الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حرب ميليشيات المقنعين

حرب ميليشيات المقنعين
حرب ميليشيات المقنعين


ازدواجية بل تعددية المعايير فى أزمة التحول الدموى للثورة المصرية ستؤدى هى نفسها إلى تعقيد الأزمة وزيادة الدموية، فالكل يتساءل: أين كان النائب العام ومجلس الشورى ووزارة الأوقاف الذين هاجموا مجموعات «البلاك بلوك» الغامضة، من اعتداءات ميليشيات الإخوان الدموية على الثوار فى موقعة الاتحادية، وممارسات جماعة «حازمون» أمام مدينة الإنتاج الإعلامى وحزب الوفد، والحصار الغاشم على المحكمة الدستورية؟.. وهى فاتورة ندفعها جميعا بعد سكوت السلطة الحاكمة على تجاوزات ضد القانون ومنصات القضاء فانهارت دولة القانون وترسخت دولة الميليشيات، ودليل ذلك أن النائب العام الذى عينه مرسى لم يحضر فى يوم تجمع «البلاك بلوك» حول دار القضاء العالى!
د.ناجح ابراهيم مفكر الجماعة الإسلامية يرى أن من أهم أسباب ظهور مثل هذه الحركات الصدامية والتى تنتهج العنف يعود إلى حالة التردى التى وصل لها المجتمع بشكل عام وتردى القوى السياسية بشكل خاص، متعجبا من هذه الثورة التى بدأت سلمية وتحولت إلى مولوتوفية، وبدلا من التآلف والتوحد الذى كان يجمع كل القوى السياسية فى بداية أحداث الثورة تحولت الأحداث إلى صراع واستقطاب سياسى حاد، ومن ثم كان سيؤدى هذا المناخ إلى حالة من العنف المجتمعى، وبالفعل تظهر حركات كالبلاك بلوك والبلاك ماسك وكتالة وقبلها حازمون ومجموعات أخرى عنيفة ليعلنوا بكل وضوح ودون خجل استخدامهم الحرق والتدمير والدماء، ونبذ الآخر.
وأكد د. ناجح أن هذه الحركات ما كانت لتنشأ أو تعلن عن نفسها لولا ضعف الدولة وتفسخ أجهزتها، وضعف المنظومة السياسية.
ويأسف د. إبراهيم على الحال التى وصلت إليها ثورة يناير، والتى بدأت بحراسة المنشآت وحمايتها وانتهت بتدميرها والاعتداء عليها، وبدأت بانصهار كل أطياف الوطن وانتهت بتخوين كل فريق للآخر، بل وتكفيره، وكما أسقطت الثورة فى البداية قانون الطوارئ باعتباره قانونًا استثنائيًا عانت منه مصر لسنوات طوال، لنعود تحت وطأة هذا القانون البغيض مرة ثانية بعد حرق البعض للوطن متصورا أنه يحرق الأراضى تحت قدمى مرسى فقط.
وبسؤاله عن توقعه ازدياد مثل هذه الحركات المسلحة فى الفترة المقبلة، رد مؤكدا بالفعل ستتكرر موجات العنف بشدة فى الفترة القادمة، وأرجع ذلك لاستمرار نفس المناخ الخصب لنمو هذه الحركات مثل انتشار الأسلحة بالشوارع بكثرة، بل ظهور الأسلحة الثقيلة لأول مرة فى مصر مع المواطنين العاديين، والضعف الأمنى، والصراع الحاد بين القوى السياسية مازال مستمرا.
وأكد ناجح أنه فى نفس الوقت ضرورة عدم مواجهة حركات كالبلاك بلوك وبلاك ماسك وغيرها بالعنف، لأن العنف يولد عنفًا، بل البدء بالحوار معها للتعرف على مشكلاتهم ومطالبهم ومحاولة إصلاح وتغيير هذه الأفكار الهدامة ودمجهم فى منظومة العمل السياسى الرسمى، ومن لم يستجب فسيف القانون هو الحل للتعامل معهم.
أما عن الحلول فأكد ناجح ضرورة أن يتخلى كل فريق سياسى عن أنانيته ودورانه حول نفسه فقط، وضرورة إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة التى جرفت نهائيًا فى الثلاث سنوات الأخيرة، وضرورة إقامة مشروع وطنى قومى يستوعب كل هذه الطاقات البشرية المشتتة، بدل الفشل الذى نراه الآن، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أفضل ما فى الأطياف السياسية والتى يثق الشعب المصرى بها تكون مهمتها فقط ملفين أولهما إنقاذ الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية وتأجيل كل القضايا الأخرى، وإلا سيستمر المشهد الحالى من إعلان استقلال لمدن القنال، وتظهر مشكلات النوبة وشمال سيناء ومن ثم تتآكل أطراف مصر.
المفكر الكبير جمال الغيطانى يرى أن مايصدر من هذه الحركات المسلحة هو عنف بكل تأكيد ولكنه فى نفس الوقت رد على عنف أصلى وصل إلى الحكم، أى أن ما تقوم به هذه الحركات مجرد ردود أفعال لا أفعال ضد العنف الذى يمارسه جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم ممن ينتمون لتيارات الإسلام السياسى.
