السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«موديل» بمواهب خاصة!

بمجرد الحديث عن «الفتيات الموديل» أو عارضات الأزياء، دائمًا ما يتبادر إلى الذهن، أولئك الحسناوات، ذوات القوام الممشوق، اللاتى يسرن بخُطى ثابثة على منصات العروض أو ما يُعرف بالـ«ريد كاربت»، ورُغْمَ أن هؤلاء الفتيات امتلكن كل المقومات التى تجعلهن مَحط الأنظار وفى دائرة اهتمام بيوت الأزياء العالمية؛ فإن هناك فئة غير قليلة تحدّت ظروفها الصحية والاجتماعية والمرضية لتكون «قد التحدّى» ويثبتن للعالم أنهن الأفضل؛ خصوصًا صاحبات الهمم.



مروة موسى، أمٌّ مصرية، لم تمنعها نشأتها فى إحدى القرى المصرية، من أن تحوّل الطاقة الكامنة فى بنتيها اللتين وُلدتا ببعض العيوب الخلقية، لمشروع ناجح من خلال استغلال العديد من المواهب، ما جعلهما مَصدر نجاح، وإلهام شخصى لوالدتهما، جعلها تصل بمشروعها الخاص بتصميم الأزياء إلى مستويات متقدمة من النجاح وأصبح يُشار إليها بالبنان.

 

نجحت الأم المصرية، فى استخراج كل المشاعر والمواهب النبيلة من بنتيها صاحبتى القدرات الخاصة؛ لأنها هى الوحيدة التى كانت قادرة على تحمُّل مشاعرهما وآلامهما، وتؤمن بقدراتهما، نجحت خلال مشوارها، رُغم ما اكتنفته من صعوبات، لأن تصنع مع ابنتيها مسيرة ناجحة فى تصميم الأزياء، بدأتها مع فتياتها لتتحول بعد فترة قصيرة إلى مصدر إلهام للكثيرين.

«مروة» ابنة إحدى قرى مدينة المحلة الكبرى، اكتشفت بعد فترة قصيرة من وضع مولودتها الأولى «جودى»- 8 سنوات- أن ابنتها لا تنمو بشكل جيد كباقى الأطفال، وبعد الذهاب للطبيب تلقت صدمة عمرها الكبرى، بأن ابنتها تعانى من ضمور العضلات، وهو ما يجعلها غير قادرة على المشى أو الجلوس.

قررت «مروة» عدم التخلى عن طفلتها ورعايتها والتعامل مع ما خصها الله به بصبر ورضا، محولة كل هذا إلى طاقة من الحب والحنان تجاه الفتاة، حتى لا تشعر أنها تختلف عن باقى الفتيات فى مثل عمرها، وبالفعل بعد ذهاب الفتاة للحضانة وبداية الرحلة التعليمية أثبتت نجاحًا باهرًا وذكاءً يفوق من هم فى سنّها، إلا أن القدَر كتب للأم شيئًا آخر لا تعرفه، فبَعد ثلاث سنوات حملت مرّة أخرى، وبعد مرور الشهور الأولى للطفلة الثانية، ذهبت الأم للطبيب ليخبرها أن طفلتها الثانية «رودى»  مصابة بـ «متلازمة داون».

تقول: «بالنسبة لرودى- 5 سنوات- كانت فعلًا صدمة حياتى لشهور، كنت فقط أبكى بشكل متواصل؛ لأنى لم أكن أعلم شيئًا عن أصحاب متلازمة داون، ولم أفهم جيدًا من الطبيب يعنى إيه طفلتى «منغولية»، نزلت منهارة وكلى أمل إن التحليل يطلع سلبى وكلام الدكتور ميطلعش صح، ومقدرتش أصبر أسبوع لحد ما التحليل يطلع روحت على طول وبدأت أبحث على النت عنهم ووجدت أن كل صفاتهم موجودة فيها حسّيت إن الدنيا وقفت خلاص وأفكار كتير سلبية ظلت تتردد فى عقلى، وكيفية مواجهة الناس، ولكن سرعان ما زرع الله حبها فى قلبى بشكل غير طبيعى، فهى مثل الملائكة، لم تتعبنى يومًا كأى طفلة فى عمرها فلا تبكى ليلًا».

