وقفة العرب.. الجدعان!

هاجر عثمان
الغافلون والمستغفلون الذين يهتفون «يسقط يسقط حكم العسكر» لم يعيشوا أنشودة النصر، والتى كان من أهم محاورها وقفة العرب التاريخية مع مصر وسوريا، والتى تشبه كثيرا جدا وقفتهم معنا فى ثورة يونيو، وتختلف تماما مع وقفتهم ضد بشار لصالح سوريا!
الأمر ليس بتروليا فقط، بل الأهم الضغوط العربية على صناع القرار الدولى للتأثير على مواقفهم فى هذه المواجهة، ولا ننسى المشاركة المهمة جدا من جيوش لايتصورها البعض منها الكويت والعراق والجزائر والأردن والفلسطينيين والإمارات وعمان، وفى ذلك يقول د. نبيل فؤاد أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر: إن ما يربط كلا الحدثين من الدعم العربى لمصر فى حرب اكتوبر 1973 ويونيو 2013 ينطلق من أن مصر هى قلب العالم العربى، وأن الدول العربية مهما كانت مختلفة مع مصر إلا أنها لا يمكن أن تتأخر عن دعمها من منطلق عروبى أممى قومى، مشيرا بالرغم من أن مصر كانت تشهد بعض الخلافات مع الدول الخليجية فى عهد عبدالناصر، وكانت العلاقات حذرة إلا أن مصر عندما اتخذت قرارا بتحرير الأرض، هبت كل الدول العربية مساعدة لمصر دون أن يطلب منها شىء.
فؤاد أضاف أن كل دولة ساهمت بمساعدات وفقا لإمكانياتها المتاحة فنجد العراق أرسلت سربين «هوكر هنتر» قبل الحرب فى شهر مارس 1973 وكما أرسلت ليبيا لواء مدرعا إلى مصر، وسربين من الطائرات «ميراج» سرب يقودهم قادة مصريون وآخر يقوده ليبيون، أما السودان فكان لها دور مهم أيضا بإرسالها لواء مشاة وكتيبة قوات خاصة إلى الجبهة المصرية، وأرسلت كل من فلسطين والكويت كتيبة صاعقة.
وأشار فؤاد إلى أنه عندما حدثت الثغرة أرسلت الجزائر لواء مدرعا، أما المغرب فساهمت بلواء ميكانيكى، وهو ما يؤكد أن الدول العربية كانت تشعر بمسئولية كبيرة تجاه مصر، وهو نفس الدور الذى لعبته الدول العربية عندما دعمت ثورة 30 يونيو، عندما تأكدت أن هناك مؤامرة غربية تحاك ضد مصر تسعى لضرب حصار اقتصادى حولها.
ويرى اللواء حسام سويلم الخبير العسكرى أن الدول العربية لم تساعد مصر اقتصاديا فقط بل هى شاركت فى الحرب على الصهاينة.
وأضاف سويلم أن سوريا ومصر نجحتا فى تحقيق النصر، إذ تم اختراق خط بارليف «الحصين»، خلال ست ساعات، بينما دمرت القوات السورية التحصينات الكبيرة التى أقامتها إسرائيل فى هضبة الجولان، وحقق الجيش السورى تقدما كبيرا فى الأيام الأولى للقتال مما أربك الجيش الإسرائيلى وأكد سويلم أن اليمن بإمكانياتها البسيطة استطاعت أن تساعد مصر فى حربها حيث سمحت للوحدات البحرية أن تغلق مضيق «باب المندب»، بينما قام الشيخ زايد حاكم دولة الإمارات بدور عظيم بأن «يستلف» من أجل مصر ونصرتها وأعطاها 50 مليون دولار لدعمها فى المعركة.
بينما لعبت الكويت دورا كبيرا فى «الثغرة» حيث قاتلت مع الجيش المصرى وتكبدت خسائر فادحة، فأرسلت الكويت كتيبة مشاة وسرب طائرات هوكر هنتر مكونا من 5 طائرات هنتر وطائرتى نقل من طراز سى-130 هيركوليز لنقل الذخيرة وقطع الغيار، واستمرت هذه الطائرات حتى بعد الحرب فى منتصف .1974
وأضاف سويلم: «إسرائيل رغم سفالتها إلا أنها عندما حاربت مصر لم تضرب 90 قسم شرطة كما ضرب الإخوان، ولم تحرق أكثر من 70 كنيسة، ولم تقطع السكك الحديدية يوما واحدا كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين، حتى أثناء نكسة 1967 واجهها الشعب المصرى بمنتهى القوة والوحدة ولكن بعد عام من حكم الإخوان انقسم الشعب لأول مرة فى تاريخه.