وأكد الغيطانى أن التصرفات التى ارتكبها الإخوان المسلمون والرئيس من الهجوم على القضاء، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا، وعزل النائب العام الشرعى، ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى، فكل هذه الأفعال فى أصلها عنف غير شرعى وتم ارتكابه باسم الثورة وتحت غطائها.
ويضيف الغيطانى: عندما يشعر المواطن بعدم الأمان من النظام السياسى الذى يحكمه واستغلاله لسلطاته والقيام بممارسات غير شرعية، سيكون رد الفعل الطبيعى أن يدافع الشعب عن نفسه ومن ثم تقع الفوضى، لا نعرف من المتنكر أو الصادق أو الحقيقى، وهو مايذكرنا ببعض القوى الخارجية التى دخلت وساعدت الإخوان فى اقتحام السجون، وهو مايجعلنى أتساءل عن هؤلاء الذين يرتدون الأقنعة السوداء «البلاك بلوك»، فنحن لا نعرف هويتهم وهل هم مع الثورة أم ضدها وهدفهم فقط نشر الفوضى.
أكد الغيطانى أن ما يحدث الآن فى الشارع المصرى وظهور هذه الحركات المسلحة هو أننا ندفع ثمن وجود الإخوان المسلمين فى الحكم، فلن يمر على حكم مرسى أكثر من 7 شهور، وها نحن أمام دولة على وشك الإنهيار والتفكك.
الغيطانى طالب بالإسراع فى تشكيل حكومة إنقاذ وطنى، وعلى الإخوان المسلمين أن يعودوا للدعوة الإسلامية، كفاهم فشلاً فى إدارة البلاد، متوقعا زيادة هذه الحركات المسلحة فى الفترة المقبلة، لأن الأصل فى استخدام العنف مازال بالسلطة يحكم، فحاليا الدولة تهدد من قبل جماعة الإخوان المسلمين وتفكك قواها، بل يدفع الرئيس مرسى من جديد بالشرطة فى مواجهة المتظاهرين، ويرى الغيطانى أن الحل يبدأ من الإخوان، بأن يتوقفوا عن هدم الدولة والاعتذار للقضاء والإعلام وكل المؤسسات التى عمدوا على تفكيكها وإضعافها فى الفترة السابقة منذ توليهم للحكم.
أما عن الرؤية الأمنية لمثل هذه الحركات المسلحة تنبأ اللواء طلعت مسلم الخبير الاستراتيجى منذ سقوط النظام فى 2011 بأننا مقبلون على الفوضى، وأرجع ذلك لأسباب موضوعية أهمها غياب القيادة السياسية والفلسفة ورؤية أى نظام يتولى الحكم لوضع برنامج سياسى قادر على تحقيق مطالب الثورة وفى ذات الوقت يضع ضوابط للتصرفات المنحرفة التى تصدر من البعض، ويرى أنه نظرا لخروج مبارك بهذه السهولة فى 18 يومًا تصور الكثيرون أن كل شىء مباح وسهل يمكن تحقيقه فى الفترة المقبلة دون قيود أو محاسبة، مؤكدا أن مظاهر الفوضى بدأت مع خروج المساجين والهجوم على أقسام الشرطة وصولا للاستيلاء على الأراضى الزراعية والبناء عليها، وتصور الجميع أنه بمنطق الثورة يمكن القيام بأى شىء، ولكن الثورة براء من هذه التجاوزات والخروقات للقانون.
كل هذه المظاهر خلقت واقعًا جديدًا، أساسه الفوضى كما يقول «مسلم»، ومن ثم تولد عن ذلك هذه الجماعات غير القانونية التى تسمى أنفسها «بلاك بلوك»، و«بلاك ماسك» وحركة كتائب «مسلمون»، وغيرها من المتوقع ظهوره، وتكمن خطورة هذه الجماعات فى غياب المعلومات عنها، وعدم التعرف على الجهات التى تستخدمها، مرجعا أسباب ظهور هذه الحركات إلى غياب احترام تطبيق القانون، والانقسام الشعبى الحاد ما بين إسلاميين وغير إسلاميين، قطع الطرق وتعطيل المواصلات دون محاسبة مرتكبى هذه الجرائم والتهاون معهم بحجة الزخم الثورى، عدم احترام أحكام القضاء سواء من قبل الرئيس الحاكم أو المحكومين، قرارات الرئيس للإفراج عن متهمين ارتكبوا جرائم محددة، واعتبارهم أنهم ثوار، فضلا عن الصراع الدائر بين السلطة والمعارضة.
مسلم يرى أن كل هذه المظاهر خلقت مناخًا خصبًا تنمو فيه هذه الحركات المتطرفة.
