على أبوشادى: رجال «العادلى» اتهمونى بقلب نظام مبارك!
شيماء سليم
مناصب عديدة وبصمات بالجملة تشهد على أنه ليس مجرد اسم عادى، فهذا الرجل يعد من أهم الشخصيات التى ساندت السينما المصرية للخروج من كبوتها، وتوسيع سقف الحرية والإبداع فيها.
على أبوشادى ترك - قبل عامين - كل مناصبه من رئاسة قطاع الإنتاج الثقافى ورئيس لهيئة قصور الثقافة، وأمين عام المجلس الأعلى للثقافة ورئيس الرقابة ورئيس المركز القومى للسينما ورئيس مهرجان الإسماعيلية الدولى والمهرجان القومى ليتفرغ النقد السينمائى عشقه الأول.سيرة ومسيرة «أبوشادى» القيادية والنقدية جعلته يتصدر مشهد المرشحين لحمل حقيبة وزارة الثقافة وإنقاذها من الانهيار قبل أن تفاجئ الرئاسة الجميع بالوزير الجديد.المفاجأة أن أبوشادى عندما سألناه عن الوزير الجديد قال: لا أعرفه وفوجئت به.
والآن جاءت لحظة تكريمه فى واحد من الفعاليات السينمائية التى استطاع أن يحقق لها شأنا فى مصر. وهو المهرجان القومى للسينما الذى يقام لأول مرة منذ عام 1998 بدون على أبوشادى رئيسا، ولكنه سيصعد على المسرح مكرما. وعن هذا التكريم بدأ أبوشادى حديثه معنا قائلا:
- من الأشياء التى أسعدتنى تولى سمير سيف رئاسة المهرجان لأننى أقدر هذا الفنان وأحترمه جدا وأحبه على المستوى الشخصى، كما أعتبره أفضل اختيار لتولى رئاسة المهرجان، لأنه لا خلاف عليه ويحظى باحترام الجميع. وأنا متأكد من أنه سوف يحافظ على ما بنيته فى السنوات الماضية من شكل ونظام للمهرجان.. وهو - مشكورا - قرر أن يتم تكريمى وأصر على ذلك.
∎ أثناء فترة عملك توليت العديد من المناصب فى نفس الوقت لدرجة أنك كنت فى وقت من الأوقات رئيس نفسك، كيف ترى هذا الأمر الآن؟
- الجميع يعلم أننى كنت أكلف بهذه المناصب ولم أسع إليها أبدا، لقد كانت عبئا أكثر منها رفاهية ولولا أننى كنت أقوم بوضع نظام معين فى كل مكان أتولى رئاسته لما استطعت على تحمل مسئولية هذه المناصب.. الآن أنظر للأمر بشكل مختلف. ما حدث جاء على حساب عملى بالكتابة، صحيح أننى حققت إنجازا وأعلم أن المصلحة العامة أهم من المجد الشخصى.. لكن فى النهاية المناصب التى توليتها لم تكن برغبة منى، لكننى عملت بإخلاص قدر استطاعتى، والآن أنا سعيد جدا لأننى تخلصت من هذا العبء وعدت للكتابة من جديد وأفضل ما حدث لى أننى حققت صداقات كثيرة وزملائى الذين عملوا معى مازالوا يتواصلون معى حتى الآن.
∎ وماذا عن العداءات التى سببتها لك هذه المناصب؟
- ليس لدىّ أعداء، بل هناك خصومات مفتعلة من البعض، ومن اتهمنى بأننى أتعاون مع بعض الأسماء وأساندها. يكون ردى عليه دائما بأن العمل الفنى أكبر من على أبو شادى وأكبر من الرقابة. وأى فنان شجاع يقدم عملا فنيا جيدا كنت أقف بجواره ولا أتردد أبدا فى مساعدته والدفاع عن عمله.. أما عن الأزمات القليلة التى واجهتها مع بعض شباب السينمائيين كانت فى تصرفهم المسبق دون الرجوع إلى، وهم لا يعلمون أننى كنت أحاول مساعدتهم لكنى كنت ملتزما بقانون من شأنه أن يمرر جملا ولا يمرر نملة، فكنت طوال الوقت أحاول التحايل لتمرير أعمال من الصعب إيجازها.
∎ البعض انتقد أنك من المنادين بالحرية فى الفن ومع ذلك ترأس جهازا يقف بالمرصاد لهذه الحرية؟
- أنا مقتنع تماما بما فعلته وسعيد به. ومن الداعمين لفكرة وضع واحد من الداعمين للحرية على رأس هذا الجهاز. أعتقد أن هذا فى مصلحة العمل الفنى وأفضل بكثير من تولى شخص عادى لا يهتم بدعم الحريات.
∎ أثناء توليك لرئاسة الرقابة فى النظام السابق اصطدمت بدولة أمنية، كيف استطعت أن تتعامل معها؟
- مؤكد أنها كانت فاشية أمنية حمقاء، لكن كان من الممكن التواصل معها بالحوار، لأنها كانت تدعى حرصها على مصلحة الوطن، الآن فاشية أمنية لا تقبل الحوار وتقوم بتكفير من يتحدث معها، ومصلحتها أهم من أى مصلحة أخرى حتى مصلحة الوطن. وكانت دائما تقع بينى وبين النظام الأمنى المتشدد فى السابق مشاجرات، كنت أفوز بها فى النهاية لأن النظام السابق كان يريد أن يظهر كنظام مؤيد للحريات، وعلى الرغم من ذلك فقد تم إرسال تقرير لفاروق حسنى سرى للغاية من مكتب حبيب العادلى يتهمنى فيه - كرئيس للرقابة - أننى أوافق على أفلام «إثارية» بها تحريض على قلب نظام الحكم.. فأدائى لم يكن على هواهم وكانوا يشتكون منى. ولكن فاروق حسنى لم يعبأ بذلك ولم يوجه لى أى تعليمات وكان راضيا عما أفعله.. وبالنسبة لى كنت أساند دائما الأعمال التى أجدها تستحق الدفاع عنها وأقوم بعمل مواءمات لتمريرها وأضع دائما أسبابا للموافقة عليها. وأذكر أننى قلت مرة للواء أمن دولة - أثناء مناقشة فيلم «هى فوضى» - أن الأفلام لا تفعل ثورات ولكن الثورات هى التى تصنع أفلاما.. ولكنه أصر أن أحذف مشهدا لوكيل النيابة والذى يمثل وزارة العدل فى الفيلم وهو يضرب ضابط الشرطة الذى يمثل الداخلية فقبلت وحذفت المشهد من خمس نسخ فقط وتركته فى باقى النسخ حتى أمرر الفيلم، والأفلام عامة بعد تنفيذها كنت أجيزها حتى لو كانت هناك ملاحظات فى السيناريو إلا أننى كنت أقول لصناع الفيلم افعلوا ما تريدون ولا تلتزموا بالملاحظات لأننا نضعها فقط لتمرير السيناريو والتعامل مع النسخة المصورة له شأن آخر.
∎ واجهت أيضا أزمات من الشارع ومن بعض الجماعات الدينية وليس من الأمن فقط ؟
- أقيمت ضدى دعوات قضائية كثيرة أحيانا من الجماعات الإسلامية وأحيانا من مواطنين عاديين، فمثلا جمال حشمت كان السبب فى أزمة الروايات التى تسببت فى إقالتى من منصبى فى هيئة قصور الثقافة. فالشارع كان صوته أعلى من صوت الرقابة والأمر أصبح متناقضا مع التقدم التكنولوجى من فضائيات وإنترنت، وهناك من يرفض الرقابة كشكل متخلف، وهناك من يريدون من الرقابة مزيدا من التعنت. وهؤلاء هم من يحطمون التماثيل ويقولون على الآثار أصناما، فالرقيب هو الشخص المراقب من كل الجهات.. فسلطة الشارع مسيطرة وخاصة الآن، ولكن الرقابة ليس لها رؤية واضحة بالرغم من أن الظرف تساعدها. والحالة الثورية من شأنها أن تمرر أى عمل إبداعى إلا أن هذا الموقف لم يستغل حتى الآن.
∎ ما رأيك فى التغيرات العديدة التى حصلت فى منصب وزير الثقافة فى الفترة السابقة والوزير الجديد فى التغيير الجديد؟
- كل الوزراء الذين تولوا الوزارة فى الفترة السابقة جاءوا فى ظروف سيئة، كلهم مخلصون فى عملهم وأنا أعرفهم جيدا فهم زملائى. ولكن من الصعب على أى إنسان العمل فى ظل هذه الظروف المتردية، ووزارة الثقافة وزارة صعبة وملتصقة بالشارع ولا يمكن تقييم أداء أحد بعيدا عن المرحلة التى يتواجد بها، أما الوزير الجديد فأنا لا أعرفه وفوجئت بوجوده فى قائمة التغيير.
∎ كونك ناقدا سينمائيا فى الأساس، هل ترى أن المشهد السينمائى الحالى يعبر عن المرحلة التى تعيشها مصر؟
- إطلاقا، السينما فن هلوع وخواف، لأنها صناعة وتجارة والظرف غير مهيأ لا للتجار ولا للفنانين، والتجار يعملون فى حدود تضمن لهم أموالهم، وهذا مختلف مثلا عن مرحلة ما بعد 67 مثلا لأن القطاع العام هو الذى كان ينتج الأفلام السينمائية. والأفلام التى صنعت عن الثورة لم تعبر عنها لسبب بسيط أن الثورة لم تكتمل بعد فكيف يظهر عنها فيلم مكتمل؟







