الجمعة 4 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الاقتصاد.. رجل مصر المريض

الاقتصاد.. رجل مصر المريض
الاقتصاد.. رجل مصر المريض


فى الوقت الذى تمر فيه مصر بلحظة فارقة فى تاريخها على جميع الأصعدة، وتعانى تخبطاً فى المواقف السياسية خارجيا للتيارات الفاعلة على الساحة المصرية، حاولت «روزاليوسف» أن تقدم بدائل للمأزق الاقتصادى الذى نعيشه حالياً، فى محاولة منا لإيجاد برنامج لرؤى وسياسات اقتصادية بديلة وجادة يمكنها أن تخرج مصر من أزمتها الاقتصادية.
 
د.عبدالخالق فاروق الخبير الاقتصادى، ومدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية سابقا شرح لنا البداية وهى أن العقلية المالية والاقتصادية فى الفترة المقبلة لابد أن ترتكز على ثلاث ركائز لا أساسية وهى أولا: طريقة مواجهة العجز والفجوة التمويلية الكبيرة، سواء المتمثلة فى العجز فى الموازنة العامة للدولة، أو الفجوة الكبيرة والمتزايدة فى الميزان التجارى مع العالم الخارجى.
 
ثانيا: إعادة النظر فى طريقة وضع المخصصاتالمالية لمصروفات الجهات الحكومية المختلفة، وعدم العدالة المستمرة فى توزيع هذه المخصصات، خاصة ما يتعلق منها بالأجور والرواتب والمكافآت. وثالثا: مراجعة نمط الحصول على الإيرادات وتحميل الفقراء عبئها عبر ما يمكن تسميته «بالضرائب السعرية»، التى ينتقل أثرها فوراً عبر الأسعار والأسواق.
 
وضرب لنا مثلاً قائلا ديوان عام وزارة الخارجية المصرية، فرُصد لها فى ميزانية العام (2012 /2013) حوالى 6,2157 مليون جنيه، بزيادة عن العام الماضى حوالى 5,257 مليون جنيه، فى حين أن المجتمع المصرى يطالب بعد الثورة بترشيد نفقات هذه الوزارة، وتقليص بعثاتها الدبلوماسية فى كثير من دول العالم من خلال مفهوم السفير غير المقيم، ودمج بعض السفارات ضغطاً للنفقات، فهل يجوز أن تكون لدينا 35 سفارة فى دول أمريكا اللاتينية، بينما طبيعة ومستوى العلاقات السياسية والاقتصادية متواضعة مع معظم هذه العواصم، إن لمتكن قائمة أصلاً مع كثير من هذه الدول مثل السلفادور والأوروجواى والباراجواى وهاييتى وغيرها. ويكفى فى هذه الحالة أن تكون هناك عشر بعثات دبلوماسية وسفارات فى أهم العواصم اللاتينية مثل البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وتشيلى وبوليفيا ونيكاراجوا وكوبا، ليتولى السفراء المصريون فيها تمثيل بلدهم فى بقية العواصم المجاورة الأقل شأناً.
 
يكفينا أن نعرف أن باب الأجور والرواتب والمكافآت فى ديوان وزارة الخارجية قد تجاوز 8,1 مليار جنيه فى ذلك العام.
 
ونفس الأمر ينطبق على مصلحة الجمارك التى حصلت على 1331 مليون جنيه، بزيادة 6,138 مليون جنيه عن العام الماضى، منها حوالى 8,1133 مليون جنيه فى صورة أجور ورواتب ومكافآت.
 
أما رئاسة الجمهورية التى يعمل بها أقل من 3 آلاف موظف فتحصل على 4,290 مليون جنيه منها 8,263 مليون جنيه فى صورة أجور ورواتب، هذا بخلاف أموال سرية موجودة فى الصناديق والحسابات الخاصة التى لا يعرف عنها الشعب شيئاً حتى اليوم.
 
