الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على الأرض كانوا خير الأجناد.. وفى السماء هم فى منزلة الصديقين والأنبياء فهنيئًا لهم.. من أسطورة "39 قتال" إلى أسطورة "103 صاعقة" أبطال برتبة شهيد

لم تأتِ جُملة «مِصْرُ بَلَدُ الأمْن والأمَان» من فراغ، ولكن لم يكن ذلك الأمانُ والسلامُ من دون ثمَن، فكان شهداءُ الجيش المصرى دائمًا وأبدًا هم الثمَن الذى تدفعه مصرُ من أجل تحقيق الأمان لشعبها، فنسمع كل فترة عن استشهاد بعض جنود وضباط الجيش المصرى، وهو الأمْرُ المُحزن الذى ليس له نهاية فيُضَحِّى هؤلاءُ الأبطال بأنفسهم ويَفدون الوطنَ بأرواحهم الطاهرة لتبقى مصرُ دائمًا كما عهدناها بلدًا آمنًا.



ولعل «يوم الشهيد» الذى تم اختياره من القوات المسلحة هو أقَل مكافأة من الممكن أن تقدمها مصرُ لشهدائها، فنتذكر باستمرار مَن هم الذين ضَحُّوا بأرواحهم فى سبيل الوطن والذين لن نغفل أبدًا عن دورهم فى الدفاع عن مصر وحماية شعبها من الأعداء ونُحْيِى ذكراهم ونَحكى عنهم بكل فخر لأبنائنا.

يأتى «يوم الشهيد» بمصرَ فى التاسع من مارس من كل عام، فتُحْيى القوات المسلحة ذكرى شهداء الجيش المصرى الذين فقدوا أرواحَهم أثناء تأديتهم للواجب الوطنى والدفاع عن مصر، وهو يأتى بالتزامُن مع ذكرى وفاة الشهيد الفريق «عبدالمنعم رياض»، الذى استشهد فى التاسع من مارس عام 1969 فى اليوم الثانى من حرب الاستنزاف؛ حيث كان الفريق «عبدالمنعم رياض» قد تَوَجَّه للجبهة ليتابع نتائج المعركة بنفسه، وقد مَرَّ على أكثر من موقع حتى وصل إلى شمال الإسماعيلية، الذى كان من أكثر المواقع تَقَدُّمًا ولم يكن بينه وبين مَرمَى النيران الإسرائيلية ما يَتعدّى المئتين والخمسين مترًا.

وأثناء تواجُد الفريق «عبدالمنعم رياض» فى وسط جنوده كانت نيران القوات الإسرائيلية قد انهالت فجأة على ذلك الموقع، وانفجرت إحدى دانات المدفعية بالقرب منه ليسقط الشهيد «عبدالمنعم رياض» مستشهدًا فى التاسع من مارس عام 1969 نتيجة للجراح العميقة فى جسده التى تسببت فيها الشظايا.

وفى ليلة الأربعين من استشهاد الفريق «عبدالمنعم رياض» طلب الرئيسُ الراحل «جمال عبدالناصر» القيامَ برد فعل سريع وقوى حتى لا تتأثر معنويات الجيش المصرى باستشهاد قائده، تم تكليف «إبراهيم الرفاعى» أحد أبرز أساطير العسكرية بالعملية.. فعَبَرَ «الرفاعى» القناةَ واحتل برجاله موقعَ «لسان التمساح»، الذى أطلقت منه القذائف التى كانت سببًا فى استشهاد الفريق «رياض»، واستطاع القضاءَ على كل مَن فى الموقع.

والشهيد «إبراهيم الرفاعى» هو أسطورة عسكرية تُدَرَّسُ من جيل إلى جيل.. وتُوثقها جميع الروايات والمَراجع العسكرية، وُلِدَ فى يونيو 1931 فى منطقة العباسية بالقاهرة، والتحق بالكلية الحربية عام 1951 وانضم عقب تخرُّجه إلى سلاح المشاة، وتم تعيينه مُدرسًا بمَدرسة الصاعقة، وشارك فى بناء أول قوة للصاعقة المصرية، وعندما وقع العدوان الثلاثى على مصر 1956 شارك فى الدفاع عن مدينة بورسعيد، وفى يوم 5 أغسطس 1968 بدأت قيادة القوات المسلحة فى تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة فى سيناء، ووقع الاختيارُ على البطل «إبراهيم الرفاعى» لقيادة هذه المجموعة، التى استطاعت تحقيق كَمٍّ كبير من العمليات فى العُمق الإسرائيلى، حتى أطلق على مجموعته «مجموعة الأشباح».

