السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه: ما قاله محمود حميدة

عكس الاتجاه: ما قاله محمود حميدة

لم تفاجئنى اعترافات محمود حميدة فى برنامج «وفاء الكيلانى»، فهو مثقف وممثل كبير ومختلف، وكلامه دومًا مختلف، تلك الاعترافات المفاجئة للكثيرين والتى عكست للمشاهد لأول مرةٍ فلسفته وثقافته، حتى أن البعض على السوشيال ميديا قد تداولوا «مأثورات» ما قاله لوفاء الكيلانى فى برنامجها التليفزيونى (السيرة)، والذى عادة ما تستضيف فيه الفنانين، إلا أن «الأثر» الذى تركه حديث حميدة هو ما أوجد الاختلاف بينه وبين الآخرين، وهى التى فى مجمل حواراتها السابقة تقيد أسئلتها داخل أقفاص الإيحاءات المسحوبة من فم الضيوف، وتصبح هى العنوان والموضوع لدى المشاهد، عند حميدة كانت إجاباته الراقية غير المُسفة ولا المبتذلة هى التريند، الإجابات التى ليست بالضرورة ناتجةً عن أسئلتها، بل هى الإجابات التى كان سيقولها حتى دون سؤال، بمعنى أن اعترافاته تلك هى كل ما أراد أن يقوله للناس الآن وقد بلغ منتهى اليقين. 



وعند حميدة كان الخبر اليقين، فكان أن دخل الاستديو وهو يعلم ماذا سيقول لنا، وعند أىّ خطٍ ومكان وحادثة وذكرى وألم وفرح وامرأة وحب ستتوقف شهرزاد عن الحكى، وليس عند ظهور الصباح، وليس عند رقم فلوس البرنامج. 

 حتى أنه قبل انتهاء الحلقة بدا عصبيًا وطلب إنهاء الحلقة عند الحد الذى استفاضت فيه المذيعة عن وصفه بـ(جوز الاتنين) زوج الاثنتين، وقال لها بالنص قاطعًا جازمًا مهددًا: إنتِ أخدتٍ أكثر من المفروض، حتى فى تلك النقطة لم تلتفت المذيعة إلى مشقة العدل - أنا لم أصدقه- الذى حاول الفنان أن يوزعه بين زوجتيه، قال حميدة - وهو يكايد المذيعة - زوجتى الأولى هى حب عمرى، وزوجتى الثانية هى حب منتصف عمرى، وهذا الوصف مرده التاريخ والزمن الذى التقى فيه الاثنتين، حتى أنها لم تلتفت ولم تعبأ بما هو أهم من قصص حبه وزواجه: ثقافته، عشقه للشعر ولشعراء العامية، فؤاد حداد، حتى حين ذكر بيتًا شعريًا لحداد لم تعلق المذيعة، فقد كانت تجرى وراء الفرقعات الإنسانية، لم تهتم بتميز موهبته ولا بكيفية تقمصه للأدوار، ولا بأصدقائه ولا برؤيته الفنية الناقدة ولا بأسفاره وحكايا الغرباء، عن تلك الحِكمة التى تتدفق من فمه، عن منحى «العارف» وخلاصة تجاربه شديدة الإنسانية، عن ذاك الطفل العجوز والغريب الذى يشبه ذكر ما جاء فى أوراق وقصص وحكايا السابقين، كان لا بد وأن تستفيض السائلة فى هذه النقطة، أن تعود للمراجع وللدراسات وللكتب القديمة فى آسيا، تقرأ وتنقل لنا عن الأطفال أصحاب التاريخ الإنسانى والدينى، أن تكون حكايا طفولته هى من تأخذ الوقت الأطول فى الحوار، الحكايا الغريبة والعنيدة التى قادته إلى ما أسماه حميدة بـ«حُمُوريّته» أو بـ «مكايدته لعادات المجتمع المتخلفة والتى جعلته يقول للآخرين المنافقين بأنه «بيشتغل رقّاص».

اعترافات حميدة كانت فى حاجة لأسئلة مختلفة، وهو ما لم يحدث، رحلة محمود حميدة كانت فى حاجة إلى سائل مختلف، سائل يسمو بها- علشان الحوار الصحفى والإعلامى مش شوية أسئلة سخنة تعمل إيفيهات، أو تعمل دماغ - وأظن أنه دخل الاستديو ومعه الأسئلة والإجابات، منح المذيعةَ الأسئلةَ التى سيجيب عنها، أو ربما يكون قد أوعز إليها بها أو ألمح إليها بها، وحين حادت عنها وأرادت أن تستدرجه إلى منطقة دنيا لم يُجِب، نعم، لم يتم استدراجه إلى مناطق أسئلة المذيعة كـ«حسين فهمى» أبو تاتينة مثلاً، أو كالراحل الرائع والمثقف والموهوب جدًا فاروق الفيشاوى الذى اِستُدْرِجَ إلى فخ (النساء والفياجرا)، مع نفس المذيعة فى برنامج سابق، وستجد أن بعض الفنانين ينزلقون فى أفخاخها ويعترفون لها ولغيرها رغمًا عنهم علشان فلوس البرنامج حلوة. 

ما أراد حميدة أن يخبرنا إياه هو قصة الطفل المتمرد المستبصر والذى نشأ فى بيئتين مختلفتين، عاش ما بين البساطة والفخامة واختار الأولى بوعى طفل عمره عامين، محمود حميدة المتمرد الذى ترك كلية الهندسة واختار التجارة المتسقة مع شطارته فى الحساب والبيع والشراء، ثم اختاره الفن واحدًا من أعظم مشخصية المثقفين.