بتوريثها لأتباعه، فيقول «محمود عساف» سكرتير البنا فى مذكراته ناقلا كلمات قالها له البنا «انظر يا محمود إن الإيمان بالإسلام يقوم على شهادتين: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلما ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم يتجسد الإسلام فى شخصه، وبالتالى يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معا فلسنا جمعية ولا تشكيلا اجتماعيا ولكن نحن دعوة فلابد من الإيمان بها والسير على نهج داعيتها والعمل على تطبيق أفكاره».
وبهذا وضع «البنا» نفسه فى مصاف النبى صلى الله عليه وسلم، فلطالما أن إسلام المرء لا يتم إلا بإيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن إيمان الإخوانى لا يتم إلا إذا آمن بحسن البنا، وضع البنا نفسه فى مقام النبى، ووضع كلمة الدعوة فى مقام الإسلام، وعلى هذا الأمر سار الإخوان، فهم يقولون دائما عن حسن البنا إنه «صاحب الدعوة»، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم تنازل عنها للبنا، وسبحان الله! مرة يقول فريق من الشيعة إن «الدعوة كانت لعلى بن أبى طالب»، ومرة يقول الإخوان «إن البنا هو صاحب الدعوة»، وكأن هناك تنازعا فى ملكية الدعوة!
ولأن «البنا» فى ضميره وضمير الإخوان هو صاحب الدعوة، لذلك يجب أن يكون فهمه للإسلام هو الفهم المعتمد الذى لا يجوز مناقشته أو الاختلاف فيه، وهذا هو ما أَكد عليه البنا لأعضاء الجماعة، إذ أوضح لهم أن الإسلام لا يُفهم إلا فى حدود الأصول العشرين التى وضعها لهم، لا يجوز لهم أن يضيفوا لها أو أن يحذفوا منها، فإذا ما أرادوا فهم الإسلام فيجب أن يطرقوا باب البنا الذى معه مفاتيح الفهم وحده، ولتأكيد هذا قال فى تفسير ركن «الفهم» الذى هو أحد أركان البيعة: إنما أريد بالفهم أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صحيحة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه فى حدود الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز.
سامح عيد- القيادى المنشق عن الجماعة الإرهابية- أكد علي أن دعوة الرسول قامت على الحرية من الأساس، فاستمر 13 عاما فى مكة بلا تشريعات ولا قوانين، الفكرة الأساسية كانت تتركز فى أن الله واحد، وأن هذه الأصنام لا تؤخر ولا تقدم فى حياة الناس، والتأكيد على اليوم الآخر والحساب، والحث على الأعمال الصالحة، فجاء الرسول يحمل الرسالة الإلهية لهذا المجتمع الجاهلى الذى كان يعيش فى ظلام وقتل وكل الفواحش.
ولكن الرسول عندما ذهب مكة منح الحرية حتى فى حالة الحرب للجميع فى المشاركة فى غزوة بدور، ورغم أن المعركة كانت غير متكافئة والمسلمين لم يمتلكوا سوى فرسين فى مقابل جيش بألف فارس كان بكامل عتاده وسلاحه، إلا أن الأنصار اختاروا مساندة الرسول رغم أنها ليست معركتهم.
أضاف: إن هناك أمثلة تدلل على ذلك، فى غزوة «أحد» خرج حوالى 1000 فارس من جيش المسلمين، ولكن رجع ثلث هذا الجيش، وأبلغوا الرسول عدم إكمالهم فى الحرب، فالرسول بكل سماحة لم يقاتلهم ولم يحاكمهم عسكريا، واحترم رغبتهم، ومن الأمثلة الأخرى التى تدلل على تسامح الرسول مع الآخرين هى أنه بالرغم من وجود منافقين عقيدة داخل المدينة وحاولوا قتل النبى، ورغم أن الصحابى «حذيفة اليمانى» تعرف عليهم، إلا أنه لم يكشف عن أسمائهم، وتركهم بسماحة شديدة وسط المجتمع الإسلامى.
حتى إنه عندما مات «عبدالله الزبير» ذهب ابنه للرسول وطلب منه قميصه لتكفين والده، وبالرغم أنه رأس المنافقين، ويوافق الرسول، بل يذهب للصلاة عليه، وعندما حاول أن يمنعه عمر بن الخطاب من الصلاة على هذا المنافق وأنه لا يستغفر له، مستشهدا بقوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، فقال صلى اللّه عليه وسلم: «إن ربى قد رخص لى فيهم، فواللّه لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة لعل اللّه أن يغفر لهم».