وكانت أول عمليات هذه المجموعة نسف قطار للعدو عند «الشيخ زُوَيّد»، ثم نسف «مخازن الذخيرة» التى تركتها قواتنا عند انسحابها من معارك 1967، ومع الوقت كبرت المجموعة التى يقودها البطل وصار الانضمام إليها شرفًا يسعى إليه الكثيرون من أبناء القوات المسلحة، وأطلق على المجموعة اسم «المجموعة 39 قتال»، وذلك فى يوم 25 يوليو 1969، واختار الشهيد البطل «إبراهيم الرفاعى»، شعارَ رأس النّمْر كرَمز للمجموعة، وظل البطل «إبراهيم الرفاعى» يُنَفّذ العديدَ من المَهام المستحيلة، حتى استشهد يوم 19 أكتوبر 1973.

وخلال حرب الاستنزاف قدمت مصرُ خيرة الشباب من كل الرُّتَب فداءً لأرضها المسلوبة، وتمت عمليات إعادة بناء القوات المسلحة بشكل يُدَرَّسُ عالميًا؛ خصوصًا أنه تم فى ظل ضغوط من جانب العدو، وبَعد ضرب الطيران المصرى على الأرض فى 67 وأصبحت الأرض مكشوفة، ووسط كل ذلك برزت كفاءة ومهارة المقاتل المصرى ليصبح رقمًا صعبًا فى ميدان المعارك، رُغْمَ ضعف العامل الاقتصادى ليتوالى سقوط الشهداء، ولكن كانت دماؤهم تكتب سطور مَلحمة تاريخية بكل المقاييس.

وجاء العبورُ وحربُ التحرير فى السادس من أكتوبر عام 1973 فاستردت قواتنا المسلحة سيناءَ بأغلى ثمَن؛ وهو أرواح المئات من خيرة أبناء قواتها المسلحة، وقد حافظ الجيش على نقل الخبرات من جيل أكتوبر إلى الأجيال التالية، كما حافظ على كفاءة الجندى المصرى المعروف بـ«خَير أجناد الأرض» حتى اللحظة الحالية.

وبعودة الأرض وانتهاء الحرب لم تتوقف مصرُ عن زَفّ المَزيد من الشهداء للسماء، فانضم رجال الشرطة إلى رجال الجيش فى معركة مواجهة الإرهاب فى الثمانينيات والتسعينيات وتطهير مصر من المتطرّفِين، وحماية شعبها وأرضها واقتصادها، واستمرت المَلحمة لتصل إلى ذروتها عند تصاعُد الحرب والمواجهة مع التطرف والمتطرفِين منذ 2011 وعقب استيلاء الجماعة الإرهابية على السُّلطة حتى انتفاض الشعب ضد حُكمهم ووقف الجيش والشرطة درعًا لحماية الشعب والوطن لتروى أرض سيناء من جديد بدماء العشرات من أبناء مصر رجال القوات المسلحة.

 الشيخ زويد..  يوليو 2015

الجميع يَذكر كلمة الرئيس «عبدالفتاح السيسى» القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال الندوة التثقيفية الرابعة والعشرين، التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية فى فبراير 2017، والتى كانت بعنوان «مجابهة الإرهاب - إرادة أمَّة»، والتى عُقدت بمسرح الجلاء، أن الهجوم على كمائن الشيخ زويد فى شهر يوليو 2015 «كانت معركة فاصلة، وكان هدفها إعلان ولاية سيناء»، موضّحًا أن الهجوم كان على جميع الكمائن الموجودة بالشيخ زويد بشمال سيناء فى وقت واحد.

فبَعد نجاح ثورة 30 يونيو، ظهَر واضحًا مَدى التحديات التى تواجه الدولة المصرية، وكان على رأس تلك التحديات، هو تحدى مواجهة الإرهاب فى مصر.