وبسؤاله عن روشتة أمنية تلخص كيفية التعامل مع الوضع، قال مسلم: ليس العلاج الأمنى هو الحل الوحيد، فالكل مسئول عما يحدث، والحل لن يكون له طابع واحد فقط، بل سيكون سياسيا واقتصاديا وقانونيا وأمنيا فى النهاية، وذكر أن الحل السياسى لابد أن يشمل الحوار مع كل القوى السياسية المختلفة للوصول إلى اتفاق على كيفية إدارة البلاد، فالإصلاح ليس مسئولية جماعة أو فصيل واحد فقط، بل هى مسئولية كل الأطراف السياسية، أما الحل الاقتصادى فيكون بضرورة الإسراع فى خلق فرص عمل جديدة تستوعب هذا العدد الهائل من الشباب العاطلين الذين يتجهون إلى العنف لتفريغ طاقتهم به، وأكد أن الحل القانونى لن يأتى بسن تشريعات جديدة، مؤكدا أن لدينا كمًا هائلاً من القوانين ولكن الأهم تطبيقها بكل حزم وإصرار من أجل مصلحة الوطن.
وأخيرا الحل الأمنى، يكمن فى تطبيق القانون بطريقة احترافية وفقا لاحترام حقوق الإنسان، ولكن من يتورط من البلطجية أو المخربين فى الهجوم على مدرعة أو وزارة أو مؤسسة فمن حق رجل الشرطة أن يطلق عليه الرصاص الحى، فهناك فرق بين المتظاهر السلمى والأفراد المخربة.
د. هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى جامعة الزقازيق قالت: إن سبب ظهور هذه الحركات المسلحة هو أنه عند قيام أى ثورة توجد فرق أو جماعات تستطيع تنظيم نفسها بسرعة وتسيطر على الحكم وهو ماحدث مع جماعة الإخوان المسلمين، ووضعت ختم يدها بنظام «وضع اليد» على الحكم، ونظرا لعدم إيمان من بالحكم بمطالب هؤلاء الذين يملأون الشوارع من هنا تبدأ الفوضى والعنف.
د. زكريا تؤكد: إن الثورات عادة تتجه إلى التغيير نحو التقدم، ولكن يحدث أنه توجد قوى رجعية تقودها للخلف وهو ماحدث فى إيران وانقضاض الخمينى على الثورة، وما يحدث الآن فى مصر أيضا، حيث جاء فصيل انقض على الثورة بشكل انتهازى لا أخلاقى، وينحرف بالثورة بعيدا عن الاتجاه السليم، حيث بدءا من توالى الأحداث بانتخاب مجلس شعب باطل ثم سقوطه، ثم قيام الرئيس بهدم مفاصل الدولة وأعمدتها الرئيسية كالجيش والقضاء، فكل هذه المظاهر كانت مقدمة لانحراف الثورة عن طريقها السلمى واتجاهها نحو العنف لامحالة، بل ساهم فى التعجيل بذلك النظام الحاكم.
وتضيف زكريا: جماعة الإخوان لا تحسن إدارة البلاد بأى شكل من الأشكال، فضلا عن تلك الصبيانية السياسية التى تتصدر المشهد وتتحدث دائما بلسان الشعب وهم لايعرفون شيئا، وأخيرا ترى هدى أن كل ذلك المناخ المحتقن والمتخبط الذى لم يقدم النظام الحاكم رؤية جديدة للخروج منه أدى إلى ظهور مثل هذه الحركات المسلحة، فمثلا حركة «كتالة النوبية» بدأت تلوح بالعنف من أجل الحصول على حقوقها عندما وجدت أنها تتعرض لمزيد من التهميش والإقصاء بعد ثورة يناير، وأنه ليس هناك أى نية من النظام الحالى لإعطائها حقوقها.
واتهمت د. زكريا تيارات الإسلام السياسى وحملتها المسئولية فى ظهور مثل هذه الحركات المسلحة، لأنها هى التى بدأت بالتلويح باستخدام العنف والقوة بمنتهى الحماقة والعمالة أيضا، بدءًا من إعلان نتيجة مرسى فجرا وكأنه يفرض حالة وما عقب ذلك من صيحات الإرهاب الإعلامى التى عبر فيها الإسلاميون عن موقفهم إذا مرسى لم يفز وتهديدهم بحرق مصر، ثم تلك الأفعال التى قام بها «حازم صلاح أبوإسماعيل» دون أى محاسبة قانونية ومحاصرته لمدينة الإنتاج الإعلامى، الدستورية العليا، ومن ثم كان لابد أن تظهر قوى أخرى «مدنية» تستخدم العنف لإثبات أنها موجودة أيضا على أرض الواقع وأن القوة ليست حكرا على الإسلاميين.
بينما يختلف معها د. قدرى حفنى أستاذ علم النفس السياسى بقوله: إن ظهور هذه الحركات المسلحة أو الصدامية ليس بجديد، فالعنف كان موجودًا سواء قبل الثورة أو بعدها وما يحدث الآن هو فقط وضع لافتة على هذا العنف، بل يرى أن ظهور مثل هذه الحركات والإعلان عن نفسها أمر إيجابى حتى نتمكن من معرفة هويتهم وأفكارهم وماذا يريدون.