الجمعة 26 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

خمسون فى المائة

خمسون فى المائة
خمسون فى المائة


صحيح أنها بدعة لاتعرفها بلدان العالم.. لكنها اختراع مصرى مطلوب.. أن يكون نصف أعضاء البرلمان من العمال والفلاحين.. خصوصاً عندما يعانى المجتمع من الأمية.. ويمتلك خمسة فى المائة من سكانه تسعين فى المائة من الثروة.. ويعانى ثلاثون فى المائة من البطالة.. وسبعون فى المائة من الأمراض المستعصية.. ساعتها لن يحتاج البرلمان للفصحاء والميسورين والوجهاء واللواءات والأصحاء وحدهم.. وإنما يحتاج لمن يتحدث بلسان الفقراء والمحتاجين والشغالين بقوت يومهم.
 
إنجلترا التى اكتشفت الديمقراطية فى العصر الحديث.. لايوجد فى مجلس عمومها خمسين فى المائة من العمال والفلاحين.. لكن إنجلترا الرأسمالية تعرف نقابات العمال العفية.. التى تستطيع أن تقلب البلد.. والتى تتحكم فى الأجور والأسعار والضرائب.. نقابات العمال هناك تحافظ على مستوى معيشة العمال.. ولو ارتفعت الأسعار بنسبة واحد فى المائة عن الطبيعى.. تفاوضت النقابة مع صاحب الشغل لرفع المرتب والأجر بنفس النسبة.. ولو زادت الضرائب نصف فى المائة تقوم النقابة برفع أجور أعضائها بنسبة مساوية..
لا حاجة لإنجلترا إذن بوجود ممثلين للعمال داخل مجلس العموم.. لكن مصر تحتاج ذلك.. فى ظل نقابات العمال المستأنسة.. وحتى لاتزداد الهوة بين الفقراء والأغنياء.. وإذا كان مجلس الشعب يمثل عموم الشعب.. فلابد له وأن يمثل العمال والفلاحين.
 
زمان.. قبل ثورة يوليو.. دخل البرلمان عن باب الشعرية عامل أمى اسمه سيد جلال.. كان أفضل من كل باشوات البرلمان.. وقدم لمصر ما لم تقدمه الحكومات المحترفة.
 
وزمان أيضاً.. فى مجلس الأمة بعد ثورة يوليو ثم مجلس الشعب بعد انقلاب مايو.. عرفنا نوال عامر وراوية عطية.. ثم عرفنا أحمد طه وسيد رستم وقبارى عبد الله وأبو العز الحريرى وكمال أحمد والبدرى فرغلى.. كانوا فرساناً داخل البرلمان.. لم يفتح الواحد منهم مخه.. لم يقف أمام الباشا الوزير يطلب حسنة أو مصلحة.. كانوا يناقشون ويتقدمون بطلبات إحاطة واستجوابات ساخنة.. وأحياناً يسقطون الأنظمة.. ولو كنت لاتصدق سعادتك.. راجع ما حدث فى البرلمان إبان توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.. ووقوف العمال والفلاحين فى المجلس ضد الاتفاقية.. بما أجبر أنور السادات على حل البرلمان لاستبعاد المشاغبين وعلى رأسهم العمال المعارضين.
 
المقصود أن جمال عبد الناصر.. قد انحاز لثورة يوليو إلى الفقراء والمحتاجين.. ليس من باب العدالة الاجتماعية وحدها.. وإنما لأن العمال والفلاحين هم غالبية الشعب.. ولابد من وجود من يمثلهم ويتحدث باسمهم أمام الحكام داخل البرلمان.. ويشعر بمعاناتهم وأحلامهم ومشاكلهم.. وليس أفضل من العامل والفلاح لكى يتحدث باسم عموم الناس..
انشغل جمال عبد الناصر تحديداً.. بتعريف العامل والفلاح.. لم يكن العامل وقتها هو البيه رئيس مجلس الإدارة.. وإنما كان عاملاً بحق وحقيقى.. تخرج من صفوف الطبقة العاملة.. والفلاح لم يكن برتبة لواء.. وإنما كان حائزاً زراعياً لايمتلك أكثر من خمسة أفدنة ليتكلم باسم الفلاحين.
 
داومت الحقبة الناصرية فى مراحلها المختلفة على تحديد مفهوم العامل والفلاح بدقة.. حتى لايتسرب إلى مجلس الأمة من لايتحدث باسمهم.
 
أما فى عهود الفجر والاستهبال.. وقد قررت الدولة بيع القطاع العام بتراب الفلوس.. وإلغاء قوانين الإصلاح والملكية الزراعية.. فقد تساهلت الدولة كثيراً فى تعريف العامل والفلاح.. وتهاونت كثيراً فى آخر منجزات جمال عبد الناصر.. فإذا بروساء مجالس إدارات الشركات يمثلون العمال فى البرلمان.. وحتى يسهل بيع القطاع العام بمباركتهم ودون اعتراض من أصحاب المصلحة.. وفى العهود.. عهود الفجر والاستهبال.. رأينا لواءات الشرطة والجيش يقتحمون البرلمان على قوة الفلاحين.. ولعلها ليست مصادفة أن يضم مجلس الشعب 2010 بين صفوفه 55 لواء شرطة على قوائم الفلاحين.. والخيبة أن الرقعة الزراعية قد تحولت بفضلهم إلى أراض للبناء.. والأراضى المستزرعة إلى ملاعب جولف واستراحات وڤيلات لمن يدفع الثمن!
 
رحم الله جمال عبد الناصر.. حبيب الفقراء.. والذى طبق مفهوم العدالة الاجتماعية بحق وحقيقى.. على عكس الـ 37 حزباً بعد ثورة يناير التى رفعت شعار تغيير حرية عدالة اجتماعية.. لكنها عندما تكلمت طالبت بالفم المليان بإلغاء نسبة العمال والفلاحين فى البرلمان.. وكنا نحسن أن الأحزاب «الثورية» سوف تطالب بتحديد مفهوم العامل والفلاح بشكل حقيقى.. وحتى يسترد الفقراء ممثليهم بالبرلمان.. هى أحزاب «ثورية» لاتضيع وقتها فى هذه الأمور.. معظم مؤسسيها والمتحدثين باسمها من أصحاب الصوت العالى ونجوم الفضائيات والإعلام الجديد.. ولاتضم فى صفوفها عمالاً وفلاحين بحق وحقيقى!!
 
رحم الله جمال عبد الناصر.. نصير الفقراء.. وحبيب الملايين.