وأشار إلى أن الجيش المصرى عندما حارب إسرائيل كان يوجه ضرباته فى السويس وسيناء وأماكن بعينها، لكن القوات المسلحة تواجه الآن عدوا اسوأ من الصهاينة، فالإخوان جعلوا الجيش يحارب من رفح شرقا حتى السلوم غربا، ومن البحر المتوسط شمالا حتى أسوان جنوبا، ومن ثم شتت الإخوان الجيش لأنهم جماعة ضد المصلحة الوطنية وكيان الدولة المصرية واستقرارها.
د.هالة مصطفى - أستاذ العلوم السياسية - تقول أنه فى 1973 و2013 وكان الموقف العربى الداعم المستمر الثابت لمصر هو موقف دول الخليج والسعودية، بما يشكله من عمق استراتيجى لمصر ،خاصة السعودية باعتبارها أكبر دولة خليجية استطاعت أن تلعب دورا محوريا فى حرب 1973 سواء بالدعم العسكرى وخاصة للجبهة السورية من إرسال 3 لواءات ميكانيكى، وفوج مدرعات، فضلا عن فرق المظلات وسرية إشارة وهاون وسرية صيانة ووحدة بوليس حربى، فضلا عن الدعم الاستراتيجى الآخر من حظر تصدير البترول لدول الغرب.
أشارت مصطفى إلى أنه لا يمكن أن ننسى أن الجيش العراقى حارب مع الجيش المصرى، ودعم الجبهة السورية من خلال فرقتين مدرعتين و 3 ألوية مشاة وعدة أسراب طائرات وبلغت مشاركة العراق العسكرية على نحو يتجاوز 30 الف جندى، وخمسمائة مدرعة وسربين من طائرات «الميج 21».
أكدت هالة أن هذا الدعم العربى كأن يستهدف فى المقام الأول فى حرب 1973 هو عودة الكرامة وتحرير الأراضى المصرية، أما الدعم العربى فى 30 يونيو فيغلب عليه بشكل كبير رغبة دول الخليج خاصة فى الحفاظ على أمنها من المد الإخوانى لبلادها، بعد سيطرته على الحكم فى مصر، بل سيزداد فى الفترة المقبلة بعد التقارب الأمريكى الإيرانى الشيعى، ومن ثم ستسعى هذه الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية فى تكوين محور قوى مع قلب الأمة العربية «مصر» حتى تتمكن بهذا التحالف من مواجهة إيران.
بينما يرى د.سعيد اللاوندى - خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - أنه لو لم تكن هناك مساعدات عربية لما حققت مصر انتصاراتها فى حربها على الصهاينة، فالدول العربية كان لديها إحساس عميق بأن مصر تحارب من أجل الأمة العربية كلها وليست لتحرير الأراضى المصرية فقط، مشيرا إلى أن هناك العديد من الدول العربية ترى أن نصر أكتوبر هو نصر عربى قبل أن يكون نصرا مصريا، فجميع الدول العربية شاركت فيه سلاحا وجنودا وأموالا.
أضاف اللاوندى أنه لولا تعاون الجيش المصرى مع السورى لما استطعنا تحقيق هذه الهزيمة الساحقة للجيش الصهيونى الذى روج عنه بأنه «لا يقهر»، فى نفس التوقيت الذى بدأت فيه القوات المصرية هجومها على الصهاينة وحسب الاتفاق المسبق قام الجيش السورى بهجوم شامل فى هضبة الجولان وشنت الطائرات السورية هجوما كبيرا على المواقع والتحصينات الإسرائيلية فى عمق الجولان وهاجمت التجمعات العسكرية والدبابات ومحطات الرادارات وخطوط الإمداد وحقق الجيش السورى نجاحا كبيرا وحسب الخطة المعدة بحيث انكشفت أرض المعركة أمام القوات والدبابات السورية التى تقدمت عدة كيلو مترات فى اليوم الأول من الحرب مما أربك وشتت الجيش الإسرائيلى الذى كان يتلقى الضربات فى كل مكان من الجولان.
وتشير عالية المهدى العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية إلى أن موقف الدول العربية من استخدام سلاح البترول استفادت منه مصر فى انتصارها بأكتوبر، إلا أنه أيضا حققت به دول الخليج طفرة فى نهوض مجتمعاتها حيث ارتفع سعر بيع البرميل من 3 دولارات إلى 10 دولار، إلا أنه لا يمكن إنكار أن هزيمة مصر فى يونيو كانت تهز كل قلب عربى، وكان من مصلحة هذه الدول أن تعود مصر لقوتها لأنها تمثل بيت الأمة العربية.
أما عن الدعم العربى مصر فى 2013 فأكدت أن وجود الإخوان فى الحكم كان يمثل قلقا شديدا للدول العربية، التى تخشى أن تأكل هذه الموجة الإخوانية بلادهم بعد أن سيطر الإخوان على مصر وليبيا وتونس وسوريا فى الجيش الحر، وعندما خرج المصريون بثورتهم فى 30 يونيو كان يمثل ذلك طوق النجاة لدول الخليج، حيث ضمنت كسر إحدى حلقات التنظيم الإخوانى المحكم، وهو ما يؤدى إلى تهشيم حلقاته الأخرى فيما بعد.
قالت المهدى إن مصر كانت فى أمس الحاجة إلى هذا الدعم الاقتصادى العربى بعد 30 يونيو، خاصة أن مصر تعانى من تدمير اقتصادى قاتل، نتيجة للسياسات الخاطئة التى تم اتخاذها بدءا من حكم المجلس العسكرى وصولا بحكم الإخوان، مؤكدة أن من مصلحة السعودية والإمارات والكويت وغيرها من دول الخليج أن يموت الإخوان ويقضى عليهم حفاظا عليها سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
د.حسن أبوطالب المحلل الاستراتيجى يرى أن الدعم العربى لمصر فى حرب 1973 كان مرتبطا بتوجهات الرئيس السادات آنذاك، وكانت تلك التوجهات تسير فى اتجاه عدد من الدول العربية التى كان لديها تحفظات على سياسات عبدالناصر، ولكن السادات تواصل مع قيادات هذه الدول ولم يجعل المعيار الأيديولوجى حاكما فى علاقاته بهذه الدول أشار أبوطالب إلى أنه لم تكن هناك اتفاقيات مسبقة بين مصر والعرب فى حرب أكتوبر، إلا فى حالات مثل التنسيق المصرى السورى، ولكن كانت هناك مبادرات عربية أخرى لم تقل أهمية، مثل دعم الجزائر للجيش المصرى بتوفير قطع غيار للأسلحة، فضلا عن إرسالها لواء مدرع وآخر مشاة، وصلوا بعد نشوب الحرب فى 6 أكتوبر 1973.
واستطرد أبوطالب قائلا إن قرار تخفيض ثم منع النفط الذى دعمته الإمارات والكويت والذى أدى إلى تكون موقف عربى جامع قوى، كان من السياسات الاستراتيجية الحاسمة التى لعبت دورا كبيرا فى التأثير على إسرائيل وأمريكا، واتجهت العديد من الدول الأوروبية تصرخ مطالبة الصهاينة بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين والانسحاب من الأراضى المصرية.
أما عن الدعم العربى الاقتصادى لمصر بعد 30 يونيو، فيرى أبوطالب أنه كان له وضع خاص مختلف عن 1973 لأنه جاء فى ظل حالة توتر ومخاوف شديدة من تماسك الجبهة الداخلية المصرية، بشكل يؤثر على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية أيضا بعدد من الدول العربية كالسعودية والإمارات والكويت.
وأضاف أن هذه الدول وجدت فى دعمها لثورة المصريين فى 30 يونيو تحقيق مصلحة استراتيجية لها ضد مخاوف امتداد النظام الفاشى لمجتمعاتها، ومن ثم عملت هذه الدول على تعزيز هذه الثورة وإعطائها جرعة أكبر من الصمود فى مواجهة الإخوان وتنظيمهم الدولى، فضلا عن دعم نظام الحكم الجديد بمصر من خلال أساس اقتصادى قوى لكى تعبر اللحظة الحرجة.
ويتفق معه السفير إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق أن استخدام السعودية والدول العربية لسلاح المقاطعة لتصدير النفط لأمريكا، كان فعالا للغاية، بل هناك واقعة لم يعرفها الكثيرون أن «الملك فيصل» أصر آنذاك على استمرار المقاطعة بعد الحرب حتى مارس 1974 وطلب من الأمريكان الضغط على إسرائيل لتصل إلى نفس الاتفاق الذى نفذته مع مصر بفض الاشتباك ولكن على الجبهة السورية.
أضاف وهبة أنه أرسل للعمل بسفارة مصر فى أمريكا آنذاك، ورأى بنفسه كيف عانى الشعب الأمريكى من قرار منع النفط لبلادهم، من تكدس أعداد من الطوابير الطويلة من السيارات الأمريكية فى انتظار أن تملأ خزانات الوقود ببضع جالونات حتى يناير وفبراير 1974، ومن ثم أثر هذا القرار على الشعب الذى بدوره ضغط على حكومته.
أشار إلى وهبه أنه نظرا لقوة الجبهة العربية أثناء حرب أكتوبر ودعمها لمصر، صعق العالم بالنجاح المصرى للعبور، وقدرته على هزيمة هذا الحاجز الترابى المسمى «بارليف» والذى روجت له إسرائيل أن مصر تحتاج على الأقل عشر سنوات حتى تعبره، وهو الأمر الذى أدى إلى حضور السفير الروسى فى مساء 6 أكتوبر لمقابلة الرئيس السادات، لكى يبلغه تهنئة الرئيس السوفيتى «ليونيد بريجنيف» وتحياته من يجنيف بالنصر ويقول له رسالة خاصة على لسان سفيره «الرئيس بريجينف يبلغك بأن 6 أكتوبر هو أسعد يوم فى حياته».