تضيف أم ملائكة أصحاب الهمم: «بدأت بحثى مرّة أخرى للحصول على معلومات تفيدنى فى تربيتها.. وبدأت العقبات الحقيقية تواجهنى عندما بدأت البنتان تكبران ولا أجد ملابس تلائمهما، خصوصًا بالنسبة لجودى نظرًا لصعوبة حركتها وجسدها النحيف، ولأنى خريجة تربية نوعية قسم فنون جميلة، بدأت فى حضور بعض دورات التدريب الخاصة بتعليم التفصيل لتنمية مهارتى فى الخياطة والتفصيل لبناتى بملابس من أحدث الموديلات».

من التدريب بدأ مشروع مروة بنت المحلة الكبرى مع تصميم الملابس: «كنت متخوفة جدّا من التقصير فى رعاية بناتى وكذلك زوجى كان يخشى أنى أقصّر، ولكن بمجرد أن وجد زوجى موهبتى فى تفصيل الملابس كان أول المشجعين لى، وساعدنى فى توفير الوقت لتحقيق ذاتى وما حلمت بتحقيقه واستكمال طريقى فقط لبناتى، ومع الوقت بدأ المحيطون بى يطلبون منّى عمل ملابس لأطفالهم مثل التى أصنعها لبناتى».

لم يأتِ فى مخيلة مروة يومًا، أن يتحول حُبها لتفصيل الملابس لابنتيها إلى مشروع يُدر دخلا عليها: «لم يكن فى مخيلتى يومًا أن يكون هذا مشروعًا كبيرًا يتابعه الكثيرون، خصوصًا أنى بدأت بأقل الإمكانيات وإعادة تدوير لأى حاجة قديمة لدَىّ أقصّها وأصمم منها فساتين.. مع تكرار طلبات المحيطين فى تصميم ملابس لأولادهم قررت أن يكون لدى مشروعى الخاص، ولأنى لم أخشَ يومًا أن أخفى بناتى بل على العكس كنت دائمًا أحب أن أواجه بهما المجتمع وأثبت للناس كلها إنى راضية بقضاء الله، فلولا أن بنتى الكبيرة لا تتحرك لم أكن أفكر فى هذا المشروع».

أرادت الأمُّ أن تضع فى نفسىّ ابنتيها الثقة بالنفس ومواجهة المجتمع باعتبارهما جزءًا منه؛ حيث جعلتهما الموديل الخاص فى تفصيل الملابس: «حبّيت أزَوّد ثقتهما بذاتهما أكثر وأنهما لا تختلفان عن باقى الفتيات فى مثل عمرهما، وأنهما قادرتان على فعل كل شىء، وأجعل الجميع ينظر لهما بإعجاب وفخر وليس بشفقة، وهذا ما دفعنى أن أجعلهما الموديل للملابس».

كشف «مروة» عن أكثر الصعوبات التى واجهتها فى مشروعها، موضحة أن أكثر ما يرهقها فى الوقت الخاص بشراء الخامات، والذى يتطلب سَفرًا مستمرّا؛ خصوصًا أنها من قرية وبناتها من ذوات الهمم، بجانب متطلبات منزلها واحتياجات فتياتها الخاصة، موضحة أنها تفعل جميع الأشياء بنفسها أو بمساعدة بسيطة من أختها الصُغرى.

تؤكد «مروة»، أن تعامُلها مع بناتها لا يختلف نهائيّا فى تعاملها مع أى طفل طبيعى؛ خصوصًا أن ابنتها تتطور فى الحركة ولكن بشكل بطىء: «عندما تسألنى عن سبب عدم حركتها، دائمًا ما أوضّح لها أن الله مَيزها عن غيرها بذلك الأمر، وطفلتى الأخرى أعلمها  بالأمر نفسه؛ خصوصًا أنهما فى مدارس عادية والدمج مُهم جدّا لهما ما جعلهما متفوقتين فى الدراسة».

تؤكد «مروة» أن ابنتيها سبب سعادتها وأجمل هدية من الله، موضحة حصولها على الدعم الكامل من جميع أفراد أسرتها وأسرة زوجها، وأنها لم تتعرض للنقد فى التفاصيل وتصميم ملابسها والجميع يشجعها على الاستمرار.