محمد على باشا..يؤخر النهضة الفنية المصرية مائة عام

ابراهيم حنيطر
لنعرف ما سيحدث فى القرن العشرين لابد أن نعرف ماذا حدث خلال القرن التاسع عشر... فلقد كان القرن التاسع عشر قرنا مهماً جداً فى التاريخ المصرى الحديث فبعد قرون من الظلام العثمانى والمملوكى بدأت مصر عصر التنوير وكان لاهتمام القوى الاستعمارية بمكانة مصر الجغرافية والتاريخ والصراع الذى دار بين فرنسا وإنجلترا وأدى للحملة الفرنسية بقيادة نابليون وحضور مجموعة من الفنانين والعلماء ضمن تلك الحملة وجلبهم مطبعة بحروف عربية وأخرى فرنسية.. ذلك كله كان له دور كبير فى عملية الإحياء المصرى، وللأسف لم يكن ضمن هؤلاء الفنانين إبداعيون وكان معظمهم تسجيليين برعوا فى تسجيل كل ما فى مصر من مظاهر ومشاهد الحياة الطبيعية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية، ولكن كان تسجيلا أشبه بالفوتوغرافيا أى نقل للواقع دون أى تحريف أو إبداء للرأى وبالطبع غابت النزعة الانتقادية وأثمرت تلك الجهود كتاب «وصف مصر» والذى يمثل صورة واقعية لمصر نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر.
وفى عام 1801 يصل محمد على إلى مصر معاوناً لعلى أغا - قائد كتيبة «قولة» والتى جاءت ضمن القوات العثمانية القادمة إلى مصر لإخراج الفرنسيين- ويرقى قبل الجلاء الفرنسى إلى رتبة بكباشى، ثم يرقيه خسرو باشا فى أواخر نفس العام إلى رتبة سرجشمة (لواء).... ولم يكن أحد يعلم أن هذا الرجل سيكون له شأن خطير فى التاريخ المصرى الحديث.
وجاءت أيضا إلى مصر فى هذا العام قوات إنجليزية للتنسيق مع العثمانيين لإخراج الحملة الفرنسية. ودارت طوال العام معارك ومواقع بين القوى العثمانية والإنجليزية من جهة وبين الفرنسيين كان الضحية فيها مصر وشعبها، حيث كان تمويل تلك الحروب من كد وعرق الفلاح المصرى الذى أرهق بالمكوس والضرائب، كما تم تجنيده إجباريا، ومن هذا التاريخ أصبحت مصر- وإلى الآن - مطمعاً للقوى الاستعمارية.
وتنسحب القوات الفرنسية فى سبتمبر عام 1801 ويقال أنها أخذت معها مطبعة الحملة.
وفى أكتوبر1801 يدبر حسين قبطان باشا أول مذبحة للمماليك على زورقه الخاص، ويقتل زعماء المماليك المرادية ومنهم عثمان بك الطنبورجى خليفة مراد بك. ويحتدم الصراع فى مصر بين الولاة العثمانيين والبكوات المماليك وكان دائماً الشعب المصرى الضحية الأولى لهذا الصراع.
∎ وفى عام 1802 يعين الصدر الأعظم يوسف ضياء باشا محمد خسرو باشا والياً على مصر.. وفى مارس من نفس العام يعقد بين فرنسا وإنجلترا وهولندا وإسبانيا صلح أميان ومن شروطه جلاء الإنجليز عن مصر.
خسرو باشا يجرد جيشين أحدهما بقيادة محمد على لمحاربة المماليك وينتصر المماليك على أحد الجيشين ويسحقونه ويمتنع محمد على عن تقديم العون للجيش المهزوم وكأنه كان يعد العدة ليتخلص من المماليك والعثمانيين معاً لتخلص له مصر لقمة سائغة.
∎ وفى 16 مارس 1803 تبحر القوات الإنجليزية عائدة إلى بريطانيا ومعها بعض المماليك المتحالفين معها ومنهم محمد بك الألفى. ويتحالف محمد على مع المماليك ضد قوات الانكشارية الأتراك (السياسة تتسم بالانتهازية ومبدأها المصلحة قبل كل شىء).
(كل تلك الأحداث الدرامية للأسف الشديد لم تجد من يعبر عنها تشكيليا إلا فى أضيق الحدود.. تصوروا ماذا سيكون الحال لو كان هناك مصورون ورسامون مصريون يعبرون عن هذه الأحداث)!