ولأن بطولات أبطال القوات المسلحة لا تنتهى لا يمكن أن ننسَى «معركة الشيخ زويد»، التى حدثت فى الأول من يوليو عام 2015، والتى لا تقل صُمودًا وشجاعة وقوة، كنصر السادس من أكتوبر 1973، عندما أحبط الجيش المصرى العظيم مخطط العناصر الإرهابية والتكفيرية فى إعلان «ولاية سيناء» من الشيخ زويد، ورفع العَلم الخاص بها على المؤسَّسات الحكومية والأمنية والعسكرية.

فمع مَطلع صباح يوم الأربعاء الموافق الأول من يوليو 2015، كان رجال القوات المسلحة بأبطالها البواسل على موعد مع مَلحمة جديدة لإفشال مخطط إرهابى مُحْكم للهجوم على الكمائن والارتكازات الأمنية والعسكرية بمدينتَى رفح والشيخ زويد؛ لإحداث حالة من الفوضَى والفراغ الأمنى، والإيحاء بسقوط مدينة الشيخ زويد فى أيدى العناصر التكفيرية لإعلان قيام إمارة إسلامية متطرفة تُعرَف بتنظيم ولاية سيناء، وذلك بمساعدة وسائل إعلام مناهضة لمصر.

واعتبارًا من الساعة السادسة و55 دقيقة صباح الأربعاء 1 يوليو 2015، جاءت ملامح المخطط الإرهابيى؛ حيث قامت مجموعة إرهابية بالهجوم على عدد من الكمائن للقوات المسلحة وقِسْم الشيخ زويد، وكان الهجوم كالتالى: كمين أبورفاعى كمين سدرة أبوالحجاج وبالتوازى مع قيام مجموعات مسلحة أخرى تتحرك بعربات مسلحة دَفْع رباعى ومعهم من 3 إلى 4 دَرَّاجات نارية قامت بإطلاق النيران المباشرة على عدة كمائن، وهى: «بوابة الشيخ زويد - كمين سيدوت - كمين الماسورة - كمين الوحشى - كمين جرادة - كمين الشُلاق - كمين العُبَيدات - كمين قبر عُميرة»، وقد قامت العناصر التكفيرية برفع عَلم التنظيم الإرهابى ولاية سيناء على عدد من المبانى وتصويرها لاستخدامها إعلاميّا بادعاءات توحى بتمكن العناصر الإرهابية من إسقاط مدينة الشيخ زويد وبث بيانات كاذبة وصُوَر مغلوطة عن هجمات إرهابية فى إطار استخدام الجيل الرابع من الحروب المتمثلة فى حرب المعلومات للتأثير على الروح المعنوية للقوات.

لكن تمكنت جميع الكمائن الأخرى من التصدى للعناصر المهاجمة وفرار العناصر التكفيرية جنوب الشيخ زويد، يأتى ذلك تزامُنًا مع قيام طائرات الأباتشى بتوجيه قذائف مركزة ضد مَركزَين لتجميع العناصر التكفيرية جنوب العلامة الدولية رقم 6 وداخل مدينة الشيخ زويد وعدد من عربات الدفْع الرباعى أثناء فرارها من كمائن القوات المسلحة.

وقد تم تجميع جُثث وأشلاء العناصر التكفيرية وإخلاء شهدائنا الأبرار والمصابين للمستشفيات لتلقى العلاج مع فرض السيطرة الكاملة على مُدن رفح والشيخ زويد وإعادة الأوضاع الأمنية لما كانت عليها مع مواصلة ملاحقة باقى العناصر التكفيرية ومنعها من الهروب.

وفى بيان القيادة العامّة للقوات المسلحة قال المتحدث العسكرى: «تَمَكنَ رجال القوات المسلحة البواسل من التعامل مع هذه العناصر الإجرامية وإحباط جميع المحاولات الإرهابية من تحقيق أهدافها، وقد قامت عناصر القوات المسلحة بشمال سيناء بمعاونة القوات الجوية بمطاردتهم وتدمير مناطق تجمُّعَاتهم وقَتْل ما لا يقل عن 100 فرد من العناصر الإرهابية وإصابة أعداد كبيرة منها، بالإضافة إلى تدمير 20 عربة كانت تستخدمها تلك العناصر الإجرامية وجارٍ الآن تنفيذ عمليات التمشيط بالمنطقة».

