الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

الاستقرار فى عيون «مهيبرة»

الاستقرار فى عيون «مهيبرة»
الاستقرار فى عيون «مهيبرة»








لحظة صمت.. ننظر أنا وفوزى صديقى إلى شاشة التلفاز بعد إعلان نتيجة الاستفتاء والتى انتهت بنعم للاستقرار.. ساعة كاملة استرجعنا فيها أحداث الثورة ونلطم خلالها على خدينا ونغطى بعض و«نصوت» ونصرخ فى جنون: «يا ميلة بختك يا ثورة»!







ماذا نفعل؟.. فوزى ابتسم وقال: هاحلهالك.. عندى صنف جديد نوفى لسه جاى من أمريكا بعد الـ 001 يوم الأولى.. اسمه «سندس».. تضربه من هنا وهتحس إنك ف عالم تانى».

من الواضح حقا أنه لا بديل سوى أن نلف سيجارتين ماركة «سندس» واللى يحصل يحصل.. ومن هنا بدأ كل شىء.

الدنيا تغيرت تماما.. هل لـ «سندس» علاقة بالأمر؟.. لا أعلم.. هل كل ما يحدث له علاقة بالاستقرار اللى بعد الدستور؟.. حاولت الخروج من هذه الحالة الغريبة.. أمسكت بالريموت كنترول لأشاهد التلفاز.. قناة «الحافز».. أحد الشيوخ يسب أحدهم ويمصمص شفتيه كالأرملة القبيحة.. فوزى امتعض بشدة من الشيخ إياه ومال على أذنى قائلا: هما مش قالوا هيقفلوا المواقع الإباحية؟!

قناة أخرى فيلم الناصر صلاح الدين.. أحمد مظهر يربت على كتف صلاح ذوالفقار قائلا: هل كفرتم أخاكم عيسى فى عيد الميلاد المجيد؟ الممثلون يردون: يا كافر يا زنديق.. اللعنة مرة أخرى.. هذا الحوار تغير تماما.. أعتقد أن أحمد مظهر كان يقول هل هنأتم؟ مش كفرتم.. ما سبب هذا التحول؟.. هل هى سندس؟ أم الدستور الجديد؟
قررت النزول إلى الشارع حتى أتمكن من فهم ما يحدث.. ميدان طلعت حرب بعد الظهر.. تمثال طلعت حرب مشيرا بإصبعه الملون بالحبر الفوسفورى ومكتوب على طربوشه نعم للاستقرار يا «حمار».. تحت التمثال يجلس مجموعة من الشباب رافعين علم السعودية ويهتفون لمصر.. وآخر يرفع علم قطر ويهتف لقناة السويس.. المشهد كان غريبا.. مذهولا مما يحدث.. تراجعت للخلف وفجأة توقفت سيارة خلفى وصرخ من بداخلها «أنت واقف فنص الشارع يا خروف.. أنت إيه؟ معندكش دقن»؟!

هل ما سمعته صحيح.. أعتقد أنها كانت تقال هكذا: «أنت معندكش دم».. هل تم تغيير الأمر.. هل أصبح «الشعر» بيجرى فعروقنا.. هل تسألنى الممرضة إذا ذهبت إلى المستشفى: فصيلة دقنك إيه؟ أم أنها سندس اللعينة.

مازلت فى الشارع.. متسول يقترب منى ببطء ويقول: «أى حاجة لله يا باشا».. الله يسهلك يا أخى.. «يا باشا أنا مكلتش من إمبارح.. أنا جعان.. والجوع ليبرالى علمانى ملحد».

أعتقد أننى اعتدت على الأمر الآن.. لا بأس.. ولكن الغريب فى المشهد هؤلاء الجالسين فوق أعمدة الإنارة الحكومية.. كل عمود أعلاه رجل أو امرأة.. من هؤلاء؟ أحدهم بجانبى يرد: «دول البهائيين يا كبير»، ولو دخلت يمين فاتجاه الضاهر هتلاقى «الشيعة قاعدين فوق الشجر».. سألته مذعورا: وهما قاعدين فوق كده على طول.. مبينزلوش؟... ينزلوا فين يا باشا.. لو نزلوا من فوق هيتعمل عليهم حفلة باربكيو.. أنت كنت مسافر ولا إيه؟

فتاتان واقفتان على مقربة منى.. إحداهما تقول للأخرى: «شفتى الواد الهاى كلاس اللى ماسك كانزاية عالصف التانى ده».. زميلتها تنظر ناحية الشاب وتقول: «الكانزايه هتاكل حتة من ايده .. شكله رجل أعمال .. بيبسى وسجاير.. يا ترى متجوز ولا لسه»؟

شارع محمد محمود.. لا وجود للجرافيتى الذى كان يملأ الجدران.. الموجود جرافيتى كبير لسيد قطب وآخر لحسن البنا.. شاب ملتحٍ يقوم برسم جرافيتى معبر عن الأيام السودا القادمة.. سألته: هو حضرتك من شباب الثورة؟ .. رد: أيوه.. أأمرنى .. سألته مجددا: هو حق الشهدا رجع ولا لسه؟.. ابتسم قائلا: الحمد لله رجع.. مفيش شهيد مجبناش حقه.. الشهيد حسن البنا والشهيد سيد قطب والشهيدة زينب الغزالى.. كلهم .. كلهم.. مندهشا قلت: بس؟.. رد: مش عاجبينك دول.. أيوه بس؟.. نظرت له فى بلاهة وسألته: وجبتوا حقهم من مين؟ .. رد: من الشباب العلمانى الليبرالى الشيوعى الماسونى اللى كانوا هنا فميدان التحرير.

أمام القهوة.. جلست لأتناول كوب قهوة سادة لعلى «أفصل» من تأثير هذا الصنف اللعين.. متمنيا أن يكون كل هذا مجرد حلم.. مجموعة كبيرة من الشباب والشيوخ يشاهدون مبارة حماسية للغاية.. سب ولعن وألفاظ بذيئة تتساقط من أفواه المتفرجين.. من الواضح أن الأهلى يلاعب الزمالك ومنتصرا كالعادة.. أحدهم صرخ: «هنزعل الأهلوية زى ما زعلنا الزملكوية الأسبوع اللى فات».. حسنا من الواضح أن الأهلى يلاقى فريقا آخر.. همست فى أذن أحدهم: مين بيلاعب مين؟.. رد دون أن ينظر لى .. الأهلى بيلاعب حماس.. دقيقتان لم أستوعب الأمر.. سألته: دى بطولة إيه حضرتك؟.. اجاب: هتكون بطولة إيه يا برنس.. كأس مصر طبعا.. قلت: كأس مصر؟.. بس ده مش استاد القاهرة.. رد: أيوه يا باشا ده استاد «سينا».. ما هو المتش على أرضهم... مشجعو حماس يصرخون: جوووووون.

المذيع: الهدف الأول لحماس مع بداية الشوط الأول سجله إبراهيم هنية من تمريرة أكثر من رائعة للاعب خط الوسط إسلام الشاطر.

هذا الرجل أعرفه.. إنه والد «فوزى» العجوز المزواج كما يطلق عليه أصدقاؤه.. أخذ يلوح لى من بعيد.. ليته ما رآنى.. مؤكدا سيشعر بحالة الهذيان التى انتابتنى بعد تناول «سندس».. يقترب وبصحبته بنت صغيرة فى التاسعة من عمرها.. لعلها حفيدته.. بعد السلامات الكثيرة سألنى: «أمال فوزى فين؟ .. معرفش عنه حاجة من يوم ما تجوزت»؟.. سألته: هو حضرتك اتجوزت تانى؟.. ضرب راسه بيده وقال متأسفا: «نسيت أعرفك.. باكينام مراتى.. سلمى على عمو يا باكينام».. ألقت باكينام العروسة من يدها واقتربت منى قائلة: «مساء الخير يا أونكل.. والله عبدالفتاح جوزى بيحكيلى عنك كتير.. أكتر ما بيحكيلى عن السندباد أو الشاطر حسن».

استيقظت فجأة.. مكان غريب.. حولى مجموعة من الأشخاص يرتدون زيا موحدا.. يبتسمون فى بلاهة.. سألتهم: انتوا مين؟.. أجاب كبيرهم: احنا جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن الانجليش .. إيه الكلمة الفرنجية اللى مكتوبة على قميصك ده؟.. لم أستوعب الأمر بعد.. لعله يقصد اللوجو اللى على التى شيرت.. أحدهم ضربنى على رأسى لأرد فقلت: «فريدووم».. هنا انفعل «كمان .. يعنى إنجليش وممنوعات وكبائر وليلتك مدهونة دهن خنزير يا فاسق يا زنديق.. شوية شوية تقوللى حرية عقيدة.. ولا حرية الإبداع.. والكلام اللى يحبس ده.. هاتوه».

حملونى وأنا غير مصدق.. توسلت إليهم أن يتركونى ولا فائدة قلت مرعوبا: انتوا واخدنى على فين؟...رد: على مبنى الأمن اللغوى يا أمور.. أنت متهم بقلب لغات الحكم».
هنا لم أحتمل.. إغماء.. ثم لا شىء.