وأوضح عيد ولكن كل الاختلاف مع حسن البنا، الذى كان يريد أشخاصا عبيدا له تلتزم بمبدأ السمع والطاعة، فكانت من تعاليمه هى أن يقتنع الإخوانى بأن رأيه خطأ ورأى القيادة هو الصواب، وأن رأى الإمام ونائبه مقدم علي كل شىء ولا يوجد نائب أصلا، فالبنا صنع أناسا عبيدا له، وكانت كتاباته فى رسالة التعاليم الموجهة للعضو الإخوانى تنص على «أن تسلم أمورك الحيوية للجماعة»، وهى تعنى الحياة الشخصية للفرد سواء زواجه أو طلاقه وعمله حتى لو كان سيفتتح محلا، أو سيعين فى الحكومة أو الخاصة، أى أن العضو الإخوانى بمثابة عبد لدى الجماعة.
وقال: إن من كتابات البنا أيضا فى الرسائل «أنت ووقتك ملك الدعوة»، فبدلا ما يوضح بشكل مباشر ولا يعيب عليه أحد أنه يحول الشخص لعبد، فتركها هلامية مفتوحة، أن يكون العضو ملكا للدعوة، والدعوة لا تنفصل عن هولاء القيادات والأشخاص التى يتكون منها التنظيم وتسيطر على حياة هؤلاء الأعضاء الصغار وتوجههم، فهى تصبح رقيبا على حياتهم الشخصية أيضا.
وأضاف البنا أيضا «أنت جندى فى السكن ينتظر الأمر»، أنت عسكرى فى الجيش، أى جيش الجماعة، وبناء على مبدأ السمع والطاعة، عندما يطلب من العضو الإخوانى النزول فى أى وقت من منزله لأى مكان، عليه أن يلبى الأمر دون نقاش، عكس الرسول الذى كان يتقبل الأعذار بمودة بالغة حتى فى أقسى الظروف وهى الحرب، حتى أن أحد المنافقين تحدث بوقاحة فى معركة «تبوك» قائلا للرسول: «أنى أخشى بنات الروم لأكفر»، فهو يخشى أن يفتتن بجمالهن، ومن ثم تفهم الرسول عذره وسمح له بالعودة.
أضاف: إن من الأمثلة الأخرى التى تؤكد على الحرية التى منحها الرسول للمخالفين معه، عكس حسن البنا الذى كان يلزم الآخرين بالاقتناع برأيه، فعندما نزلت الآية الخاصة بالزني فى قوله تعالى: (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) اعترض سعد بن عبادة على الآية وقال للرسول ليست بقرآن، وطلب عمر بن الخطاب من الرسول أن يقتله لأنه كفر بالقرآن، ولكن الرسول رفض، وبالفعل ثم نزلت آية تؤيد اعتراض ابن عبادة وعدم اقتناعه بإحضار أربعة شهود لإثبات زني الزوجة، لتنزل آية جديدة تخصص العام، وتطالب من الزوج والزوجة حلف اليمين أربع مرات.
بل كتب فى رسائله «إذا أردت أن تعرف من هم الإخوان المسلمين، افتح القرآن الكريم»، ومعنى ذلك أنه جعل نفسه وجماعته هى الممثل الوحيد للقرآن، فهو صنع كهنوتا حقيقيا، من نفسه، حيث كان يستدعى المعية الإلهية فى كتاباته دائما ويخص بها الجماعة، «البنا» كان إمام التكفير بلا منازع.
وعن فكرة الخلافة الإسلامية التى تحدث عنها البنا، كانت فى الأصل فكرة ليست مقدسة ومليئة بالمشكلات وكانت تجسيدا لحكم الفرد، بالرغم أن الدين الإسلامى لم يضع نظاما للحكم، حتى أن الرسول ذاته كان باستطاعته أن يقول من يخلفه، ولكن ترك المسلمين أن يفكروا فى حياتهم وفقا للمتغيرات التى تحدث، ولكن البنا كان يجعل من الخلافة فكرة مقدسة وهو الخطأ الفادح الذى وقع فيه البنا وغيره من التيارات الإسلامية.
وأضاف: إن البنا كان يريد أن يستبد ولكن تحت شعار الإسلام والمتاجرة به، بل كان البنا يعتقد أن الرسول لم يكمل الرسالة، وهذه الرسالة لم تكتمل إلا بالسيطرة العسكرية والاقتصادية على الكرة الأرضية، ونفذ ذلك من خلال فكرة الفرد المسلم والمجتمع المسلم والدولة المسلمة ثم أستاذية العالم، من خلال هذه الفكرة الفاشلة بصناعة سلطان عسكرى على العالم أجمع، بغض النظر عن الآلاف من القتلى الذين سيتخلفون عن هذا الاعتداء العسكرى على دولة أخرى بحجة نشر الإسلام.
