الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

9 مقالات فى «روزاليوسف» و6 مقالات فى «الرسالة» و«الأخبار» تثبت أنه بـ(100 وجه) «متعدد الأقطاب» «سيد» شياطين الإرهاب!

تنطوى مقالات سيد قطب التى كتبها فى المدة بين قيام ثورة 23 يوليو وحتى اختلافه معها، على أهمية خاصة تتعلق بالأفكار والآراء التى أعلنها، ففى نظره مصر ليست كيانًا مستقلاً بذاته، ولا وطنًا خاصًا بنا، ونحن معنيون به؛ بل هى جزء من الجبهة الإسلامية، وبالتالى لا مكان لمعنى الوطنية التى ناضل المفكرون المصريون لإرسائها منذ رفاعة الطهطاوى وحتى طه حسين، ولا اعتبار للقومية؛ بل القطاع الإسلامى كله.



وكما يقول المؤرخ حلمى النمنم فى كتابه (سيد قطب وثورة يوليو) لو آل إليهم حكم البلاد، فإن تلك هى قواعدهم ومبادئهم فى الحكم، وأنصار سيد قطب فى أفضل أحوالهم لن يخرجوا عن القواعد التى قررها من قبل، وإن كان قد أضاف إليها بعد ذلك ما هو أسوأ وأظلم.

عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، كان سيد قطب قد أخذ فى الابتعاد عن الحياة الأدبية، وبدأ يهجر دنيا النقد الأدبى منذ عودته من الولايات المتحدة فى نوفمبر 1950، وانصرف بمقالاته إلى انتقاد الأحوال الاجتماعية والسياسية العامة فى مصر، وكان قد أصدر كتابه «معركة الإسلام والرأسمالية»،  وكان الكتاب فى الأصل مقالات؛ حيث كان يجمع كل سلسلة من المقالات فى كتاب إلا سلسلة مقالاته التى نشرها لتأييد الضباط الأحرار والثورة التى وصلت لحد المزايدة عليها ومطالبتها باستبعاد الجميع، أحزابًا وجماهير وسياسيين وكتابًا وفنانين لكى لا يبقى على الساحة إلا الإخوان!! 

وفى كتب الإخوان بالغ بعضهم فى وصف الصلة بين سيد قطب والضباط إلى حد الادعاء أن منزله كان مقرًا لمجلس قيادة الثورة وأنه شارك فى الإعداد لقيامها.

لكن الصحيح والثابت أن سيد قطب كان من أشد الكُتَّاب تحمسًا فى تأييد ضباط يوليو، بعد قيامهم بحركتهم وخلع الملك فاروق، قبل أن ينقلب هو وجماعته ليكشفوا وجههم الحقيقى الدموى وتتعرى انتهازيتهم السياسية والثورية للجميع.

نحن هنا لسنا بصدد تحليل كتاباته من حيث المحتوى بشكل نقدى، فكتاباته كلها إنشائية فى الكثير منها  كما وصفها الكاتب حلمى النمنم، وعن عمله وأفكاره فيكفى ما قال عنه الشيخ محمود شاكر المحقق والمدافع القوى عن اللغة العربية وتراثها فى أحد حواراته بأن وصفه بأنه (جاهل كبير). 

وعن أخلاقه وشخصيته فلا أبلغ من وصف أديب نوبل نجيب محفوظ الذى كتب عنه فصلًا كاملًا فى كتابه «المرايا» الذى كان مجموعة من البورتريهات عن شخصيات معظمها حقيقية وخصص له فصلًا واختار له اسمًا مستعارًا هو «عبدالوهاب إسماعيل» فقال عنه (استقر فى نفسى رغم صداقتنا نفور دائم منه)، وتحدث عن جانب انتهازى فى شخصيته وعن تعصب شديد ضد غير المسلمين وقال أيضًا (لم أرتح أبدًا لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين الحادتين).

