لا تخافوا ولكن هزروا.. بالفعل تحققت المعادلة .. بين الكوميديا والمنطق و«أحمد نوتردام»

شاهندة محمد على
يتشارك الآن فى دور العرض عملان يحملان الحس الكوميدى ويحملان أيضًا اسْم مخرج ومؤلف واحد وهما «محمود كريم»، و«لؤى السيد» فى فيلمَى «أحمد نوتردام»، و«ماما حامل»، يميل العمل الأول إلى كوميديا التشويق والآخر يميل إلى الكوميديا الاجتماعية، ولكن يستحوذ العمل الأول على القدر الأعلى من الكوميديا؛ وذلك للمعالجة المركبة التى تأخذ أكثر من منحنَى على مستوى الكتابة وعلى مستوى الصورة والإخراج.
نبذة عن الرواية والأديب
رواية (أحدب نوتردام) التى قدّمها الكاتب الفرنسى فيكتور هوجو من أبرز أدباء فرنسا الذى تُعَد أعماله تمسّ القضايا الاجتماعية والسياسية فى عصره، والذى اشتهر أيضًا برواية (البؤساء)، فتعد أعماله قماشة عريضة يعتمد عليه كثير من صناع الأفلام والمسلسلات والمسرحيات وحتى الأفلام القصيرة.
تُعَد هذه الرواية من الروايات الفرنسية الرومانسية القوطية، نشرت لأول مرّة فى عام 1831م، ونوتردام هى كاتدرائية نوتردام الشهيرة فى مدينة باريس فى فرنسا، واسم الرواية الأصلى هو على اسم الكنيسة؛ حيث تدور معظم أحداث الرواية فى الكاتدرائية نفسها.
لكنَ الترجمة الإنجليزية لها والتى نُشرت فى عام 1833م من قِبَل فريدريك شوبرل كانت بعنوان (أحدب نوتردام) وهو الاسم الذى شاع فيما بعد واشتهرت فيه الرواية.. أحداث القصة تجرى فى مدينة باريس فى أواخر العصور الوسطى، وتحديدًا فى فترة حكم الملك لويس الحادى عشر، وصِف هوجو بعد صدور هذه الرواية بأنه شكسبير الرواية، تمَ إنتاج الرواية فى السينما ست مرّات فى القرن الماضى آخرها كان فى عام 1997م، كما قدم منها العديد من المسلسلات الأنيميشن .
تدور أحداث الرواية حول شخص لقيط أحدب وقبيح جدّا يُدعى كوازيمودو، وهو بطل الرواية، وهو ابن لعائلة من الغجر كانت قد أتت إلى نوتردام من أجل سرقتها، لكنَ القسَ المسئول عن الكاتدرائية اكتشف محاولة السرقة تلك وقبض عليهم، لكنَ الجميع هرب ولم يبق إلا كوازيمودو معه.
تولّى القس العناية به وربَّاه فى الكنيسة، ودرَّبه على العمل فيها ليصبح قارع الأجراس فى كاتدرائية نوتردام فأصيب بسبب ذلك بالصمم، وقد حاول فيكتور هوجو أن يصوِر شخصية خيالية مرعبة بصفاتها الخارجية من قبح وحدب لكنها من الداخل شخصية نقية بيضاء تحمل الصفات الحَسنة والطيّبة، وقد نجح فى ذلك إلى درجة كبيرة.
وفيما بَعد يتم اختيار كوازيمودو حتى يكون رئيس المهرّجين فى الاحتفال السنوى الذى يقام فى باريس والذى يُسمَّى احتفال المهرّجين، لكنَ القسّ لم يكن يريد له ذلك، فهو يريد من كوازيمودو أن يقضى بقية عمره فى الكنيسة حتى لا يظهر أمام الناس بهيئته المرعبة ومَظهره السيئ ويرعبهم.
فى ذلك الوقت تأتى إلى احتفال المهرّجين فتاة فائقة الجمال تُدعَى أزميرالدا، وهى من الشخصيات المهمة فى الاحتفال، يعجب الجميع بها وبرقصها، ويحاول الجميع الوصول إليها بمن فيهم القسّ، لكن الجميع يفشل فى ذلك، ويقع كوازيمودو فى حبِ أزميرالدا أيضًا، وفى ذلك إشارة إلى صراع البشرية ومعاناة المعوقين والمحرومين.
