الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«روزاليوسف» تستعرض قصص كفاحهن فى مواجهة الموروثات المجتمعية: نساء تفوقن على الرجال فى مهن ذكورية شاقة

لم تكن بوسى سعد «أول حَدّادة بالمنصورة» النموذج الوحيد لكفاح المرأة المصرية التى لا تعرف المستحيل؛ فهناك نساء كثيرات اقتحمن مِهنًا كانت حِكرًا على الذكور؛ بل وأبدعن وتفوّقن فيها؛ ليصبح لدينا نساء يمتهن ّالعديد من المهن الذكورية، منهن من تعمل فى مجال السباكة الصحية، والجزارة وحتى فى حِرَف نادرة مثل سَن السكاكين، وغيرها من المهن. «روزاليوسف» التقت عددًا منهن؛ حيث أكدن أنهن لم يواجهن فقط مشقة هذه المهن؛ بل واجهن أيضًا موروثات مجتمعية لا تحبذ عمل المرأة فى مثل هذا المهن. ورُغْمَ ذلك نجحن وتفوّقن حتى على الرجال أنفسهم. 



وفيما يلى التفاصيل:

تقول «أم باسم» أشهَر سبّاكة فى شارع سوق السلاح بحى الدرب الأحمر: «انفصلت عن زوجى ومكانش معايا فلوس نهائى، كنت أعمل مع والدى فى ورشة طلاء معادن منذ نعومة أظافرى، ولاحظ أصدقاء والدى قدرتى السريعة على تعلم الصنعة، لذلك رأوا أننى أستحق عملًا أفضل؛ فقدّموا لى فى مسابقة أجراها بنك مصر، وعملت به لمدة ست سنوات ونصف، ثم سافرت إلى الكويت عند أحد أقاربى وأقمت هناك لمدة 14 سنة، وتزوجت خلال هذه الفترة وأنجبت ثلاثة أبناء، وعندما عدت إلى مصر لم أستطع العودة إلى البنك مرة أخرى؛ فشرعت فى عمل مشاريع خاصة لمدة 23 سنة».

وتضيف «أم باسم»: «عندما انفصلت عن زوجى، قدّمت فى مشروع تابع لمؤسّسة أغا خان، يهدف إلى القضاء على البطالة، وتوفير فرص عمل، كانت أول دورة يقدمها المشروع دورة سباكة؛ فقدّمت فيها، فقالوا لى تعالى بعد فترة يا حاجة لما يكون فيه مهن مقترحة للسيدات، لكن تجاهلت هذا الرد وقدمت مرات أخرى عديدة، وقلت لمقدم الدورة: جرّبنى، أنا ست شقيانة وبتاعة شغل، وبالفعل وافقوا على التحاقى بالدورة، فكانت فكرة امتهان امرأة مهنة السباكة فكرة خارج الصندوق، ومن ثم قرر المشروع أخيرًا فتح المجال للعمل أمام الجنسين، وانضمت 30 سيدة».

وتشير إلى أنها تعرضت خلال مشوارها لمضايقات وعوائق كثيرة، فنظرة المجتمع من جهة وخجل أبنائها من ممارستها لتلك المهنة من جهة أخرى، لكن الآن أصبحت أشهَر من نار على عَلم فى مهنتى، وتغيرت نظرات المحيطين بى وحزت على احترام وتقدير أبنائى.

> عزة النفس

أمّا أم مصطفى 36 عامًا التى تعمل فى محطة وقود بمنطقة الدويقة؛ فاتخذت من والدتها مثالًا وقدوة لها فى حياتها، قائلة: «عمرى ما شوفت أمّى مَدت إيديها لحد، احنا اتربينا على عزة النفس».

وتضيف: توفى والدى وأنا فى سن التاسعة، فخلف ذلك سحابة من الحزن خيّمت على المنزل، وكنت أرى والدتى تعمل وتكد باستمرار، وعندما كبرت وأصبحت قادرة على العمل عملت فى سوبر ماركت لفترة تعرفت خلالها على زوجى، ووجدت فى بداية الزواج مشقة من الزوج وأهله، فعرض علىّ أحد معارفى خلال هذه الفترة العمل فى محطة وقود.

