قصة الطفل الــذى كتـم أنفاس الأقباط!
مايكل عادل
بعد أن عادت الزغاريد للكنيسة المصرية بعد حداد طويل على وفاة البابا شنودة يستقبل الأقباط الأرثوذكس البابا المرتقب الذى تنتظره ملفات غاية فى الصعوبة وأزمات ملحة منها هوية الكنيسة وحدود البابا وفعالية مشاركة الأقباط، فمع دقات الساعة الثامنة صباح غد الأحد 4 نوفمبر.. تدق أجراس الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لبدء وقائع القداس الإلهى الذى يسبق إجراء القرعة الهيكلية لاختيار خليفة شنودة، ويتوافد عدد من الأقباط الذين حصلوا على دعوات خاصة لحضور هذا القداس فضلاً عن وجود جميع أساقفة الكنيسة القبطية فى مصر وخارجها، وأثناء تلاوة الصلوات الحارة من قبل الحضور يطلبون من الله أن يختار للكنيسة المصرية راعياً صالحا يقودها إلى الإيمان والأمان.
مع تلك اللحظات.. تكون أعين وآذان العالم تتجه نحو مصر وخاصة داخل الكاتدرائية، وسط ترقب وتأهب عالمى بين رؤساء الدول وكنائس العالم وتشوقاً لمعرفة من سيجلس على كرسى مارمرقس الرسول، باختيار طفل برىء يحدد مصير الكنيسة والأقباط خلال السنوات المقبلة.
عقب انتهاء القداس وفى لحظات ينتظرها الجميع يعلن القائمقام البطريرك الأنبا باخوميوس اسم الطفل الذى تم اختياره من ضمن 100 طفل تقدموا لنيل هذا العمل الذى يعد تاريخياً بالنسبة له ولأسرته، ومن الشروط الواجب توافرها فى الطفل الذى سيسحب الورقة التى تحمل اسم البابا الجديد أن يتراوح عمره ما بين7 سنوات و12 سنة وهى سن الإدراك وأن يكون قد تمت رسامته شماسا.
وبعد إعلان اسم الطفل «المحظوظ» يقوم الأنبا باخوميوس بعرض ثلاث ورقات بيضاء فى كل واحدة منها مكتوب اسم المرشح، حيث الورقة الأولى سوف تحمل اسم الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة والذى حصل على أعلى الأصوات، والثانية ستحمل اسم الأنبا تاوضروس أسقف عام البحيرة والذى جاء بالمركز الثانى، أما الورقة الثالثة فتحمل اسم القمص رافائيل أفامينا.
وأمام جميع الحضور يضع الأنبا باخوميوس الثلاث ورقات بعد ضغطها ولفها فى إناء أو صندوق شفاف بنفس الطريقة للثلاث، فلن تكون هناك ورقة غير الأخرى، وبدون أى تدخلات فى اختيار الطفل حيث سيكون بالانتخاب، ويطلب من الناس فى الكاتدرائية والمنازل تلاوة صلاة «كيرياليسون» وتعنى يارب ارحم، ثم يأتى الطفل وهو معصوب العينين أمام الإناء الذى يحمل الثلاث ورقات لتأتى اللحظة التى يختار فيها الطفل الورقة التى بها البابا الجديد.. وبعد إعلان اسم البابا الجديد يقوم الأنبا باخوميوس بعرض الورقتين الباقيتين أمام الحضور وكاميرات الفضائيات لسد الطريق على المشككين فى إجراء القرعة الهيكلية.
القرعة يتم إجراؤها أسوة بالرسل الأوائل فى عصر الكنيسة الأولى، حين تم اختيار 7 أشخاص مشهود لهم بالتقوى ثم يتم اختيار واحد منهم، وهذه القرعة تم تطبيقها فى مصر باستمرار منذ عهد البابا كرولس وتبعه البابا شنودة، أما قبل ذلك فكانت تطبق القرعة على فترات متقطعة ومتباعدة، وكان البابا يعين من قبل البابا الذى يسبقه أو باختيار أساقفة الكنيسة.
ويأتى يوم الأحد 18 نوفمبر الجارى.. اليوم الذى سيكون عيداً للبابا الجديد وللأقباط جميعاً.. يوم تجليس البابا على الكرسى.. حيث سيشهد حضور عدد كبير من كبار رجال الدولة والشخصيات العامة فى مصر ورؤساء الكنائس والطوائف المسيحية فى العالم كله، وسوف يلقى البابا الجديد أول خطاباته ليعبر عن نفسه أمام الجميع.
وقبل إجراء القرعة الهيكلية بينهم، وقبل ذهابهم للدير للخلوة حصلت «روزاليوسف» على بعض الكلمات من الثلاثة.. من الذى سيكون البابا؟، الثلاثة المرشحون أكدوا فى كلامهم أنهم أخوة أحباء لا صراع بينهم على الكرسى وسيظل كل واحد منهم قيمة كبيرة فى الكنيسة حيث قال الأنبا رافائيل: «إننى أصلى حتى لا أكون البابا ولكن لتكن مشيئته، لأن هذا المنصب مسئولية كبيرة وتاج شوك فلهذا المنصب هيبته لأنه سيكون راعيا لنفوس كثيرة»، أما الأنبا تاوضروس فجاءت كلمته محددة وواضحة بقوله: «الشباب» والعيش المشترك على رأس أولوياتى، فيما قال القمص رافائيل أفا مينا: «يد الله ستختار البابا ودعوه يختار كما يشاء.. والكنيسة محفوظة فى يد الله مع أى بطريرك يأتى».
وكشف الأنبا باخوميوس القائمقام البطريرك فى تصريحاته لنا أنه وجه دعوة رسمية إلى الرئيس محمد مرسى لحضور حفل تنصيب البابا الجديد، وقال: «وجهت دعوتين للرئيس واحدة شفهية وأخرى ستكون رسمية، حين التقينا معه كوفد رجال دين مسلمين ومسيحيين، وأبدى اهتماما بما يجرى فى الكنيسة ووعد إذا سمح وقته بحضور حفل التنصيب، وقال لى «على الأقل سأحضر لزيارتكم فى وقت لاحق عقب انتخابات البابا الجديد إذا لم أحضر حفل التنصيب».
فى الوقت ذاته أعد التيار العلمانى بقيادة كمال زاخر موسى لائحة سيقوم بتقديمها وتوجيهها للبابا الجديد، شملت عدداً من البنود، أبرزها استحداث منصب النائب، وهو منصب إدارى يضبط الحركة داخل الكنيسة فى الفترات الانتقالية التى تعقب خلو الكرسى البابوى، وفترات غياب البابا لمختلف الأسباب، وإلغاء منصب قائم مقام البطريرك، باعتباره أحد موروثات دولة الطوائف والملل وعدم ملاءمته للعصر، واستحداث نظام الدوائر المتخصصة فى مجالات عمل الكنيسة المختلفة كخطوة ضرورية للتحول من النظام الفردى فى قيادة الكنيسة إلى النظام الجماعى والمؤسسى.
بابا الكنيسة الجديد تنتظره ملفات عديدة وحساسة للغاية، تركها البابا شنودة دون حل، وتبلورت أخرى مع الوقت خلال الفترة الأخيرة، ولكن يأتى السؤال هل سيكون للبابا الجديد دور فى حل هذه القضايا والمشكلات فى ظل صعود التيارات الإسلامية للحكم؟!
وقبل الإجابة عن هذا السؤال المهم يجب أن نعرف أنه على رأس تلك الملفات قضية بناء الكنائس وقانون دور العبادة الموحد الذى لم يظهر للنور منذ سنوات عديدة، وأيضاً قانون الأحوال الشخصية، وقضايا الطلاق والزواج، وقضية الذهاب إلى القدس الذى ينادى بها الأقباط، فضلاً عن قضايا «الأسلمة واختفاء الفتيات المسيحيات» التى تضع الكنيسة فى مأزق مع رعاياها والدولة.
وفى الوقت الذى تتجه فى الأنظار إلى الطفل الذى يختار البابا الجديد، كان المهندس أيمن منير كامل بطل مشهد القرعة الهيكلية فى السبعينيات حينما اختار الأنبا شنودة أسقف التعليم ليكون البابا شنودة الثالث، لايزال متذكرا هذا اليوم على الرغم من مرور 42 عاما، حيث قال لنا: «اختيارى للقرعة الهيكلية وراءه قصة عجيبة، فعائلتى لم تستطع وقتها دخول مقر الكاتدرائية بسبب الزحام الشديد، غير أن القائمقام وقتها، الأنبا أنطونيوس، وجد بالصدفة أن جميع الأطفال الموجودين فى الكاتدرائية أكبر منى سنا، وكان عمرى وقتها أقل من 6 سنوات، فقرر فتح الأبواب لأطفال أصغر لإجراء القرعة.
وأكد أن جميع الأطفال تمت تغطية أعينهم بشريط «ستان» وتم اختياره لكى يقوم باختيار ورقة واحدة من بين ثلاثة ورقات مشمعة بالشمع الأحمر بها كل من «الأنبا تيموثاوس» و«صموئيل» و«شنودة» ووقع الاختيار على الأخير على الرغم من حصوله على أقل الأصوات وقتها وكان الأعلى فى الأصوات هو الأنبا صموئيل.
وأوضح أن الطفل يتم اختياره لأنه لا ينتمى لأى شخص أو اتجاه داخل الكنيسة مؤكدا على أن القائمام الأنبا أنطونيوس وقتها قام بكشف الورقتين الأخريين أمام مسمع ومرأى من الحضور حتى يزيل أى تشكيك وشائعات فى ظل وجود ممثلين من رئاسة الجمهورية وأمن الدولة والداخلية.
كان أيمن منير قد نفى فى حوارات تليفزيونية شائعات بأن جهاز «أمن الدولة» حثه على اختيار البابا شنودة لمنصبه لاعتبارات سياسية حينها وقال إنه كان معصوب العينين بشدة.. وهاجم هيكل لترديد هذه الشائعات.