مفاجأة : مساجد مصر «الإسلامية» أبدعتها أياد «مسيحية»!

محمد عادل
مساجد القائد إبراهيم وعمر مكرم والمرسى أبو العباس والرفاعى تلك المساجد التى تستخدمها جماعة الإخوان الإرهابية كمنبر وحصن ضد من تسميهم أعداءها وتطلق عليهم سهام التكفير منها، لو نظرت لتاريخ نشأة هذه المساجد لتعلمت وعرفت الحب والتسامح، فمن بنى هذه المساجد هو الإيطالى ماريو روسى ذو الأصول المسيحية، الذى صمم أشهر المساجد الموجودة فى مصر.
كانت هذه المعلومة الجديدة، من بين ما تضمنته ثنايا فيلم «طليان مصر» لـ«شريف فتحى»، إذ يحتفى الفيلم بالكتاب والشعراء الإيطاليين فى مصر مثل «جوزيبى أونجارتى، فيليبو تومازو مارينتى، إنريكو بيا، فاوستا تشالنتى»، الذين عاشوا فترة طويلة من حياتهم فى مصر، يحتفى كذلك بالعائلات الإيطالية كعائلة «موناكو»، صاحبة شركة للمنتجات الزراعية والغذائية بمدينة الإسكندرية، وعائلة «سيمونينى»، الشهيرة بأعمال المقاولات، وصاحبة سلسلة فنادق بـ «بورسعيد».
يظل الاحتفاء الخاص فى «طليان مصر» موجها أكثر للعمارة، فتأثير المعماريين الإيطاليين على مصر ما زال باقياً وحاضراً، يظهر هذا واضحاً فى منطقة كمنطقة «وسط البلد»، فمثلاً فندق «الكوزموبوليتان» ـــ وتعنى «متعدد الجنسيات» ـــ الموجود فى «وسط البلد»، والذى يزيد عمره على المئة بإحدى عشرة إضافية، وبنى عام 1902 على يد الإيطالى «ألفونس ساسو» وأداره البلجيكى «بهلر» المعروف اسمه بالممر الشهير فى «وسط البلد»، وكان اسم الفندق فى البداية «متروبوليتان»، لكنه بعد تولى إدارة «لويجى ساسو» عام 1958له، قام بتغيير اسمه إلى «كوزموبوليتان» وكمعظم العقارات الأخرى تم تأميمه فى عام .1961
إلا أن الفيلم يركز أكثر على اسمين إيطاليين فى مجال العمارة، الأول هو «جاكومو أليساندرو لوريا» والثانى «ماريو روسى».. و«لوريا» القادم من الإسكندرية «1879» كانت له يد كبيرة فى معمار منطقة «مصر الجديدة»، تحديداً فى عام 1924 حيث يعتبر هو أول من أدخل فكرة الطرق الدائرية فى المناطق الحضرية .
أما «ماريو روسى» «1961 / 1897» مهندس معمارى، ومصمم مبان، وكان كبير المهندسين فى وزارة الأوقاف المصرية، ويعتبر أكبر اسم فى فن العمارة الإسلامية خلال النصف الأول من القرن الماضى، وقد ولد هذا المهندس الإيطالى الأصل فى روما سنة 1897ثم جاء إلى مصر ضمن مجموعة من المهندسين الأوروبيين استقدمهم الملك «فؤاد»، وعمل منذ أوائل العشرينيات فى وزارة الأشغال وفى القصور الملكية، وطاب لـ «روسى» الإقامة فى القاهرة، وبعد طول تأمل ودراسة - عززها بالاندماج الصادق فى المجتمع المصرى، اعتنق الإسلام، وتجلت عبقرية هذا المعمارى الفذ بعد سنوات قضاها منكباً على استيعاب تراث العمارة الإسلامية، وإعادة تأسيس هذا الفن بروح عصرية جديدة، تتناسب مع الاحتياجات الحديثة والابتكارات العصرية فى مواد وطرق التشييد والبناء.
ويكفى أن نعلم أن «ماريو روسى» هو من صمم وبنى أشهر المساجد الموجودة فى مصر كـ«مسجد عمر مكرم» فى التحرير، جامع القائد إبراهيم بالإسكندرية، مسجد المرسى أبو العباس فى الإسكندرية، مسجد الزمالك بالقرب من نادى الزمالك، مسجد محطة الرمل المعروف بمسجد إبراهيم فى الإسكندرية، مسجد الرفاعى»، غير العديد من المبانى الأخرى كـ «فيلا بهى الدين بركات باشا، فيلا جورج ويصا بجاردن سيتى» وغيرهما.. وكما هو مذكور عن «روسى» فى موقع الـ Wikipediaخالف هذا الإيطالى الموهوب ما سار عليه أقرانه من الأوروبيين الذين توافدوا على الشرق الإسلامى فى بدايات القرن الماضى، ليس فقط لاعتناقه الإسلام عن قناعة كاملة وإيمان راسخ، بل ولبعده عن تقليد أو استعارة عناصر العمارة الأوروبية الكنسية فى تصميمه للمساجد».. وفى إحدى الدراسات عن «ماريو روسى» ذكر أنه: «خلف لنا كوكبة من التلاميذ النابغين مثل على خيرت، الذى وضع تصميم جامع صلاح الدين بحى المنيل، بالإضافة إلى مهندسين آخرين من تلاميذه شيدوا مساجد غاية فى الجمال وروعة التصميم مثل مسجد عبدالرحمن لطفى ببورسعيد، ومسجد الفولى بالمنيا، ومسجد عبد الرحيم القنائى بقنا.
ارتبط اسم «ماريو روسى» بمهندس معمارى إيطالى آخر هو «بيترو أفوسكانى»، اللذان صمما دار الأوبرا الخديوية أكثر المبانى التى صممها الإيطاليون شهرة فى مصر، والتى بنيت بناءً على أوامر من الخديوى «إسماعيل»، للاحتفال بافتتاح السويس «قناة السويس»، وهى دار الأوبرا التى تعرضت للاحتراق فى أكتوبر 1971 كما صمم «بيترو أفوسكانى» كورنيش الإسكندرية قبل وفاته فى عام 1891 فى الإسكندرية.
أتساءل الآن: ما رد فعل جماعة الإخوان الذين يتخذون من المساجد منبراً بل وحصناً ضد أعدائهم ـــ كما يرونا ـــ حينما يعلمون أن هذه المساجد صنعها إيطالى، بفكر غربى، بل واعتنق الإسلام بعدما كان نصرانياً؟!.. ببساطة: الحب والفن والتسامح وقبول الآخر لا مكان فيه لشر، والدين برىء مما ينشر عكس هذا كله.