الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سفير الحـب الذى لم تختفِ ابتسامته يومًا

وقف الفنان «سمير صبرى» على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية متكئًا على عكازه فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الماضية، كانت قد أوكلت إليه مهمة تسليم جائزة الهرم الذهبى للفنانة «نيللى» فأدى المهمة بحماس شاب فى العشرين، وخلق على المسرح حالة من البهجة، وطاقة من الحب، ومزيجًا فريدًا من الثقافة الموسوعية والحضور الطاغى، والبديهة الحاضرة، والسعادة التى جعلته ينسى أمر العكاز تماما وينسى المرض الذى ألم بجسده وأخفاه عن أقرب المقربين إليه.



فى الكواليس بدت خطواته أبطأ وملامحه تبدو عليها ألم مستتر وكأن من يسير تلك الخطوات المتثاقلة ليس هو ذات الشخص الذى كان يملأ المسرح بهجة وانطلاقا قبل دقائق، الأمر ذاته تكرر فى ندوته بمعرض الكتاب قبل شهر، حيث كانت المرة الأولى التى يظهر على كرسيه المتحرك أمام الجميع، لم يفكر حينها أن يعتذر عن لقاء الجمهور الذى يجد سعادته فى رؤيتهم، ويجدون هم فى حكاياته الونس، والوفاء، والقيم الغائبة عنهم هذه الأيام.

 مؤسسة فنية

هذان الموقفان رغم بساطتهما يمكن اعتبارهما شاهدا على الطريقة التى يفكر بها «سمير صبرى» والتى مهدت له القرب من كل نجوم السياسة والفن والأدب، فتأثر بهم وتعلم منهم، وعرف معنى أن يكون فنانا صاحب عطاء مستمر لا يتوقف، وأن يفعل ما يحب لا ما تفرضه عليه الظروف، لذلك، تحول «سمير صبرى» إلى مؤسسة فنية متكاملة، فهو الممثل الذى تجاوز عدد أفلامه الـ130 فيلما بعضها أصبح من كلاسكيات السينما المصرية مثل (وبالوالدين إحسانا، التوت والنبوت، الجلسة سرية، البحث عن فضيحة) وهو المنتج الذى أنتج للسينما 20 فيلما منها (السلخانة، جحيم تحت الماء، دموع صاحبة الجلالة، أهلا يا كابتن، منزل العائلة المسمومة، نشاطركم الأفراح) وهو الفنان الاستعراضى ومؤسس واحدة من أهم الفرق الاستعراضية التى كانت قاسما مشتركا فى الأفراح الكبرى، وهو من كانت أغنياته فى الأفلام أو على خشبة المسرح سببا فى بهجة توارثتها الأجيال، وهو الإعلامى صاحب العديد من البرامج المهمة مثل (النادى الدولي) نقطة انطلاق العديد من النجوم، والمحاور الذى حاور كبار أهل السياسة والفن والثقافة منهم (السلطان قابوس، موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ، أم كلثوم، فريد شوقى، مصطفى أمين، يوسف إدريس، توفيق الحكيم، يوسف السباعى) وغيرهم كما انفرد بما لم ينفرد به غيره فحاور (الملاكم محمد على كلاى، الملكة فريدة، الجاسوسة إنشراح موسى) وأسس لبرامج الاستقصاء التليفزيونى بالعديد من الحلقات أشهرها على الإطلاق حلقات (لغز رحيل السندريلا) الذى قام بتصويره بين لندن والقاهرة، وهو المؤرخ الفنى صاحب أجمل الحكايات والذكريات عن نجوم الزمن الجميل.