أحمد بان - الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية- قال لنا: المقارنة واضحة بين الجماعة الإرهابية التى قدمت نفسها باعتبارها الامتداد الطبيعى لمسيرة الدعوة الإسلامية وبين الرسالة العالمية للإسلام، حيث نلمح العديد من أوجه التناقض بين ما دعا له الإسلام وما دعت وتورطت فيه تعاليم «البنا» التى أسس عليها الإخوان، فالإسلام رسالة حب وتسامح والقيمة المركزية فيه هى الرحمة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، بينما أى دعوة لا تستدعى معانى الرحمة والشفقة بالناس واستشعار ضعفهم هى دعوة بعيدة عن الإسلام وتقفز على حقائقه من القيم المركزية فى الإسلام ما تحدث عنه النبى صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وأكد «بان» أن البنا اختزل بالجماعة الحق فى الطاعة للجماعة المسلمة التى هى الوطن الجامع لبنيه لنفسها ولمرشدها دون سند من عقل أو شرع، وتحولت الجماعة منذ وقت مبكر فى تاريخها لتنظيم شبه عسكرى يقدم الناس ويؤخرهم بقدر السمع والطاعة الذى هو حال الجيوش، فالجماعة قفزت على فكرة التنظيم الإسلامى الشبكى واختارت التنظيم الهرمى الذى يجعل السلطة للمرشد وحلقته الضيقة الجماعة قدمت فقها جديدا يقفز على حقائق الدين ليقدم حقائق أخرى هى أفكار شخص مرشدها التى تبقى شكلا من أشكال التدين تقترب أو تبتعد من حقيقة الدين الذى هو مطلق كامل وجعل أعضاؤها أفكاره مقدمة على القرآن فأصبحوا يستشهدون بها بديلا عن القرآن مما أضفى تقديسا على ما لا ينبغى أن يقدس.
وأشار «بان» إلى أن «البنا» طرح فى رسائله أنه يملك الحق وغيره على باطل، حيث يقول «نحب أن يكون الناس أمامنا واحدا من أربعة إما مؤمن آمن بصدق دعوتنا وسمو فكرتنا فذلك ندعوه أن ينضم إلينا وإما متردد لم يستبن له وجه الحق فى دعوتنا فذلك ندعوه أن يتردد علينا وأن يسمع منا فسيزول تردده إن شاء الله وإما متحامل فذلك لا يرانا إلا بعين التحامل وإما نفعى يسأل عما سيجنيه، فذلك نقول له أننا مغمورون مالا وجاها ولن نعطيك شيئا.. هكذا انتهت أصناف الناس فليس من بينهم من يحمل من الحق مثلما يحمل حسن البنا إذن هو يطرح ما يطرحه كحق مطلق وليس نسبياأو أحد صيغ التدين، ويقول فى موضع آخر فى بيان ما يلزم لأتباعه من فهم، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه من خلال هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز وهى الأفكار الرئيسية لدى الجماعة.
أما سعد الدين الهلالى - أستاذ الفقه المقارن فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- فقال: الفرق واضح بين رسول جاء ليهدى العالمين ويحررهم من قيود عبودية الجهل والكفر والظلام، وبين البنا الذى ربى أولاده ليستعبدهم متى يشاء هو ومن يأتى بعده خليفة له، فالرسول الكريم أطلق الحرية للبشرية للفهم والمعرفة كما تشاء، بينما قال البنا لهم «لن تفهموا إلا بفهمه فقط وما عدا ذلك غير صحيح»، فبمجرد دخول العضو الإخوانى للجماعة يحوله البنا إلى عبد له، يقوم بتوجيهه كما يشاء.
وأضاف أن الرسول كان يحترم المخالفين له فإذا أصر الإنسان أن يكون نصرانيا أو يهوديا سوف يحترم رغبته، وإذا أراد هذا الإنسان أن يكون مسلما على فهم معين معتنقا مذهب الإمام أبى حنيفة أو أبى حنبل أو الشافعى، فالرسول ليس لديه مشكلة مع أحد فى فهمه، فهو ينظر للإنسان باعتباره مكرما من ربه سواء ذكرا أو أنثى.
أما البنا فقد ترك هذا المنهج الواسع، وخلق لنفسه منهجا خاصا به اعتبره الإسلام فقط، فهو يريد للناس أن تسير على منهجه وأفكاره الضيقة فقط، وهذه الجماعة وأمثالها ممن يتبعون هذه الأفكار حذر الله منها فى قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).
وأكد الهلالى أن أفكار البنا ستظل موجودة رغم كل النتائج التى انتهت إليها خلال العام الماضى، لأن الصراع موجود من أيام العرب قبل الإسلام، عندما صنعوا الأصنام حول الكعبة من أجل سرقة أموال الناس بالدين، فصنعوا آلهة من أجل سرقة مدخرات وتبرعات الناس، وهذا أسلوب جماعة الإخوان وسبب نجاحهم المتاجرة بالدين، الذى سوف يستمر بلاشك وسوف يجذب له المريدين وهو موجود فى كل العصور.
وأعرب الهلالى عن أن رسالة محمد كانت شخصانية يخاطب كل شخص على انفراد، كل يفهم على طريقته، وكل له بصمته الدينية، لا إجبار فى اعتناق أفكار معينة كما فعل البنا مع جماعته.
وقالت الدكتورة آمنة نصير- أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بفرع جامعة الأزهر بالإسكندرية: لا يمكن أن أقارن بين سيد الخلق الذى ارتقى بالإنسانية وجاء رحمة للعالمين وبين البنا، وجاء متمما لمكارم الأخلاق، ونزلت عليه سورة من رب العالمين تحمل اسم «مريم» بنت عمران، لا يوجد أعظم من القرآن أن يحمل عنوانا لسيدة نساء العالمين، نتلوها فى صلواتنا ونتعبد بها، هذا هو الرقى الإسلامى لمن يفهم الإسلام.
وأضافت: على الجميع أن يتعلم كيف كانت معاملة الرسول للنصارى فى هذا الزمان، وكيفية استقباله لنصارى نجران فى مسجده وإكرامهم، بل تركهم ليؤدوا صلواتهم فى المسجد، فضلا عن الأبواب العديدة فى الفقة التى تتكلم عن توصية الرسول بأهل مصر «استوصوا بأهل مصر فلنا فيهم صهرا ونسبا»، الصهر كانت ماريا القبطية أم إبراهيم، وكان يحبها ويراعى مشاعرها، وصانها فى منزل خاص حتى لا تؤذى من نساء النبى الآخريات.
دللت نصير على سماحة الرسول مع المخالفين معه فى الرأى بل الثقة بهم، عندما يوصى صحابته بالذهاب إلى الحبشة لأن حاكمها عادل، وهذا هو إنصاف النبى، والسيرة ممتلئة بهذا الخلق العظيم والمعاملة الكريمة، وهكذا سار الخلفاء من بعده.
وأكدت نصير أن ما فعله هذا الفصيل المعاصر من جماعة الإخوان المسلمين فيما حازوه من أموال وأنفقوها على هؤلاء الشباب فى الجامعات وإغوائهم بالمال حتى إنهم تركوا كل القيم من خلال الاعتداء على الصروح العلمية وعلى رأسها الأزهر، تشابهوا مع التتار فى حرقهم لمكتبة بغداد وأغرقوها فى نهر دجلة والفرات حتى سار النهر حبرا ازرق، وصولا لإحراق الشجر وسيارات الشرطة وهى من مال الشعب بصورة خلا منها أى قيمة إنسانية أو أى شريعة إسلامية.
وشددت نصير على أن هذا الفصيل الذى يحكم بيننا الآن يعتبر أسوأ وأندل وأحقر مرحلة فى مراحل هذه الجماعة على طوال 84 عام من عمرهم، وكان النتاج النهائى الذى استحقوه هو كراهية الشعب المصرى، وكانت أعظم خسارة حصلوا عليها فى تاريخ الإخوان المسلمين، التى لن تقوم لهم قائمة بعد ذلك ولن يقبلكم مصرى مرة أخرى.
أما عن محاولة حسن البنا فى اختزال 1400 عام من عمر الإسلام فى رحم جماعة الإخوان المسلمون لتكون الجماعة هى الإسلام والعكس، قالت نصير أنه نوع من «الخبل» والجنون بكرسى الحكم، وعندما وصلوا إلى الحكم فى غفلة من الزمن أصابتهم لعنته بالدوار، فأفقدتهم صوابهم، ولما خسروه فى لمح البصر، أصابهم أيضا ضرب من الجنون، معربة عن تفاؤلها بهذا الفأل الكريم، حيث بدأ هذا العام بميلاد السيد المسيح والنبى عليهما أفضل الصلاة والسلام.