علينا اتباع مجموعة من الإجراءات الإصلاحية السريعة التى لن تستغرق أكثر من عام، وتؤدى إلى تهدئة الأوضاع، مثل تطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور، وتعديل الموازنة العامة للدولة وإعادة هيكلتها، وإجراء بعض الإصلاحات المالية، وضم الهيئات الاقتصادية للموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى مجموعة إجراءات من شأنها تحقيق العدل فى الموازنة العامة للدولة، وفى نفس الوقت تعديل منظومة الأجور وتحسينها، بالإضافة إلى القدرة على السيطرة على الأجواء من خلال صياغة قانون جديد يهدف إلى تنشيط وزارة التموين والتجارة الداخلية والجهاز الرقابى، وأيضا حظر استيراد السلع الاستراتيجية للقطاع الخاص، وقصرها فقط على القطاع العام وسيطرة الدولة عليها.
 
وأضاف: علينا فورا إعادة النظر فى منظومة الدعم التى أخذت منحى أكثر خطورة منذ عام 2005-2006 حينما أدرج فيها لأول مرة فى تاريخ الموازنة العامة المصرية ما يسمى «دعم المشتقات البترولية» والبالغة فى ذلك العام 0,41 مليار جنيه، فقفزت مخصصات الدعم فجأة من 0,19 مليار جنيه فى العام المالى السابق 2004-2005 إلى 60 مليار جنيه دفعة واحدة.
ثم أخذت الأرقام المدرجة فى الموازنة العامة للدولة تزداد بوتيرة سريعة وغير مفهومة لدى الرأى العام، حتى وصلت إلى 6,99 مليار جنيه للمشتقات البترولية والطاقة فقط فى الموازنة الجديدة لعام 2013-.2014 وإذا أضفنا إليها بقية الأنواع الأخرى من الدعم كالسلع التموينية وفروق أسعار الفائدة والمصدرين وغيرها، فإن الرقم الإجمالى للدعم سوف يتجاوز 1,160 مليار جنيه، وفى حال إضافة بقية المنح والمزايا الاجتماعية مثل دعم نظم المعاشات والتقاعد بما فيها صناديق معاشات القوات المسلحة والشرطة، لأن الرقم سوف يزيد على 5,205 مليار جنيه.
 
وانهى كلامه معنا مطالبا بإعادة الدور الإنتاجى للدولة لكونه الأساس فى إحداث التنمية، فى هذة المرحلة الحرجة.
 
 أما د.نادية رمسيس فرح أستاذ الاقتصاد السياسى فى الجامعة الأمريكية فترى أن السياسة الاقتصادية المتبعة حالياً لم تتغير منذ عام 1991 ويطلق عليها سياسات الليبرالية الجديدة، وتعنى انسحاب الدولة من أى دور اقتصادى، وهذه السياسة هى المسئولة عن تدهور الوضع الاقتصادى.
 
وألمحت إلى أن الرؤية البديلة تحتم علينا تغيير النمط السياسى، ويصبح النموذج الأكثر إلحاحاً فى اللحظة الراهنة للنهوض بالاقتصاد المصرى هو القادم من أمريكا اللاتينية.
 
فأوضاع المجتمع المصرى الآن تتشابه إلى حد بعيد مع أوضاعهم قبل عشر سنوات، حتى إن طرق الاحتجاج لدينا من قطع الطرق وما شابهها فيها قدر كبير من التشابه معهم. ويطلق على هذا النموذج سياسات ما بعد الليبرالية الجديدة أو نموذج «الدولة القائدة»، وفيه يصبح للدولة الدور الأكبر فى الاقتصاد لتنفيذ رؤية اقتصادية تحفز الطلب الداخلى، حتى لا ترتكن على الخارجى فقط. ويقوم هذا النموذج على عدد من الركائز، أهمها:
 
تبنى الدولة سياسة الاستثمار الحكومى بكثافة فى مجالات التكنولوجيا التى أصبحت أهم عنصر فى الإنتاج، بالإضافة إلى ترك القطاع الخاص يعمل وفق أسس ومعايير تمنع الاحتكار، وتوفر ميزة التنافسية.
 
ثانيا سياسة الديمقراطية الشعبية: وتعنى كيفية إعادة توزيع الدخل بين الطبقات.
 
