الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مدفع الإفطار والمسحراتى والكنافة والقطايف ملامح رمضان.. أصلها مصرى

تعددت الطقوس الرمضانية وتنوعت العادات الثقافية التى ينتظرها الأشخاص فى شغف على اللقاء الذى يتجدد كل عام، وتعتبر من مظاهر الاحتفال بقدوم شهر رمضان، كما تمارس كعادات رسخت فى الوجدان وحفرت فى الأذهان، يحبها الكبار ويتعلق بها الصغار.



مدفع الإفطار

يروى المؤرخ والباحث الأثرى سامح الزهار، أن القاهرة تعد أول مدينة ينطلق فيها مدفع الإفطار الرمضانى، حيث جاءت هذه الفكرة عن طريق الصدفة عندما كان السلطان المملوكى «خشقدم» يجرب مدفعًا جديدًا خرجت دانة من المدفع وقت أذان المغرب دون قصد منه حتى ظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فتقدم الناس بالشكر إلى السلطان على الفكرة التى استحدثها، وعندما وجد السلطان سعادتهم بذلك قرر المضى فى إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار،ثم أضاف بعد ذلك مدفعين أحدهما للسحور والآخر للإمساك، بينما تقول إحدى الروايات إن أول مدفع تم إطلاقه كان فى عهد الخديو إسماعيل، فكان أحد الجنود فى ذلك الوقت يقوم بتنظيف أحد المدافع فانطلقت منه قذيفة دوت فى سماء القاهرة وقت أذان المغرب فى أحد أيام رمضان حتى اعتقد البعض أن الحكومة استخدمت وسيلة جيدة للإعلان عن موعد الفطار، فعلمت السيدة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل بما يتحدث عنه الناس فأصدرت أمرًا بإطلاق المدفع كل يوم فى موعد الإفطار والإمساك والأعياد الرسمية، ومن هنا ارتبط مدفع الإفطار بها وأطلق عليه الشعب «مدفع الحاجة فاطمة»، وكان موقع المدفع فى قلعة صلاح الدين الأيوبى، واستمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859، بعد ذلك توقف نتيجة لتعمير المكان الذى أصبح ممتلئًا بالسكان، واستخدمت الذخيرة غير الحية التى تصدر صوتاً فقط.

ووفقاً لرواية أخرى فإن والى مصر محمد على الكبير اشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية الحديثة فى إطار خطته لبناء جيش مصرى قوى، وفى أحد أيام رمضان كانت تجرى الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة، فانطلق صوت المدفع مدويًا فى نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة، فتصور الصائمون أن هذا تقليد جديد واعتادوا عليه وسألوا الحاكم أن يستمر.

ويضيف المؤرخ والباحث الأثرى سامح الزهار، فى مؤلفه «التحفة الزكية فى أخبار القاهرة المعزية» أن القاهرة كانت تحتوى فى وقت ليس ببعيد على 6 مدافع موزعة على 4 مواقع، اثنان منها فى القلعة واثنان فى العباسية ومدفع فى مصر الجديدة وآخر فى حلوان، تطلق مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة حتى يسمعها جميع سكانها، وكانت هذه المدافع تخرج فى صباح أول يوم من رمضان فى سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة ويستقر المدفع الآن فوق هضبة المقطم، وتعد منطقة المقطم قريبة من القلعة، كما نصبت مدافع أخرى فى أماكن مختلفة من المحافظات المصرية ويقوم على خدمة المدفع 4 من رجال الأمن الذين يُعِدُّون البارود كل يوم مرتين لإطلاق المدفع لحظة الإفطار ولحظة الإمساك، وبمرور الوقت إلى يومنا هذا قد أبقى المصريون على مدفع الإفطار والإمساك ليس لأهمية وظيفته أو لتنبيه الناس لكن للحفاظ على الموروث الثقافى المصرى.