ويعود محمد بك الألفى على ظهر سفينة حربية إنجليزية، ولقد أصبحت مصر هدفا للإنجليز بعدما أدركوا أهمية موقعها وخاصة لهم ولمستعمراتهم بالهند ويحاولون تمكينه من الحكم ويحاول المماليك قتله فيهرب إلى الصعيد.
يسعى محمد على لتولية خورشيد باشا والياً على مصر لعلمه أن تلك الفترة بها قلاقل وذلك تمهيدا لهدفه النهائى (الاستيلاء على حكم مصر) ويدبر أثناء ثورة للقاهرة مذبحة لــ350 من المماليك وهى المذبحة الثانية لهم.
∎ عام 1804 الوالى التركى خورشيد باشا يفرض ضرائب باهظة على أرباب الحرف والصناعات مما يحفز المصريين للثورة عليه وعلى جنوده وكأن أغلبهم من الأكراد.
∎ 1805 القاهرة تثور ويقود الثورة السيد عمر مكرم وفى 13 مايو يخلعون خورشيد باشا ويولون محمد على ويشترطون عليه ألا يفعل شيئا إلا بعد استشارتهم ويوافق (دائما ما يوافق الحكام ودائما ينقضون تلك الاتفاقات).
∎ الإنجليز يأتون عام 1807 بحملة فريزر لاحتلال مصر ويفشلون ويظل حلمهم الاستيلاء على مصر.
∎ وفى عام 1809 محمد على يتخلص من السيد عمر مكرم بنفيه إلى دمياط ويسفر عن وجهه الحقيقى فى الاستحواذ على مصر.
نهاية المماليك
فى 1مارس 1811 محمد على يدعو المماليك لحفل تولية ابنه إبراهيم باشا قيادة حملة الحجاز ويحصرهم فى القلعة ليجهز عليهم جنوده الألبان (مقتل 469 مملوكاً) وتلك كانت المذبحة الثالثة والتى قضت على المماليك قضاءً باتاً. ويرسل ابنه طوسون على رأس جيش لمحاربة الوهابيين فى الحجاز ويذهب بنفسه عام 1813 لنجدة الجيش المصرى.
يقود إبراهيم باشا حملة عام 1818 لمحاربة الوهابيين وينتصر عليهم ولكن بخسائر كبيرة فى الجيش غير النظامى (باشبوزق) ويؤسس فى عام 1820 أول جيش نظامى مصرى ويفتح شمال السودان ويتم فتح السودان عام 1822 وكأنه يعده لقمة سائغة للإنجليز فيما بعد.
من عام 1824 وحتى عام 1828 الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا يخمد ثورة جزيرة المورة فى اليونان ويستمر الحكم المصرى لجريدة كريت حتى عام .1840
∎ فى عام 1826 يتم إرسال أولى بعثات محمد على إلى أوروبا، 40 طالبا يرسلون للدارسة فى فرنسا وكان الاهتمام منصبا على دراسة الشئون العسكرية والهندسية لتطلع محمد على لتقوية الجيش وتوطيد حكمه واستيلائه على مناطق كثيرة ستصل إلى أوغندة والصومال وحدود إثيوبيا وتضم الحجاز والشام ولتصبح على بُعد 200 كيلومتر من الآستانة.
ولكن (ماذا لو؟) وهذا التعبير سأستعمله كثيرا فى تلك الدراسة. ماذا لو أرسل محمد على ضمن ما أرسل من بعثات طلاب لدراسة الفن والأدب والمسرح وكانت أوروبا تموج فى تلك الفترة بشتى أنواع الفنون ربما كان الحظر الدينى له دخل فى ذلك ككراهية التصوير والنحت.. رغم أنه كان يجلس أمام المصورين الإيطاليين هو وأبناؤه وعملت لهم التماثيل والصور الشخصية.. أعتقد كان سيكون للفن المصرى التشكيلى شأن آخر وسيكون تعبيراً عن الحياة المصرية بواسطة مصريين وليس بواسطة فنانين أجانب ينظرون إلى مصر بعين الغريب .. وكان سيصبح إضافة للصحافة والتى بدأت يوم 3 ديسمبر عام 1828 بصدور العدد الأول من جريدة الوقائع المصرية.