القرآن.. وقضايا المرأة "9".. «مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ» الآية بريئة من انتهاك حقوق المرأة!
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
العبودية أو الرق كان نظامًا قائمًا منذ آلاف السنين، يتم فيه التعامل مع العبيد كملكية شخصية وسلعة للبيع والشراء، ويسمى المملوك بالعبد والجمع العبيد، وتسمى المملوكة بالأمَة والجمع الإماء، ويتم بيعهم فى أسواق الرقيق بعد خطفهم من موطنهم، أو بعد أسرهم فى الحروب.
والرقيق بتعبير القرآن هم مِلك اليمين، والقرآن لا يقر وجودهم، ولكنه يتحدث عن فئة كانت منتشرة وقت نزوله، ومِلك اليمين لا يعنى مِلك معاشرة المالك للأمَة دون عقد زواج شرعى، ولا يعنى مِلك اليمين أن الرجل يستطيع أن يعاشر العدد الذى يريده من النساء بحُكم أنهن مِلك اليمين، ولا يتم إعفاء من يعاشر مِلك اليمين دون عقد من عقوبات الزنى التى شرعها الله تعالى فى القرآن الكريم.
القرآن والأسرَى
والقرآن منذ بداية نزوله جعل عتق الرقيق من الأعمال الصالحة: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ) البلد 11-13، والآيات توجّه إلى تجاوز العقبة التى تحرم الإنسان من دخول الجنة بفك الرقاب.
وقد منع تعالى سبى الأسرَى فى الحروب: (..فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) محمد 4، فالأسير يجب إطلاق سراحه دون مقابل، أو مقابل تبادل للأسرَى.
وكل أعمال السَّبْى التى حدثت بعد نزول القرآن هى أعمال بشرية ولا علاقة لها بالقرآن، وفى أول معركة دفاعية للنبى عليه الصلاة والسلام انتصر فيها وكان له أسرَى فأطلق سراحهم مقابل مال يدفعونه، فعاتبه تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الأنفال 67.
وعندما انتصر المسلمون على يهود بنى قريظة، قال تعالى: (..فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا..) الأحزاب 26-27، كان فى المعركة قتلى وأسرَى، ومع أنه جاءت تفصيلات لكل ما ورثه المسلمون من الديار والأرض والأموال، إلا أنه تعالى لم يذكر وجود السبايا والعبيد ضمن ما حصل عليه المسلمون.
والنبى عليه الصلاة والسلام تزوج من بعض سبايا الغزوات بعقد ومهر وأصبحن من أمهات المؤمنين: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) الأحزاب 50، فقد تزوج السيدة جويرية بعد هزيمة قومها فى غزوة بنى المصطلق، وتزوج السيدة صفية بعد هزيمة قومها فى خيبر، كما تزوج من السيدة ماريا التى أهداها له المقوقس حاكم مصر.
القرآن وعتق العبيد
والقرآن يدعو لعتق الرقيق من خلال أوجه صرف الصدقات: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ..) التوبة 60.
وبتحرير الرقيق فى الكَفّارات عن الذنوب، مثل الذى يرجع فى قَسَمه على تحريم زوجته على نفسه: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) المجادلة 3.
وبتحرير رقبة للذى يقتل مؤمنًا خطأً مع تقديم الدّيّة: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا..) النساء 92.
وأيضًا تحرير رقبة للذى يقسم بالله كذبًا فى يمينه: (..وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ..) المائدة 89.
كما يتمتع مِلك اليمين بالنفقة من مال سيده: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّى رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) النحل 71.
ومعاملة مِلك اليمين داخل البيت نفس معاملة أصحاب البيت، كما فى الاستئذان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) النور 58، يجب أن يستأذن المملوك والصغار من أهل البيت حتى لا تقع أنظارهم على عورات أهلهم.
زواج مِلك اليمين
ويوجّه تعالى بالزواج من الرقيق: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور 32.
ومن الألفاظ التى ترتبط بالزواج فى القرآن الكريم، لفظ النكاح والذى يعنى عقد الزواج أو كَتْب الكتاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) الأحزاب 49، فإذا تم عقد الزواج ثم حدث الطلاق قبل الدخول بالزوجة لا تكون لها عدة، ولذلك يأتى النكاح بمعنى العقد: (وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) البقرة 235، ولا يعنى المعاشرة الزوجية: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ..) النساء 22، فلا يحق للرجل أن يعقد على من عقد عليها أبوه.