الجانب الانتهازى فى شخصيته الذى أشار له نجيب محفوظ - والذى تعرض لمحاولة اغتيال لاحقًا على يد أحد أتباع الفكر القطبى - هذا الجانب العفن يبرر موقفه وكتاباته عن الإخوان قبل أن ينضم إليهم ففى مجلة الرسالة بتاريخ 6 يناير 1947 كتب مقالًا بعنوان «قيادتنا الروحية» قال فيه: «هنالك جماعات تدعو دعوات إسلامية ولكنها جماعات هزيلة الروح ناضبة خامدة أضعف من أن تنفخ فى هذا الجبل الهابط المنحل»؛ ولكن بعد ثورة يوليو وبعد أن تلاقت انتهازيته السياسية مع انتهازية جماعة الإخوان فى لحظة اضطراب المشهد السياسى عقب ثورة أطاحت بالملك وكانت تحارب للتخلص من المستعمر أصبح قطب محبًا وعضوًا وداعمًا وأحد قادة الإخوان بل والأب الروحى لكل الجماعات الإرهابية التى ولدت من رحم الإخوان بعد ذلك. 

نحن هنا نعيد قراءة ونشر مقالاته عن ثورة يوليو ومحاسنها ولنُذكِّر جماعة «الخونة المخربون» بأن أيقونتهم وبطلهم وشهيدهم وقطبهم العارف بالله كان أفاقًا متلونًا لا كرامة ولا شرف له.

 فثورة يوليو التى كفر بها هو وجماعته بعد ذلك كان أول من هتف لها ولمبادئها وزايد عليها وهو يرتدى عباءة الناصح الأمين وحامى حمى الثورة من خلال 15مقالًا نُشرت 9 منها على صفحات مجلة روزاليوسف والـ6 مقالات الأخرى نُشرت على صفحات الأخبار ومجلة الرسالة.

فى هذه المقالات كان سيد (متعدد الأقطاب) ومتلون الأفكار هو أول من أطلق عليها وصف ثورة فى أول مقالاته بروزاليوسف ثم قدم تنظيرًا وتأصيلًا لشرعيتها من منطلق الثورية وشهد لها بأنها ثورة بيضاء لم تسئ لأحد ولم تتلوث بقطرة دماء. 

 مقالات سيد قطب عن الثورة 

1- «استجواب إلى البطل محمد نجيب» جريدة الأخبار 8 أغسطس 1952.

2- «حركات لا تخيفنا»  جريدة الأخبار 15 أغسطس 1952.

3- «إذا لم تكن ثورة فحاكموا محمد نجيب» مجلة روزاليوسف  19 أغسطس 1952.

4- «أدب الانحلال»  مجلة الرسالة 25 أغسطس 1952.

5- «من مصلحة كبار الملاك أن يخضعوا للثورة» مجلة روزاليوسف  26 أغسطس 1952. 

6- «الثورة تتسكع على أبواب الدواوين» مجلة روزاليوسف  2 سبتمبر 1952.

7- «صححوا أكاذيب التاريخ» مجلة الرسالة 8 سبتمبر 1952.

8- «تجريد الثورة من عناصر القوة الشعبية» مجلة الرسالة 10 سبتمبر 1952. 

9- «الجماهير ليس لها شيء من صبر أيوب» مجلة روزاليوسف 10سبتمبر  1952. 

10 - «خطر إجراء العملية بسلاح ملوث» مجلة روزاليوسف 22 سبتمبر  1952.

11- «أخرسوا هذه الأصوات الدنسة» مجلة الرسالة 22 سبتمبر 1952. 

21- «هذه الأحزاب غير قابلة للبقاء» مجلة روزاليوسف 29 سبتمبر 1952. 

31- «شعب ورجل» مجلة روزاليوسف  6 أكتوبر 1952.

41- «نحن الشعب نريد»  مجلة الرسالة 6 أكتوبر 1952. 

51- «لسنا عبيدًا لأحد»  مجلة روزاليوسف 20 أكتوبر 1952.

ثورة بيضاء

كان سيد قطب من أوائل الكُتَّاب الذين هتفوا لثورة يوليو وأيدوها وكان مقاله فى جريدة الأخبار يوم 8 أغسطس 1952، بعنوان  «استجواب إلى البطل  محمد نجيب» مجرد إحماء قبل النزول إلى الملعب وجاء المقال أقرب إلى أن يكون خطابًا مفتوحًا إلى نجيب، أعلن فيه الكاتب أنه ليس هو المتحدث إليه، وأنه لا يعبر عن فئة أو جماعة بعينها، ولكنه يتحدث باسم الشعب المصرى أو الملايين الذين باسمهم قد عزلت الملك الراحل، وباسمهم قد أعلنت ميلاد فجر جديد.

