اشكروا صناع أغانى المهرجانات.. بدلًا من أن تدفنوا رءوسكم فى الرمال
محمد شميس
شاهدت فى الشهور القليلة الماضية العديد من الحوارات الفنية المختصة بعالم الغناء، سواء كانت هذه الحوارات لنقاد أم لصناع متخصصين فى مجال موسيقى الـ«POP» العربى، حيث كانت هناك شبه تأكيدات على انتهاء فترة سيطرة موسيقى المهرجانات على الذوق المصرى، خاصة بعد الكثير من النجاحات الموسيقية للمغنيين المرضى عنهم إعلاميًا.
واليوم، وأنا أكتب هذا المقال، وكنت أنوى الكتابة عن واحدة من الإصدارات الغنائية الجديدة الصادرة حديثا مثل «ألبوم رامى جمال»، أو «ألبوم إليسا»، أو حتى الأغانى المنفردة لـ«هيفاء وهبى»، (نحلة)، «سميرة سعيد»، (كداب)، «روبى»، (الليلة الحلوة)، ودخلت على موقع «يوتيوب»، ثم ذهبت إلى «المحتوى الرائج»، لأجد أن من يتصدر القائمة أغانى المهرجانات! فى نفس الوقت الذى صدرت فيه الكثير من الأعمال الغنائية الحديثة من فئة موسيقى الـ«POP» العربى!
حيث عاد للصدارة من جديد «حمو بيكا»، بمشاركة «حسن شاكوش» وأغنية (عم جيلو)، وهى أغنية بها كل عناصر «التوليفة» الناجحة لأغانى المهرجانات، بل مقسمة على أجزاء غير مترابطة، حتى يستطيع المستمعون استخدامها كـ«ستورى»، أو «ريل» على منصات مواقع التواصل الاجتماعى، فهناك أجزاء عاطفية للتغزل فى الشريكة، ومقاطع للتفاخر بالذات، ومقاطع لـ«التلقيح» على الأصدقاء أو المعارف «ناكرى الجميل»!
والمركز الثانى فى القائمة لـ«كريم كرستيانو» و«إسلام كابونجا» بأغنية (خمسة علينا من عينكو)، وهى أغنية ذكية، لها سيناريو، يبدأ بالحديث عن الأخصام، ثم وضع الخطة لكيفية التعايش مع الواقع الجديد، وتنفيذ الخطة مبنى على خمسة مبادئ أساسية، ثم الحديث عن ماضى الشخصيات التى تغنى الأغنية، وافتخار الثنائى بحمل السلاح «المطواة»، والذى أودى بهما إلى الدخول إلى السجون، واستعدادهما للرجوع إليه من جديد. وقطعًا، لا أتفق مع مثل هذه المعانى، ولكن هذا لا يمنعنى من الإعجاب بالذكاء فى طريقة سرد القصة بهذا البناء!
وفى المركز الثالث «عصام صاصا» وهى أغنية فى بداياتها تتغنى بأسماء وصفات لفردين «حسن العمدة، حسين العمدة»، من قبيلة «الحويطات» بجنوب سيناء، وهى من القبائل التى تضرب جذورها 3 دول عربية مع مصر وهم «الأردن والسعودية وفلسطين»، والجميل فى هذه القبيلة أنها لا تزال تحافظ على التواصل بين أفرادها حتى وإن كانوا منتشرين فى 4 دول مختلفة، ولكى لا تأخذ الأغنية الطابع الخاص، فيعود «صاصا» لكتالوج أغانى المهرجانات، حيث تصنع الأغنية بمقاطع منفصلة ولكل مقطع قصته، فهناك مقطع يتحدث فيه المغنى بلسان الشخصية الشعبية المتفاخرة بإنجازاتها واستعدادها للدخول إلى السجن وتوعدها للمرشدين المتعاونين مع وزارة الداخلية، وفى مقطع ثان يتغزل بلسان المحب فى محبوبته بمصطلحات تصلح للكتابة كبوستات فيسبوك من قبل المراهقين مثل «انتى حتة بيور، انتى شمس ونور، أى بت تغور، أنا أكتفيت بيكى»، وفى مقطع آخر يتحدث بلسان الشخصية المتمردة المستمدة من تراث القصص الشعبية التى يكون فيها البطل لا يخشى أى قوة قد تحاول منعه من تحقيق أهدافه حيث يقول: «صدقونى لو قامت القومة، لا هتخلص ودى ولا حكومة».
وحتى لا يطيل الحديث، هذه القائمة الرائجة يأتى فيها فى المركز الرابع «رضا البحراوى» بأغنية (اللى فات أنسوه) والتى يتحدث فيها بلسان شخصية تمتلك هيبة وقوة الأسد، وفى المركز الخامس أول تواجد لفنان من فئة الـ«pop»، وهو «رامى جمال» بأغنية عاطفية تقليدية بعنوان (بيكلمونى)، وفى المركز السادس «مسلم» بأغنية عاطفية درامية يتحدث فيها الشريك عن عدم ندمه بخسارة شريكه، وعنوانها (واحد زيك).
وفى المركز السابع تعود من جديد قبيلة «الحويطات» بأسماء أفرادها «حسن العمدة، وحسين العمدة»، ولكن هذه المرة فى مقطع من مقاطع أغنية «عرباوى ناشئ وسط عرب»، ويبدو أن هناك مناسبة عائلية لهذين الفردين ما جعل أسماؤهما تظهر فى هذه النوعية من الأغانى المرتبطة بالأفراح والمناسبات والتجمعات، ولكن ما لفت انتباهى هو موهبة «فارس سكر» مغنى المهرجانات وقدرته على «رص الكلام» باستخدام مصطلحات موسيقية بإيقاع سريع ولكنه فى الوقت ذاته مفهوم!
والخلاصة من كل ذلك، أن المهرجانات أصبح لها جمهور المتجذر، وأصبح لها خصائصها الفنية وركائزها الأساسية فى طريقة صناعتها كما ذكرنا فى هذا المقال، ولا يجوز أن نفصل ما تحدثنا عنه عن واقعنا الاجتماعى، والظهور المكثف لاسم قبيلة من قبائل سيناء فى أغانى شعبية رائجة حديثة الصنع، فى وقت الاحتفال بتدشين اتحاد قبائل سيناء، ويجب أن نستشعر الخطر بتجاوب الجمهور مع أغانى يتحدث صناعها بلسان شخصيات لا تهاب قوة الدولة، ولا تخشى من دخول السجون، والتأكيد على الوصمة الاجتماعية للمتعاونين مع الأجهزة الأمنية ووصفهم بالمرشدين، وأن هناك مجتمع كامل خفى فى الظلام، ربما لا نعلم عنه شيئًا.
بل يجب أن نشكر صناع المهرجانات على فطرتهم فى استعراض أوضاعهم الاجتماعية ليضعونا أمام التحديات التى من المفترض أن نواجها اجتماعيًا وسياسيًا، بدلًا من الحديث عن مصادرتها فنيًا!