 فانوس رمضان

يقول الزهار: إن العديد من المصادر التاريخية تشير إلى أن كلمة فانوس مأخوذة من اللغة الإغريقية التى تعنى إحدى وسائل الإضاءة، كما يطلق على الفانوس فى بعض اللغات اسم «فيناس»، ويذكر الفيروز أبادى مؤلف كتاب القاموس المحيط إلى أن أصل معنى كلمة فانوس هو (النمام) لأنه يظهر صاحبه وسط الظلام، كما يرتبط فانوس رمضان عند الأطفال بالأغنية التراثية التى تقول: «وحوى يا وحوى»، كما تشير المصادر التاريخية إلى أصلها المصرى القديم الفرعونى، فكلمة (أيوح) تعنى القمر وكانت الأغنية تحية للقمر ولليالى القمرية، ونصها: «قاح وى، واح وى، إحع» وترجمتها باللغة العربية: «أشرقت أشرقت يا قمر» وتكرار الكلمة فى اللغة المصرية القديمة يعنى التعجب، كما تتعدد الحكايات حول أصل الفانوس وبداية استخدامه فأرجعتها إحدى الروايات إلى الخليفة الفاطمى الذى كان يخرج دائمًا إلى الشارع فى ليلة رؤية هلال رمضان لاستطلاع الهلال، وكان الأطفال يخرجون معه ويحمل كل منهم فانوسًا ليضيئوا له الطريق وكانوا يتغنون ببعض الأغانى التى تعبر عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان، بينما تنطوى رواية أخرى على أن أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يجعل كل شوارع القاهرة مضيئة طوال شهر رمضان فأمر شيوخ المساجد بتعليق فوانيس على كل مسجد مع إضاءتها بالشموع، إضافة إلى رواية ثالثة توضح بأنه لم يكن يسمح للنساء بالخروج سوى فى شهر رمضان كما كان يتقدم كل امرأة غلام يحمل فانوسا لينبه الرجال بوجود سيدة فى الطريق حتى يبتعدوا، مما يتيح للمرأة الاستمتاع بالخروج دون أن يراها الرجال فى الوقت ذاته، إلا أن هذه العادة ظلت متأصلة بالأطفال الذين يحملون الفوانيس ويطوفون ويغنون بها فى الشوارع حتى بعدما أتيح للمرأة الخروج.

وأول من استخدم فانوس رمضان هم المصريون منذ قدوم الخليفة الفاطمى المعز لدين الله إلى القاهرة عندما خرج المصريون فى مواكب من رجال وأطفال ونساء حاملين الفوانيس الملونة لاستقباله وبهذا تأصلت عادة الفانوس وأصبحت رمزًا رمضانيًا، ثم انتقلت هذه العادة من مصر إلى معظم الدول العربية، وبذلك أصبح فانوس رمضان جزءًا أصيلاً من تقاليد شهر رمضان، وسواء كانت أى رواية هى الصحيحة، فسوف يظل الفانوس عادة رمضانية رائعة تجلب السرور والبهجة على الأطفال والكبار وتحتفى بقدوم شهر رمضان المبارك خاصة لدينا فى مصر وهى عادة تنتقل من جيل لآخر للكبار والصغار، حيث يلهو الأطفال ويلعبون بالفوانيس الصغيرة ويقوم الكبار بتعليق الفوانيس الكبيرة على المنازل والمحلات.

 المسحراتى

يؤكد الزهار، أن مهنة المسحراتى تمثل موروثاً ثقافياً لدى المصريين فى شهر رمضان الكريم، حيث تعد من أبجديات شعور المصريين بشهر رمضان ورسوخه فى وجدانهم، كما عرفه التاريخ الإسلامى فى عصوره المختلفة واحتفظت بها بعض الدول فى العالم الإسلامى، وعلى رأس تلك الدول تأتى مصر، حيث «اصحى يا نايم وحد الدايم رمضان كريم»، «يـا غافى وحّـد الله»، «يا نايم وحّد مولاك اللى خلقك ما بينساك»، «قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم»، تمثل عبارات اعتاد المصريون على سماعها قبيل الفجر فى شهر رمضان المعظم، وهى الكلمات التى ينادى بها «المسحراتى» فى شهر رمضان تنبيهًا للمسلمين وإيقاظًا للنائمين، وفى بعض الأحيان يضاف إلى تلك العبارات ذات الشجون أسماء بعض الأطفال من قاطنى الشارع الذى يمر فيه المسحراتى لمداعبتهم وبث الفرحة فى نفوسهم فينادى المسحراتى: «اصحى يا فلان» أو تكون هناك محاولات من المسحراتى لجمع بعض الأموال فى عيد الفطر فينادى على أرباب الأسر فى الطرقات والأزقة والحارات فيقول «اصحى يا فلان، اصحى وصحى العيال». 

