الخميس 22 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

«الدولة العميقة».. نظام رئيسه الشعب!

«الدولة العميقة».. نظام رئيسه الشعب!
«الدولة العميقة».. نظام رئيسه الشعب!


«صبرى قد نفد، فبعد عام من التحريض، لابد من اتخاذ جميع الإجراءات لإنهاء ركائز الدولة العميقة.. هكذا حدد الرئيس المعزول - فى خطابه قبل الأخير - ومن بعده لا يتوقف أنصاره عن اتهام الدولة العميقة بالوقوف وراء ثورة يونيو، مستدلين على ذلك بانتهاء أزمة الوقود والكهرباء، رغم أن الجيش رد عمليا عليهم بالكشف عن مستودعات تهريب الوقود لغزة!
 
«الدولة العميقة» مصطلح حصرى لـ«جماعة الإخوان» فى وصف «الفلول، الفاسدين، محاربى الثورة، المنقلبين على الشرعية»، والمؤسسات العسكرية والأمنية.. والمثير أن هناك شريحة كبيرة من المصريين تتباهى بما يعتبره الإخوان اتهاما بوقوف الدولة العميقة ضد حكم مرسى لحماية الهوية المصرية!
 
ومن كثرة ما تردد مصطلح «الدولة العميقة» على ألسنة الإخوان وأنه نسب لهيكل تشعر وكأنهم اخترعوا أو بالأدق ركبوه كما ركبوا ثورةيناير، إلا أنه بقليل من البحث تكتشف أن المصطلح من «اختراع تركى» وتحديدا فى عام 1924 فالدولة العميقة وقتها نجحت فى وقف المد الإسلامى - كحل حزب «الرفاة» الإسلامى وصولا إلى محاولة الإطاحة بحزب «العدالة والتنمية»، لكن تم اكتشافها ووأدها، حيث تم قتل 10 آلاف شخصية معادية لفكرة العلمانية الأتاتوركية وقتها!
 
لكن نفس المصطلح تردد بشكل آخر بعد الأتراك، فمع بداية الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالى والاشتراكى، ودفاعا عن المصالح القومية الأمريكية والمصالح الرأسمالية فى العالم ضد هجمات المد الشيوعى، أعطى الرئيس الأمريكى ترومان أمره بإنشاء الوكالة المركزية للمخابرات CIA ومكتب التحقيقات الفيدرالى FBI فى أربعينيات القرن الماضى، وكان هذا الحدث قد اعتبره البعض هو «الميلاد الرسمى» للدولة العميقة فى الولايات المتحدة، والتى نظمت بدورها مئات العمليات السرية والانقلابات فى معظمالدول العالم، وكل هذا تحت شعار «الديمقراطية»!
 

 
وإن حددنا مؤسسات الدولة العميقة سنجد أنها محصورة فى الغالب فى أجهزة الدولة الأساسية «الحكومة - المخابرات العامة - الأمن الوطنى - الدفاع - الداخلية - الخارجية - العدل - الإعلام»، بالتالى ليس من الغريب أننا كنا نجد «الأهل والعشيرة» يهاجمون كل هذه المؤسسات، فهى الجهات التى لديها ملفات الأمن القومى والسيادة.. فتكشف أسرار الماضى وتحدد توجهات المستقبل.. وليس من الغريب أيضا أن نشاهد «الأهل والعشيرة» فى سعيهم الحثيث لامتلاك زمام هذه المؤسسات، تارة بالإطاحة - كعزل المشير طنطاوى - وتارة بالتغيير - كتعيين معظم الوزراء من الإخوان - حيث التخوف من الإبقاء على «الدولة العميقة القديمة»، التى يرونها تدين بالولاء للنظام السابق، وفى الوقت نفسه هم كانوا يسعون لخلق دولة عميقة جديدة تدين بالولاء للمرشد! إلا أن المخطط قد تهاوى قدريا بفعل ثورة 30 يونيو.
 