وتضيف بأن هذا يطرح تساؤلاً حول كيفية تطبيق هذا النموذج على المجتمع المصرى. ورأت د.نادية رمسيس أنه يمكن تبنى هذا النموذج وفق سياسات يتم تطبيقها على مرحلتين: أولاً- إجراءات على المدى القصير مثل استعادة دور الدولة فى المدى القصير من خلال التخلى عن سياسة الاقتراض من صندوق النقد الدولى، لأنه سيحدث تضخما رهيبا، وكسادا فى الوقت نفسه، مثلما حدث فى اليونان وفرض ضرائب تصاعدية تصل فى أقصاها إلى 48٪ - وهى نسبة عالمية - لزيادة دخل الحكومة، وضرائب جمركية على السلع الاستهلاكية المنافسة للصناعات المحلية.
مع تبنى سياسات الديمقراطية الاجتماعية بإعادة توزيع الدخل بشكل عادل وهذه السياسات يمكن أن تحل مشكلة الفقر على المدى القصير، ولو جزئياً.
 
ثانيا: تطبيقات على المدى الطويل وذلك باتباع سياسة تسمح بزيادة الإنتاج، من خلال التصنيع لتحفيز النمو الاقتصادى، وزيادة معدلات التشغيل.
 
أما د.جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، ووزير التموين الأسبق فيرى إن الملف الرئيسى الذى يجب أن تركز عليه الحكومة فى الفترة الانتقالية هو ملف العدالة الاجتماعية ولابد من تنفيذها بتضحيات يتحملها الجميع.
 
وقال: إن هناك تلازما بين مبدأين. فإذا تم تغليب الكفاءة على العدالة، زاد الانقسام. وإذا حدث العكس، فلن يمكن الاستجابة لمتطلبات العدالة، لأنه لن يكون هناك موارد لتحقيقها. والاقتصاد الذى ينبغى أن نسعى لتحقيقه لابد أن يرتكز على ساقين، أولاهما الزراعة والأمن الغذائى، ثانيتهما الصناعة والتصدير.
 
بينما يرى د.محمد عبدالنبى وكيل محافظ البنك المركزى سابقا بأن عودة الأمن ستساهم بشكل كبير فى إعادة الاستثمارات التى انسحبت من السوق المصرى خلال الفترة الماضية، حيث وضع لنا تصورا يضمن تفادى حدوث تضخم وهو طرح اكتتاب عام لإنشاء مشروعات جديدة فى شكل شركات مساهمة مصرية، ومن أرباحها يتم تنمية البلد وبذلك نخفف العبء على ميزانية الدولة.
وذلك مع اتباع سياسة التقشف والبعد عن استيراد السلع الترفيهية والاستفزازية التى تستنزف ميزانية الدولة.
 
أما د.مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق فأكد أن الاقتصاد المصرى يواجه أخطر التحديات، فمن عجز متزايد فى الموازنة العامة يؤدى إلى زيادة حجم الدين العام وزيادة معدل التضخم، إلى عجز متزايد فى ميزان المدفوعات وما ينجم عن ذلك من تدهور فى احتياطى البنك المركزى وسعر صرف الجنيه المصرى، ومن عجز متزايد فى حجم الاستثمارات وما ينجم عن ذلك من تدنى معدل النمو وزيادة معدل البطالة والفقر. وما هو أخطر.
 
وقال: حتى تنجح المجموعة الاقتصادية فى تحقيق مهمتها شديدة الصعوبة، فإننى أقدم إليها عددا من التوصيات والمقترحات ومنها أن تضع الحكومة نصب أعينها أن مسئوليتها لا تقتصر على مجرد تسيير الأعمال خلال الفترة الانتقالية التى تنتهى بعد ستة أو سبعة أشهر بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بل لابد أن تعمل كما لو كانت باقية إلى ما بعد ذلك، فتبدأ ومن الآن بوضع الخطط والسياسات قصيرة الأجل وطويلة الأجل التى تعتقد بأنها كفيلة لتحريك عجلة الاقتصاد، وأن تبدأ فى تنفيذها فورا، وإن جاز لى أن أقترح فإن هذه الخطط والسياسات لابد أن تتحيز إلى أمرين الأول: التعليم والتنمية البشرية والثانى: التصنيع بمعناه الواسع.
 
وقال إن مبدأ الشفافية يقتضى بالضرورة أن تفصح المجموعة الاقتصادية عن آثار السياسات التى لا مفر من اتباعها فى الأجل القصير لإخراج الاقتصاد من أزمته الحالية. وبالتالى فإن التحليل الموضوعى يشير بوضوح إلى أن أية حزمة من السياسات لإخراج الاقتصاد المصرى من أزمته الحالية لابد أن تنطوى على إجراءات تتسم بعدم الشعبية، مثل إجراءات ترشيد الدعم أو إصلاح الهيكل الضريبى، ومن ثم فإن المسئولية السياسية توجب أن نصارح الشعب بذلك وأن تتم دعوته إلى حوار حول الأخطار المتوقعة إذا لم تقبل هذه الإجراءات والسياسات بذلك يصبح مشاركا فى وضعها ومسئولا عن نجاحها.
 
واستطرد قائلا: الاقتراض فى المرحلة الحالية بسبب الضعف الشديد فى السيولة النقدية، يصبح ضرورة لا مفر منها ولكن اللجوء إلى هذا المصدر لابد أن يتم بحذر شديد، فلنقترض ولكن لابد أن نستخدم القدر الأكبر من هذه القروض فى مشروعات إنتاجيةخاصة تلك المؤدية إلى مزيد من الصادرات، وإذا اضطرت الحكومة أن تستخدمها فى أغراض استهلاكية، فليكن ذلك لاستيراد السلع الأساسية كالقمح والوقود وليس لاستيراد السيارات أو المحمول أو السلع الاستفزازية، فمن الضرورة اتباع السياسات التى تؤدى إلى الحد من استيرادها ولو لفترة محدودة إلى أن يبدأ انطلاق الاقتصاد.
 
وفى السياق ذاته يرى د.محمد النجار أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها إننا كباقى اقتصاديات الدول النامية نعانى من مجموعة من الاختلالات الهيكلية ومنها نستهلك أكثر مما ننتج، ونستورد أكثر مما نصدر مما يسبب مديونيات خارجية، وأخيرا نستثمر أكثر مما ندخر فحجم الاستثمارات لدينا يمثل 30٪ فى الوقت الذى يمثل فيه حجم الادخار 15٪ وبالتالى نلجأ إلى التمويل الأجنبى فى شكل قروض أو معونات.
 
وأضاف إن الأزمة الراهنة تمتد لسنوات بدءا من فترة حكم مبارك والتى ارتبطت بالفساد والدكتاتورية والاحتكارووجود فروق شاسعة بين فئات المجتمع مرورا بفترة حكم مرسى والذى كان من ضمن برنامجه محاربة الفساد، إلا أنه لم يعالج هذه الاختلالات فضلا عن مواجهته مشكلات إضافية تركزت فى نقص السولار والبنزين وأزمة انقطاع الكهرباء المستمر بالاضافة إلى أزمة الاقتراض الخارجى وضعف الاستثمارات الخارجية مما كان له تأثير واضح على السياحة، وإن ارتبطت فترة حكمه بزيادة حجم تحويلات المصريين العاملين بالخارج من 9 مليارات جنيه إلى 20 مليار جنيه وهى التى نعول عليها كثيرا فى المرحلة القادمة فضلا عن فتح أسواق خارجية فى البرازيل وباكستان والصين وروسيا.
 
أما الآن فنواجه أسوأ ظروف اقتصادية بسبب زيادة معدلات الاقتراض من الناتج المحلى الإجمالى لذلك فلو نفذت الخريطة السياسية فى ميعادها بوضع دستور وتم إجراء الانتخابات التشريعية سوف تنتهى حكومة تسيير الأعمال بخططها التى وضعتها على المدى القصير أما الخطط متوسطة وطويلة الأجل فلا يمكن أن تتم فى ظل عدم وجود استقرار سياسى وأمنى لأن هذا مرتبط بتدفق الاستثمارات الأجنبية وعودة حركة السياحة إلى ما كانت عليه.