وتقول أم مصطفى: «دعوت الله كثيرًا أن يصلح حال زوجى، واستجاب الله فأقلع عن إدمان المخدرات منذ أربع سنوات، فقررت استكمال تعليمى بعد الإعدادية وحصلت على دبلوم التجارة؛ لأننى أريد أن يكون أولادى الخمسة فخورين بى دائمًا».

وعن نظرة المجتمع توضح، أن المحبطين فى كل مكان، ولدىّ اقتناع تام أن تلك المهنة ليست حكرًا على الرجال، وتستطيع المرأة بإصرارها أن تمتهن العديد من المهن الشاقة.

> فى انتظار الترخيص 

أمّا السيدة مديحة؛ فرُغم بلوغها الستين عامًا؛ فإنها أصرت على اقتحام مجال ظل حكرًا على الرجال، وحققت النجاح، فهى تعمل «سايس» بمنطقة بين السرايات.

وتقول مديحة: «توفى زوجى تاركًا ثلاثة أبناء، عملت على توفير احتياجاتهم، ولدى خبرة كبيرة فى هذا المجال، فأنا أعمل فى مهنة «السايس» منذ كنت طفلة صغيرة مع والدى، ولم أتوقف عن العمل حتى وقتنا هذا، وطول ما ربنا مدّينى الصحة هفضل أشتغل ومبعرفش أشتغل شغلانة تانية؛ لأنى لم أستكمل تعليمى الابتدائى لمعاونة والدى فى عمله».

وتضيف: «لم يعترض أهلى على مزاولة تلك المهنة، لكن العائق الوحيد أمامى هو نظرة المجتمع، ولا أنسى صفع سيدة لى على وجهى لمجرد أنى وجهت إليها تعليمات بخصوص ركن السيارة طبقًا لعملى، كما أعانى من النظرة الدونية من بعض الناس، لكن أتجاهل كل ذلك من أجل لقمة العيش». 

وذكرت أن أكثر ما قد تحصل عليه يوميًا سبعين جنيهًا، ووالدى كانت لديه رخصة للعمل سايس، ونحن الآن نتبع حى جنوب الجيزة، وقدّمت هناك كل الأوراق المطلوبة وأنتظر الترخيص، فأنا جادة فى عملى ومع خيوط الصباح الأولى أخرج مسرعة طلبًا للرزق لى ولأبنائى».

> انفتاح مجتمعى

من جهته يرى الدكتور أحمد كمال البهنساوى، أستاذ ورئيس قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة أسيوط، أن المجتمع أصبح أكثر انفتاحًا وتقبلًا لفكرة عمل المرأة أعمالًا متعددة كانت توصف فى السابق بأنها مهن «للرجال فقط».

ويؤكد أن هذه المهن تجعل المرأة أكثر صلابة وتحملًا للمسئولية، والتغيير الجذرى يحدث للمرأة على حسب سمات شخصيتها، وقابليتها للتغيير، والمدة التى تستغرقها فى العمل.

> أفعال خارج الصندوق

ويؤكد الدكتور على سالم، مدرس علم النفس السياسى بجامعة حلوان، أن ضغوط الحياة الراهنة فرضت أمورًا غير تقليدية تتطلب من البعض ردود أفعال خارج الصندوق وغير مألوفة، والمرأة ليست ببعيدة عن هذه التغيرات المتلاحقة.

ويضيف: إنه إذا نظرنا إلى المستجدات التى طرأت فى مجالات عمل المرأة نجد أن هناك من لجأت للعمل سائقة ميكروباص أو من ارتدت زى الرجال لتستطيع الاندماج وسط بيئة العمل الذكورية دون مضايقات.

ويضيف: فيما يتعلق بتأثير وانعكاسات هذه المهن على طبيعتها الأنثوية؛ فهذا يعود إلى نوعية العمل والبيئة التى يتم فيها، فالحاجة صيصة الأقصرية كمثال تغيرت طبيعتها، حتى إنها كانت أقرب إلى الرجال فى مَلبسها ومشيتها وطريقة كلامها، لذا فإن المحيط الاجتماعى الذى تعمل فيه المرأة عامل مهم فى ذلك».

