الكريسماس المصرى!

اسلام كمال
حتى البرد سيسوه، والثلج حولوه لصراع طبقى، و(أليسكا) تحولت إلى اسم كودى لمزايدات (التوك شو) التى تعانى هذه الأيام من قلة نسب المشاهدة، فكان من الضرورى أن يحتموا بحملات (البطاطين)، هم قبل الغلابة الذين يتاجرون بهم وبعيدا عن التحليل السياسى والطبقى للموجة الثلجية الروسية التى ضربت المنطقة فحولت صحاريها لمنتجعات تزحلق سويسرية، كان من المهم أن نسجل مفارقات «الكريسماس المصرى» الاستثنائى جدا المضحكة والمبكية والمدهشة فى آن واحد !، لأنها تعكس مدى تعقيد المشهد المصرى، الذى تعامل بطريقة مختلفة مع الحدث عن أى مجتمع آخر فى المنطقة!
طبيعى أن (الفوتوكوميدى) انهالت على المصريين خلال الأيام الأخيرة تعليقا على هذه الحالة التاريخية، رغم أن فيضان الصور الخاصة نافسها بشكل غير تقليدى، اجعلونا نستعرضها فى فقرة أخرى، لأنه من الضرورى أن نبدأ أولا بالصراع الطبقى الذى تجلى على خلفية الثلوج التى كست «كومبوندات» الأغنياء والطبقة المتوسطة العليا فى مدينتى والرحاب والتجمع الخامس، وحتى الطبقة المتوسطة والعادية في العبور، وفى المقابل غرقت الحوارى والعشوائيات والأرياف فى البرك والطين، وكالعادة غرقت المحليات فى (شبر مية) وتفاقمت المشكلة حتى دفع ثمنها مسئولون فى بعض المحافظات التى عانت كثيرا ومنها (كفر الشيخ)!
وتداخل الصراع الطبقى للحالة الثلجية مع بعض خطوط التسييس الشتوى، خاصة عندما فوجئ البعض بإنجازات مدينة (مدينتى) لرجل الأعمال الفلولى والذى كاد أن يصل لتسويات مع نظام الإخوان برعاية (خيرت الشاطر) و(حسن مالك)، إنه هشام طلعت مصطفى، وكذلك البورتوهات التى شكلها «منصور عامر»، الذى لم تدهشه مناظر الثلج وهى تكسو مدينته، حيث يقابل هذا يوميا فى شتاء سويسرا الذى انتقل للعيش فيها، خشية التقلبات التى كانت تتعرض لها البلاد خلال السنوات الثلاث سنوات الأخيرة، لم يهتم أهالى (مدينتى) بذلك كله ونزلوا مع أطفالهم يلعبون فى الثلج ويلتقطون صورا تذكارية مع ثلج ربما لن يتكرر ثانية، والأطفال يضربون بعضهم بكرات الثلج ولكن بقسوة، لأننا غير محترفين هذه الأجواء، فيما ركز آخرون على صناعة مسوخ ثلجية اعتبروها مجازا (أيس مان) زينوا بها «كبوت» سياراتهم لفترة ما !
وكان غريبا أن يحدث جدل حول مصداقية التقاط صور أبو الهول والأهرامات يغطيها الثلج، وكأن البعض يستخسر فى المصريين قليلا من الثلج الذى أهداه لنا البخلاء الروس، فى هدية طقسية كفاتحة خير لعودة التحالف القديم الجديد، حتى أن المصريين وبالذات أنصار (السيسى) اعتبروه إنجازا له، بأنه حولنا لروسيا خلال 6 شهور فقط، فى محاولة لاستفزاز الإخوان الذين اعتبروه نحسا بل عقابا ربانيا لأننا انقلبنا على هؤلاء الخونة ومخبولهم الأكبر !
فيما تفرغ الإخوان لمزايداتهم المعتادة حتى تحت المطر وفى الثلج ليكتبوا عليه «مهما تتلج مهما تمطر يسقط يسقط حكم العسكر»، بل وحمل بعضهم أطفالهم ونزلوا تحت المطر فى البرد القارس لدعم «محظورتهم» فى مشهد جنونى ليس غريبا عليهم، لكنهم لم يهتموا بمشاهد الفقراء، الذين يعانون فى البرد حتى ولو على سبيل المزايدة، ويبدو أنهم اكتشفوا أن الرأى العام المصرى فضح كل ألاعيبهم، فوفروها على أنفسهم ! لكن بالفعل كانت مشاهد الفقراء وأولاد الشوارع تدمى القلوب من معاناتهم فى هذا البرد القاسى، فازدادت الحملات والدعوات على مواقع التواصل الاجتماعى بالتبرع بالملابس الشتوية للغلابة، واقتنصت هذه الفكرة برامج «التوك شو» وجمعيات خيرية، خاصة بعد فاجعة وفاة رجل فقير اسمه (عم محمد) من شدة البرد أمام مستشفى إمبابة، فتدخلت المؤسسة العسكرية فورا وتبرعت بـ 001 ألف بطانية وتجاوب الرئيس عدلى منصور مع حملة (عمرو أديب) للتسهيل على المصريين فى الخارج الذين يريدون التبرع بالبطاطين والأموال، فى تصرفات أسعدت المصريين وأغضبت طبعا الإخوان !
وكان رد المصريين موجعا على الإخوان بنشر (فوتوكوميدى) وصورا ضدهم فيها صورة لقطيع خرفان يسير فى الثلج !.. ونال منهم (أساحبى) كثيرا فقال لهم فى إحدى (الفوتوكوميدى) (يا بخت الإخوان عندهم فروة مدفياهم فى البرودة)!.. بالإضافة إلى عدد كبير من الصور التى تدعم الجيش والشرطة وتسجل وقوف الجنود فى عز البرد لحمايتنا فى وقت كنا نحن فيه تحت البطانية وفى حضن الدفاية، ونشتكى من الصقيع!
ومن أطرف «الفوتوكوميدى» الذى رصدته كان لمؤسس الفيس بوك يصرخ فى المصريين قائلا (ورحمة أمى عرفت أن الجو سقعة فى مصر) من كثرة التفاعل المصرى مع هذه الحالة الاستثنائية على مواقع التواصل، والذين لم ينسوا فيها الحديث عن الأكلات والمشروبات التى تشعرك ببعض الدفء وأشهرها طبعا العدس وحمص الشام والسحلب والقرفة الساخنة وغيرها !.. وكان مثيرا أن يسخر المصريون من أنفسهم بصراخهم من هذا البرد فى وقت فيه عارضات أزياء روسيات يقفن وسط الثلج بالمايوهات البيكينى، فقال بعضهم أن السر فى «الفودكا»، فيما اعتبر شيخ سعودى هذه الحالة الثلجية العامة تأكيدا لنبوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذى توقع قبل أكثر من 41 قرنا عودة الأنهار والخضار لصحارى المنطقة !
كل عام والمصريون بخير، ومصممون على الإبداع حتى فى عز المعاناة !، لكن يجب أن نحذر حيث يرشح الخبراء الحالة الثلجية الباردة للاستمرار بعض الوقت رغم مبالغات البعض فى هذا الحديث، والتى أدت إلى نسبة غير قليلة خافت وجلست فى بيوتها خشية ضربة عاصفة (ناتاشا) الثلجية الروسية، التى قيل إنها أشد من شقيقتها (أليسكا).!