الأحد 13 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«شهرزاد» تلاعب رجال الدولة بالخاتم والسيف والطرطور

«شهرزاد» تلاعب رجال الدولة  بالخاتم والسيف والطرطور
«شهرزاد» تلاعب رجال الدولة بالخاتم والسيف والطرطور



 
 

نار الغيرة عندما تشتعل فى قلب امرأة تعمى عينيها عن كل ما يدور حولها، حتى لو كانت «أميرة»، أميرة تملك السلطة والجاه، فتدفعها حماقتها لحرق ملكها، ليس لشىء سوى أنها انتصرت لأهوائها، وغلبت مصلحتها الشخصية على مصلحة الوطن فتسببت فى دماره!

 

هذه هى حصيلة  مشاهدتى  لمسرحية - أو الأوبريت الغنائى -  «شهرزاد» التى  استأنف بها مركز الهناجر بدار الأوبرا المصرية نشاطه المسرحى.
 

 
 

الأوبريت من إبداع العمالقة الثلاثة «سيد درويش» سابق عصره وأوانه فى لغة  الموسيقى الشرقية و«بيرم التونسى» الموجوع بالوطن  والذى عبر فى كل كلمة كتبها - سواء فى  هذا الأوبريت أو فى أى  من أعماله التى تحتل قائمة طويلة-  عن هموم الوطن المسكون به، و«عزيز عيد» الذى ربط دراميا بين  كلام «التونسى» وألحان «درويش» فخرجت ملحمة غنائية درامية  خالدة بقى عطرها إلى الآن. هذا العطر إلى جانب تشجيع قوى من د.«هدى وصفى» - أول مدير لمركز الهناجر - والتى كانت تعتبر «شهرزاد» مشروعها الشخصى وراء تمسك فريق العمل بخروج مشروعهم- الذى تأجل طويلا - إلى النور وساهم فى ذلك «هشام عطوة» المدير الحالى للمركز والذى شهد المشروع منذ أن كان مجرد فكرة على الورق قبل أن يتحول إلى لحم  ودم  ينبض على خشبة المسرح.

 

 

الأوبريت أعاد الروح من جديد إلى المسرح الغنائى الذى افتقدناه طويلا، نظرا لضخامة تكاليفه، رغم أن ما رأيته فى أوبريت «شهرزاد» يؤكد أنه من الممكن أن ننفذ عملا غنائيا بتكلفة بسيطة، صحيح أن ضعف الميزانية لا ينتج عنه إلا عمل هزيل خال من الإبهار الذى يتمناه فريق العمل مثلما رأينا فى مسرحيات «شريهان» و«نيللى»، ولكن كما يقولون: «أحسن من مفيش»،  فبرغم ضعف الإمكانيات إلا أن المخرج «أحمد عبدالجليل» ومعه «هشام عطوة» مدير مركز الهناجر حاولا تقديم عمل غنائى مقبول يكفى فيه شرف المحاولة والاجتهاد الواضح من كل عناصر العمل بداية من الواقفين خلف الكواليس  من فنيين ومساعدين وانتهاء بأبطال العمل، رغم أنه ليس من بينهم نجم شباك، فإن اختيار المخرج لكل منهم كان موفقا لأن الاختيار تم على أساس الموهبة، بصرف النظر عن النجومية التى لها متطلباتها التى قد يعجز أبطال الأوبريت عن التفاعل معها، ولكن يبقى أن كلاً منهم كان فى مكانه الصحيح وكان الممثل المناسب فى الدور المناسب وعلى رأسهم أستاذ التمثيل د. «محمد عبدالمعطى» الذى تنبض عروقه تمثيلا وتقمصا للشخصية، فأجاد فى دور الباشسنجق «قرة آدم» بألاعيبه البهلوانية التى تتطلبها لعبة السياسة القذرة والتى أمامها تسقط القيم والمبادئ - إذا كانت موجودة فى الأصل - مقابل المصالح  الشخصية وهى نفس طبيعة الشخصية التى أجاد فيها «أيمن  الشيوى» فى دور «الوزير» بلهجته السورية التى تفوق فيها.
 

 
 

ولم يشعرنا بأنه يبذل مجهودا أو يعانى فى النطق بها، كما كان لملامحه التى تجيد نقل الدهاء السياسى دور كبير فى إتقانه للدور الذى اعتاد على تقديمه مثل هذه النوعية، ونجح فيها وأبرزها دوره فى فيلم «همام فى أمستردام».

 

مفاجأة  المسرحية فى أصواتها الثلاثة فهم بالفعل مشاريع نجوم يستحقون عشرة أضعاف ما وصلوا إليه، لكن للأسف لا كرامة لموهبة فى مجالها، فالأصوات هى «وليد حيدر» الذى قام بدور «زعبلة» الجندى البسيط الذى تحول فى غمضة عين إلى قائد الجيوش بسبب وقوع الأميرة «شهرزاد» فى غرامه، إلا أنها جردته من منصبه  ورتبه وألقابه، بعد أن علمت بحبه للجارية «حورية» وتمسكه  بها رافضا إغراءات الأميرة.. «حورية»  التى تؤدى دورها «نهاد فتحى» هى ثانى الأصوات الرائعة التى أجادت الغناء لكنها كانت تمثيلا متواضعة إلى حد ما بخلاف «حيدر» الذى تعامل مع الدور كأنه عجينة صلصال يشكلها كيفما يريد بإجادة عالية مثله تمامًا «رحاب عمر» الصوت الثالث التى أدت دور «شهرزاد» رغم أنها فى بداية العرض كان إحساسها - إلى حد ما - فاترا زادت حرارته مع الدخول إلى عمق الشخصية.

 

فطوعت الأداء لصالحها، وكانت فى أعلى حالاتها التمثيلية فى مشهد التآمر على مقتل قائد الجيوش «زعبلة» بحضور كل رجال دولتها الذين كانت «تلاعبهم» بالخاتم- وهو خاتم الملك الذى يؤهل صاحبه لتولى أرفع المناصب - و«بسيف» والدها البتار الذى تمنحه لمن يقود جيشها وتعتبره تميمة الحروب، والذى يجلب النصر لوطنها و«طرطور» الحكم الذى يرتديه بأمرها كبار القادة تمنحه لمن تريد وتخلعه عمن تريد.

 

أغانى الأوبريت هى أروع ما فيه والتى أعاد توزيع موسيقاها «وليد حيدر» و«عبدالله رجال» وكانت معبرة ليست فقط عن الفترة التى صنعت فيها وهى  فترة العشرينيات من القرن الماضى أيام الاحتلال الإنجليزى، ولكن معبرة عما نعيشه الآن وكأنها صيغت خصيصا لعصرنا هذا، خاصة أغانى «أنا المصرى.. كريم العنصرين.. بنيت المجد بين الأهرمين.. جدودى.. أنشأوا العالم العجيب.. ومجرى النيل فى الوادى الخصيب» و«أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا.. وقت الشدايد تعالى شوفنا.. ساعة ما نلمح جيش  الأعادى.. نهجم ولا أى شىء يحوشنا» تحية واجبة لفريق العمل على ما قدموه، لكن هناك بعض الملاحظات التى لا يجب إغفالها، فالديكور فقير جدا ولا أتكلم عن بساطته، فلا يضر أن يكون بسيطا ومعبرا،  ولكن المشكلة أنه بسيط ومهترئ، فالحلية الساتان الملونة الموجودة على البنطلونات السوداء فى جوانب المسرح ممزقة ولا تليق بقصر أميرة، كذلك الملابس  فقيرة جدا ورديئة  الصنع بدليل أن شرائط الجنود الموجودة فى ستراتهم كانت تتدلى من على صدورهم وكانت تحتاج إلى تثبيت، كذلك كان هناك نقص  فى الطرابيش وهو ما شوه اللوحة التى تجمع كل الجنود، أيضا الفرقة الاستعراضية كانت أكثر تواضعا شكلا وموضوعا، فكان يجب حسن الاختيار لأنهم من المفترض أن يكونوا العنصر الأقوى المرتبط بطبيعة العمل الغنائى الاستعراضى، الجوارى ضعيفات، خاصة من تمثل السودانية والسورية والتترية وكان يبدو عليهن أنهن جئن للتهريج وليس للتمثيل، ولكن يشفع للتترية حلاوة صوتها وكان أصدق تشبيه قيل عن الجوارى أنهن «حديقة الديناصورات»، كذلك فى مشهد الجنود أثناء الحراسة لا يجوز حمل سلاحين سواء فى العرض أو الخدمة، لكنهم على المسرح كانوا يحملون السيف والبندقية، وهو ما يخالف الواقع.

 

اللزمة الجميلة التى كان يرددها الباشسنجق «قرة آدم» طوال المسرحية والتى يقول فيها: «ها أخرب يمين.. ها أخرب شمال وخازوق فى المنتصف ثم انتصااار».. كانت الأكثر إضحاكا فى المسرحية. أيضا يجب أن نوجه التحية لـ«قمع الدولة» لخفة ظله وبساطة أدائه الذى قام بدوره «وائل زكى» وكذلك «أحمد أبوعميرة» فى دور «مخمخ» و«محمد السعداوى» فى دور «البوسطجى».

 

بقى أن نقول إنه مهما رأينا «شهرزاد»، إلا أن «شهرزاد» «سعاد حسنى» التى قدمت صورة منها فى فيلم «أميرة حبى أنا» ستبقى دوما فى الذاكرة. ∎