وأضاف المتحدث العسكرى: «أسفرت هذه العمليات الإجرامية عن استشهاد 17 من أبطال القوات المسلحة، منهم 4 ضباط وإصابة 13 آخرين منهم ضابط أثناء قيامهم بأداء واجبهم الوطنى».

واختتم البيان: «شعب مصر العظيم.. إن قواتكم المسلحة تقود حَربًا شرسة ضد الإرهاب دون هوادة، ونؤكد لشعبنا العظيم أننا لدينا الإرادة والإصرار لاقتلاع جذور هذا الإرهاب الأسْوَد ولن نتوقف حتى يتم تطهير سيناء من جميع البُؤَر الإرهابية وينعم وطنُنَا الحبيب بالأمن والاستقرار، حفظ الله مصرَنا الحبيبة وأسكن شهداءَنا الأبرارَ فسيحَ جَنَّاته وألْهَم الشعب المصرى الصبرَ والسلوان».

 تظل مَلحمة «البرث» بقيادة الشهيد «أحمد منسى» ورفاقه «شبراوى وحسنين والعسكرى على وهرم وصلاح والمغربى»، أحدَ أهَمّ المعارك ضد الجماعات الإرهابية بشمال سيناء، التى استشهد فيها الشهيد «منسى» ورفاقه، وهم يدافعون عن كمين البرث «قصر راشد» بمدينة رفح، وحيث تقع منطقة البرث جنوب مدينة رفح، بالقرب من المنطقة الحدودية بين رفح والشيخ زويد، ولذلك يُعتَبر موقعها ذات أهمية من الناحيتَيْن اللوجيستية والأمنية، لما تتميز به من تمركُز فى وسط جميع التحركات بالمدينتَيْن، وكانت «معركة البرث» هى بداية لمَرحلة أخرى من المواجهات مع العناصر الإرهابية، استطاعت فيها القوات المسلحة والشرطة المدنية، والمواطنون الشرفاء من أهالى سيناء، القضاءَ على عدد كبير من العناصر والبُؤَر الإرهابية.

وفى 7 يوليو 2017، أعلن العقيد أركان حرب «تامر الرفاعى»، المتحدث العسكرى، للقوات المسلحة، أن قوات إنفاذ القانون بشمال سيناء، نجحت فى إحباط هجوم إرهابى للعناصر التكفيرية، على بعض نقاط التمركز جنوب رفح، وأسفر عن مقتل أكثر من (40) تكفيريّا، وتدمير (6) عربات؛ حيث تعرضت قوات إحدى النقاط لانفجار عربات مفخخة نتج عنها استشهاد وإصابة (26) فردًا من أبطال القوات المسلحة، وجارٍ تمشيط المنطقة ومطاردة العناصر الإرهابية.

أكثر من 40 عامًا منذ  أسَّسَ الأسطورة «إبراهيم الرفاعى» «مجموعة 39 قتال» حتى استشهاد «مجموعة الأسطورة» منسى رجال الكتيبة 103 صاعقة روت فيها دماء رجال القوات المسلحة رمال سيناء بآلاف الأرواح صعدت فى عُرْس مهيب للسماء لا تخلو قرية أو مدينة أو مركز فى أى محافظة من محافظات مصر من شهيد، ولم ولن تتغير عقيدة الشعب المقاتل «مصر حُرَّة ودونها الحياة».

لا يسعنا فى «يوم الشهيد» سوى أن نقدم التحية العسكرية لكل شهداء الواجب من الشهيد النسر الذهبى الفريق «عبدالمنعم رياض» وأسطورة «المجموعة 39 قتال» إلى أسطورة معركة كمين البرث الشهيد العميد «أحمد منسى» ورفاقه والآلاف من شهداء حرب العدوان الثلاثى والاستنزاف والعبور وحرب حماية مصر من الإرهاب؛ كتائب من الشهداء كانوا على الأرض خَيرَ الأجناد وأصبحوا فى السماء إلى جوار الصِّدِّيقِين والأنبياء.. فَهَنيئًا لهم.