بَعد أن يكتشف الناس أن كوازيمودو لم يكن متنكرًا للمهرجان يُقبض عليه حتى يحاسب لكن أزميرالدا تشفق عليه وتساعده فى الهرب، وتهرب هى أيضًا، مما يثير سخط القسّ كلود فرولو عليها لأنها لم تطع أوامره، فيساعدها عند ذلك كوازيمودو للهرب من جنود القس ردًّا للجَميل، وعند ذلك تشرق نفسه لأنه وجد مَن يحنو عليه ويُحبه، لكن القسّ يُجَنُّ من هروبها ويقوم باعتقال جميع الغجر للعثور عليها، وتدور الرواية فى أحداث مشوقة تنتهى بحمل الناس كوازيمودو على أعناقهم بعد أن اكتشفوا مدَى طيبة قلبه وصفاء نفسه.
ولم تقتصر القصة على حُبّ شخص لشخص؛ بل تعدَّت ذلك إلى مستويات عالية من الطهر والجَمال، فقد وقع كوازيمودو فى حب الجمال الإنسانى الذى حُرم منه، لذلك كان مستعدًا للتضحية بكل شىء فى سبيل بقاء ذلك الجمال فى الوجود حيًّا.
وفيما يأتى بعض الاقتباسات من الرواية:
(لم أشعر بدمامتى قبل الآن، وكلما قارنت بين نفسى وبينك لم أتمالك من الشعور بالإشفاق على نفسى؛ لأننى فى نظرك وحْشٌ أبشع من وحوش الغابات، ولكنك فى نظرى شعاع من أشعة الشمس وقطرة الندَى وتغريدة من أغاريد الطيور)، (اكتشفتُ بَعد ليلة ليلاء فحصت فيها نفسى كما يفحص الإنسان حشرة، أننى مريضٌ بك مرضًا لا برء منه).
بين (أحدب نوتردام) و«خالد الصاوى»
ولكن عالج المؤلف هذه الشخصية العالمية بالنقيض بداية من الدوافع النفسية للشخصية الشريرة المتمثلة فى شخصية السَّفّاح الذى يُجسدها «خالد الصاوى»، فهى دوافع متعددة، فهو يعانى عُقدة الخيانة من النساء، وعُقدة العجز الشكلى، من خلال البُعد الجسمانى، فجعله يعانى من تشوّه فى قدمه، التى تشبه قدم الغوريلا، والتى تؤثر على حركته التى نكتشف بعد ذلك أنها السبب فى كشف لغزه.
فهذا المرض ليس له اسم علمى محدد، والأقرب له هو (مرض اضطراب تشوه الجسد)، وربط المؤلف الدافع النفسى المرتبط بالخيانة بطريقة القتل التى تحمل فلسفة نقية ممنطقة من خلال تجميع أعضاء امرأة تكون نقية غير ملوثة، وهذا ما يذكرنا بشخصية «أزميرالدا» الغجرية التى تقبلت فكرة إعاقة أحدب، ففلسفة السفاح ورؤيته جاءت منطقية نسبة لثقافته التى أسّس لها داخل دراما الفيلم بأنه مُثقف، مُطلع، يُنفذ جرائمه بذكاء تام، وعلى المنحنَى غير المباشر يمكننا القول بأن التنمُّر من الممكن أن يصنع قنابل موقوتة داخل المجتمع.
الخروج من الأدب إلى الواقع كيفية الربط بالأمراض المجتمعية
ربط المؤلف الخط الرئيسى بالخطوط الفرعية الأخرى على المنحنى الآخر؛ لرصد بعض العوالم والأمراض المجتمعية، ومنها السوشيال ميديا كسلاح يحمل أكثر من منحنى إيجابى وسلبى، من خلال وظيفة الصحافة وفكرة توصيل الحقائق من جانب، وتحقيق المصالح من جانب آخر، فالحقيقة ليست مجردة لمعظم القنوات والمواقع الإخبارية فأحيانًا المادة هى التى تتحكم فى النهاية وليست الحقيقة، فالبطل يعمل صحفيّا هو وزميله فى أحد المواقع الإخبارية التى تسعى إلى أعلى تحقيق نسب مشاهدة لجنى الأموال، كما ربط المؤلف أيضًا بعض خطوطه بالحوادث الاجتماعية المنتشرة فى الآونة الأخيرة مثل حوادث القطارات.
