عماد صلاح
شعب حالم.. وشعب عشوائى.. وشعب خارج الزمن!
مَن يَرى الشعبَ المصرىَّ اليوم يتعجب لحاله، وكأنه يرى ثلاثة شعوب مختلفة تعيش معًا بتناغم غريب، وتناسُق عجيب، رُغْمَ عدم اتفاقهم فى شىء سوى جنسيتهم وملامح بشرتهم!
الشعب الأول فيه أناس مثقفون ومتنورون، يتعاملون برُقى واحترام، لهم عِزّة نفس وكرامة، وطنيون حتى النخاع، مطلعون على أحداث العالم وآخر تطوراته، نظيفو اليد واللسان، محترمو الكلمة والمبدأ، يربون أبناءهم على القيم والمُثل والأخلاق، لا يزالون يستمعون إلى الأغانى الراقية، ويتذوقون الكلمة الجميلة، والنغمة الحلوة، واللون المتناغم، شعب لا يزال يقرأ، ويفهم، ويناقش، ويتعلم، يتطلع إلى مستقبل يواكب الأمم التى تقدمت والشعوب التى نهضت، فينصحون، ويشرحون، ويجاهدون بالكلمة والفكر.
والشعب الثانى شعب مهرجل فى حياته، وسوقته، وكلامه، عشوائى الفعل والتفكير، همُّه المال مَهما كان الطريق إليه، لا يعير للأخلاق اهتمامًا، فالنصب عنده مثل الفضيلة، والفساد عنده نعم الوسيلة، يروّج للشائعات، ويبحث عنها، ويعيش فيها ويصدقها، يعشق نظرية المؤامرة، ويبدع فى تطويرها، ليس له كلمة، وليس له مبدأ، النفاق أسلوبه، والخداع طريقته، والجشع فلسفته، والوصولية دستوره، يطرب للأغانى الهابطة، ويستمتع بالأفلام الساقطة، شعب لا يقرأ إلا الموجز، ويكتب بركاكة، ويتعامل بعجرفة، ويحقد حتى على نفسه، ويعرقل غيره.
وشعب ثالث لا يزال يعيش فى غياهب الجهل، يعيش فى عالم من الشعوذة والخرافات، مهووس بسفاسف الدين، ولا يفهم الغلو من اليقين، تخيفه صيحات المهددين بعذاب الدنيا ويوم الدين، تأخذه الكلمات الموزونة مَرّة إلى اليسار ومَرّة إلى اليمين، يعيش الحياة على هامشها، فهو عدد فى الدنيا لا يقدم فيها ولا يؤخر، محسوب علينا فى زيادة السكان، ولا يفهم حتى الآن كيف يصبح إنسانًا، يُسَاق كالقطيع، ويصفق للجميع.
كان الشعب الأول هو الغالبية فى وقت ما، فأصبح أقلية، وساد الشعب الثانى بمنطق الغوغائية والسطحية، وعاد الشعب الثالث ليعيش فى غياهب القرون المنسية ليجد فيها أمانه، بين حلاله وحرامه.
لن تنهض أمّة إلا إذا رفعت الأول وشجعته، وأوجعت الثانى وهددته، وعلّمت الثالث ونوّرته.
مع الأسف، لا نزال نبحث عن شعب ننتمى إليه، فلو اخترنا الأول لأحبَطَنا الثانى بفعله، وذَبَحَنا الثالث بجهله.







