«استقلال القضاء» يرتدى «البدلة الحمرا»!

وفاء شعيرة
ما لبثت أن هدأت أزمة دمج الهيئات القضائية فى اللجنة التأسيسية للدستور حتى انفجرت أزمة «ندب القضاة» التى أثارت جدلا فى الساحة القضائية، وتعود تفاصيلها إلى قصة منتشرة بين القضاة هذه الأيام لقاضى تحقيق اعتذر عن التحقيق مع أحد الوزراء الموجودين فى سجن طرة لشعوره بالحرج الشديد لأنه كان منتدبا للوزارة أثناء تولى هذا الوزير للوزارة قبل تنحى مبارك.
فالكثيرون من القضاة يعتبرون أن ندب القضاة كمستشارين لوزارات وهيئات حكومية وبنوك وطنية إخلال بمبدأ العدالة ولهذا يجب أن نضع نصا فى الدستور الجديد يحظر ندب القضاة، بينما يرى بعض القضاة أن ندب القضاة للجهات الحكومية والوزارات هو إثراء قانونى لهذه الجهات.
ومع اختلاف آراء القضاة حول الندب، فإن الجمعية التأسيسية التى تقوم حاليا بإعداد الدستور تواجه أزمة حقيقية فى باب السلطة القضائية الذى تناقشه منذ عدة أسابيع، ليست الأزمة فى دمج الهيئات القضائية فقط، وإنما بسبب ندب القضاة والمستشارين ووكلاء النيابة كمستشارين لوزارات حكومية إلى جانب عملهم.
فبعد أن أقرت الجمعية بحظر ندب المستشارين قامت بإعادة القرار للمناقشة مرة أخرى بناء على طلب عدد قليل من المستشارين المؤيدين للندب.
وهذه الأزمة جعلت عددا من نوادى القضاة تصدر قرارات بعقد جمعيات عمومية طارئة لنظر قضية استقلال القضاء فى الدستور الجديد وندب القضاة.
المستشار أيمن عبدالغنى - عضو لجنة الدعم الفنى للجمعية التأسيسية قال لنا: بلا شك غالبية رجال القضاء يطالبون بمنع ندب القضاة لأنه لو لم يؤد إلى مفاسد فهو يؤدى إلى شبهات يقع فيها القاضى، كما أنه قد يؤدى إلى تدخل السلطة التنفيذية وهى الوزارة المنتدب إليها القاضى فى السلطة القضائية.
ومن المعروف أن السلطة التنفيذية طرف فى العديد من المنازعات القضائية، وبالتالى يجب أن يكون القاضى بعيدا تماما عن أى طرف فى الخصومة أو يتلقى منه مقابلا ماديا حتى لا يبرز ذلك فى أى إملاءات تملى عليه أثناء مباشرة عمله.
وأضاف: إذا قلنا إنه يمكن للقاضى أن يتنحى عن نظر القضايا المقامة أمامه التى تخص الجهة المنتدب إليها، فهذا يثير تساؤلا عن ازدواجية الانتماء المهنى، ولهذا يجب أن يكون القاضى للمنصة فقط دون أى وجه آخر.
وقال عبدالغنى: بعد أن انتهت الجمعية التأسيسية من إلغاء ندب القضاة لأنه يجب أن يكون القاضى مستقلا، ظهرت أصوات تنادى بالإبقاء على الندب بدعوى أن الندب عمل قضائى يدخل فى مهام الوظيفة القضائية للقاضى، رغم أنه فى الحقيقة عمل استشارى بمقابل مادى ومادمنا ننادى باستقلال القضاء فعلينا أن نغلق باب الشبهات وإلغاء الندب.
وأكد المستشار عبدالغنى أنه لا يمكن أن يقول إن القاضى المنتدب غير محايد لأنه لم ير هذا طوال عمله، لكنه يطالب فقط بإبعاد الشبهات عن القضاة.. ولابد أن نفصل بين الرأى القانونى الذى يبديه المستشارون فى موضوع ما للجهة المنتدب إليها وبين الغاية الحقيقية من وراء التصرف فى القرار الذى يصدره رئيس الجهة المنتدب إليها المستشار، وما قد تكون الغاية تحصيل مصالح خاصة والمثال على ذلك بيع الأراضى..لو نظرنا لتحديد ثمن المتر بالأراضى من خلال لجان متخصصة، وهناك لجان أخرى مختصة بتحديد كيفية التعامل مع العملاء الذين يشترون الأرض.
فبعد موافقة الجهة المنتدب إليها المستشار على الثمن وكيفية التعامل يعرض العقد على المستشار لإبداء الرأى، وهنا يبدى رأيه القانونى على أركان العقد.
ولدينا أمثلة أخرى منها عقود خصخصة شركات القطاع العام التى أبطلها قضاء مجلس الدولة على الرغم من سابقة الإشراف عليها من مستشارين منتدبين لذات الجهات التى قامت بالخصخصة، وهنا تقع المسئولية على الرئيس الأعلى للجهة الإدارية المنتدب إليها القاضى دون أدنى مسئولية على المستشار المنتدب لأن عمله فى هذه الجهة الإدارية لا يخضع للتفتيش أو المراقبة.
وفى هذا الإطار تشهد محاكم مجلس الدولة بين الحين والآخر قضايا يقيمها محامون أو مواطنون يطالبون فيها بإصدار حكم قضائى بإلزام وزير العدل ورئيس مجلس الدولة بإلغاء ندب المستشارين للوزارات، ومن هذه القضايا التى مازالت تتداولها محكمة القضاء الإدارى الدعوى التى أقامها محام ضد رئيس مجلس الدولة طالب فى نهايتها بإصدار حكم بإلغاء جميع قرارات ندب مستشارى مجلس الدولة للجهات الحكومية والوزارات لأنه يؤدى لتوافر العديد من حالات عدم صلاحية القضاة لنظر النزاع، فضلا عن تمام الندب فى العديد من الحالات دون علم مجلس الدولة.
وأعدت هيئة المفوضين تقريرا قانونيا فى هذه الدعوى وطالبت فيه محكمة القضاء الإدارى بإصدار حكم برفض هذه الدعوى.
وقالت هيئة المفوضين: نصت المادة 88 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972: «يجوز ندب أعضاء مجلس الدولة كل الوقت أو فى غير أوقات العمل الرسمية أو إعادتهم للقيام بأعمال قضائية أو قانونية لوزارات الحكومة ومصالحها أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة، وذلك بقرار من رئيس مجلس الدولة بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية على أن يتولى المجلس وحده تحديد المكافأة التى يستحقها العضو المنتدب أو المعار عن هذه الأعمال.
أما بالنسبة إلى الهيئات أو اللجان التى يرأسها أو يشترك فى عضويتها بحكم القانون أحد أعضاء مجلس الدولة فيكون الندب لها بقرار من رئيس المجلس، كما تجوز إعارة أعضاء مجلس الدولة للقيام بأعمال قضائية أو قانونية للحكومات الأجنبية أو للهيئات الدولية، وذلك بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
وقالت هيئة المفوضين إن محكمة القضاء الإدارى سبق أن أصدرت عدة أحكام أكدت أن القانون أجاز ندب المستشارين والقضاة كل الوقت أو فى غير أوقات العمل الرسمية للوزارات ومصالحها والهيئات والمؤسسات العامة للقيام بأعمال قضائية أو قانونية بها، وذلك بهدف إثراء العمل القانونى بخبراتهم التى اكتسبوها من عملهم القضائى أو اطلاعهم الدائم على القوانين الصادرة فى جميع المجالات والقضايا التى فصلوا فيها والفتاوى التى قاموا بإعدادها.
