الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أنشودة البحر

أنشودة البحر

منذ أيام قليلة وتحديدًا فى اليوم الواحد والعشرين من أكتوبر، احتفلت قواتنا البحرية بعيدها الرابع والخمسين، وهو اليوم الذى شهد إغراق المدمرة «إيلات»، اليوم الذى أحيا فى قلوب شعبنا الأمل مرّة أخرى كاسحًا من طريقه قيود الهزيمة والانكسار، ولحُسن حظى شاءت الظروف أن أشاهد مؤخرًا برنامجًا معادًا تمّت إذاعته عام 2015 مع بطلين من رجال قواتنا البحرية، ممن شاركوا فى الهجوم على ميناء إيلات الإسرائيلى عقب نكسة يونيو، وهما يتحدثان بكل فخر وإعزاز وتقدير وحب ووفاء عن قائد القوات البحرية آنذاك اللواء محمود عبدالرحمن فهمى، الذى يُعَد رُغْمَ صغر سنِّه صانعًا للعديد من البطولات العسكرية أثناء حرب الاستنزاف.



حديث بَطليْنَا عن قائدهما هو ما جعلنى أبحث عن سيرة هذا القائد لكى أقدّمه كنموذج حى لشبابنا ليعرفوا من خلاله معنى البطولة والإقدام وحب الوطن والوفاء، وبالفعل وجدت ضالتى فى الفيلم التسجيلى (أنشودة البحر) الذى أنتجته إدارة الشئون المعنوية لقواتنا المسلحة؛ لأتعرّف من خلاله على سيرة البطل منذ ولادته فى القاهرة فى حى الدقى، ثم التحاقه بالكلية البحرية حتى تخرَّج فيها محتلاً الترتيب الثالث على الدفعة، ثم حصوله على العديد من الدورات والفرق المتخصصة فى البحرية سواء فى إنجلترا أو فى الاتحاد السوفييتى، لينتهى به المطاف قائدًا لقواتنا البحرية التى شهدت معه ومع باقى أبطالنا أشرَف وأنبَل معاركها ضد العدو، والتى بدأت منذ كان بطلنا رئيسًا لشعبة التدريب البحرى ثم رئيسًا لشعبة العمليات، وهى الفترة التى شهدت العديد من العمليات البحرية التاريخية التى يزدان بها سجل البحرية المصرية، والتى كان منها إغراق المدمرة «إيلات» شمال شرق بورسعيد بواسطة لنشات صواريخ البحرية وسط ذهول تام للصهاينة من جرأة المصريين، ووسط دهشة العالم الذى بدأ يعيد حساباته القائمة على أن مصر انتهت ولا قائمة لجيشها قبل سنين طويلة‏، والتى أصبح يوم إغراقها عيدًا سنويًا للقوات البحرية، بعدها تواصلت تلك العمليات بنشاط زائد وتنوُّع كبير، فكانت عملية قصف مستودعات الأسلحة والذخيرة والوقود فى منطقة رومانة وبالوظة بواسطة المدمرتين دمياط والناصر وسرايا المدفعية الساحلية فى بورسعيد فى نوفمبر عام 69 لتعلن عن مشاركة القوات البحرية بقوة فى دعم جهود بقية أفرُع القوات المسلحة فى حرب الاستنزاف؛ وتحديدًا عندما تولى (أمير البحر «محمود فهمى») قيادة القوات البحرية وهو برتبة العميد ليزداد إصراره وتصميمه على القصاص من العدو بكل الطرُق والأسلحة التى كانت متاحة وقتها، وأعقب ذلك اصطياد الغواصة الصهيونية «داكار» التى كانت فى مهمة إصلاح بلندن، وفى طريق عودتها أرادت أن تعبث فى المياه المصرية باعتبار ألا صاحب لها أو أهل فمصر مهزومة وأغلب سلاحها ضاع فى سيناء، وبالتالى فحدودها مباحة ومتاحة‏، ونظرًا لإقدام وجرأة القائد الجديد لسلاحنا البحرى، وعملاً بالمَثل فى ضرب العدو فى العُمق كما فعل معنا، علم الرجل بخبرته وحنكته أن نقطة ضعف العدو تمثلت فى موانيه البحرية، فكانت عمليات الإغارة الثلاث على العدو داخل أرضه وتحديدًا فى ميناء إيلات البحرى، والتى كان من نتائجها بالترتيب إغراق السّفينتين داهليا وهيدروما، ثم إغراق ناقلة الجنود بيت شيفع والسفينة بات يم، وأخيرًا تدمير الرصيف البحرى؛ كاسرًا بذلك أبسط قواعد الأمان والحذر أثناء الحروب؛ لأنه من المفترض والمتعارَف عليه أن المكان الذى تدخل منه الضفادع البشرية لا تعود له ثانية؛ تجنبًا للوقوع فى أى شرك أو ألغام أو دفاعات سينظمها العدو‏..‏ لكنّ المصريين فعلوا ما لم يتوقعه العدو؛ لأن قائدهم ورُغم صرامته ودقته والحفاظ على سرّية المعلومات لضمان سلامة رجاله، جعلته يتخطى الصعاب أو النظريات الحربية المعروفة، وذلك بحرصه على أن يقابل المختارين لتنفيذ أى عملية بنفسه مانحًا لهم الثقة، وبث روح الشجاعة والإقدام بداخلهم، وهى الأمور التى من شأنها رفع المعنويات إلى السماء لضمان النجاح، فقائد البحرية بنفسه هو الذى يقابل ويكلف‏ وينتظر النصر.

أمّا آخر صيد للبحرية المصرية تحت قيادة بطلنا «محمود فهمى»؛ فكان فى ‏مارس‏1970‏؛ حيث صدر قرارٌ له من الرئيس «جمال عبدالناصر» شخصيًا بالإغارة على الحفار «كيتينج» فى أبيدچان بواسطة الضفادع المصرية‏ الذى كان من المقرر أن تستخدمه إسرائيل فى استخراج البترول من خليج السويس، وكعهد القائد ورجاله الأبطال الذين أخذوه على أنفسهم، ونتيجة للتخطيط المُحكم والمعلومات المخابراتية الفائقة، تم تدمير الحفار فى ساحل العاج بواسطة رجال الضفادع البشرية المصريين، وأعقب ذلك إغراق سفينة بحوث إسرائيلية تجرّأت على دخول مياهنا الإقليمية أمام بحيرة البردويل بواسطة لنش صواريخ.. عمليات جميعها يثبت أن قواتنا البحرية كانت ولا تزال قادرة على الوفاء بعهدها فى الدفاع عن أرض مصر فى أى قطعة من بقاع العالم.

هذا ما تضمنه الفيلم الذى نقدمه لشبابنا وندعوهم للاقتداء به وبأبطاله، والذى يسرد البطولات والوقائع الكثيرة للبحرية المصرية التى شهد لها العالم وأكد تميزها وقدرتها وقدرة رجالها وقادتها، ومن ضمنهم الفريق «محمود عبدالرحمن فهمى» الذى يُعَد بَطلاً من أبطال مصر الأوفياء الذين آمنوا بربّهم وزادهم الله هدًى، ولذا فهم «أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ».