السبت 7 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«الهيبة الشعبية»!

«الهيبة الشعبية»!
«الهيبة الشعبية»!


 
فى تقرير نشرته الإندبندنت الأمريكية، قال روبرت ميد: «إن الجيش فى مصر، لم يكن فى مقدوره إعلان خارطة من نوع ما للمستقبل السياسى فى البلاد، دون هبة شعبية تتيح له ذلك، مع باقى مؤسسات الدولة».
 
فضل «ميد» تسمية الدفع الشعبى لإزاحة الإخوان المسلمين من الحكم بـ «البوصلة الشعبية فى اتجاه الدولة»، مشيرا إلى أن «العامة فى مصر، فطنوا مؤخرا، أن الإخوان قد دفعوا بهم، إلى الاتجاه للادولة، بعد يناير، بحجج وشعارات، تسببت فى إضعاف هيبة المؤسسات الحكومية، التى سرعان ما بدأت فى البحث عن شكل للحفاظ على ما تبقى، قبل أن تفطن الجماهير أن الإصلاح شىء، وأن اللا دولة شيء آخر».
كثير من المحللين فى الولايات المتحدة وأوروبا، يرجعون توقف الولايات المتحدة الأمريكية، وإدارة أوباما، فى نقطة وسط، لا تجرؤ على وصف الأحداث فى مصر بالانقلاب، بينما فى الوقت نفسه لا تنفيهإلى «مأزق خاص بإدارة أوباما، وليس اختلافا مع ضمير ديمقراطى» كما تقول واشنطن، بينما دعم الشارع المصرى الجيش، لاشتياقه إلى عودة الدولة، إلى بلاده بمفهوم حطمه الإخوان.
 
ويقول المحللون: إن البعد الشعبى، كمؤسس أول وأساسى، لعزل مرسى، واضح بقوة فى التحركات لـ 30 يونيو، وما بعده.
 
فإذا كانت قوات الشرطة هى التى تولت فض ميادين رابعة العدوية، والنهضة، بالأسلحة والمعدات، ثم الاعتماد على القوات الخاصة فى تطويق بعض الملسحين على أسطح العمارات، والبنايات تحت الإنشاء، فإن «هبات شعبية أخرى» ناصرت الجيش، والشرطة، فى تطويق أنصار ومحال، وممتلكات جماعة الإخوان المسلمين فى عدة محافظات، وكانت نموذجا على الإرادة الشعبية، والدرع الجماهيرية لتحركات المؤسسة العسكرية والشرطية.
 
ففى المنوفية، شيعت المحافظة، أبناءها الواحد والعشرين، ضمن 25 استشهدوا، برصاص الجهاديين فى سيناء، ثم قام عددمن شباب المحافظة بالهجوم على محلات الإخوان، ومحطاتهم التجارية، ومساكنهم، فى محاولة لطردهم من المحافظة، مع ملاحظة، اختفاء خارجين على القانون، من المسجلين خطر سرقات، أو معتادى النهب «مستغلين الظروف» من تلك الوقائع.
 
وفى المنوفية أيضا، ظهر فى فيديو على يوتيوب، والد أحد الشهداء خلال جنازة ابنه قائلا: «لو احتاجوا شهداء تانيين، عندنا ولاد غير الشهدا اللى راحوا»، فى إشارة لوصول الدعم الشعبى للجيش إلى مدى يكفى للبرهنة على مد شعبى، دفع الجيش للتدخل فى آخر يونيو.
 
وفى أحداث «قسم الأزبكية»، بدا المشهد غريبا، إذ منعت قوات من الشرطة عددا من النساء، حاولن اعتلاء كوبرى 15 مايو، من أحد مطالعه، من ميدان التحرير «لإنزال الخونة الإخوان» حسب فيديو آخر، على الشبكة العنكبوتية.
 
حسب تقرير، الإندبندنت، فإن الدعم الشعبى للقوات المسلحة والشرطة فى مصر، كان يدفع بعد عام من حكم الإخوان، وأكثر من عامين على أحداث يناير، فى اتجاه الدولة، التى فقدها المصريون.
 
الاتجاه ناحية الدولة، هو التعبير الأمثل، أو الأنسب لوصف الحالة، التى أججت المشاعر، ناحية جماعة الإخوان، بعد خديعة الشعب، وقفزهم على الحكم بعد يناير.
 
 
∎آثام النخبة
 
يرى محللون أن التواجد الشعبى، بكثافة، 30 يونيو، كان إشارة لمزيد من تفاقم شعور جمعى، بأن هناك فارقا بين إسقاط نظام حكم وبين إسقاط الدولة.
 
فجماعة الإخوان، مع رغبتها فى التمكين، وسعيها إلى تحويل إدراة البلاد، إلى الشكل «العشائرى»، لا الشكل الديمقراطى كما وعدوا، هو الذى حفز الشعور الجمعى، لإنهاء ما حاول إظهاره الإخوان خلال فترة حكمهم القصيرة، بأنه نزاع بينهم، وبين مؤسسات «الدولة العميقة» على السلطة.
 
ووسط مناخ، من التخوين، والتكفير، وإرجاع المفاسد إلى نظام مبارك، الذى كان معظم رجاله فى السجون، ثم بدأ نزاع معلن مع مؤسسات القضاء، والأمن، وكثير من أجهزة السيادة، شعر الحس الجمعى الشعبى - حسب وليام فورد من مركز واشنطن للسلام - أن : «هناك خدعة من نوع ما وقع فيها المصريون، الذين خرجوا للمناداة بالكرامة، والعيش والحرية».
 
وإلى جانب خداع الإخوان، فإن من حسبوا أنفسهم على النخبة، بعد يناير، من إعلاميين، وخبراء جدد، وبعض المنتمين لتيار المجتمع المدنى، كانوا خديعة أخرى، وسببا آخر فى أن يلتفت المصريون، بعيدا عن هؤلاء النخبة، الذين روجوا للإخوان، بدعوى «نديهم فرصة».. و«خلينا نجرب».
 
آراء كثير من النخب، التى سرعان ما تغيرت من «نديهم فرصة» إلى «يسقط حكم المرشد» خلال شهور، كانت دليلا على أن النخبة، لا تملك أرشيفا، ولا آليات، تجعلها قادرة على التنبؤ بالمستقبل.
 
وكانت إشارة أيضا، إلى أن من حسبوا أنفسهم على النخب، لم يكن لديهم نمط تفكير، يمكنهم من اختبار جماعة عاشت وسطهم طوال 80 عاما، لذلك راهنوا علىإعطاء تلك الجماعة فرصة اليوم، ثم سرعان ما غيروا رأيهم بعد اعتلائهم كرسى الحكم .. بأيام.
 
لذلك اكتشف المصريون أن بعض النخب خدعوهم هم الآخرون، وأن ما قدموه من أفكار لم يتعد «كلام على الماشى»، أو تمنيات، أو ربما «حالة من الهيام الرومانسى»، لا يمكن اختبارها على أرض الواقع.
 
بينما بدأ الشارع فى حاجة إلى تفاعل قوى من دولة، تمك الحزم والربط، وإعادة الأمن، ومنح المؤسسات فرصة حقيقية لإكمال العمل، بينما البديل كانت القوات المسلحة، وفى الخلف منهما مؤسسات أخرى تكمل الإطار.
 
يقول «روبرت ميد»: إن جماعة الإخوان المسلمين تأكدت بعد يناير أنها فى حاجة إلى القضاء على مفهوم الدولة، وفى الطريق للاستئثار بكل الفرص التى تؤدى بها إلى الحكم.
 
لذلك سعت الجماعة إلى نشر شعارات طعنت فى أهم المؤسسات، بدءًا من القضاء، وانتهاءً بالقوات المسلحة، وهى الشعارات التى جذبت، وقتها، قدرا من شباب يمكن وصفه بالرومانسيين، الباحثين عن الفضيلة، وسط «حوض تملؤه الذئاب، وحفر الثعابين».
 
فى مقابل هؤلاء الحالمين، تحول الشارع، إلى النظر بريبة لشباب قال إنه ثورى، ثم قدم مشاريع لاستبدال المحترفين من ضباط الشرطة، بطلبة حقوق، أو عاملين فى مجال حقوق الإنسان، واستبدال فرق الأمن باقتراحات بتدريب «لجان شعبية»، ادعوا قدرتها على حفظ الحالة.
 
وبعد فترة من حكم الرئيس مرسى، عاد النخبة الذين وجهوا الجماهير، بانتخاب الإخوان تحت شعار «نديهم فرصة» إلى صفوف الشارع، واعتذروا عن الترويج للجماعة، فوجدوا المد الشعبى، الطامح إلى دولة، أقرب ما يكون من الانفجار، ولم يجد إلا العودة إلى مؤسسات الدولة، التى كانت تيارات «ثورية» قد طالبت بإقصائها، بعد يناير.
 
∎سياسة النفس الأخير
 
وفيما كان رأى فلول الإخوان، حتى اللحظات الأخيرة السابقة لعزل مرسى أن الاستعانة بالجيش خروج عن الديمقراطية، كان العقل فى الشارع يرى أنه لا يلجأ للقوات المسلحة، بقدر ما يلجأ إلى المؤسسة الوحيدة المتماسكة، المستندة إلى إطار ما يرغب فيه الشارع من دولة، والقادر على الاعتماد عليها فى إعادة إطار الدولة، ومن بعدها، يجوز الاختلاف فى النظريات السياسية، أو تداول وجهات النظر فى آليات العمل الوطنى، حزبيا وسياسيا.
 
لذللك، وقبل خسارة الإخوان المعركة «شعبيا»، ومن ثم ينزلون الشارع بالسلاح، حاولت الجماعة الضغط على تماسك الجيش، بشائعات عن انشقاقات فى صفوفه، وتذمر بين ضباطه، الأمر الذى وصفه كثير من المحللين بالنفس الأخير فى صدر الجماعة، قبل إعلان موتها إكلينيكيا، ومن ثم لم يبق إلا اللجوء إلى العنف.
 
فى الإندبندنت قبل أيام ألمح روبرت فيسك، إلى حيرة الغرب، بخصوص ما يحدث فى مصر «إذ إنه من الواضح أن المصريين موجودون فى الشارع، لمعارضة من يحملون السلاح». ورغم آراء فيسك، المعارضة لما سماه «الانقلاب بالسلاح على رئيس منتخب»، فإن فى مضمون تحليلاته إشارة إلى «إخفاق الإخوان فى الحكم لتعديهم على نموذج الشكل العام الذى يفضله المصريون للحكم فى صورة دولة ومؤسسات».
 
وحتى الآن مازالت علامات الاستغراب تعلو الأوجه، لاختلاف التوصيف الدبلوماسى الرسمى الغربى والأمريكى للأحداث فى مصر، مقارنة بكم هائل من الاستراتيجيين، وصف بعضهم «الحركة الشعبية فى دعم الجيش ضد الإخوان، بالمقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956».
 
 لا أحد يعرف كيف لم تتفهم حكومات الغرب، للآن رغبة المصريين فى العودة للدولة؟