ويوضح المستشار وليد الطنانى أنه سبق أن أصدر المجلس الخاص قراراً بألا يجوز أن يندب أى من مستشارى المجلس بأقل من 60٪ من راتبه،والحقيقة أن الكثير من المستشارين يحصلون على أكثر من 200٪ من مرتباتهم وأن نسبة هؤلاء المستشارين تمثل من 12ــ 13٪ من عدد مستشارى المجلس والحقيقة لا يوجد قواعد لندب المستشارين،فهناك مستشار حديث بدرجة مندوب مساعد بالتأكيد ليست لديه خبرة مستشار أو نائب رئيس مجلس الدولة بخبرة مستشار لوزير أو رئيس هيئة.
لابد أن نؤكد أن هذا الانتداب يخل بكرامة القاضى وهيبته واستقلاله فكيف أكون قاضيا منتدبا فى وزارة أو وزارتين يرانى موظفو هذه الجهة المنتدب إليها اليوم فى الجهة وغدا يروننى جالسا على منصة القضاء وكيف يثقون فىّ، فلا توجد أى دولة فى العالم تسمح بانتداب القضاة،ماعدا فرنسا ولكن فى ظروف قاسية جدا بمعنى أن القاضى المنتدب لا يحصل على أى مقابل مادى للجهة المنتدب إليها وأن الانتداب يكون لمدة قصيرة ومحدودة.
وأكد الطنانى أن ندب القضاة يتم بناء على العلاقات الشخصية بين القاضى والوزير أو رئيس الهيئة فقط دون النظر فى الكثير من الأحيان إلى خبرة القاضى.
ويقول المستشار الطنانى: ومع وجود محاولات من بعض القضاة على إبقاء ندب فى الدستور وقانون القضاة بدأ عدد من نوادى القضاة الاستعداد لعقد جمعيات عمومية غير عادية لطرح هذا الندب على أعضائها لتأكيد رفضهم الندب، ولهذا عقد نادى مجلس الدولة جمعية عمومية غير عادية أمس الجمعة فيما قال لنا أحد القضاة المنتدبين والذى - رفض ذكر اسمه - يجب من أجل مصلحة البلاد عدم منع انتداب القضاة لأن هذا الانتداب يقلل من الأخطاء القانونية التى تقع فيها الوزارات والجهات والهيئات، وإذا كان البعض يقول إن الندب يؤثر على استقلال القضاة أقول هذا غير صحيح والدليل على ذلك أن عددا من مستشارى مجلس الدولة منتدبون فى العديد من الجهات وأن مجلس الدولة حكم بإلغاء انتخاب دوائر العديد من مجلس الشعب فى أعوام 2000 و2005 و2010 رغم أن بعض المستشارين الذين أصدروا الأحكام كانوا منتدبين لمجلس شعب ووزارات سيادية فأين هذا التأثير أو عدم الاستقلالية؟!
ووأضاف الطنانى: إذا كان لابد من إلغاء ندب القضاة والمستشارين للوزارات والجهات الحكومية فعلينا قبل إلغاء الندب تفعيل قسم التشريع فى مجلس الدولة وإلزام جميع الوزارات والجهات الحكومية بعرض جميع القرارات على هذا القسم،وضرورى أيضا تفعيل إدارات الفتوى بالوزارات التابعة لمجلس الدولة.
من جانبه قال لنا المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاة الأسبق: طوال عمرى وأنا ضد ندب القضاة وغير مقبول أن يعمل أى مستشار أو قاض فى عمل غير العمل القضائى لأن الندب يعنى تدخل السلطة التنفيذية فى السلطة القضائية وهذا مرفوض ويجب الفصل بين السلطات وتستطيع أى وزارة أو هيئة أو بنك الاستعانة بمستشارى هيئة قضايا الدولة أو النيابة الإدارية،أما القاضى الجالس على المنصة فيجب أن يترفع عن أى عمل آخر غير عمله.
بالإضافة إلى ضرورة التفرغ للفصل فى القضايا المتراكمة أمامه وسرعة الفصل فيها.
وإذا كان أى قاض يريد الندب فعليه أن يفصل من منصبه ليذهب للعمل مستشارا لأى جهة.