 روشتة علاج 

قبل سنوات، التقيت الفنان «سمير صبرى» فى مهرجان الجونة السينمائى، تواجد هناك كأحد الضيوف المدعوين بالطبع، لكن الغريب أنه كان متكفلا بنفقات وفد من الإذاعة المصرية لتغطية الفعاليات، حيث لم يتم دعوتهم من قبل إدارة المهرجان، ولم تتحمس الإذاعة بالطبع لإرسالهم، كان فى نفس الوقت قد بدأ فى تقديم برنامجه الإذاعى (ذكرياتي) بشكل تطوعى على إذاعة الأغانى، دون أن يتقاضى أى أجر، وقد سألته يومها عن سر حماسه للإذاعة المصرية بهذا الشكل، وفوجئت من إجابته، ليس فقط لأنها تحمل قدرا من الوفاء أصبح عملة نادرة فى هذا الزمان، لكن لأنها احتوت على ما يمكن تسميته بروشتة علاج، ووسيلة لخروج ماسبيرو من كبوته، حيث قال: (عز على أن لا تقوم الإذاعة المصرية بتغطية المهرجان، وأنا أعتبر أن مبنى ماسبيرو هو من صنعنى، وبينى وبينه قصة عشق لا تنتهى، وإذا كنت تتعجبين من تقديمى برنامجا إذاعيا بلا أجر، فأنا أقسم لك أننى على استعداد أن أقدم برنامجا تليفزيونيا على إحدى قنواته دون أجر أيضا، تماما كما أهديت العديد من الأفلام التى قمت بإنتاجها للتليفزيون، ومنحت قناة نايل سينما حق عرضها لمدة عامين، فلدىَّ رغبة حقيقة فى إنقاذ ماسبيرو، وهو الأمر الذى لن يحدث إلا إذا تمت الاستعانة بأشخاص لديهم فكر، وليسوا أشخاصا عاشوا كل مراحل التدهور، وكانوا إحدى مسبباته) وعندما سألته عن مقترحاته تحدث طويلا عن ضرورة عودة لجان اختيار البرامج، والتوقف عن انتهاج سياسة الصوت الواحد داخل المبنى العريق ثم قال (اقترح أن تشكل لجنة استشارية تطوعية من يمتلكون خبرات وكفاءات لا تعوض من أبناء المبنى المخلصين مثل إيناس جوهر، سناء منصور، فهمى عمر، سمير صبرى، وآخرين، لتضع خطة لإنقاذ المبنى، وأكرر لجنة تطوعية دون أجر، فليأخذوا كل أموال الدنيا، ويتركوا لنا ماسبيرو العظيم).

 أياد بيضاء

أيادى «سمير صبرى» البيضاء لم تقتصر على ماسبيرو فقط، ففى العام الماضى فاجأ الجميع بالتبرع بملابس فرقته الاستعراضية إلى قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية بوزارة الثقافة الذى يرأسه الدكتور «عادل عبده» حيث كان يحتفظ بها كل هذه السنوات فى ثلاجات حتى يحميها من التلف، نظرا لكونها ملابس غالية الثمن، تم تصميمها خصيصا لفرقته لكنه أدرك فى وقت ما أن عليه أن يتبرع بها، فخاطب وزارة الثقافة، وآلت الملابس إلى أعضاء فرقة مسرح البالون الذى لطالما وقف على خشبته «سمير صبرى» وكان آخرها مسرحية بعنوان (قطط الشوارع) عن رواية (أوليفر تويست) لـ«تشارليز ديكنز» وكانت من إعداد وكتابة «بهاء جاهين» وإخراج «عادل عبده».

 صداقة ووفاء 

يبدو أن حب «سمير صبرى» للخير أمر مغروس فيه منذ الصغر، وقد كان أستاذه الإنجليزى فى مدرسة كلية فيكتوريا يسأله هو وزملاؤه كل صباح (هل أدخلتم السرور على قلب أحد ليلة أمس؟ هل كنتم سببا فى ابتسامة شخص حزين؟) وبالتالى تعود «سمير صبرى» على هذا الأمر منذ الطفولة، ولا يخفى على أحد وفاءه لزملائه، وأصدقاؤه، ووقوفه بجانبهم ولا سيما فى فترات خريف العمر، وانفضاض الأصدقاء، فقد كان البطل الأوحد فى حياة بعض النجوم حينما انحسرت عنهم الأضواء، والرفيق الذى يذكرهم حين ينسى وينشغل الجميع، فقد رافق «تحية كاريوكا، أمينة رزق، آمال فهمى، مديحة يسرى» وقائمة طويلة من النجوم، وقد كان يؤلمه ما شعروا به من مرارة، وما أصابهم من خذلان من أقرب الناس إليهم، والحقيقة أن كم المشاعر النبيلة التى منحها «سمير صبرى» على مدار حياته، عادت إليه أضعافا بمجرد إعلان خبر مرضه، حيث التف أصدقاؤه حوله وشملوه بالحب والرعاية، وابتهل الجمهور إلى الله أن يمد فى عمر فنان أسعد قلوبهم بفنه، أما الرئيس «السيسى»، فقد وجه بعلاج الفنان الكبير على نفقة الدولة، الأمر الذى حقق له سعادة غامرة، ودفعه لشكر الرئيس، والتعليق بأن عمره لم يذهب هباء، كما أصدرت بدورها نقابة المهن التمثيلية بيانا باسم فنانى مصر، تقدمت من خلاله بأسمى آيات الشكر والعرفان لفخامة رئيس الجمهورية السيد الرئيس «عبدالفتاح السيسى» حيث أشاد البيان بموقف سيادته الداعم للفن والفنانين المصريين ليعكس رؤيته المستنيرة، لدور الفنون فى النهوض بثقافة الشعوب وبناء الإنسان، وبهذا يكون الرئيس قد أمر بعلاج أربعة فنانين على نفقة الدولة فى الآونة الأخيرة، وهم الفنانة «فاطمة كشرى» التى استغاثت بالرئيس «السيسى»، بعد تعرضها لخطأ طبى أثناء عملية جراحية، وعلى الفور استجاب الرئيس لهذه الاستغاثة، والفنان «شريف دسوقى» الذى أمر الرئيس «السيسى» بعلاجه وتقديم كافة الرعاية له على نفقة الدولة، كما أمر بصرف معاش استثنائى له، عقب خضوعه لعملية بتر بقدمه، على خلفية إصابته بمرض السكرى، والمطرب «على حميدة» بعد أن تعرض لأزمة صحية شديدة قبل رحيله، إذ إنه كان مصابًا بالمرارة، وكان يعانى من وجود حصو بالكلى، وأخيرا، الفنان القدير «سمير صبرى» الذى ظل أكثر من عام يعالج بعلاج كيماوى استنزفه ماديا، وكان لا بد من تدخل رئاسى لإنقاذ الوضع.