لكن كل هذا يطرح تساؤلات مهمة: هل الدولة العميقة ولاؤها للنظام أيا كان هذا النظام أم للشعب نفسه مصدر السلطات؟.. وكيف يمكن أن تصبح الدولة العميقة خارج حسابات أى نظام سياسى يحكم مصر بحيث تكون مؤسسات أكثر استقلالية لا لعبة فى يد نظام يحركها كيفما يشاء؟ وهل بالفعل كانت الدولة العميقة تدين بالولاء لمبارك ثم بعده لمرسى أم لا؟!
 
وزير الخارجية الجديد نبيل فهمى يرى أن مصطلح الدولة العميقة يعنى دولة مؤسسات، كون المؤسسات فى أى دولة بالعالم كأمريكا وإنجلترا وفرنسا تجنح قليلا ناحية اليمين أو اليسار، طبقا للنظام الذى تأتى به الانتخابات، لكنه فى كل الأحوال لا يترنح بعيدا عن الوسط لأن جذورها ومواصفاتها عميقة، وهو ما كانت عليه الدولة العميقة فى مصر، التى وإن كانت تخدم نظاما وتخدم قياداته، لكنها فى الوقت نفسه كانت تحجم جنوح القيادة السياسية لأن القيادة أيا كانت تأتى بمنطق وفلسفة من خارج هذه المؤسسات، وكانت هذه المؤسسات تقف للقيادة من أن تجنح بها نوعا لناحية أى كفة، وهو ما تفترضه القيادة السياسية بالتالى أن هذه المؤسسات ضدها، وفى الحقيقة أن هذه المؤسسات تجنح دائما للوسطية، وبالتالى فمصطلح الدولة العميقة هو إيجابى وليس سلبيا، حتى وإن كانت هذه المؤسات فيها بعض العيوب.
 
وهو ما أكد عليه الخبير الاستراتيجى والمدير السابق لمركز الدراسات الاستراتيجية اللواء حسام سويلم بقوله: كل دولة لها نظام أمنى ومخابرات وأمن دولة وغيرها، وهذه المؤسسات تدين بالولاء للدولة فى النهاية، فكل مؤسسة تمارس عملها بطريقتها من القبض على القتلة أو المتاجرين بالدين أو غيرهم، وبالتالى يجب أن تكون هذه المؤسسات فى مركز قوة، لكن لا تملى عليها أى إرادة سياسية توجهاتها.
 
الكاتبة الصحفية والإعلامية فريدة الشوباشى تجد أنه ليس من العدل وضع مصطلح «الدولة العميقة» وكأنها كانت تخدم نظام «مبارك» أو «مرسى» وتقول: لو كان هذا صحيحا فكان سيكون ولاء الجيش الذى خرج منه مبارك للحكم للنظام لا للشعب وقت ثورة 25 يناير، وفى فترة حكم السادات طلب من المشير الجمصى وقت انتفاضة 1977 بقتل المتظاهرين، فطلب الجمصى من السادات أمرا خطيا بما طلب منه، ولم يتم إطلاق النار على المتظاهرين، ونفس الحالة بظروف مختلفة حدثت مع مبارك ومرسى، إلا أن النظام الإخوانى كان أسوأ لأنه كان يسعى فى الأساس لتخريب الدولة وإنشاء نظام ميليشيات بدليل أن حماية مقار الإخوان كانت بشباب الجماعة لا بمؤسسات الدولة المعنية!
 
 
الدولة العميقة تظل موجودة حتى مع تغير الرؤساء، فسنجد أن الجيش ظل كما هو مع تغير الرؤساء، ولاؤه للشعب.
 
وبسؤالها عن المؤسسات الإعلامية وتعاملها مع الأنظمة أجابت: كان المصريون يقدسون جمال عبدالناصر، وكان وقتها لا يوجد سوى قناتين تليفزيونيتين، وبالتالى كانت الدولة تستطيع عرض وجهة نظرها فقط، لكن اليوم الوضع تغير، فلم يستطع نظام السيطرة على الرأى العام، وحتى لو تم توجيهه لفترة، لكن هذا التوجيه لا يدوم،
 

 
 
فمثلا لديك القنوات الدينية التى كانت لها شعبية بين المتأسلمين بتكفير الأقباط والمتاجرة بالدين على حساب الدولة وقت أن أتى نظام الإخوان فانهارت هذه القنوات لأنها كانت أبواقا للنظام.. الإعلام الكاذب فى عصرنا اليوم يتهاوى سريعا، وللأسف كان نظام الإخوان لا يفهم تركيبة الشعب أو تركيبة مؤسساته.
 
مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير حسين هريدى يقول: أولا مفهوم الدولة العميقة لا ينطبق فى رأيى على مصر، لأن الدولة فى مصر دولة تاريخية، لا يمكن لنظام أن يسيطر عليها، فالدولة التاريخية منذ عهد محمد على حتى ثورة 30 يونيو مهما تعاقبت عليها من أنظمة سواء ملكيا أو جمهوريا بتنويعاته ستبقى كما هى، فكانت الدولة تخدم المجتمع والشعب، فالدولة التاريخية لا تمثل طبقة أو فئة معينة، لأن العاملين فى هذه المؤسسات هم من طبقات وفئات الشعب، وبالتالى هى ملك للشعب فى النهاية وليست ملكا لأى نظام، فعبدالناصر والسادات ومبارك كانوا جزءا من الدولة، ولما رحلوا سواء بالوفاة أو بالاغتيال أو العزل، بقيت هذه المؤسسات مستمرة بقوتها وتقاليدها وميراثها والتزاماتها تجاه الشعب المصرى.. وللأسف مصطلح الدولة العميقة ظهر مع كل من يعادى الجيش والداخلية، وكان الهدف منه هو هدم الدولة المصرية،
 
 
رغم أن هذه الدولة التاريخية دافعت عن الشعب المصرى.. فحينما يقف القضاء أمام محاولات شق الصف فهو هكذا كان يدافع عن الشعب المصرى.. وحينما قال الجيش كلمته أنه ليس من الأخلاقيات ألا يقفوا بجانب أهاليهم والمصريين فهو هكذا يدافع عن الشعب المصرى.. وحينما قالت الداخلية كلمتها، وأكدت أنها ستقف بجانب الشعب ولن ترهب أحدا، فهكذا كانت تدافع عن الشعبالمصرى.. ووزارة الخارجية دافعت عن الشعب المصرى، حينما قام 70 دبلوماسيا بمساندة ثورة 30 يونيو.. هذا يدل بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المؤسسات ملك للأمة، وليست ملكا لأى نظام، وكان هذا أحد أسباب ثورة 30 يونيو، حينما شعر الشعب أن الدولة التاريخية الحامية له على مر العقود يتم تقويضها وتحويلها لدولة تخدم فقط مصالح الإخوان.
 
وبسؤاله ما إذا كانت هذه المؤسسات قد شهدت تجاوزات أيضا، كتعيين النائب العام السابق المستشار طلعت عبدالله الذى كان يدين بالولاء للإخوان، فأجاب هريدى: فى رأيى هذه تجاوزات استثنائية كما أن هذه المؤسسات أكثر استقلالية باحترام القوانين، ولا يمكن أن تسير أعمال الدولة التاريخية بقرارات، وإنما بقوانين تعمل فى إطارها، وللأسف كانت هناك محاولات أن تعمل الدولة التاريخية ليس فقط لصالح الإخوان، ولكن أيضا لصالح قوى خارجية، إلا أن التجربة أثبتت أن الدولة المصرية هى الحصن الحصين للأمة المصرية، فهى التى أنشأت السد العالى 1960 واستوعبت هزيمة 1967 وقادت حرب الاستنزاف «1968- 1970» وحققت انتصار .1973 هى الدولة المصرية العريقة التى من المراد هدمها، ومصر بدون هذه الدولة العميقة لن تكون مجتمعا متجانسا أو أمة متضامنة، ولهذا السبب كلنا جميعا نهتم بهذه الدولة، التى تدافع عن مصالح الشعب المصرى والتراب المصرى.