> ضغوط متوارثة

وتقول نانسى هشام، إخصائية الإرشاد النفسى: إن المرأة بطبعها متعددة المهام، فمثلًا العديد من النساء ينجحن فى تدبير شئون المنزل، مع ما يتطلبه ذلك من عناء، بالإضافة إلى عملهن فى الخارج. وفى مجتمعنا يطلب دائمًا من المرأة أن تتصرف وفق إملاءات معينة تفرض من المجتمع الذى تعيش فى كنفه، وهذا يجعلها مجبرة على العمل أكثر من الرجل لإثبات نفسها، وهذا دليل على الضغوط الاجتماعية المتوارثة من الأجيال السابقة، كما أن المرأة بطبعها تميل لممارسة المهن الحِرَفية وتتفوق فيها.

> ظاهرة إيجابية

أمّا الدكتور على عبدالرازق جلبى، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية فيرى أن المرأة قادرة على العمل جنبًا إلى جنب مع الرجل فى مجالات متعددة؛ بل تستطيع التفوق عليه، وهناك تحولات جذرية فى المجتمع ومن الطبيعى أن تجد النساء اللاتى يمارسن تلك الأعمال صعوبة فى البداية وعوائق متمثلة فى نظرات المجتمع؛ إلا أنه مع تعوُّد المجتمع على هذه الصور ستذوب العوائق.

> براعة

تؤكد الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس، أن الأيدى الناعمة اقتحمت المهن التى كانت توصف بأنها «ذكورية» وتفوقت فيها، واستطاعت التوجه لشغل شواغر جديدة فى الحياة الاقتصادية ببراعة، وحان الوقت لكى تنخرط السيدات فى جميع وظائف المجتمع سواء السياسية أو الفنية أو الإدارية؛ بل إن النظرة للوظائف على أنها ذكورية أو أنثوية أصبحت أمرًا قديمًا لا أساس له، ولا يصلح للتنمية الاقتصادية التى تسعى إليها المجتمعات العربية أو الغربية على السواء، وتستطيع المرأة أن تعمل فيما تشاء من مهن ما دامت تؤديها بشرف وأمانة وتكسب بطرُق مشروعة.

> قيمة اقتصادية

على جانب المنظور الاقتصادى لعمل المرأة فى مهن شاقة وذكورية، يؤكد د.جمال عطية، أستاذ الاقتصاد، رئيس قسم الاقتصاد والتجارة الخارجية السابق بجامعة حلوان، على تفعيل الشمول المالى ليشمل المناطق الريفية من خلال تقديم قروض بأسعار فائدة منخفضة للمشروعات الريفية الصغيرة ومتناهية الصغير وبصفة خاصة الأرامل لإقامة هذه المشروعات؛ لترتفع بذلك نسبة مشاركة المرأة فى سوق العمل من 16 ٪ عام 2020 إلى 22 ٪ عام 2022.

ويشير إلى أن الدراسات أظهرت مدى التحسن الذى حظيت به المرأة فى المجال الاقتصادى خلال الفترة الماضية؛ حيث إن الدور الاقتصادى الذى قامت به المرأة خلال الفترة الماضية، يجعل المجتمعات تتجاهل الفروقات فى المهن بين الجنسين ما دامت قادرة على أن تصبح قيمة مضافة للاقتصاد بما يتناسب مع مسئوليتها الاجتماعية والأسرية. 

ويوضح د.جمال عطية، أن المعدل المستهدف للنمو لا يتأتى ولا يستحق إلا بمشاركة جميع عناصر الإنتاج ومن بينها العمل والتنظيم اللذان يقومان على دور الرجل والمرأة على حد سواء، كما أن استراتيچية «مصر 2030» قائمة على تعظيم دور المرأة فى النشاط الاقتصادى إلى جانب الرجل، وليس هناك تفرقة بين الجنسين اقتصاديًا ولكن الاستراتيچية والدستور اشتملا بين طياتهما على حث المجتمع وصانع القرار على إتاحة وتوفير المناخ الملائم لتعظيم مشاركة المرأة فى النشاط الاقتصادى؛ لأن صانع القرار يعلم جيدًا أن هناك بعض العوائق والعادات الاجتماعية قد تعوق هذا التعظيم لدور المرأة؛ خصوصًا فى الريف المصرى.

> الجانب القانونى

أمّا بالنسبة للجانب القانونى والتشريعى فيما يخص عمل المرأة فى مثل هذه المهن؛ فيؤكد وليد عزت، المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة، على اهتمام الدولة وقيادتها بدور المرأة فى المجتمع فى نطاق الدستور؛ حيث نص دستور 2014 فى المادة 11 على أن: «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور».