الإثنين 11 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أنبياء الفراعنة!

أنبياء الفراعنة!

ذُكر فى الآونة الأخيرة تصريحات عن أن النبى إدريس هو الإله المصرى القديم أوزيريس، وقد ذُكر من قبل أن نبى الله إدريس فى الإسلام هو «أخنوخ» فى اليهودية، الذى جاء ذِكْره فى التوراة، فما قصة أخنوخ والإله أوزيريس والنبى إدريس، وهل هناك صلة بينهم؟   



 

من المعروف أن اسم المعبود المصرى القديم هو أوزير فى اللغة المصرية القديمة. وأوزيريس هو النطق اليونانى لاسمه المصرى القديم، الذى وَجَد صدًى عند البعض، وبناءً على السجع و«الريتم» أو الإيقاع اللغوى فى نهاية مقطعَى الاسمين، قارنوا بين الإله أوزير، أو أوزيريس فى النطق اليونانى،  وبين نبى الله إدريس عليه السلام، وجعلوا منهما شخصًا واحدًا، وهذا ليس صحيحًا، وفقًا لما سوف نذكره لاحقًا.

 

لكن ما قصة الرب المصرى القديم سيد الموتى والعالم الآخر فى مصر الفرعونية، وأخنوخ ونبى الله إدريس؟

 

 

1 -  أوزير رب الموتى عند الفراعنة

 

 

تُعتبر قصة أوزير وست، أو إيزيس فى النطق اليونانى،  من أشهَر القصص والأساطير فى مصر القديمة والعالم كله. وكان المعبود أوزير سيد الأبدية، ورب الموتى، وحاكم العالم الآخر، ورمز الخير والهناء فى مصر القديمة. وتم قتله عن طريق أخيه الشرير ست. وتعددت الآراء حول المكان الذى دُفن فيه المعبود أوزير؛ فهناك من رأى أنه لا يخرج عن كونه هليوبوليس، وآخر رأى أنه أبيدوس، وثالث قال إنه أبو صير. وتجمع أغلب الآراء على اختيار المكانين الأخيرين ليكون أحدهما مقام أوزيريس. وترجح معظم الآراء أبيدوس.

 

وتُعد أبيدوس أهم البقع الدينية فى مصر القديمة، فهى المركز الرئيس لعبادة الإله أوزير. وأبيدوس هى الاسم اليونانى لتلك المنطقة التى عُرفت فى مصر القديمة بـ«أبدجو»، وعرفت فى المرحلة القبطية بـ«إبوت». وتقع على حافة الصحراء على الجانب الغربى من الإقليم الثامن من أقاليم مصر القديمة. وتُعرف الآن بـ«العرابة المدفونة» فى البلينا، وتبعد نحو «11كم» إلى الجنوب الغربى منها، فى محافظة سوهاج فى صعيد مصر. 

 

وتعود أقدم آثار أبيدوس إلى حضارة نقادة الأولى فى عصر ما قبل التاريخ فى تلك المنطقة. 

 

كانت أبيدوس تتصل قديمًا بنهر النيل بقناة مائية صغيرة. وفى عصر بداية الأسرات المصرية، أصبحت أبيدوس أهم مكان للدفن فى أرض مصر. وأقام ملوك الأسرَتين الأولى والثانية مقابرهم بها. وأصبح معبد معبودها المعبود المحلى «خنتى إمنتيو» (وتعنى «إمام الغربيين» والمقصود بهم الموتى) مركزًا دينيًّا مُهمًّا. 

 

وفى عصر الأسرَتين الخامسة والسادسة، اتَّحَد هذا المعبود مع المعبود أوزيريس. وأخذ الأخير كثيرًا من صفات الأول، وطغى وجوده على وجود الأول حتى أصبح أوزيريس مقدمًا على «خنتى إمنتيو»، وأصبح اسمه «أوزير خنتى إمنتيو». وفى عصر الدولة الوسطى، أصبحت أبيدوس المركز الدينى الشعبى والرئيس فى مصر القديمة. وطغت شهرتها الدينية على ماعداها من المراكز الأخرى. وبدأ ملوك تلك الدولة بناء معابدهم الجنائزية بها. وفى عصر الدولة الحديثة، بنَى ملوكها معابدهم الجنائزية الرائعة بها مثل معبد الملك سيتى الأول ومعبد ابنه الملك رمسيس الثانى. ورُغم أن شهرة أبيدوس الدينية امتدت طوال عصور التاريخ المصرى القديم إلى دخول المسيحية؛ فإنها لم تكن فى أى يوم من الأيام صاحبة أى نفوذ سياسى ولم تكن عاصمة لمصر القديمة. 

 

 

2 - أوزير

 

يُعتبر المعبود أوزير أهم وأشهَر ورأس مجمع الآلهة المصرية القديمة.. وظهرت عبادته فى عصر الأسرة الخامسة عندما ذُكر اسمه فى «متون الأهرام» الخاصة بالملك «ونيس» (أوناس) آخر ملوك الأسرة، وذُكر أيضًا فى مقابر أشرافها. واعتبره المصرى القديم إلهًا خالصًا له القدرة على الخَلق والإبداع والابتكار وتم تمثيله كرَب للعالم الآخر وسيد للموتى ومن ثم الأبدية. ورُغم اعتقادهم بأن كل المعبودات عرضة للموتى فيما عدا أوزير؛ فإن أوزير تعَرَّض لمحاولة غدر وخيانة من قِبَل أخيه الشرير «ست» الذى قتله ووزع أجزاء جسده عبر الأرض المصرية. ونجحت أخته وزوجته الوفية إيست أو إيزيس فى تجميع أجزاء جسده وإعادته للحياة مرّة أخرى، وفقًا للأسطورة الأوزيرية. 

 

وإذا حاولنا تحديد مكان عبادة أوزير الأول، يصعب علينا ذلك. لكنه ارتبط بهليوبوليس (عين شمس حاليًا) وجاء ذِكْره فى «متون الأهرام» مع إيزيس وست ونفتيس كواحد من أبناء الرب «جب» (رب الأرض) والربة « نوت» (ربة السماء) وكواحد من الآلهة التسعة (التاسوع) العظيم الخاصة بمدينة عين شمس. 

 

وتشير النقوش فى هليوبوليس إلى أن أوزيريس تم تصويره مع بقية أفراد التاسوع المقدس. ولعل أهم مكانين ارتبط بهما الإله هما: أبيدوس وأبوصير. وفى أبوصير، اتحد مع معبودها القديم وأخذ كثيرًا من صفاته. وفى أبيدوس، اتّحَد مع معبودها القديم «خنتى إمنتيو»، كما سلف القول، واتّحَد كذلك مع ملوك الموتى. وأصبح سيدًا للغرب، وحاكمًا لعالم الموتى، وإمامًا للغربيين، أى الموتى الذين كان يتم دفنهم فى الغرب عادة. وتم تصوير الإله فى هيئة آدمية وكان له شَعر مستعار ولحية يخصان المعبودات. وصُور أيضًا على شكل مومياء ذات أرجل متصلة ملتصقة ببعضها البعض، إشارة إلى طبيعة الإله الجنائزية وارتباطه بعالم الموتى. وظهر فى عصر الدولة الوسطى بالتاج الأبيض فوق رأسه إشارة إلى أصله الصعيدى. وارتدى كذلك فوق رأسه تاجًا يُعرف بـ«الآتف». وارتبط الرب أوزيريس بالزراعة والبعث والاخضرار والهناء وإعادة إخصاب التربة المصرية. وكان له الدور الأعظم فى محكمة الموتى فى العالم الآخر. واتّحَد مع عدد مع المعبودات الأخرى المهمة فى مصر القديمة. 

 

 

3 - البحث عن مقبرة أوزير

 

اعتقد علماء المصريات أن مقبرة أوزير بأحد المكانين المهمين بالنسبة للرب أوزير: أبوصير أو أبيدوس، أو على الأقل يحتويان على أهم أجزاء جسده. ويُعتقد أن أبيدوس تحتوى على رأس الإله أوزير. وفى أبيدوس، يوجد مكانان مناسبان لذلك؛ الأول هو الأوزيريون الذى بناه الملك سيتى الأول (من ملوك الأسرة التاسعة عشرة وعصر الدولة الحديثة). والثانى هو مقبرة الملك «جر» من ملوك الأسرة الأولى. 

 

 

4 - إملينو فى أم الجعاب

 

 

تمتد جبانة أبيدوس خلف القرية فى الصحراء. وقُسمت إلى قسمين: القسم الشمالى الغربى وعرَّفه الأثرى الفرنسى أوجست ماربيت باشا بـ «الجبانة الشمالية»، والجزء الجنوبى الشرقى ويُعرف بـ«الجبانة الوسطى». 

 

وتقع جبانة أم الجعاب (أو «أم القعاب») على مبعدة تقدر بنحو 1.7 كم من الحافة الزراعية. وعُرفت بهذا الاسم لوجود كميات هائلة من الفخار بها. وتحتوى على آثار من فترات تاريخية متعددة. وبنى ملوك الأسرتين الأولى والثانية مقابرهم بها. وأصبحت مكانًا للحج وتقديم التقدمات ونذر النذور على اعتبار أن إحدى تلك المقابر هى مقبرة أوزير، وتحديدًا مقبرة الملك «جر». 

 

وتمتلئ أم الجعاب بالفخار بكثرة؛ خصوصًا فوق مقبرة الملك «جر». 

 

بدأ العمل من فوق المقبرة الأثرى الفرنسى «إميل إملينو» لإعادة اكتشاف «الأوزيريون» عام 1898م. وعندما بدأ موسم حفائره الأول لفت نظر إملينو كثرة الفخار المنقوش باسم أوزير فوق مقبرة الملك «جر». وعثر أثناء حفائره على تمثال صغير لأوزير، ما أكد ظنه بأن مقبرة الملك «جر» هى مقبرة أوزير. 

 

وبَعد أربعة أيام من الحفائر، ظهرت جدران حجرات تشكل مقبرة تشبه جميع مقابر المنطقة. وكانت مكونة من عدد من الحجرات. وظهرت حجرة الدفن على شكل مربع تقريبًا. وظهرت مقصورة خشبية مركزية، وكانت محاطة من ثلاث جهات بمخازن من الطوب اللبن. وكان يحتوى بعضها على بعض بقايا الأثاث الجنائزية مثل جرار التخزين الضخمة، وكان بعضها فارغًا من أى شىء أو يحتوى على لوحات أثرية صغيرة. وربما تم فرش أرضية تلك الحجرات الخشبية الرئيسة بالخشب. وأتت النيران على المقبرة بأكملها. وحدث ذلك بين الأسرة الثانية وقبل بداية عصر الدولة الوسطى. 

 

وأثناء قيام رجال إملينو بتنظيف الجزء الغربى من المقبرة، عثروا على تمثال كبير من البازلت الأسود يمثل الرب أوزير راقدًا على نعشه أو سريره على جانبه الأيسر، وتم تشكيل جانب السرير على شكل أسَدَيْن. وكانت الصقور (رمز الرب حورس) تحرس كل جانب من جوانب السرير.  وترقد الربة إيست أو إيزيس فوق الأسدين حتى تشبع نفسها وتحمل بالطفل الصغير حور من أبيه أوزير. 

 

وفى إحدى الحجرات على الجانب الشرقى من المقبرة، عثر إملينو على جمجمة نسبها إلى أوزير بناءً على النذور التى وجدها على سطح المقبرة من لوحات وغيرها. واعتقد أن مدخل المقبرة الذى كان على شكل سلم يوصل إلى حجرة الدفن التى تمثل مقام الرب العظيم كما ذكرت النصوص عن أوزير.. ورُغم أن فحص الجمجمة أثبت أنها صغيرة وربما كانت لامرأة؛ فإن إملينو عارض هذا الرأى.. وقال إن أوزير ربما كان صغير الرأس بناءً على ظهوره فى تماثيله. وادّعى أيضًا أن المقبرة كانت المستَقَر الأخير لكل من المعبودَين حورس (ابن أوزير) وأخيه الشرير ست!!. 

 

وابتداءً من عام 1899م، بدأ العالم الأثرى الإنجليزى الشهير السير وليم فلندرز بترى- مؤسّس علم المصريات الحديث- حفائره فى أبيدوس. وأثبتت حفائره أن ما كان يعتقد إملينو أنه مقبرة أوزير ما هى إلا مقبرة الملك «جر». وأوضحت حفائره فى موسمها التالى عام (1900-1901م) أنه تم تعديل مقبرة الملك «جر» فى تاريخ ما متأخر كى تكون مقبرة لأوزير، وحتى يكون بها سرير أوزير المنحوت والمقام فيها الذى عثر عليه إملينو، وأن السلم المؤدى إلى مدخل حجرة الدفن أضيف كى يكون مناسبًا لزيارة الحجاج لأبيدوس.

 

5 - الحج إلى أبيدوس

 

بداية من النصف الثانى من الأسرة الثانية عشرة على الأقل، بدأ الحجاج يتوافدون على أبيدوس من جميع أنحاء مصر القديمة كى يشهدوا الاحتفال السنوى بمعبودهم الأكبر أوزير. ومن لوحة الموظف الكبير «إيخرنفرت» من عهد الملك سنوسرت الثالث والمحفوظة فى متحف برلين، نعرف ماذا كان يحدث فى هذا الاحتفال. ويقول «إيخرنفرت»: «فعلتُ كل شىء طلبه جلالته، ونفذتُ أمْرَ سيدى من أجْل أبيه، أوزير- خنتى إمنتيو، سيد أبيدوس، عظيم القوة، الموجود فى إقليم ثنى. وكان الابن المحبوب من أبيه أوزير- خنتى إمنتيو. وزينت مركبه الخالد العظيم، وصنعت لها مقصورة تظهر وتشرق بحُسن وبهاء خنتى إمنتيو، من الذهب، والفضة، واللازورد، والبرونز، وخشب السدر. وصاحبت المعبودات فى رحلتها. وصنعت مقاصيرها المقدسة من جديد. وجعلت الكهنة يمارسون واجباتهم بحب، وأن يعرفوا طقوس كل يوم، عيد رأس السنة. وسيطرت على العمل فوق المركب، وزينت المقصورة وصدر سيد أبيدوس باللازورد والفيروز، والشفاه الإلهية بكل حَجَر كريم. وغيرت ملابس الإله فى حضوره.. ونظفت ذراعه وأصابعه. ونظمت خروج الرب «وب واووت»، فاتح الطرُق العظيم، عندما قرر الانتقام لأبيه. وطردت المتمردين من المركب. وهزمت أعداء أوزير. واحتفلت بهذا الخروج العظيم. وتبعت الإله عند ذهابه. وجعلت المركب يبحر. وأدار الدفة الرب جحوتى (رب الحكمة). وأمددت المركب بمقصورة وبالزينات الجميلة الخاصة بأوزير عندما تقدم إلى منطقة «باقر» (منطقة فى أبيدوس). وأرشدت الإله للطرُق التى تقوده إلى مقبرته فى منطقة «باقر». وانتقمت لـ«ون نفر» (اسم من أسماء «أوزير») فى هذا اليوم ذى القتال العظيم، فطردت كل أعدائه من على الشاطئين. وجعلته يتقدم فى مركبه العظيم. وأخرجت للناس جَماله. وجعلت أصحاب المقابر فى الصحراء الشرقية سعداء. وشاهدوا جَمال المركب وهى تتوقف بأبيدوس، عندما أحضرت أوزير- خنتى إمنيتو إلى قصره، وتبعت الإله إلى بيته، وقمت بتطهيره، وأوسعت له مقعده، وحللت له كل مشكلات إقامته بين حاشيته المقدسة». 

 

تم تحديد موقع مقبرة أوزير فى منطقة «باقر» التى يبدو بوضوح أنها ليس أكثر من منطقة أم الجعاب نفسها. وفى وقت ما من عصر الدولة الوسطى، تم اعتبار إحدى المقابر الملكية القديمة على أنها مقبرة الإله أوزير. غير أن هذا الاقتراح لم يكن له ما يدعمه. والأكثر منطقية أن تكون جبانة أم الجعاب هى جبانة ملوك مصر الأوائل، ومن باب أولى أن أوزير تم دفنه بها. 

 

واعتبرت مقبرة الملك «جر» مقبرة أوزير؛ لوجودها فى مقدمة الجبانة، وهذا أنسب للحجاج حتى يمارسوا احتفالهم السنوى بمعبودهم أوزير. ومع نهاية الأسرة الثانية عشرة وبداية الأسرة الثالثة عشرة، زادت مساحة الجبانة بشكل كبير وامتدت نحو «1.5 كم» إلى الجنوب الغربى من قرية كوم السلطان الحالية. وأصبحت أبيدوس المركز الرئيس لعبادة الرب أوزير. وأخذت عملية الحج أثناء الحياة والموت تزداد بشكل كبير.

 

ورغب كثيرٌ من المصريين فى أن يتم دفنهم فى أبيدوس بجوار معبودهم الأكبر أوزير، سيد الأبدية والعالم الآخر حتى ينعموا برفقته فى العالم الآخر أو على الأقل كانوا يتركون أشياءهم التذكارية فى هذا المكان المقدس بين معبد أوزير ومقبرته. وهكذا تطور مقام أوزير من مكان بسيط لا يحتوى إلا على لوحات نذرية بسيطة إلى مزار كبير رمزى لا ينقصه سوى وجود مومياء المعبود أوزير. وتمت إقامة الآثار واللوحات النذرية حول ضريح معبود المصريين الأكبر المعبود أوزير أثناء زيارتهم السنوية لأبيدوس كى يشهدوا أو يشاركوا فى الاحتفال ببعث وقيام أوزير بعد أن يتركوا آثارهم فوق مقبرة الملك «جر» التى اعتبرت مقبرة أوزير التى تم دفنه بها. 

 

6 - أوزيريون سيتى الأول

 

الأوزيريون هو اصطلاح استخدمه الإغريق للإشارة إلى المقاصير الخاصة بالرب أوزير. وكان العالم بترى أول من أطلقه من علماء المصريات على ذلك المبنى الموجود خلف معبد الملك سيتى الأول بأبيدوس حين اكتشفه فى شتاء العام (1901 -1902م). واكتمل تنظيفه العام 1926م. ويقع خلف المعبد الجنائزى الخاص بالملك سيتى الأول وعلى المحور نفسه وله نفس التخطيط والنقوش ويشبه مقبرة ملكية. ويدخل إليه من خلال ممر طويل منحدر. والحجرة الرئيسة به عبارة عن قاعة كبيرة تشبه الجزيرة. وتحيط بها المياه من كل جانب. وفى قلبها، يقع التل الأزلى الذى يرمز إلى إعادة بعث وقيام أوزير. وربما تم دفن أوزير فى هذا المكان. ويحمل سقف هذه الحجرة عدد من الأعمدة الجرانيتية الضخمة، وبقى وسط  سقف الحجرة مفتوحًا. 

 

وكانت المقبرة مغطاة فى السابق بتل أرضى محاط بأشجار على مسافات منتظمة. وتمثل تلك المياه الأزلية وإعادة عملية الخَلق من العدم والمحيط الأزلى المعروف باسم «نون» العظيم عند المصريين القدماء. وهناك حجرة أخرى لها سقف منحدر بنقوش ملكية تشبة تابوتًا حجريّا. والنقوش غير مكتملة، ويغطى سطوح الممرات الداخلية فصول من كتاب البوابات (من كتُب العالم الآخر عند المصريين القدماء)، والأجزاء الخارجية بعض فصول من كتاب الموتى. بالإضافة إلى بعض المناظر التى تمثل سيتى الأول والملك مرنبتاح. وتاريخ المبنى مختلط. ويعود فى الأصل إلى الملك سيتى الأول. وأكمل نقوشه حفيده الملك مرنبتاح. واستمرت زيارة هذا الأوزيريون إلى القرن الثالث الميلادى كما ذكر المؤرخ «إسترابون».

 

7 - أوزيريون أهرامات الجيزة

 

والشىء الغريب حقّا ما تم اكتشافه أخيرًا بهضبة أهرامات الجيزة بالقرب من الطريق الصاعد الخاص بالملك خفرع (من ملوك الأسرة الرابعة وصاحب الهرم الثانى بهضبة الجيزة)؛ حيث تم العثور على بئر عميقة مكونة من ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول والثانى منها عبارة عن فجوات فى الجدار بها تابوت مكسور، أو غطاء تابوت. ولكن الشىء المهم هو المستوى الأول والأخيرالذى به مياه كثيرة لعلها المياه الأزلية التى بزغ منها خَلق الكون. وتحيط المياه بتابوت يستقر فى مربع حجرى. ويحمل سقف تلك الحجرة أربعة أعمدة حجرية ضخمة. فهل تم دفن جثمان الرب أوزير فى هضبة أهرامات الجيزة؟ وهل كان الأوزيريون، مقام أوزير فى الجيزة؟ أمْ أن هذا المقام هو أحد مقامات الرب أوزير العديدة؟.. وفى النهاية، أقول إن قصة الرب أوزير هى قصة مثيرة مثل حياته وموته ودفنه وأسطورة بعثه وحمل زوجته المخلصة إيست أو إيزيس منه فى طفله وولى عهده الرب حور. إن هذه هى قصة الأسطورة وصناعتها فى مصر الفرعونية مبدعة الآثار والمليئة بالكثير من الغموض والسحر والجَمال والأسرار. 