وللمملوكة أن تأخذ مهرًا من الذى يريد الزواج منها، حتى لو كان مالكها: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) النساء 25، ومن لا يستطع طولًا بمعنى لعدم السعة والقدرة على العقد على السيدات المؤمنات؛ فله أن يعقد على مِلك اليمين المؤمنات، بموافقة مالكهن، ودفع مهورهن المفروضة، أمّا المرأة المسافحة فهى التى تعاشر كل من أرادها، والتى تتخذ الخدن هى التى تتخذ عشيقًا بالسّر.
والتوجيه من الله تعالى إلى الزواج من مِلك اليمين ينفى أنهن حلائل لمالكهن دون عقد، يؤكد ذلك ما جاء عن النبى عليه الصلاة والسلام: «أيما رجل كانت له أمَة وعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران»، ولو كان معاشرة مِلك اليمين دون زواج حلالاً؛ ما جاء التوجيه بالزواج منها.
والمملوكة إذا أرادها مالكها لنفسه، فعليه أن يعلن عقده عليها، وأن يدفع لها المهر: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) النساء 24.
وإذا لم يردها لنفسه وأراد آخر الزواج منها فعليه أن يقدم لها مهرها بعد إذْن ولى أمرها وهو سيدها، والقرآن جعل مهر الزوجة الحرة والمملوكة فرضًا على الزوج: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِى أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم) الأحزاب 50.
فالمملوكة تتمتع بحقوقها كالحرة تمامًا فى عقد الزواج، وهى كالحرة فى عصمة زوجها ورعايته، وله على زوجته الحرة أو المملوكة القوامة، ولهن عليه أن يعاشرهن بالمعروف.
المسارعة فى الخير
وتحرير مِلك اليمين والإحسان إليهم هو ضمن المسارعة فى الخير والبر والتقوى، والتسابق فى الخيرات من صفات أهل الجنة: (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) المؤمنون 61،
إن الأحكام التى أقرّها القرآن لحماية الأرقاء عامّة، والنساء خاصة؛ لم يتم تنفيذها، وإعطاء الحق للمالكين فى معاشرة ما ملكت أيمانهم من غير عقد نكاح ولا شهود ولا مهر، هو فهم غير صحيح لآيات مِلك اليمين المتعلقة بنكاح المملوكة، فلو كان يحل للرجل معاشرة ما ملكت يمينه بغير عقد ما فرض عليها أن تستأذنه فى أوقات العورات، وما كان له عليها من عورة أبدًا.
ومع أن مِلك يمين لا يملك حريته، إلا أن القرآن يحرص على حق المملوك فى مال مالكه: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِى الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّى رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) النحل 71، يجب أن يعطيه من الرزق حتى يكون معه سواء فى الرزق والنفقة.
ويحدث الاسترقاق نتيجة للاستغلال والظلم، ويبدأ العلاج بالقضاء على الظلم، وإقامة العدل، وتشريعات القرآن قضت على مصدر الاسترقاق الأساسى والذى كان يأتى من الأسرَى والسبايا فى الحروب، ولم يأمر تعالى بتحرير العبيد مرّة واحدة؛ بل عمل على انتهاء الرّق تدريجيًا؛ لأن العبيد فى ذلك الوقت كانوا يعتمدون فى حياتهم على أسيادهم وتحريرهم فجأة سينتج عنه الآلاف من العبيد الأحرار ولكنهم بلا مأوى وبلا عمل، مع عدم وجود يد عاملة عند من كان يملكهم، مما سيؤدى إلى انهيار التجارة والزراعة والصناعات اليدوية، وانهيار الاقتصاد والمجتمع.
ولأن القرآن صالح لكل زمان ومكان؛ فقد وضع التشريعات الواجب اتباعها فى المجتمعات التى تعمل بنظام الرّق، ووضع الأحكام لتنظيم التعامل مع نظم اجتماعية قد تبدو غريبة لنا الآن، ولكنها كانت عادية للناس منذ زمن قريب.
الإسلام لم يحلل الرّق، ولا يوجد فى الحروب حق السَّبْى ولا استرقاق الرجال والنساء والأطفال وتحويلهم إلى عبيد ومِلك يمين، ولا معاشرة للنساء دون عقد زواج، كل ذلك لا وجود له فى القرآن الكريم.