 مشاريع مستقبلية 

دائما ما يخطط الفنان «سمير صبرى» للمستقبل، ويمنح الأولوية لعمله وفنه حتى وإن جاء ذلك على حساب صحته، وبحسب مخرج برنامجه الإذاعى (ذكرياتي) المخرج «محمد تركى» فقد سجل الفنان مادة كبيرة تصنع حلقات بمجرد شعوره ببوادر الوعكة صحية، لذلك طلب من «تركى» الذى لازمه طيلة 6 سنوات هى عمر البرنامج أن يسجل معه حلقات احتياطية، حتى يذيعها على مدار الأسابيع القادمة، ليضمن الفنان القدير ألا ينقطع صوته عن الإذاعة التى عشقها حتى فى فترة مرضه، ومع ذلك فقد كانت حلقة الثلاثاء الماضى حلقة استثنائية بكل المقاييس، حيث سجلها من داخل المستشفى، مستغلا زيارة النجمة «ليلى علوى» للاطمئنان عليه لتشاركه الحديث والغناء داخل الحلقة، وقد وجه «سمير صبرى» من خلال تلك الحلقة الاستثنائية رسالة شكر وامتنان للجمهور الذى لم يكف عن السؤال عنه. 

أما المشروع الآخر الذى عكف «سمير صبرى» على الإعداد له فقد كان الجزء الثانى من الكتاب الذى يتناول سيرته الذاتية، والذى صدر الجزء الأول منه العام الماضى تحت عنوان (حكايات العمر كله) محققا نجاحا كبيرا، حيث شعر القراء من خلال حكاياته التى تضمنها الكتاب بقدر كبير من الصدق والتفرد، حيث شمل الكتاب حكاياته مع أهل الفن والثقافة والأدب، وكواليس الكثير من حواراته الناجحة، وعلاقاته الممتدة مع الرؤساء والملوك، وكان من المفترض أن يتضمن الجزء الثانى كواليس أفلامه وأعماله الفنية المختلفة، وبحسب تصريح خاص من الناشر «محمد رشاد» رئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية التى قامت بطباعة الجزء الأول من الكتاب فإن الجزء الثانى لا يزال قيد الإعداد، حيث اتفق الفنان «سمير صبرى» مع الدار على تسليمهم الجزء الثانى من الكتاب لنشره، لكن الوعكة الصحية التى ألمت به على مدار العام الماضى ساهمت فى تعطيل المشروع الذى يستكمل من خلاله الفنان الكبير توثيق تجربته الملهمة التى استحق عن طريقها أن يكون (سفير الحب) كما لقبه «أنيس منصور» و(أميرالبهجة) كما أطلق عليه «يوسف إدريس» و(صديق الكاميرا) كما قال عنه «خيرى شلبى» و(حبيب الملايين) الذين ينتطرون عودته إليهم.