 

 

8 - أخنوخ فى التوراة والعهد الجديد

 

 

بحسب روايات عدد من العلماء والمؤرخين والمفسرين المسلمين مثل الطبرى والقرطبى وغيرهما؛ فإن نبى الله إدريس المذكور فى القرآن الكريم هو نفسه أنس أو أنوش أو أنوخ أو خنوخ أو إنوك أو أخنوخ المذكور فى التوراة. وجاء ذكره فى التوراة «أنه مشى مع الله ولم يعد» فى سفر التكوين (22 :5 -29). ورفعه الله من دون شرح مستفيض إلا أن «الله أخذه ولم يعد». وذُكر فى العهد الجديد ثلاث مرّات فى لوقا (37 : 3)، وعبرانيين (5: 11)، وفى يهوذا (14:1- 15). 

 

9 - نبى الله إدريس

 

 

نبى الله إدريس هو أحد الأنبياء الكرام الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى فى كتابه القرآن الكريم؛ حيث ذُكر صراحة أنه نبى،  وهذا يوجب علينا الإيمان به والاعتقاد فى نبوّته دون شك؛ لأن القرآن قد ذَكره باسمه وتحدث عن شخصيته؛ فوصفه بأنه نبى وصديق. وهكذا جاء ذكره فى القرآن الكريم فى سورة مريم فى الآيتين 56 و57؛ حيث قال الله تعالى: «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا. وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»، وذُكر أيضًا فى القرآن الكريم فى سورة الأنبياء آية 85؛ حيث قال الله عز وجل: «وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ»، وقد قال البعض إن نبى الله إدريس هو المشار إليه فى حديث معاوية بن الحكم السلمى،  لمّا سأل رسول الله، عن الخط بالرمل فقال: «إنه كان نبى يخط به، فمَن وافق خطه فذاك». 

 

ووصل إلينا كلام كثير وأوصاف وأفعال عديدة نُسبت إلى نبى الله إدريس عليه السلام. وذكر كثير من علماء التفسير، والأحكام عنه أشياء كثيرة، كما ذكروا عن غيره من الأنبياء، والعلماء، والحكماء، والأولياء. فذكر بعض العلماء والمؤرخين المسلمين أن نبى الله إدريس كان أول الأنبياء من بنى آدم، وأُعطى النبوة بعد آدم عليه السلام، وذكروا أنه كان أول من خَط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمئة سنة وثمانى سنين. وذهب بعض العلماء من الصحابة ومَن بَعدهم إلى أن إلياس وإدريس اسمان لنبى واحد، وأن إلياس هو إدريس وإدريس هو إلياس. وقال البخارى عن ابن مسعود، وابن عباس، إن إلياس هو إدريس.

 

وقال البعض عن نبى الله إدريس إنه هرمس الهرامسة، أى حكيم الحكماء، وخاط الثياب، وكان مِثالًا للحكمة والعلوم الرياضية والفلك. وفى هذا ما يتناسب مع كلمة المعلم الأول وحكيم الحكماء، وأن هذا النبى إدريس علّم البشرية أشياء كثيرة قبل الحضارة. ومن الجدير بالذكر أن بعض العلماء والمؤرخين المسلمين زادوا وذكروا أن نبى الله إدريس قد حَكم مصر، مثلما ذكر الإمام السيوطى فى كتابه «حُسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة» إن نبى الله إدريس بين مَن دخلوا مصر من الأنبياء، وذكر أنه عاد إلى مصر، وحَكمها وزاد فى مسار نهر النيل، وقاس عمقه وسرعة جريانه وكان أول من خطط المدن ووضع قواعد للزراعة وعلّم الناس الفلك والهندسة. وقال إن البعض يدّعى أن أحد أهرامات مصر هى قبر النبى إدريس عليه السلام. وذكر المقريزى أيضًا فى كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»- أو الخطط المقريزية- إن إدريس كان مَلكًا لمصر، وكان أول من بنى بها بيوتًا للعبادة، وأنه أول من علّم البشر علم الطب.

 

غير أن الحقيقة أنه لا توجد هناك أى صلة بين الرب المصرى القديم أوزير، أو أوزيريس فى النطق اليونانى، ونبى الله إدريس عليه السلام، وليس كذلك أى صلة بين مصر وبناء الأهرامات و«أبو الهول» وعلم التحنيط وغيرها من الأمور التى نُسبت لنبى الله إدريس عليه السلام وذلك النبى. وذكر البعض هذه الأمور ونسبها لنبى الله إدريس دون علم أو دراية. وهناك فرْق كبير بين ما جاء فى الكتب الدينية المقدسة وما أمدّنا به علم الآثار فى مصر وغيرها من بلاد الشرق الأدنى القديم التى نبعت منها الديانات السماوية الثلاثة. 