الأحد 26 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لا للأسوار العالية!

لا للأسوار العالية!
لا للأسوار العالية!


فى مصر.. وفى تقديرى فإن صاحب قرار تعلية سور قصر الرئاسة ليس مسئولا سياسيا.. الأرجح أنه خبير أمنى يهتم بما هو ملموس وظاهر للعيان.. الخبير الأمنى هوايته الصفا والانتباه.. مهمته وضع بوابات التفتيش وكشف المفرقعات وفحص هوية الداخل والخارج.. وعمل تحريات مناسبة لكل من يعمل معه.. وبناء أسوار عالية تحيط بالمكان..!
 

المسئول السياسى حاجة ثانية.. هو يرى ما لا تراه حضرتك.. هو مسلح بالخيال والرؤية الشاملة.. هو يحلم بالغد الأفضل.. ويعمل على تحسين الأوضاع.. وظيفته زرع الأمل فى النفوس.. والتعامل الواعى مع جميع القوى السياسية بهدف الوصول بالمجتمع إلى شاطئ الأمان.
 
تعلية أسوار القصر الرئاسى لن تحمى القصر من هجمات الغاضبين.. تعلية السور تمنع ساكن القصر من رؤية الاعتصامات والاحتجاجات وتيارات الرفض.. لكن التعلية لن تمنع هذه الظواهر الديمقراطية التى تعرفها جميع بلاد الدنيا.
 
تعلية السور تعنى أنك تصم أذنيك عن الهتافات ضدك.. لكنك لن تمنعها ولن تمنع تصاعدها وتطورها واكتسابها للمزيد من الأنصار المؤيدين لها والمعارضين لك.
 
تعلية السور لا تحمى القصر من غضبة الآخر.. هى مجرد وسيلة بدائية لمنع التواصل والحوار.. ونسف جميع احتمالات الالتقاء والمناقشة وتبادل الرأى للوصول للحل الأمثل للمشاكل المتراكمة التى تحيط بالقصر المراد تعلية أسواره.
 
تعلية السور تحجب عنك الجماهير الحقيقية.. وساعتها تعتمد فقط على التقارير المكتوبة والرسائل المصورة والملونة.. ووشايات المستشارين.. وتعنى أنك تعتمد على الوسطاء فى نقل الصورة ومعرفة الواقع والتعامل الجدى مع الشارع الغاضب.
 
الأفضل لك وللآخر التعامل الحر المفتوح دون وسطاء.. أن يهتف الآخر فى وجهك.. وأن تهتف فى وجهه.. وفى النهاية سوف تجلس معه لتتحاور وتتفاهم للوصول لأفضل السبل لحل المشكلات المتراكمة.. وهو ما يحدث فى جميع دول العالم المتحضر.. والتى تعرف ظاهرة المظاهرات وحركات الاحتجاج العنيفة.. والتى تعترف بالرفض وترحب بالاختلاف وتسعى للحوار.. على اعتبار أن الرأى والرأى الآخر هما السبيلان للديمقراطية الحقيقية، والتى هى المراد من رب العباد فى إدارة شئون الدولة.
 
والله لو أننى مسئول بالقصر الرئاسى لأمرت بفك جميع مظاهر العزلة التى يفرضها الخبراء الأمنيون.. وأمرت بإزالة الأسوار الخرسانية.. وخرجت إلى الناس أتحاور معهم وأستمع إليهم وأتبادل الرأى والمشورة.
 
فى جميع دول العالم الأسوار لا تحجب الرؤية.. ولا تمنع الشمس والهواء.. والسياح فى بريطانيا يحيطون القصور الملكية يشاهدون الداخل والطالع.. والشرطة تحميهم وتشجعهم.. وفى قصر الرئاسة الفرنسى.. قصر الإليزيه يقف الفرنسيون بالساعات يترقبون دخول وخروج الرئيس الفرنسى.. يحيونه أحيانا.. ويهتفون فى وجهه أحيانا أخرى.. ولم يأمر المسئولون هناك بتعلية أسوار القصر.. وفى واشنطن يتفرج المواطنون والسياح على ما يدور داخل البيت الأبيض من خلال الأسوار المفتوحة.. لا الخرسانية التى تحجب الرؤية والهواء ونور الشمس.
 
لو أننى مسئول بالقصر الرئاسى لمنعت الخبراء الأمنيين من تعلية السور الذى يزيدنى عزلة.. ولاستعنت برجال السياسة لوضع الحلول والتصورات الكفيلة للوصول للحوار والتفاهم والذى هو أعلى صور الديمقراطية.