لكن البداية الحقيقية لمقالات التأييد والدعم للثورة وأفكارها كانت فى مقال نُشر فى 19 أغسطس 1952 - بمجلة روزاليوسف - حمل المقال عنوان «إذا لم تكن ثورة.. فحاكموا محمد نجيب»!  

استعمل فى المقال كلمة «ثورة» لوصف ما حدث وكان مستمرًا وطالب فى المقال بأن تمتد الثورة إلى كل مناحى الحياة فى مصر، ووضع فى المقال الأساس النظرى لما صار يعرف فيما بعد «بالشرعية الثورية» فى مواجهة الشرعية الدستورية.. 

يقول سيد قطب: «إن منطق الثورة معناه استلهام الموقف الجديد الذى لم يكن فى حساب الدستور ولواضعى الدستور... لأنهم كانوا يعيشون بمنطق غير منطق الثورة، وفى مجتمع غير مجتمع الثورة، إن دستور سنة 1923 قد مات فى عالم الواقع ولن يمكن بعثه إلا إذا ماتت الثورة وانتكست الخطوات الحاسمة التى نقلت الوطن من وضع إلى وضع، وأنشأت مجتمعًا جديدًا، لا علاقة لهم بذلك الماضي.

والفكرة واضحة.. الثورة أو دستور23، لا بقاء للاثنين معًا، وما دامت الثورة قائمة فيجب أن نتخلص من هذا الدستور، وألا نبحث فيه، ولا نتأمل فيه لحل قضايانا وباختصار مات هذا الدستور».

ويؤكد سيد قطب «أن سبب الانكباب على دستور 1923 وغياب الوعى بمنطق الثورة لسبب أساسى هو الطريقة السلمية الحكيمة التى تمت بها ثورة الجيش دون إراقة دماء، ودون اضطراب فى الأمن بل دون أن يحس أحد أن شيئًا من يوميات حياته قد تأثر».

ويضيف: «والذى يجب أن ندركه أن تغييرًا شاملًا لا بُد أن يقع، ولن يقع هذا التغيير الشامل قبل أن نفقه منطق الثورة، وأن نكيف أنفسنا وفق هذا المنطق بلا تردد ولا إبطاء».

 الإفراج عن الإخوان المجرمين

لم ينتظر قطب طويلًا ودخل إلى صلب الموضوع طالب بالتخلص من الجميع واستبدالهم بالإخوان، ولكى لا تكون المطالبة فجة فطالب أيضا باليساريين وبعض التنظيمات الأخرى أراد قطب سجن الجميع لمجرد أنهم عاصروا العهد السابق أو حولهم شكوك والإفراج عن قتلة الخازندار والنقراشى ليكونوا جنود الثورة !!!!  ففى مقاليه الثانى والثالث على صفحات روزاليوسف قطب لم يكتف بإطلاق مسمى ثورة وتكراره وتفنيده وإيجاد شرعية له بل يكمل شرح رأيه ومطلبه بأن تسود الثورة كل مناحى الدولة المصرية، والأجهزة الحكومية فى المقال المنشور فى عدد 2 سبتمبر 1952 - بعنوان «الثورة تتسكع على أبواب الدواوين»!

يقول سيد قطب: «هذه الثورة كلها بجلالة قدرها لا تزال - إلى حين كتابة هذه السطور - تتسكع على أبواب الدواوين - فى كل وزارات الدولة، ولا يسمح لها أحد بالدخول، والسبب فى هذا كلمة واحدة «التطهير» الذى لم يتم بعد، ولم يحدث إلا فى الجيش، لم تسر الثورة فى طريقها الصحيح. لقد عرفت طريقها القويم الوحيد فى الجيش وحده.. إنها هناك بترت اللحم المتعفن كله واللحم الميت كله حتى وصلت إلى اللحم الحى فوقف المشرط لينمو اللحم الحى نموه الصحيح.. لقد عزلت الكبار من فوق ثم نزلت طبقة حتى وصلت إلى الشباب.. مثل هذا التطهير لم يقع مثله فى الجيش فى دواوين الحكومة وهذه هى العلة علة الركود.

