المبدعون : لا لدستور تقسيم مصر

روزاليوسف الأسبوعية
يبدأ اليوم الثانى مِن مَراحل الاستفتاء على الدستور خطواته ، كأننا لم نرَ الجرحى أو القتلى أو حتى العصبية القبلية بين القوى السياسية التى جعلت الجميع يشعر بالخوف مِن الغد، فالدستور الذى بسببه سالت الدِماء، أجمع الكُل عليه- سواء مؤيد أو مُعارض - بأنه «غير توافقى»، مِمَا يقترب أكثر مِن سيناريو الصراع «المصرى- المصرى» داخل وطن، كان الكُل يتشدق فيه بأن «الكُل واحد»، خاصة فى ظِل تسارع الأحداث داخل مصر كُل دقيقة، وهو ما أكده لنا الشاعر «جمال بخيت»: «لا يُعقل أن يعيش مَواطن بشكل طبيعى فى ظِل دستور مرفوض مِن نِصف الشعب المصرى، حيث كان لا بُد أن تكون نِسبة التوافق على الأقل 58 ٪ ولكن ما يحدث الآن فى مصر يُعبر عن أننا رجعنا إلى وجود حِزب واحد هو الذى يحكم ويُقرر القوانين، وفقاً لأهوائه الشخصية».. الدستور مُدمر- على حد قول المُخرج «محمد فاضل»- ويعُد عاراً بين كُل دساتير العالم، وإهانة للشعب المصرى بأكمله.
أجرت «روزاليوسف» استطلاعا بين 20 مِن الكُتاب والمخرجين والمنتجين والمفكرين والفنانين، حرصنا فيه على أن تكون قائمة الشخصيات مِن أجيال مختلفة، إلا أن الرأى كان واحداً بـ «الرفض التام للدستور»، وهو شىء لم يكُن بمُستبعد، فمع تفنيد الفنانين لمواد الدستور، تكون النتيجة المنطقية هى «الرفض».. «وفاء عامر» قالت لنا: «لا أوافق على دستور يُهمش حقوق المرأة والطِفل والفقراء والعمال، وهم فى رقبة كل قادر وعاقل، فلا بُد مِن أن أقول لا».. وهو ما أكده المُنتج والموزع «محمد حسن رمزى» لايوجد اتفاق على 17 مادة مِن مواد الدستور، فبها عمومية فى الألفاظ، كما أنها قوانين لا أحد يعرف متى يتم تفعيلها.. وأضاف المُنتج والسيناريست «محمد حِفظى»: «صوت بـ لا لِما أراه مِن تجاوزات ملحوظة فى الدستور، خاصةً فى المواد التى تُعبر عن حُرية الرأى والتعبير، بالإضافة إلى صلاحيات رئيس الجمهورية التى تخلق مِنه ديكتاتوراً جديدا».. وأضافت الكاتبة «د.لميس جابر»: «دستور الرئيس مرسى يُريد أن يُعلم الشعب المصرى الأخلاق التى هى مسألة نِسبية، ويصعب تطبيقها على جموع الناس، وبالتالى هذا الدستور لا يصلح لدولة لديها دساتير مُنذ عام 1860».
أيضاً كان للمَعارك التى شهدناها سواء فى الجرائد أو القنوات بين أعضاء الجمعية التأسيسية نصيب الأسد مِن رفض جموع مَن أجرينا معهم الاستطلاع للدستور، ففى حين أشار نقيب المُمثلين «أشرف عبدالغفور» لنا بانسحابه مِن الجمعية التأسيسية للدستور، وهو ما أشارت إليه أيضاً «تيسير فهمى» حين قالت: «القضية ليست فى الاستفتاء، وإنما فى الجمعية التأسيسية المَعيبة التى أخرجت هذا الدستور، وبالتالى الاستفتاء باطل، وكُله مُخالفات، فى ظِل عدم وجود رؤية للدولة، ومُحاولات القيادات السياسية للإسراع فى إخراج هذا الدستور».. انسحاب الكنيسة والقوى الثورية والليبرالية مِن الجمعية التأسيسية كان بداية الانقسام- على حد قول الكاتب والمُخرج «د. محمد كامل القليوبى»- لتتحول اللجنة التأسيسية مِن مُناقشة دستور توافقى إلى دستور بالأغلبية للتيار الإسلامى!
الصراعات التى طرحها التيار الإسلامى أمام القوى المَدنية والكثير مِن المِصريين كانت أحد الأسباب لرفض الدستور، فـ «الدستور إعلان بالحَجر مِن الإسلاميين على الشعب المصرى»، كما يرى «يوسف شعبان» وأضاف: «مفيش حد عاقل يقول نعم، بالتالى لا أعتبر هذا الاستفتاء استفتاء على دستور مِن الأساس»!.. وهو ما أكده «خالد أبو النجا»: «لا يُمكن أن يخرج الدستور بهذا الشكل، فهو لا يُعبر سوى عن الشريعة الإسلامية التى يتحدث بها الجميع، دون مَعرفة قواعدها، فهولاء يتحدثون باسم الدين، رغم أنه لم تصدر عنهم أية أحكام، خاصةً وهُم قتلة ثوار الاتحادية، بل وقاموا بالكذب والغِش فى دستور لا يُريدون مِنه سوى حماية أنفسهم به.. الإخوان يتصورون أنهم أذكياء ويسبقون ذكاء الشعب المصرى- على حد قول د. «لميس جابر»- فالرئيس «مرسى» أصبح مرفوضاً بجماعته ودستوره ومُرشده، وهو لا يُريد أن يفهم أن المسألة ليست مسألة دستور يمر، وإنما هُناك حالة رفض شعبى له لأن الإخوان لا يُصلحون لقيادة قبيلة، الدستور دستورنا، ويُحاولون الاستيلاء علينا..على حد قول الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى فلا يُمكن أن تنتصر معركة الهمج ضِد الحق».. التيار الإسلامى- أوكما يرى «محمد حسن رمزى»- يُريد أن يُهيمن على الدولة، لهذا يجب أن تقف القوى السياسية والشعب المصرى يداً واحدة لردع هؤلاء المُنافقين والكاذبين، فقرارات رئيس الجمهورية نابعة مِن المُرشد العام لجماعة «الإخوان» المُسلمين وأيضاً مُستشاريه، لتحقيق أهدافهم الشخصية، وهذا ما حدث للدستور، فكيف يخرج دستور جاء مِن نُخبة واحدة وهى التيار الإسلامى فى مُدة لا تتجاوز الـ 48 ساعة؟!
ورغم مُحاولات الدعوة إلى الاتفاق والوحدة والنظر إلى الأمام لأن وطننا للجميع- على حد قول «وفاء عامر»- إلا أنها ترفض أيضاً تخوين «الإخوان» لكُل مَن كان مُختلفاً معهم، فأى اختلاف للرأى لا يدعو للسب والقذف والتطاول، فما يحدث فى البلاد يُعبر عن حياة ميلودرامية نعيشها كُل يوم- على حد قول المُنتج د. «محمد العدل»- بسبب ما نراه مِن جماعتى «الإخوان» و«حازمون»، لذلك لا نحتاج للأعمال الفنية الآن، فيكفينا ما نراه مِن هؤلاء!.
وفى الوقت الذى التزم فيه الجميع بالتعبير عن أى فريق ينتمى له، سواء مع أو ضِد، ظهر أيضاً مَن انتمى لفريقٍ ثالث وهُم «المُقاطعون»، ومِن ضِمنهم الكاتب والمُخرج «خالد يوسف»: «قاطعتُ التصويت على الاستفتاء، قناعةً منى بأن هذا الدستور لا يُمثل أطياف الشعب المصرى الذين ضحوا بدِمائهم مِن أجل الحُرية والكرامة الإنسانية، لتأتى نُخبة لم تُشارك فى الثورة، إلا لتحقيق مَطامعها الشخصية، وبعد ذلك تركت الميدان، واهتمت بالهيمنة على الدولة، وتُحاول الآن سلق دستور بين ليلة وضُحاها».. وهُناك مِن انتمى لفريق رابع وهُم «المُحايدون»، مِثلما اتخذه السيناريست والمُنتج «ممدوح الليثى» بقوله: «لن أُفصح عما قُلته فى التصويت على الاستفتاء لأننى أومن بقاعدة واضحة وهى أن الاستفتاء سرى والنتيجة علنية».
وبصرف النظر عن النتيجة، فإن السيناريوهات المطروحة بعدها تبدو غامضة بالنسبة للكثيرين، فنحنُ كمواطنين لا نعلم أين ستذهب البلاد فى ظِل هذا الحكم على حد قول «تيسير فهمى»، و«هالة فاخر»، و«أشرف عبدالغفور»، و«ممدوح الليثى»، إلا أن الأخير قال: «الشعب المصرى كُل يوم على حال، مُختلف عن اليوم الذى يسبقه، فمصر تعيش حالياً أسوأ أيامها، خاصةً أن إضراب وكلاء النيابة عن العمل يُمثل حادثة هى الأولى مِن نوعها على مُستوى العالم، وهو مِن أسوأ الأشياء التى حدثت فى مصر حتى الآن».. إلا أن هُناك مَن حسم توقعاته للمُستقبل، كما فعل د. «محمد العدل» بقوله: «مُستقبل الوضع فى مصر لن يفرق عن وضعها أثناء دستور ,1930 حيث ستظل المُعارضة لهذا الدستور حتى سقوطه، فالدستور مَعيب لأنه لا يخدم سوى الإخوان، فهو الفصيل الذى يُريد الاستحواذ على كُل شىء، ولكن ستظل المُعارضة مُستمرة، فدستور فرنسا عام 1946 صُدِرَ بنسبة موافقة 53٪، إلا أن فرنسا بسببه استمرت 12 عاما فى حالة توتر سياسى حتى عام 1958 حيث تم إصدار دستور جديد باتفاق الجميع عليه، وهو ما يجب أن يحدث فى مصر».. هذا وإلا - كما صرح الكاتب والسيناريست «محمد صفاء عامر»- ستحدث فى مصر «بلاوى»، وأضاف: «ستزيد حالة الاحتقان فى الشارع المصرى، وستتأزم الأوضاع، خاصة أن المُظاهرات ستملأ الشوارع اعتراضاً على هذه النتيجة، كما سيظل المُجتمع المصرى مُقسما إلى قسمين، فى ظِل وجود ميليشيات وصراعات فى مصر بين القوى الليبرالية والقوى الإسلامية، وهو ما يعنى أن الشعب المصرى وقع فريسة لعِصابة تحاول اختطاف مصر لأنها تتصور أنها ستنفرد بها، وما تقوم به القوى المعارضة سيُعكر صفوها.. أياً كانت النتيجة فلن يتغير الوضع فى مصر- كما قال «يوسف شعبان»- فالنتيجة بـ «نعم» ستُكثف المُعارضة عملها، ويزداد ضيقها بسبب النتيجة التى ستوصف بأنها مُزورة، وبالتالى ستزيد الاعتصامات، وأحداث العُنف والقلق فى الشارع المصرى لأن الوضع سيكون أسوأ مِمَا كان عليه قبل الإستفتاء، وحتى إذا كانت النتيجة بـ «لا» فالإسلاميون أيضاً لن يهدأوا، خاصةً أننا نرى ما يقوم به «حازمون» مِن حرق مقرات أحزاب وحِصار صُحف وقنوات إعلامية.. رغم تشاؤم البعض مِن حدوث أى صراعات دامية، لكن تتخذ «هالة فاخر» الموقف المُضاد له، بقولها: «حتى» وإن تزايدت حالة الاحتقان فى الشارع، سُرعان ما ستهدأ لأن الشعب المصرى سينشغل فى الانتخابات لمجلس الشعب بعدها!.
السيناريوهات القادمة كُلها سوداء، ففى حين يرى «خالد يوسف» أن «ثورة الجياع» قادمة لتقضى على الأخضر واليابس، يرى «الأبنودى» أنه ستحدث حالة مِن «التمرد العام»، أو تقسيم لصِفوف المصريين، وبداية لدولة ظالمة وقمعية وطائفية لن تستقر أبداً» -على حد قول الكاتب والمُخرج «عمرو سلامة»، فإن كان هُناك انفراج قريب فى مصر، فكان حدث هذا أيام «مبارك» قبل «مُرسى» كما صرح «جمال بخيت».. إلا أن مواجهة هذه السيناريوهات اختلفت بين «الاستمرار فى التعبير عن الرفض»- كما تقول «رانيا يوسف»- وبين «الحوار الهادئ»، كما اتخذها كُل مِن «محمد حفظى» والمُطرب والمُلحن «عمرو مُصطفى»، ففى حين قال لنا الأول: «سأتقبل النتيجة بـ نعم، حتى يأتى مجلس الشعب، ويُعدل البنود التى أثارت الجدل، وإن جاءت بـ لا- وآمل فى ذلك- فسيُعاد تشكيل اللجنة التأسيسية مِن جديد، ولكن لن تكون لصالح تيار بعينه، ولكن بشكل توافقى حتى نُخرج دستوراً مُحترماً.. أما الثانى فقال : النتيجة بـ«لا» تعنى أن الرئيس مرسى لديه فُرصة للحِوار مع القوى المُعارضة لكنه لم ينسَ- كعادته- أن يُحذر: إذا كانت النتيجة نعم، فسيتحول الشارع المصرى إلى بِركة مِن الدماء لأن دستور بلا توافق يُساوى بحرا مِن الدماء.. فالشعب المصرى لم يحمد الله على ما كان عليه فى الماضى»!.. فى حين يتخذ «ممدوح الليثى» موقفاً مُخالفاً لكُل ما سبق، فقال: «إذا كانت نتيجة التصويت بـ نعم، فستكون هُناك انتخابات مجلس شعب، وبداية لعمل مؤسسات دستورية، وانتخابات لمجلس الشورى ومجلس الوزراء، ولكن إذا كانت النتيجة بـ لا، فسوف تتأخر هذه الفعاليات لمُدة 7 أو 8 شهور على الأكثر، وهو شىء خطير لأن البلاد فى حالة تخبط».. إلا أن «د. محمد كامل القليوبى» يرى العكس، فقال: «لو ظهرت النتيجة بما لا يُرضى الجميع، فسيفتح هذا النيران على الإخوان، حتى يعودوا إلى جُحورهم مرةً أخرى».