الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من ينهب ثروة مصر البترولية؟!

من ينهب ثروة مصر البترولية؟!
من ينهب ثروة مصر البترولية؟!


سر انهيار الثروة البترولية علامة استفهام كبيرة تحاصر مصر بعد تفاقم الأزمات الخانقة من الاختفاء المزمن للسولار والمازوت وحتى الغاز وبنزين 80 و.90 كان صادما للكثيرين أن نعرف أن وزير البترول سافر لقطر لاستيراد الغاز منها رغم أننا كنا نصدر الغاز لإسرائيل والأردن، وكانت هناك أحاديث موثقة عن احتياطيات هائلة فى البترول المصرى خاصة الغاز.. فأين ذهبت ثروتنا البترولية وكيف سنعالج هذه الكارثة، وهل كانوا يضحكون علينا قبل الثورة أم أنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع الموقف بعد الثورة؟!
 
إضراب سائقى الميكروباصات الذى تحول لعصيان أصاب مصر كلها بالشلل، كشف مدى فداحة وخطورة أزمة نقص السولار وضعف إنتاجه فى مقابل الاستهلاك ومشاكل مصانع الطوب عكست أزمة نقص المازوت، وهذا أيضا يلقى بظلاله على آلية توليد الكهرباء فى العديد من المحطات، مما ينبئ بصيف غاية فى الصعوبة والقسوة.
 
وفقا للأرقام التى حصلنا عليها.. وهى الأحدث حتى الآن فإن معدلات استهلاكنا للغاز الطبيعى تشير إلى ارتفاع كبير سنويا، ولا يصلح معه التزام مصر بعقود تصدير طويلة الأجل لتصل إلى عشرين عاما وفق الاتفاق مع إسرائيل، حيث تشير بيانات 2010 - 2011 إلى أننا ننتج 8,34 مليون طن من الزيت الخام، ونحو 3,46 مليون طن من الغاز الطبيعى، أما الاكتشافات البترولية فتشير البيانات الخاصة بالعام المالى 2010 -2011 إلى أنها بلغت 62 اكتشافا منها أربعون اكتشافا فى مجال الزيت الخام، و22 اكتشافا للغاز الطبيعى.
وبخصوص حجم الاستثمارات فى قطاع البترول نجد أنها بلغت 7,6 مليار دولار فى عام 2010 -,2011 بتراجع نسبته 28٪ مقارنة بعام 2009- .2010
 
وحسب بيانات تقرير متابعة الخطة العامة للدولة فى مصر للسنة المالية 2010 -,2011 الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولى نجد أن صادرات مصر من البترول والغاز بلغت 6,12 مليار دولار فى حين بلغت الواردات البترولية 8,8 مليار دولار.وفى ضوء بيانات نفس التقرير، نجد أن الصادرات المصرية تتضمن حصة الشريك الأجنبى، وهو ما يعنى أن إظهار صادرات مصر البترولية بهذا الحجم هو نوع من التضليل، فعائد صادرات الشريك الأجنبى لا يعود إلى مصر، ولكنه يعود للشركات الأجنبية التى حصلت على حصة من البترول المصرى نظير قيامها بالاستكشاف والإنتاج، وتقدر حصة الجانب الأجنبى فى اتفاقيات البترول بنحو 40٪ من حجم الإنتاج وأن استبعدنا هذه النسبة من قيمة الصادرات المصرية نجد أن الرقم الحقيقى للصادرات البترولية المصرية فى حدود 56,7 مليار دولار، وبالتالى يكون هناك عجز فى الميزان التجارى للبترول بنحو 2,1 مليار دولار.
 
وبحسب هذه البيانات، فإن مصر ستعجز عن تصدير البترول أو الغاز الطبيعى خلال السنوات القليلة القادمة بسبب حاجتها المحلية ومن المتوقع أن يصل الدعم للطاقة إلى 120 مليار جنيه فى موازنة العام المالى 2012 - 2013مقابل 90 مليار جنيه فى العام المالى .2011 2010
 
حسام عرفات رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية- قال لنا: إن سبب أزمة السولار يرجع لتناقص حجم المعروض من هذه السلعة الاستراتيجية المهمة، بالإضافة إلى نقص السيولة المالية مع عدم عدالة التوزيع فى المحافظات، مشيرا إلى أن القاهرة وحدها تستحوذ على 57٪ من المواد البترولية اللازمة للاستهلاك فى حين يوزع 43٪ على باقى المحافظات.
 