وعود.. وعود.. وعود تلك هى عقلية الجيل الذى شاخ والذى لا يزال هو المسيطر على مقاليد الأمور فى الدولة.. الجيل الذى يتكلم كثيرًا ولكنه يصاب بالشلل عندما تكون المسألة مسألة أفعال لا أقوال.. الجيل الذى يقف أمام القوانين الرجعية وقفة التحرج والتقديس،  إن هذا الجيل لن يؤمن أبدًا بالثورة ولن يتقبلها ولن يخلص لها إن هناك عداءًً خفيًا ضد الثورة يكمن فى مشاعر ذلك الجيل، ومحال أن يتخلص من ذلك العداء الخفى وألف ثورة لا يمكن أن تغير عقلية أولئك الكبار».

وانطلق سيد قطب يحدد من أسماهم «الحلفاء الطبيعيون للنظام» وكذلك «الأعداء الطبيعيون له»!

ويعود إلى الإلحاح على عملية التطهير فيقول فى مقاله «لقد كان منطق الثورة يقتضى أن نكون قد فرغنا اليوم من عملية التطهير.. وأطحنا بالرءوس الفاسدة كلها، على نفس الطريقة التى أطحنا بها برأس فاروق،... ما لم يتم بالأمس يجب إتمامه اليوم بنفس القوة وبنفس السرعة التى عُزل بها الرأس الأول.. بقاء الرءوس وفى أيديها المال والمجد السابق. والصحافة ووسائل التهريج والتهويش.. يتيح لها كل يوم أن تنخر فى جدار الثورة، وأن تستعين بالجماهير ذاتها فى عملية الهدم والتقويض».

وهو هنا كما فى معظم كتاباته، فى تلك الفترة لا يثق بالجماهير وبالشعب، فهم فى رأيه ينقادون للأعلى صوتًا، وعلى الثورة أن تكون هى الأقوى والأعلى، أما قدرة تلك الجماهير وحقها فى الاختيار والتميز، فلا موضع له فى كتابات وأفكار سيد قطب!

وهو ما يقودنا إلى الفريق الثانى من الحلفاء الطبيعيين للثورة، وهو المقصد لديه.. هؤلاء الحلفاء هم الهيئات المنظمة نجدها ممثلة فى الإخوان المسلمين والاشتراكيين والوطنيين وبعض الشباب المتحرر فى بعض الأحزاب القديمة أو خارجها ممن كافحوا العهد القديم.

وهى تنظيمات تشترك كلها فى أنها ذات «اتجاهات فاشية»،   لكنه يرى  أنهم يجب أن يكونوا جند الثورة من اليوم الأول وأن تستند إليهم الثورة فى مقاومة نفوذ الأحزاب الملوثة القديمة فى الأوساط الشعبية.

وتتكشف النوايا الحقيقية لسيد قطب من كل هذه التقدمة والتنظير فيقول «هناك ما يشبه العزلة بين الثورة وبين قيادة الإخوان المسلمين، الكتلة الشعبية الضخمة وشباب الإخوان لايزال فى السجون».

هنا يتجلى الهدف من وراء كل ذلك فالذين كانوا فى السجون من الإخوان هم الذين حوكموا وأدينوا فى قضية مقتل القاضى المستشار الخازندار واغتيال النقراشى!!

 تهديد بالعنف 

عقب الثورة مباشرة كان من أهم الموضوعات المطروحة تحديد الملكية الزراعية وتقسيم الأراضى على الفلاحين وكان هناك خلاف ضخم على عدد الأفدنة التى تترك لأصحابها كحد أقصى وهنا يتدخل سيد قطب فى الموضوع بالكتابة، محذرًا ومنذرًا كبار الملاك ففى مجلة روزاليوسف - عدد 26 أغسطس 1952، كتب مقالًا بعنوان «من مصلحة كبار الملاك أن يخضعوا للثورة».

