سألنا الشباب الاثيوبى عن سركرههم لمصرفردوا : "قلنا هنبنى ..وادى احنا بنينى سد النهضة "

مايكل عادل
فى الوقت الذى علمنا فيه عن زيارة الأنبا متياس بطريرك إثيوبيا لمصر فى أول زيارة خارجية له بعد اختياره بطريركاً للكنيسة الأثيوبية كانت الاتهامات تحاصر الرئاسة والإخوان عن أنهم يريدون تعليق شماعة فشلهم فى ملف «سد النهضة» على الكنيسة المصرية، التى يقدمونها فى صورة الرافضة للتدخل لمساعدة مصر!
بالطبع هذا الملف طرح نفسه بإلحاح على جلسة البابا تواضروس الثانى والأنبا متياس، لكن لا يتوقع أحد حلا حاسما لأن إثيوبيا دولة علمانية لا حكم للكنيسة فيها رغم أن شعبها أو الأغلبية المسيحية مقربة جدا للكنيسة ومتدينة جدا!
مصادر كنسية رفيعة المستوى أكدت لنا أن البابا تواضروس والأنبا متياس سيبحثان أزمة سد النهضة الإثيوبى لكنها اعترفت بعدم جدوى هذه المباحثات لعدم وجود سلطة كنسية على الدولة الإثيوبية العلمانية، حيث إن الأنبا متياس لا يملك تعديل أى قرار سياسى أو سيادى خاص بدولته، بل إن رأيه استشارى فقط.
وعلمنا من مصادر أن هناك ترتيبات خاصة متبادلة من قبل السفارة المصرية والإثيوبية لتحديد موعد يجمع بين الرئيس مرسى وبطريرك إثيوبيا، خاصة أنهما التقيا خلال زيارته الأخيرة لإثيوبيا.
وقالت مصادر كنسية إثيوبية: إن مرسى أشاد وقتها بعمق الروابط بين مصر وإثيوبيا وتشعبها بأبعادها التاريخية، الثقافية، السياسية والدينية، مشيرًا إلى أن العلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين لا تقتصر فقط على المستوى الحكومى وإنما تمتد لتشمل أيضًا المستوى الشعبى.
منذ تولى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وحتى عهد الرئيس الحالى تحركت العلاقات المصرية الإثيوبية فى مسارات متعددة ما بين الفتور والتعاون بين البلدين على مختلف المناحى السياسية والاقتصادية، حيث كانت تجمع الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر والإمبراطور هيلا سلاسى علاقة قوية، حيث كانت مصر تركز على الجانب الدينى، فإثيوبيا فى ذلك الوقت كانت تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، بل كانت الكنيسة الأم فى مصر ترسل القساوسة من مصر للعمل فى الكنائس الإثيوبية، وكان للبابا السابق كيرلس السادس علاقات شخصية بالإمبراطور هيلاسلاسى.. وكثيراً ما كان الرئيس جمال عبدالناصر يوظفها فى خدمة المصالح المصرية، وكانت تتم دعوة الإمبراطور هيلاسلاسى فى افتتاح الكنائس فى مصر، وكان البابا أيضاً يفتتح الكنائس فى إثيوبيا.
وتعود العلاقة بين الكنيستين المصرية والإثيوبية إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادى حين قام بابا الإسكندرية أثناسيوس الرسولى بسيامة أول أسقف لإثيوبيا وهو الأنبا سلامة فى عام 330م، ومنذ ذلك الحين جرى التقليد أن يكون رأس الكنيسة الإثيوبية هو أسقف مصرى يرسله بابا الإسكندرية وبذلك تعتبر كنيسة الإسكندرية الكنيسة الأم لكنيسة إثيوبيا التى أصبحت بذلك جزءا من كرازة مار مرقس الرسول واستمرت كنيسة الإسكندرية فى سيامة وإرسال مطران كرسى إثيوبيا حتى عام 1959 حين توجت كنيسة الإسكندرية الأنبا باسيليوس كأول بطريرك إثيوبى للكنيسة الإثيوبية بعد مراحل من المفاوضات بين الكنيستين استمرت من عام 1941 إلى عام 1959م، وخلال تلك الفترة الطويلة من الزمن لعب أساقفة الأقباط دورا مهما فى إثيوبيا فى تنظيم الكنيسة ورعايتها وفى تشكيل تقاليد الكنيسة الاحتفالية والتعبدية.
وفى عهد البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية السابق، أجرى اتصالات مكثفة عام 2010 مع الكنيسة الإثيوبية من أجل تقريب وجهات النظر الخاصة بأزمة مياه النيل، خاصة بعد أن تفاقمت أزمة مياه النيل بين مصر وإثيوبيا بسبب اتفاقية عنتيبى، وكانت تجرى اتصالات مكثفة من قبل البابا شنودة بالجانب الكنسى الإثيوبى، وقام البطريرك الإثيوبى السابق الأب باولس بزيارة القاهرة، برفقة وفد كنسى رفيع المستوى للتباحث فى هذا الأمر.
وكان العائق الذى يقف فى وجه المساعى البابوية يرجع لكون رأى البطريرك الإثيوبى استشاريا فقط، فى ظل مدنية الدولة فى إثيوبيا، هذا ما كشفه بطريرك إثيوبيا باولوس للبابا شنودة وقيادات الكنيسة المصرية خلال زيارته الأخيرة لمصر قبل وفاته.
وفى 2011 كانت الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر تجهز وفدًا كنسيا رفيع المستوى على رأسه البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية لزيارة البطريركية الإثيوبية، من أجل بحث المبادرات الشعبية بين الكنيستين للمساهمة فى حل أزمة مياه النيل والسدود الإثيوبية ومراجعة الاتفاقية الإطارية حول توزيع مياه النيل، وتقريب وجهات النظر أكثر بين القاهرة وأديس أبابا، لكن الأقدار حالت دون ذلك بوفاة البابا شنودة ومن بعده بطريرك إثيوبيا باولوس.
فى الوقت الحالى أكد البابا تواضروس الثانى فى تصريحات متعددة أنه لم يتلق أى اتصالات من جانب الرئاسة للتدخل لحل أزمة سد النهضة وقال: «أنا لن أتأخر عن مساعدة وطنى، ولكن لم يطلب منى التدخل بشكل أو بآخر» فيما نفى الأنبا باخوميوس الأنباء التى ترددت حول أن الرئاسة اتصلت به ليكون موفدها لأديس أبابا!
ومعروف أن العلاقات بين مصر وإثيوبيا تدهورت مؤخرا رغم تقاربها فى بداية الثورة، وهو ما تجلى فى الخلاف بين دول المنبع ودول المصب لحوض نهر النيل، إذ قادت إثيوبيا وشجعت توجه دول المنبع إلى التوقيع منفردة على اتفاق لإعادة تقسيم مياه النيل رغم اعتراض مصر والسودان.
بعد الإطاحة بهيلاسلاسى بدأت تتراجع قوة العلاقات المصرية الإثيوبية إلى أن وصلت إلى مرحلة العلاقات الرسمية الشكلية، وكانت من نتيجة ذلك أن استقلت الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة الأم فى مصر التى ظلت منذ دخول المسيحية إلى إثيوبيا تابعة للكنيسة المصرية حتى عدة سنوات مضت وأصبح لها بابا إثيوبى خاص بها وانفصلت قيادتها عن مصر.
فى نوفمبر 2010 اتهم الراحل رئيس الوزراء الإثيوبى ملس زيناوى مصر باحتمال لجوئها إلى العمل العسكرى ضد بلاده بسبب الخلاف على مياه النيل، وبأنها تدعم جماعات متمردة ضد نظام الحكم فى أديس أبابا، وهو الأمر الذى أثار دهشة القاهرة التى اعتبرت تلك الاتهامات عارية عن الصحة، وقال زيناوى إن مصر لا يمكنها أن تكسب حربا مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وإنها تدعم جماعات متمردة فى محاولة لزعزعة استقرار البلاد وأضاف وقتها: لا أخشى أن يغزو المصريون إثيوبيا فجأة، فلم يعش أحد ممن حاولوا ذلك قبلا ليحكى نتيجة فعلته، ولا أعتقد أن المصريين سيختلفون عمن سبقهم وأعتقد أنهم يعلمون ذلك.
بدأ ملف المياه يدخل دائرة التوترات بين مصر وإثيوبيا بعد إعلان مشروع السادات فى 1979 لتحويل جزء من مياه النيل لرى 35 ألف فدان فى سيناء، مع إمكانية إمداد إسرائيل، أو بتصريح آخر إلى مدينة القدس لتكون فى متناول المترددين على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط المبكى من خلال ترعة السلام بمياه النيل، ومن ثم فقد أعلنت إثيوبيا أن هذا المشروع ضد مصالحها، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الأفريقية فى ذلك الوقت تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل، كما سعت أديس أبابا لدى الاتحاد السوفيتى للتدخل، فقام السادات بطرد خبراء موسكو واتجه لواشنطن كى تبنى سداً على فرع النيل القادم من بحيرة «تانا».وتصاعدت الأمور بتهديد الرئيس الإثيوبى «منجستو» بإمكان تحويل مجرى نهر النيل، ومن جانبه وجه الرئيس السادات خطابا حاد اللهجة إلى إثيوبيا، وأعلن أن مياه النيل خط أحمر مرتبط بالأمن القومى المصرى، وأن المساس به يدفع مصر إلى التفكير فى استخدام القوة المسلحة لضمان حقوقها فى مياه النيل.