المحاولات الأخيرة لإنقاذ «الدم المصرى» من الحرب الأهلية!
اسلام كمال
يضحك والمصريون يبكون، متفائل والكل متشائم، الثوار والإسلاميون يتناحرون.. وهو يقول إن «الشعب بيحب بعض»، إنه «الفرعون» الذى كان يتصوره البعض «موسى».. ومصر التى قسمها لأول مرة فى التاريخ إلى قسمين يتصادمان ويتزايد الاقتراب من حمام الدم.. بالفعل أصبحت مصر «مصرين»، مصر «الثوار والفلول» وكل معارضى الإعلان الدستورى وحتى الدستور المطروح للاستفتاء ومصر المؤيدة للإعلان.. كلا الفريقين على شفا حرب أهلية حقيقية، رغم أن أحلك فترات مصر لم تشهد إلا انتفاضة الجياع ليومين بخلاف الفتنة الطائفية، أو حتى انقلاب المحلة الذى سبق الثورة!
فمصر الاتحادية والتأسيسية والشورى والمقطم، ليست هى مصر التحرير والمقرات الإخوانية المقتحمة.. والأكثر خسة أن الأمر وصل لتصنيف الشهداء بين الإخوان والثوار، فيزور مرشد الإخوان «محمد بديع» و«أم أحمد» زوجة الرئيس أسرة الشهيد «إسلام مسعود»، ويتوعد قيادات الإخوان من أمام قبر «إسلام» بالقصاص له، بينما لم يذكر أحد الشهيد «جيكا» كأنه ليس مصريا، فهل كان من المفروض أن يكون إخوانيا لا ثوريا حتى نعزى فيه؟!.. بالطبع لا مجال لتصحيح الأوضاع فى كلام مرسى بعد عدة أيام من التفرقة.. بين المصريين! بدعوى أن المصريين كلهم واحد بالنسبة لى.. خاصة أنه وصف بعض المصريين بأنهم «أعداء الثورة» وفاسدون. ومصمم على تقسيم مصر، وبالتالى يمهد لما بعد ذلك من مواجهات دموية، لم يجد سوى الرد عليها بالتهديد والوعيد.. لا الاحتواء!
البعض صدم من هذا الخطاب الذى أطلقوا عليه لقب «حبوا بعض»، بل شبهوه بالحوار العاطفى للرئيس السابق الذى سبق «موقعة الجمل» وبعدها «التنحى».. رغم حرفية خطاب مبارك الذى أثر فى الناس، حتى قلب موازين الميادين الثورية قبل تنحيه، مقارنة بضعف حوار مرسى، إلا أن الأمور مرشحة للتصعيد لا التهدئة، عكس المستهدف من الحوار، وبالتالى نحن فى انتظار «موقعة جمل» جديدة رغم نقل مليونية الإخوان وبعض مؤيديهم من ميدان التشابك «التحرير» إلى ميدانهم الجديد «نهضة مصر»، فالكل فى حالة غضب من المعسكرين، لكن ما يعطل هذه المواجهات الدموية ويزيد ضعف الإخوان هو الانقسام فى المعسكر السلفى، خاصة أن «مادة التحصين» فى الإعلان الدستورى توحد الكثير منهم من خلال الاعتراض عليها!
لا أعرف لماذا يشبه بعض المراقبين «مرسى» بالسادات، فالاختلاف تام للغاية، حتى لو لجأ الاثنان إلى الإجراءات الاستثنائية، خاصة أن الزعيم الراحل كان لديه قوة الاعتذار والتراجع الكيس.. وفى المقابل يصر «مرسى» على تقليد «مبارك» بالاستماع فقط لمن حوله، والمواجهة مع الشعب.. وكان واضحا جدا فى كلام الرئيس المستمر حتى الآن أننا «عايزين نمشى الحال بالإعلان ده لشهرين بس»!
والغريب أن «مرسى» مع سوءات وأخطاء الرؤساء الثلاثة السابقين من ديكتاتورية عبدالناصر المؤقتة وقرارات السادات الصادمة السلبية فى بعض أبعادها، وعنجهية مبارك وشللية وفوبيا مصر الإخوان.. خاصة أن الرئيس الحالى حتى الآن يعانى فيما يبدو من فوبيا انقلابات.. فتخلصه من المشير والفريق فى 24 أغسطس، لم يختلف كثيرا فى استراتيجية اتخاذ قراره بالإعلان الدستورى لإحباط مؤامرة كان يرتب له أشخاص مجهولون رفض الكشف عنهم!
وسط هذه التفرقة بين المصريين من وجهة نظر الجماعة، كان لا يتصور أن تصل التصعيدات والتطاولات إلى جهاز سيادى بتوجيه سياسى إخوانى اتهاما لأحد رتبه بتمويل المظاهرات، رغم أن هذا الجهاز كان قد ساعده فى إنجاز «هدنة غزة» قبل أيام من إشعاله مصر بإعلانه وإصراره على التناطح مع المعارضين لقراراته! فلماذا يصر الإخوان على إثارة الفتنة، ويتكبرون على التراجع، بل يستمرون فى مسيرة إغضاب الناس؟! رغم محاولات التهدئة من بعض المعسكرات الإسلامية!
«الرئيس مرسى» لا يركز فى المبدأ القرآنى الشهير «تلك الأيام نداولها بين الناس»! فقبل ساعات من الثورة كان فى السجن، والآن قبل ثورة أخرى يدعو لها الملايين مبارك يحتضر فى سجنه! فحواره الذى كان من المفروض أن يكون رسالة مطمئنة لمصر أصبح قنبلة جديدة فى وجه الكل.. قلت يا رئيس الجمهورية إن هدفك الاستقرار، فلا نجد إلا فتنة مستمرة!
الإخوان وبالذات «دائرة الرئيس» المغلقة لا تنقل له حقيقة الموقف وتصور له الخارجين ضده على أنهم فلول فاسدون ومسيحيون يكرهون الإسلام وثوار غير واعين وصفوهم بالبلطجية، وبالتالى فإن المحصلة هى الإصرار على موقفه، بل إثارتهم أكثر بطرح الدستور للاستفتاء فى أزمة تاريخية، متصورا أنه يسجن المصريين بين خيارين.. إما الإعلان الدستورى أو الدستور الإخوانى، لكن إضراب القضاة عن الإشراف على هذا الاستفتاء وما يعقبه من انتخابات برلمانية أعاد الاتزان لميادين التحرير الثائرة ضد مرسى، ودعم دعوات الإضراب العام والعصيان المدنى.. الذى كان إضراب عمال مترو الأنفاق وعدم نزول الموظفين لأعمالهم يوم مليونية الثلاثاء التاريخية «بروفة جنرال» له!
ورفض أحرار المصريين الذين يأتى فى مقدمتهم القضاة شائعات إشراف أساتذة الجامعات على استفتاء الدستور.. لأنه غير دستورى وفق الإعلان الدستورى الأول المستفتى عليه فى 19 مارس، بل رفضوا أيضا محاولات تهديدهم التى وصلت إلى تجويعهم بالحديث عن وقف رواتبهم، وشن حملات تشهير ضدهم بكل تياراتهم نادى القضاة واستقلال القضاة!
وعلى نفس طريقة «فوبيا الإخوان» عارض الرئيس قراره بتعجيل إنهاء أعمال التأسيسية «المسودة النهائية للدستور»، وكان شكل «الغريانى» الذى يتحدث عن مصر أخرى فى غاية الاستفزاز.. وترقب طرح الدستور للاستفتاء بقرار جمهورى رغم أنه منح الجمعية وفق مطالب القوى المختلفة - كما قال - مهلة إضافية شهرين بداية من 12 ديسمبر.. وكل هذا بسبب الأحكام المصيرية المرتقبة غدا الأحد.. فهل جاءت مفاجئة له ومستشاريه الذين لا يستشيرهم؟!
وملح جدا أن نطرح على الرئيس تساؤلا حول حقيقة أنه يرى أن 90٪ من المصريين يؤيدون الإعلان الدستورى، ولماذا اضطررتم إلى تغيير اسم مليونية السبت إلى «الشريعة والشرعية»؟!
يجب أن تستفيد من أجهزتك التى تتابع المصريين لمعرفة حقيقة الأمر، وهو أن معسكر الإسلاميين منقسم أساسا على نفسه، ولا تستطيعون تجميع السلفيين إلا كالعادة بالحديث عن الشرعية، بعدما رفضوا الحشد تحت شعار تأييد الإعلان الدستورى.. فهل هناك مصر أخرى تتحدث عنها سيادة الرئيس الضاحك، خاصة أن ملايين خرجوا ضدك فى مليونية «للثورة شعب يحميها»، وياليتك تفهم هذه الرسالة حتى لا تسقط مصر فى هاوية لن تصعد منها إلا بعد نحو عشرين سنة.. فهذا هو الخطر الداهم من «لبننة مصر»! الذى يرعب اللبنانيين أنفسهم!
وإجمالا فإن الجيش ضد مبدأ «المِصْرَيْن»، فهناك مصر واحدة بالنسبة لكل الأحرار.. لا الجيش ولا الشرطة استفادت من أحداث 25 و28 يناير، وبدا ذلك فى رفض الكثير من القيادات الأمنية تأمين مقرات حزب الحرية والعدالة بالمحافظات، وأكثر من ذلك كان مشهد خروج جيران مقر الحرية والعدالة بالإسكندرية لإلقاء المحتويات من البلكونات فى الشارع تعبيرا عن الاعتراض الشعبى ضد عنجهية الإخوان ورئيسهم ومرشدهم، التى ينكرها مرسى وشلته على اعتبار أن هؤلاء ليسوا مصريين وأعداء للوطن.
حتى لا ننسى فإن مصر حرمت من 1,12 مليار دولار و5 مليارات يورو وتعطل قرض البنك الدولى 8,4 مليار دولار، وخسرت البورصة فى 3 أيام حوالى 50 مليار جنيه، فهل هذا الاستقرار الذى يريده الرئيس وهل هذه المساندة التى تشعرها بها رغم أنها غير موجودة أساسا؟!
وبعيدا عن مساندة شخص على حساب الآخر، فقارنوا بين خطاب البرادعى أو «عم شكشك» كما يلقبه الإخوان والإسلاميون وخطاب مرسى حتى تعرفوا إلى أين نحن ذاهبون.. ربنا يستر!