أعلن تأييده لمقترح مجلس قيادة الثورة بتحديد الملكية الزراعية؛ لكن الأخطر أنه هدد بشكل مباشر الملاك بأنهم إن لم يقبلوا المقترح سيتعرضوا لهجوم الجماهير والشعب لتطبيق ذلك ملوحًا بقدرة الجماعة على تحريك أنصارها فى الشارع كسلاح فى وجه الملاك وعرض تقديم خدمات للتقرب من الثورة .

فيقول: «إن الجيش كهيئة نظامية قد استطاع أن يحقق الثورة بدقة وإحكام ودون إراقة دماء، كما استطاع أن يسير فيها بعد ذلك بقدم ثابتة.. وكلما تقدم فى الطريق تجلت عبقرية القيادة كما تجلت عناية الله الملحوظة.. ومن ثم فإن كبار الملاك قد استفادوا من تلك العبقرية لأن رءوسًا  كثيرة جدًا كانت ستطيح بالحق وبالباطل.. ومن رحمة الله الملحوظة بهذا البلد - وبالرءوس الكبيرة فيه على وجه خاص - أن الذى تولى تحقيق الثورة هو الجيش باسم الشعب ولم يكن هو الشعب بأيدى الجماهير.

هذه اليد النظيفة الأمينة قد صانت الثورة من هذا كله، وليست المسألة هى النظام وحده، ولكنها النظافة والأمانة. فالمثل التى تعرضها قيادة الثورة فى هذه الأيام مثل نادرة فى تاريخ البشرية كلها، مثل لم تقع إلا فى مطالع النبوات».

وينتقل سيد قطب إلى الحديث عن الذين يعترضون على تحديد الملكية أساسًا، ويصفهم بالحمق فيقول «الذين يقاومون الثورة المنظمة بنفوذهم وأموالهم.. الذين يدسون لها فى الظلام ويحاولون تعويقها عن أهدافها.. هؤلاء كلهم حمقى! إنهم يحفرون قبورهم بأيديهم - إنهم لا يريدون أن  يشكروا نعمة الله عليهم».

وتجد فى كل مقال تهديدًا بالعنف وتحريك الجموع للقتل والسلب والنهب وتحريضًا غير مباشر وزرعًا لفكرة العنف والقتل والتدمير مغلفًا بكلام ظاهره الحرص على المصلحة العامة.

 إخلاء الساحة للجماعة!

كان سيد قطب يحمل رفضًا خاصًا وكراهية للأحزاب القائمة، وخاصة الوفد.. وفى صفحة حياته يجرى الحديث عن انضمامه للوفد فور تعرفه على العقاد عقب مجيئه إلى القاهرة، وأنه ظل عضوًا فى الوفد حتى سنة 1942، حيث استقال منه،  ولم ينضم إلى أى حزب بعد ذلك.. والثابت لدينا فى مقالاته، هجومه الشديد على الأحزاب جميعها وربما كان ما يخطط له أن تخلو الساحة للإخوان وحدهم بعد حظر الأحزاب فكتب سيد قطب مقالًا بعنوان  «هذه الأحزاب غير قابلة للبقاء»  نشر على صفحات مجلة روزاليوسف عدد 29 سبتمبر 1952. 

وجاء المقال بعد أن طلبت  قيادة الثورة من الأحزاب أن تطهر نفسها وصفوفها من الفاسدين لكن قطب فسر المسالة بأن استمرار هذه الأحزاب يعنى أنها كانت مشاركة للملك فى فساده. 

وأن حل جماعة الإخوان ومقتل حسن البنا قبل يوليو دليل على طهارتها ونقاء أفرادها محاولا طمس حقيقة أن الجماعة حلت بسبب جرائمها وقيامها باغتيالات وتفجيرات سطرت فى كتب التاريخ بحروف من الدم. 

لكنه كتب مقالته محاولًا رمى الآخرين بالاتهامات وخلط الأوراق فقال «هذه الأحزاب ليست صالحة أصلاً للبقاء، وليست بقادرة كذلك على البقاء.. إنها ستتفتت وتنهار سواء طلب الجيش ذلك أم لم يطلبه، لقد استوفت أيامها وعاشت بعد أوانها، وسواء احتفظت برؤسائها أم لم تحتفظ فهى فى طريقها إلى الزوال».

