شد القلوع يا برادعى

حمادة حسين
السؤال بعد 25 يناير 2011 ليس له محل من الإعراب، مستفز خنيق، يرمى بظلال كئيبة على الثورة ذاتها: من البديل إذا أسقطنا النظام؟السؤال يائس، يغازل رغبة شاذة فى الاستسلام للجمود، يعادى التطور والتغيير، مبرراته كانت حاضرة ومقبولة أيام مبارك، حيث الأفق محجوبة خلف سحابة سوداء كئيبة، وعملية تجريف الكفاءات تجرى بكفاءة مذهلة، بينما قامت الثورة ضد اختزال الدولة فى شخص واحد «ينتظر» منه الشعب أن يلعب دور المخلَّص لكنه فى الغالب يتقمص روح البلطجة ويمارس العبث البشع حسب رؤاه وطموحاته ومركبات نقصه.. الثورة قامت من أجل نظام ينزع عن الحاكم ثوب الألوهية والقداسة ويحوله إلى موظف عام بدرجة رئيس جمهورية لا تنهار البلد عند نهاية مدته.
ولو لم يكن السؤال يائسا مستسلما على هذا النحو الفاضح لما كان د. محمد مرسى أول رئيس لجمهورية ما بعد الثورة فى وجود د.محمد البرادعى، حتى لو كان معيار الاختيار مرتبطاً بقدرة الرئيس على الاستدانة أو الشحاتة من دول أخرى، ويمكن تصور فرق التعامل الذى كان سيبديه الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» لو كان د. البراعى هو من يطلب منه القمح والمليارات.
د. البرادعى هو البديل المثالى لتحقيق ما تحتاجه مصر وثارت من أجله، وستظل ثائرة إلى أن تحققه.. مصر تحتاج إعادة بناء منظومة القيم بحيث تتسق مع روح الإنسانية وليس شكلها، تحتاج نظاماً سياسياً يحترم تاريخها ومعطيات وجودها، وليس عصابة تسرق وتفسد وتجلد وتغرق البلد فى أوحال وأوهام، بينما أغلبية الشعب تسكن الصفيح.. تحتاج التخلص من سطوة سحر «الزن ع الودان»، والجهل، والادعاء وشراء الأصوات بكيلو سكر وزجاجة زيت، واعتماد الصراحة والوضوح فى مواجهة ما هى عليه من انهيار وتدن.. وكلها احتياجات تنادى البرادعى بأكثر مما تنادى غيره.
عامان ونصف العام مضت على ثورة 25 يناير 2011 نجح خلالها المجلس العسكرى فى تسليم الحكم للإخوان، رسم مسارات ضيقة صعبة وحبس الشعب فيها كأنه فأر فى متاهة، مفتوحة على اتجاهين لا ثالث لهما.. الأول انتخاب شفيق بكل ما يمثله من ردة على الثورة التى ثارت ضد نظامه، فاختياره يعنى أن الشعب لحس ثورته.. الثانى هو انتخاب مرشح الإخوان وهذا الاختيار مغامرة غامضة مخيفة غير مأمونة العواقب.. والشعب اختار المغامرة المخيفة عن مهانة الردة على الثورة.
دعم مجلس طنطاوى للإخوان بدا واضحا مع اختيار اللجنة التى صاغت إعلان 19 مارس بقيادة المستشار طارق البشرى المعروف بانتمائه للإخوان وعضوية صبحى صالح الكادر المهم فى الجماعة.. وفى نشوة الفرحة بالتنحى وافق الجميع بمن فيهم د. البرادعى على اللجنة والإعلان، وظهر الإعلان وانقسم الشعب إلى كفرة ومؤمنين، وحتى يصل الإخوان للحكم، انفجرت حمامات الدم فى أكثر من مكان، واستباح «المؤمنون» سمعة وتاريخ المعارضين بمنتهى الخسة والحقارة، مثلما حدث مع حمدين صباحى والبرادعى.
موقف د. البرادعى من اللجنة والإعلان الدستورى الذى صاغته لم يكن موفقا، وكذلك موقفه من أحداث «محمد محمود 1»، وبخلاف هذين الموقفين، شهدت الأغلبية بأن د. البرادعى يسبق من حوله بحوالى ستة شهور، فقد تكرر كثيرا أن يقول رأيه فى حدث ما فيقابل بعواصف السخرية والغضب وبعد مرور شهور يتبين دقة وصواب رؤيته. هذا بخلاف الثقل الدولى القوى الذى يتمتع به، وكثيرة هى المواقف التى تؤكد ذلك، أحدثها الموقف الإثيوبى من اعتذار د.البرادعى على الحوار الوطنى السرى - العلنى الذى أعدته الرئاسة ضمن توابع إنشاء إثيوبيا سد النهضة عند مصب النيل والخسائر التى تهدد حصة مصر من المياه.
وإذا كان د.البراعى أنسب المرشحين للخروج الآمن بمصر من بين أطلال دولة مبارك بعد التنحى، فإن أسهمه ترتفع أكثر ونحن مقبلون عل 30-6 والأمل فى العودة إلى لحظة التنحى بعد سنة كبيسة من حكم الإخوان، آخر جدار فى دولة مبارك أو الفزاعة التى جهزها كعقاب للشعب إن خرج عليه.. لكن هل يسمح الجيش بوصول البرادعى لقصر الرئاسة مع يقينه بتحفظ البرادعى على المشروعات الاقتصادية الخاصة بالجيش والتى ربما تمثل غلة مصر الحقيقية.. هل يمنح أنصار مبارك الدعم للبرادعى ويغلبون المصلحة العامة على مكاسب لا يتقبلون حتى الآن التنازل عنها حتى لو كانت على حساب ضحايا آخرين؟. هل تسكت التيارات التى تتمسح فى الدين على وصول البرادعى ولا تتفنن فى إشعال الفتن التى تقاوم اهتمامه بالتعليم، الذى يقوض مملكة الزيف، وينهى ملك نجومها، ويفسد تجارتهم الرخيصة بأنهم ضحايا سجون مبارك وعبدالناصر؟