وأوضح أن الأزمة الحقيقية تكمن فى عدم ضخ الحكومة للأموال الكافية للشراء رغم أنها تدعم السولار بنحو 50 مليار جنيه فى حين تدعم البترول بـ20 مليارا والبوتاجاز بـ20 مليارا، واستطرد: إذا كانت الحكومة تعلم جيدا أن التهريب لغزة يتم عن طريق نفق الشهيد أحمد حمدى وكوبرى القنطرة شرق، فلماذا لا تحكم الحالة الأمنية؟! مؤكدا ضرورة التنسيق بين وزارة البترول ووزارة الدفاع، المسئولة عن الملف الأمنى فى سيناء، مضيفا إن حجم السولار المصدر رسميا إلى قطاع غزة لا يتجاوز 500 ألف لتر مدفوعة الثمن، وهذا لا يسبب الأزمة الحالية.. إن كنا نغض البصر عن الكميات المهربة!
 
«شامل حمدى»- وكيل وزارة البترول سابقا يرى أن التهريب يأتى فى المرتبة الثالثة كسبب للأزمة الحالية، أما السبب الرئيسى فهو نقص السيولة الذى تحتاج إليه وزارة البترول لاستيراد المنتجات البترولية اللازمة للسوق المحلية، حيث تستورد الهيئة منتجات بترولية بأكثر من 600 مليون دولار تتحمل خزينة الدولة منها 300 مليون دولار وتوفر الهيئة الـ300 مليون الأخرى، وتنتج أكثر من 90٪ من استهلاكنا من البنزين بنحو 5,4 مليون طن سنويا واستهلاكنا أكثر من 5,5 مليون طن أكثر من نصفها يوجه لإنتاج بنزين 80 مراعاة لمحدودى الدخل.
 
وقال حمدى: إن الاستهلاك زاد خلال الخمس سنوات الأخيرة لتضاعف المركبات والمقطورات والسيارات الخاصة، فهناك 250 ألف مركبة سنويا تتم إضافتها للشارع، مما أصبح يمثل عبئا لاحتياجات السوق المحلية، مشيرا إلى أن عمليات التهريب مهما كانت حدتها لن تسبب هذه الأزمة، وقال: إن الحل الوحيد هو رفع الدعم تدريجيا حتى يصل إلى مستحقيه، وأن يتم تطبيق كوبونات البطاقة الذكية للحصة التى تحصل عليها كل مركبة شهريا، موضحا أن مصر تعتبر من أرخص الدول فى القارة الإفريقية فى بيع بنزين 80 وكان لابد من زيادة أسعار بنزين 92 تدريجيا منذ 10 سنوات بموجب 15 قرشا سنويا ليصل إلى 4 جنيهات الآن بدلا من 185 قرشا حتى تكون الزيادة تدريجية وليست مفاجئة فيستوعبها المواطن ولكن للأسف كان القرار سياسيا أكثر منه اقتصاديا.
 
من جهته كشف اللواء أحمد الموافى مدير الإدارة العامة لمباحث التموين- أنه تم ضبط 70 قضية تهريب بنزين وسولار إلى غزة عبر سيناء وعبر الأنفاق وشملت البوتاجاز والسولار والبنزين، موضحا أن الإدارة تمكنت من ضبط مصانع تستغل فى تهريب البنزين بتخزينه على أنه مذيبات، حيث تقوم هذه المصانع بتجميع البنزين والسولار المدعم وتهريبهما إلى الخارج عن طريق الموانئ وتصديرهما على أنهما مذيبات بأوراق مضروبة.
 
«روزاليوسف» قامت بجولة على محطات البنزين والتى أظهر أصحابها غضبا شديدا متهمين وزير البترول والحكومة بالتواطؤ فى الطرق العجيبة لتوزيع السولار وبنزين ,80 وعدم التصدى لمحاولات تهريبه عبر الأنفاق، حيث قال لنا «إكرامى لويس» صاحب محطة بنزين بشبرا، إن سبب الأزمة هو سياسة الحكومة التى تقوم بتحويل السولار إلى غزة دون النظر إلى الأزمة الموجودة حاليا فى الشارع، مضيفا: إن حصة المحطة اليومية 10 آلاف لتر، ولكن ما حصلنا عليه من أول مارس 58 ألف لتر سولار!
 

 
مسئول بشركة مصر للبترول رفض ذكر اسمه بسبب حالة القلق المسيطرة على المشهد خاصة بعد إقالة قيادات فى الهيئة، قال لنا: هناك عمليات تهريب تتم فى منطقة شرق العوينات من خلال تخصيص كميات أكبر من المتفق عليها، إلى بعض المستثمرين، والخاصة بكمية السولار الخاصة بكل فدان، حيث تم الاتفاق بين وزارتى الزراعة والبترول على تخصيص 10 لترات لكل فدان شهريا، بينما تصرف المستودعات 300 لتر شهريا لكل فدان على حساب الكميات المخصصة لاستهلاك المواطنين عن طريق المحطات، وهو ما أدى إلى قيام بعض المستثمرين ببيع هذه الكميات فى السوق السوداء دون رقابة من الوزارة.
 
ولم يكن الغضب فى كل أركان مصر من غياب السولار فقط، بل استمر الغضب من اختفاء المازوت أيضا، حيث يعانى أصحاب مصانع الطوب والعاملون فيها من رفع الحكومة أسعار المازوت، مما دفعهم إلى غلق مصانعهم وتنظيم عدة وقفات احتجاجية أغفلتها وسائل الإعلام، وقال لنا محمد إبراهيم «عامل» بأحد مصانع الطوب بالغربية: إن زيادة أسعار المازوت أدت إلى ارتفاع سعر الألف طوبة إلى 350 جنيها دون تكاليف النقل بدلا من 290 جنيها، مضيفا: إننا مهددون بإيقاف يوميتنا فى حال استمرار هذه الزيادة وعدم تدخل الحكومة لدعم المازوت، أو إدخال الغاز إلى المصانع بديلا عنه!
 
ولم تقف الأزمة المتفاقمة عند ذلك، بل وصلت إلى صناعة الأسمنت التى أصبحت هى الأخرى مهددة وتعانى من ارتفاع سعر الطاقة وانخفاض كميات الغاز الطبيعى المورد لها كما قال لنا أحمد الزينى - رئيس الشعبة العامة لمواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية - الذى أكد أن المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، كالحديد والأسمنت تبحث حاليا عن بدائل للوقود المستخدم، مثل الفحم والمخلفات، مع زيادة أسعار الوقود التقليدى مثل الغاز والمازوت.
 
وأضاف: إن مصانع الأسمنت تعمل حاليا بطاقة تقدر بـ30 أو 50٪ على الأكثر، بسبب نقص كميات الغاز، قائلا: إن المصانع العاملة فى صناعة مواد البناء على استعداد لقبول أى قرار بزيادة أسعار الطاقة شريطة توافرها، ومنح الحكومة فرصة لها للاستعداد للتكيف مع ارتفاع أسعار الطاقة، مشيرا إلى أن أغلب هذه المصانع تصدر منتجاتها وبالتالى فهى مرهونة فى موقفها بالمنافسة الخارجية، وقال إننا لم نتأثر بالأزمة الحالية فكنا ننتج عام 2008 «34» مليون طن وصلنا إلى 60 مليون طن بنهاية عام ,2012 معتبرا أن زيادة أسعار طن الأسمنت ترجع إلى تعويض الشركات أرباحها من انخفاض قيمة الجنيه واستيرادها بالعملة الصعبة.
 
هذه الأزمة ألقت بظلالها على إنتاج قطاع الزراعة الذى هو الآخر يعانى منذ عدة سنوات وأصبح مهدداً بالتراجع فى معدلاته، بنسب كبيرة جدا، خاصة أن جميع مواتير الرى تعمل بالسولار، ونسبة محدودة جدا منها تعمل بالكهرباء، وبالتالى فالتأثيرات ستكون ملموسة والانخفاض فى حجم الإنتاج سيكون عاليا جدا، فضلا عن ارتفاع تكاليف النقل بصورة كبيرة، وتكدس فى مواقع الإنتاج، مما سيؤدى إلى تلف فى المحاصيل المختلفة، وبالتالى عدم توافر الغذاء بصورة كافية