ويؤكد أن الأحزاب لا تعبر عن الجماهير ولا عن مصالحها. 

والحقيقة أن الوفد، رغم  أنه كان  دائمًا حزب الأغلبية؛ فإن الملك كان يكن كراهية خاصة لهذا الحزب ولزعيمه النحاس.

وعندما حاولت الأحزاب أن تتجنب قرار إلغاء الحياة الحزبية والعمل على تنقية قوائمها من الأسماء محل الشبهات وبدأت مساعى واجتماعات مع مجلس قيادة الثورة للوصول إلى حلول وسط كان سيد قطب على علم بتلك الاتصالات، فأخذ يقلل من جدواها، ويتمنى إنهاءها، ويحذر منها، ففى مقال نشر بمجلة روزاليوسف عدد 10 سبتمبر 1952 - بعنوان «تجريد الثورة من عناصر القوة الشعبية»، حيث لا يتردد سيد قطب فى أن يعلن أن هدف الثورة الحقيقى هو القضاء على الأحزاب القائمة، وإنهاء وجودها، ولنلاحظ هنا أنه يتحدث باسم الثورة يقول: «ما كانت ثورة الجيش الأخيرة إلا التعبير المباشر عن الكفاح الشعبى فى صورته الأخيرة.. وهو كفاح ضد الإقطاعية الرأسمالية وضد استغلال النفوذ، أى أنه كفاح ضد الوفد والأحزاب القديمة، لا بوصفها الحزبى، فالجيش بعيد عن ذلك الصراع الحزبى، ولكن بوصفها ممثلة لذلك العهد الذى قامت الثورة لتعلن نهايته الأخيرة».

وحاول أن يرصد الأعداء والحلفاء بناء على قاعدة حددها وهى أن حياة أى نظام تتوقف على نسبة حلفائه الطبيعيين فى الشعب، وقبل أن يبحث عن هؤلاء الحلفاء راح يعدد الأعداء، وقسمهم إلى فئات ثلاث على النحو التالى:

أولًا: «كبار الملاك» الإقطاعيون والرأسماليون.

ثانيًا:  «قادة الأحزاب» رجال الأحزاب القديمة الذين نشأوا على أن يستغلوا كتلة الشعب وثقة الجماهير فى تولى الحكم والانتفاع بجاهه وسلطانه فى الثراء.

ثالثًا: «السياسيون» رجال السياسة المحترفون، الذين تطفئ الثورة أسماءهم وتؤخرهم إلى الصف الثانى أو الثالث من الأهمية، ولا تتركهم ينتهزون فرص الأزمات ليبرزوا فى المقدمة.

والحقيقة أن تلك الكلمات لم تكن سوى أفكار إنشائية، تسعى إلى إحداث قطيعة حادة مع مرحلة تاريخية بأكملها، بكل رجالها وتياراتها البارزة، وقد كان متجنيًا، فلم يكونوا جميعا بهذا السوء، حاولوا قدر ما استطاعوا فى ظل ملك لم يكن فى مستوى المسئولية واحتلال بريطانى يضغط بكل ثقله ويعرقل محاولات التحرر والاستقلال!

وفى تلك الفترة كان هناك رأى بأن على الثوار أن يمدوا أيديهم إلى رجال الأحزاب والسياسيين ويستعينوا بهم، وكان لهذا الرأى صدى داخل مجلس قيادة الثورة ذاته، وحقيقة أن الثورة استعانت ببعضهم فى بداية الأمر.

 موقف روزاليوسف 

قبل أن يتعجب القارئ كيف لمجلة عريقة مثل روزاليوسف أن تسمح لأفاق مثل سيد قطب النشر على صفحاتها وفى وجود السيدة فاطمة اليوسف وإحسان عبدالقدوس وقامات كبيرة يجب أن تعلم أن أول مبادئ الحرية أن تؤمن بمنحها للغير قبل أن تطالب بها وهكذا كانت روزاليوسف فهى لم تغلق بابها أمام ناشر ولكن كان لأبنائها حق الرد الذى جاء فوريًا وعلى صفحات المجلة تولى الرد فى روزا اثنان من كتابها هما «أحمد بهاء الدين» و«إحسان عبدالقدوس»، الذى كان رئيسًا للتحرير.

كانت ردود أفكار بهاء عامة فى الدفاع مبدئيًا عن الديمقراطية وضرورة التمسك بها وعدم التخلى عنها!

أما إحسان فقد تولى تفنيد أفكار وآراء سيد قطب،  كل مقال على حدة «كتب إحسان عبدالقدوس» - روزاليوسف عدد 29 ديسمبر 1952 - «إننا لن نقضى على الفساد بالقوانين الاستثنائية ولن نقضى على الفساد بالقوة، بل بالعكس إن القوانين الاستثنائية والقوة تحمى الفساد وتضلل الشعب عن مواطنه، وتثير فى نفوس الجماهير عطفًا غبيًا على المفسدين».

ويتحدث إحسان عن العهد الجديد وإجراءاته قائلًا: هذا العهد الجديد قام بحمل هذه الفكرة الشعبية.. فهو عهد قوى بها بهذه الفكرة الشعبية.. وهو بها أقوى من أن يحتاج إلى قوة الحاكم، وهو بها أقوى من أن يحتاج إلى إعلان الرقابة على الصحف، وهو بها أقوى من أن يحتاج إلى فرض قوانين استثنائىة كقانون الأحزاب أو كقانون الغدر السياسى.. وهو بها أقوى من أن يخاف الحرية الشعبية، وأقوى من أن يخاف الأخطاء المتعمدة أو غير المتعمدة التى قد يرتكبها بعض الأفراد باسم هذه الحرية.

ويطرح إحسان مجموعة من التساؤلات على «العهد الجديد» هذه القوانين التى تصدر مقيدة لحريات المفسدين لماذا لا تقابلها قوانين أخرى تصدر مطلقة لحريات الصالحين؟ أين الدستور المؤقت الذى يضمن مبادئ الحريات العامة خلال فترة الانتقال المؤقتة التى قد تستمر سنة أو سنتين ولا أغالى إذا قلت خمس سنوات.

وأين البرنامج المرسوم للعهد الجديد الذى يحق للصالحين أن يؤمنوا به ويشتركوا فى تنفيذه.

وفى مقال آخر - روزاليوسف 9 فبراير 1953 - كتب إحسان عبدالقدوس يقول: «إذا كفل الدستور المؤقت للشعب حقه فى حريته، فيجب أن يكفل الحاكمون للشعب حقه فى ممارسة هذه الحرية؟ وأوضح مظاهر هذه الحرية هى حرية المعارضة ما دامت معارضة شريفة صريحة تستهدف المصلحة العامة ولا تقوم على الدس والتآمر، ولن ننتصر - نحن مؤيدى هذا العهد - إلا إذا كانت هناك معارضة تنتصر عليها. ولن تنتصر هيئة التحرير - مثلا - إلا إذا كانت هناك أحزاب شريفة تنتصر عليها».

 ثأر شخصى!

بلغ سيد قطب حدًا بعيدًا فى آرائه الداعية إلى التطهير، واستبطاء وقوع هذا التطهير، وبدت آراؤه فى بعض الحالات تتخذ طابعًا ثأريًا، والرغبة فى الانتقام من معظم من كانوا قبل 23 يوليو 1952.. مثل كبار السياسيين ورجال الأحزاب والمسئولين والموظفين وحتى الأدباء والكتاب والشعراء والفنانين.

وان كانت روزاليوسف تمنح الحرية كما تطلبها لكن للحرية أيضا ضوابط وأغلب الظن أن مقالاته الأكثر تطرفًا التى نشرها على صفحات مجلة الرسالة هى التى رفضت روزاليوسف والأخبار نشرها وهى التى هاجم فيها وطالب فيها بالتنكيل بقامات أدبية وفنية كبيرة.  

اختص سيد قطب مجلة الرسالة بأفكاره عن المثقفين والكتاب والفنانين، وما يقترحه على «العهد الجديد» من التعامل معهم.

لم يشغل نفسه بالقضايا السياسية والتغييرات الحكومية وإعادة بناء أجهزة الدولة وإلغاء الأحزاب ومصادرة صحفها فقط.. بل اهتم أيضًا بإعادة صياغة أذواق ووجدان الناس، وأعطى للدولة واجب التدخل والقيام بتلك  العملية، بغض النظر عما تريده أذواق الناس «الجماهير»!

كتب سيد قطب فى مجلة «الرسالة» - عدد 22 سبتمبر 1952 - مقالًا حمل عنوان «أخرسوا هذه الأصوات الدنسة»، والمقال مهدى إلى وزير الدولة وضباط القيادة،  وكان وزير الدولة آنذاك فتحى رضوان، وكانت الإذاعة من بين تخصصاته ومهامه.

يحمل سيد قطب على الإذاعة المصرية بضراوة ويوجه الاتهام إلى القائمين عليها «محطة الإذاعة المصرية لم تشعر بعد بأن هناك ثورة فى هذا البلد. وقد ظل إدراكها لمعنى الثورة محصورا فى إضافة بعض إذاعات جديدة إلى البرنامج العادى، قائمة على جهد فردى بحت، لا على أساس انقلاب أساسى فى عقلية الإذاعة».

حقيقة الأمر أن سبب هجومه على الإذاعة كان أنه كتب حديثًا ليذاع فى الثامنة مساء 10 أغسطس، ولكنه لم يُذع فدفع به إلى مجلة الرسالة، قائلًا: «إن جو المحطة لم يتطهر بعد.. وأنهم تفانوا جميعًا فى إرضاء الملك  والعقليات التى كانت مسيطرة على البلاد قبل 23 يوليو 1952.

وقد انعكس أداء تلك العقليات والشخصيات على الإذاعة، فما زالت تبث على الناس ما كانت تبثه من قبل نفس الأصوات الدنسة التى ظلت تنثر على الشعب رجيعها خلال ربع قرن من الزمان هى ذاتها التى تصبها الإذاعة على هذا الشعب صبًا، وتكثر من عرض أشرطتها المسجلة بحجة أن الجماهير تحب هذه الأصوات».

ولم يترك قطب لخيال القارئ اختيار الفنان الذى يقصده وقام بذكرهم بالاسم،  وهم عبدالوهاب ومحمد فوزى وفريد الأطرش وعبدالعزيز محمود وليلى مراد ورجاء عبده وفايدة كامل وشهرزاد وأمثالهم..! ويصب على هذا العدد من الفنانين، أقذع الصفات مثل أنهم مخلوقات شائهة بائسة ويقول أيضًا: إن هذا الطابور المترهل الذى ظل يفتت صلابة هذا الشعب ويدنس رجولته وأنوثته هو المسئول عن نصف ما أصاب حياتنا الشعورية والقومية من تفكك وانحلال فى الفترة الماضية..

وهو يرى أن الوسيلة الوحيدة للتعامل مع هؤلاء الفنانين أن تخرس هذه الأصوات الدنسة إلى الأبد، إذا أردنا أن نربى روح هذا الشعب تربية جديدة، وأن نبث فيه حياة جديدة.

واختتم قطب كلامه فقال :«الجماهير تحبها نعم! كما أن هذه الجماهير تحب المخدرات، ولكن واجبنا اليوم هو حماية هذه الجماهير من الأصوات التى تحبها كما نحميها من المخدرات التى تحبها كذلك».

وهكذا فقد ساوى بين الفن والمخدرات.. وإذا كان القانون يمنع المخدرات ويحرمها ويحمى الجمهور منها، فهكذا يجب أن نتعامل مع الفن!

لقد كانت دعوة صريحة لقيام محاكم تفتيش بالمعنى المباشر والصريح، واحتقار تام لجموع الناس، ورغبة فى التدخل وقهر ضمائرهم وأذواقهم ووجدانهم، بعد قهرهم سياسيًا!

ومن لطف الله بمصر أن ثوار 1952 كانوا أقل ثورية مما أراد لهم سيد قطب ودعاهم، ومن حسن الحظ أنهم قصروا فى هذا الواجب الذى أناطه بهم وعهد إليهم به!