ويشير إلى أن مهنة المسحراتى شهدت تطورًا كبيرًا على مدى العصور الإسلامية، ففى صدر الإسلام كان المسلمون يعرفون وقت السحور بأذان بلال بن رباح، ويعرفون الامتناع عن الطعام (الإمساك) بأذان عبد الله بن مكتوم، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية اختلفت أساليب تنبيه الصائمين، وابتكر المسلمون وسائل أحدث للتنبيه على السحور من باب أن التنبيه يدل على الخير والتعاون على البر، ومن هنا ظهرت مهنة المسحراتى بصورتها الأقرب للحالية فى عصر الدولة العباسية فى عهد الخليفة المنتصر بالله، كما وجد والى مصر عتبة بن إسحاق أن المسلمين لا ينتبهون كثيرًا إلى وقت السحور ولا أحد يقوم بتلك المهمة، فقرر أن يقوم هو بنفسه بأداء تلك المهمة، فكان يمر فى شوارع المحروسة ليلاً لإيقاظ الناس من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، وينادى قائلاً: «عباد الله تسحروا فإن فى السحور بركة»، أما فى العصر الفاطمى فأصدر الحاكم بأمر الله أوامر لجنوده بالمرور على المنازل، وقرع الأبواب لإيقاظ المسلمين للسحور، وبمرور الزمن خصص رجلاً للقيام بهذه المهمة يمسك بيده عصا يدق بها أبواب البيوت مناديًا: «يا أهل الله قوموا تسحروا»، كما تطورت مهنة المسحراتى على يد المصريين الذين ابتكروا فكرة الطبلة الصغيرة التى يحملها المسحراتى ليقوم بالدق عليها بدلاً من الدق بالعصا على أبواب المنازل، وكانت تسمى «بازه»، وبمرور الوقت استخدم المسحراتى الطبلة الكبيرة، وكان ينشد الأشعار والأغانى الشعبية الجميلة الخاصة بتلك المناسبة الرمضانية، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح عدد من الأشخاص يقومون بتلك المهمة حاملين الطبول ويرأسهم المسحراتى ويقومون بالغناء والتجول فى أروقة المدينة لإيقاظ المصريين لتناول سحورهم.

 حلوى رمضان

يقول الزهار: إن حلوى رمضان تغنى بها العديد من الشعراء حيث يقول ابن الرومى: «وأتتْ قطائف بعد ذاك لطائفَ، تَرْضى اللهاة ُ بها ويرضى الحنجر»، وتعددت الروايات حول بداية ظهور الكنافة فقيل أن صانعى الحلويات فى الشام هم من اخترعوها وابتكروها وقدموها خصيصًا إلى معاوية بن أبى سفيان أول خلفاء الدولة الأموية وقت ولايته للشام كطعام للسحور لتمنع عنه الجوع الذى كان يحس به فى نهار رمضان، فقد كان معاوية يحب الطعام، فشكا إلى طبيبه من الجوع الذى يلقاه فى الصيام، فوصف له الطبيب الكنافة لتمنع عنه الجوع، وقيل بعدها أن معاوية بن أبى سفيان أول من صنع الكنافة من العرب، وارتبط اسمها به، وأصبحت تعرف بـ «كنافة معاوية».

كما تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن تاريخ الكنافة يعود إلى العصر الفاطمى وشمل حكمهم مصر والمغرب وبلاد الشام، وعرفها المصريون قبل أهل بلاد الشام، وذلك عندما تصادف دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمى القاهرة فى شهر رمضان، فخرج الأهالى لاستقباله بعد الإفطار يتسارعون فى تقديم الهدايا له ومن بين ما قدموه الكنافة على أنها مظهر من مظاهر التكريم، ثم انتقلت بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجَّار، كما اتخذت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التى ابتدعها الفاطميون، ومن لا يأكلها فى الأيام العادية، لا بد أن يتناولها خلال رمضان، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بشهر رمضان فى العصور الأيوبى والمملوكى والتركى والحديث والمعاصر، باعتبارها طعامًا لكل غنى وفقير، مما أكسبها طابعها الشعبى.

ويتابع الزهار، أن القطائف يرجع تاريخ نشأتها واختراعها إلى نفس تاريخ الكنافة وقيل أنها متقدمة عليها، أى أن القطايف أسبق اكتشافًا من الكنافة، حيث تعود إلى أواخر العهد الأموى وأول العباسى، حيث بدأ العصر الأموى بسيطرة معاوية بن أبى سفيان على الدولة الإسلامية ثم انتهى بسقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، وفى روايات أخرى تقول أنها تعود إلى العصر الفاطمى، وقيل إن تاريخها يرجع إلى العهد المملوكى، حيث كان يتنافس صنَّاع الحلوى لتقديم ما هو أطيب، فابتكر أحدهم فطيرة محشوة بالمكسرات وقدمها بشكل جميل مزين ليقطفها الضيوف، ومن هنا اشتق اسمها «القطايف»، وقد عرف فى الوسط الثقافى بوجود منافسة بين حلوى الكنافة والقطايف، كما ذكر فى الثقافة العربية خاصة الشعر، وتغنى بها شعراء بنى أمية ومن جاء بعدهم ومنهم ابن الرومى الذى عُرف بعشقه للكنافة والقطايف، وسجَّل جانبًا من هذا العشق فى أشعاره، كما تغنى بعشقه لها أبوالحسين الجزار فى الشعر العربى إبان الدولة الأموية، وحظيت الكنافة والقطايف بمكانة مهمة فى التراث العربى والشعبى، وكانت ولا تزال من عناصر فولكلور الطعام فى مائدة شهر رمضان، ومنذ يوم العيد يصبح هذا الطبق نوعًا ما غريبًا عن موائدنا العربية، ويبدأ موسم القطايف بالانحسار والزوال فى انتظار عودة الشهر الكريم.