ثم تَعرَّض المؤلف أيضًا لجانب من جوانب المرأة وكيفية النظر إليها ولطبيعة عملها، من خلال البطلة التى تعمل طبيبة تشريح ولكن البعض لا يُقدّر طبيعة عملها، فعالج المؤلف هنا الاقتباس العالمى برؤيته الجديدة وربطها بالقضايا المحلية فى محتوى جيد يُحسَب له فى هذا العمل.
جدية التناول فى الإخراج التعامل مع الكوميديا بالمنطق
المميز فى التناوُل داخل العمل هو تناوُل التفاصيل التى توصلنا للنتائج المنطقية، فالمعتاد فى الآونة الأخيرة؛ خصوصًا فى الأفلام التى تحمل الجانب الكوميدى، هو رؤية صنعها بأنها تحمل جانبًا ترفيهيّا، فتساهل معظم المؤلفين والمخرجين فى التناوُل وبالتالى تختفى المنطقية فى الأحداث، وينتهى العمل بكم من الإفّيهات الوقتية، أو عدم تحقيق الغرض من الفيلم وهو الكوميديا.
مشهد المشرحة ماستر الفيلم وخير مثال
يظهر فى الجزء الأول من الفيلم، مشهد الدخول إلى المشرحة لتصوير إحدى الجثث كسبق صحفى ينسب إلى الموقع الذى يعمل فيه الصحفيان، فقدّم هذا المشهد بمشهد آخر صُنع خصيصًا، كانت نتيجته ارتداء البطل الزى الخاص كطبيب لتسهيل مهمة دخوله للمشرحة؛ لإقناع المتلقى بأنه بالفعل ليس بسهل أن يتسلل أحدهم إلى المشرحة.
ونسبة لعنصر المكان (المشرحة) استغله المخرج استغلالاً جيدًا لصُنع الكوميديا، وهى كوميديا الموقف النابعة من تناقض طبيعة عمل شخصية البطل «رامز جلال» كصحفى يبحث عن جثث داخل المشرحة، فما الذى يحدث له؟!
فخَلق المخرج مَشهدًا يجمع بين الكوميديا والرعب والخيال، من أهم مَشاهد الفيلم التى تثير الكوميديا والخوف والشفقة فى الوقت نفسه، مستخدمًا كل العناصر الفنية بطريقة احترافية من ديكور وإضاءة وموسيقى ومؤثرات، فنجح المخرج فى تقديم صورة سينمائية مناسبة للحدث الرئيسى وهو البحث عن السَّفّاح، وربطها بالجانب الكوميدى. فبداية من إيقاع الفيلم بمَشاهد الأكشن فى بدايته من خلال إنقاذ أحد القطارات من التصادم والتى لن تتخلى أيضًا عن الكوميديا فى الوقت نفسه، ومن هنا نعلم أننا أمام مُخرج جيد ومتنوّع.
الممثلون بين الكوميديا والتراچيديا خروج الممثلين عن المألوف
خرج المُخرج أيضًا فى تقديم شخصياته التى شاهدناهم فى أغلب أعمالهم بالحث الكوميدى، ومنهم «انتصار»، و«شيماء سيف»، وقدّمهم كضحايا، مبتعدون هذه المرّة عن الحس الكوميدى، بينما ظل بعضهم ينتمون إلى هذا الحس ومنهم « بيومى فؤاد»، و«حمدى الميرغنى»، و«محمد ثروت»، و«أحمد فتحى»، و«أحمد حلاوة»، كما قدّم «محمد البزاوى» و«على ربيع» بشكل يجمع بين الكوميدى والتراچيدى.
والملاحَظ ابتعاد «رامز جلال» هذه المرّة بشكل كبير عن الإفيهات التى توضع فى غير مكانها، فهذا أيضًا يُحسب للمخرج «محمود كريم» بجانب تقديمه هذا العمل الجيد فنيًا، الذى تعامَل معه بقدر كبير من الجدية فى التفاصيل هذا العام، كما نفذ هذا النهج فى عمله السابق «يابانى أصلى» عام 2017، ولقى أيضًا استحسانًا جيدًا فى معالجته الكوميدية.