الثلاثاء 13 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أحسنت.. مُخرجنا القدير

من (دائرة الانتقام) حتى (أوغسطينوس ابن دموعها).. رحلة استمرت لأربعين عامًا، صَنع خلالها المُخرجُ الراحل الكبير «سمير سيف» أفلامًا حقق بها المعادلة الصعبة ما بين النجاح الفنى والتجارى،  نجح فى تقديم مختلف نوعيات السينما، أكشن، كوميدى،  اجتماعى،  رومانسى،  استعراضى،  سياسى. نجح فى تغيير جلد فنانين كبار، نجح فى إمتاع عقل وقلب المشاهدين. برحيل «سمير سيف» تفتقد السينما المصرية مُخرجًا متمكنًا من أدواته، واعيًا لمتطلبات الجمهور، مدركًا لقيمة طرح كل فكرة فى توقيتها الصحيح.



فى سينما الراحل «سمير سيف»، كثيرًا ما نرى رسائل ضمنية وقضايا اجتماعية هامة مَقدَّمه ضمْن الأحداث وفى خلفيتها، حتى إن العديد من هذه الأعمال، ومنها المسلسلات على وجه الخصوص، صُنفت بأنها أعمال سياسية، وعن هذا تحديدًا يقول الناقد «محمود عبدالشكور»: «إن «سيف» يهتم أساسًا وعمومًا بالدراما، وهى التى تجذبه، وارتباط أعماله بالسياسة جاء مشتركًا مع الكاتب «وحيد حامد» الذى قدّم معه مجموعة من أهم أفلامه على الإطلاق، مثل:(الراقصة والسياسى،  معالى الوزير)، ومسلسلات (أوان الورد، سَفر الأحلام)، والأفلام المهمة جدّا (آخر الرجال المحترمين وديل السمكة) وأيضًا (الغول) الذى أثارت نهايته مشكلة سياسية كبيرة جدّا، فهذه الأعمال تحتفظ بقيمتها ولا يمكن تجاهلها عند ذكر الفن المصرى عمومًا وعند ذكر «وحيد حامد» أو «سمير سيف» الذى كان العامل الأساسى فى أعماله ليس تصنيفها بقدر اهتمامها بالدراما، فهو من المُخرجين القلائل الذين يفهمون ماذا تعنى الدراما، ويبدو أن «وحيد حامد» اكتشف هذا الأمْر فخصه بأهم كتاباته على الإطلاق». وأضاف «عبدالشكور»: «إن أهم ما يميز أفلام سمير سيف هو؛ أولًا الإحكام.. فلا يوجد أى زوائد بأعماله سواء بصريّا أو من حيث الكتابة، وثانيًا الانحيازات.. فانحيازاته كانت ضد الاستغلال وضد الفقر والظلم، وليس من خلال نظره أيديولوچية ضيقة وإنما من خلال نظرة سياسية عامة تنطلق أساسًا من انشغاله بالإنسان وبالبَشر، فهو أقرب لـ«يوسف شاهين»، لذلك فأفلامه عاشت وستعيش طويلًا.. لقد فقدنا مُخرجًا مُهمّا، وللأسف يظلمه البعضُ عندما يتهمونه بتقليده للغرب، فهو ليس مقلدًا لا شكلًا ولا موضوعًا، فهذا الرجُل متأثر بالفيلم الأمريكى ويحبه ويفهمه وعندما يصنع فيلمًا مصريّا - ممصر- يقدمه برؤية وشخصية مصرية مُحكمة تتفوق على الفيلم الأمريكى نفسه، وهو يشبه بذلك ما كان يقدمه «نجيب الريحانى». الناقدة «علا الشافعى» تحدّثتْ عن طريقة تناوُل المُخرج «سمير سيف» للكوميديا، فقالت: «الكوميديا التى قدّمها المُخرج الراحل هى كوميديا اجتماعية مختلفة، فاعتمد «سمير سيف» على كوميديا الموقف المَدروسة والمُضحكة جدّا من دون استسهال، وليست الكوميديا الساذجة أو كوميديا الأفيهات التى انتشرت فى كثير من الأوقات، وأبرز أعماله التى تدل على ذلك كانت؛(الهلفوت) و(غريب فى بيتى) الذى أعتبره من أهم أعماله على الإطلاق، والكوميديا تحديدًا تكشف موهبة المُخرج الحقيقية، فـ«سيف» يعى معنى الكوميديا تمامًا وليس كل مُخرج قادرًا على أن يقدم الكوميديا بهذا الشكل الرائع والصحيح، بالإضافة إلى أنه قدّمها من خلال ممثلين غير متخصصين مثل «سعاد حسنى ونور الشريف»، ومع ذلك أجادوا أدوارهم وقدموها بشكل رائع وهنا تكمُن المفارقة، وذلك؛ لأن البناء سليم ومَلامح الشخصيات واضحة تمامًا». وأضافت: «أفلامه تحكى عنه، فأنا كنت إحدى طالباته بمعهد السينما وحسّ الفكاهة والأكشن فى شخصيته لا يختلف عمّا يقدمه فى أعماله، فهو بالضبط يمتلك هذه التركيبة نفسها رُغم هذا الهدوء الظاهر على ملامحه وأدائه المنضبط جدّا، وكان يعمل من منطلق أن السيناريو هو الأهم، وكان لديه مقولة شهيرة جدّا وهى «أن المُخرج مَهما فعل لن يستطيع أن يُصلح سيناريو فاسدًا»، وأنا أرى أنه قامة فنية لا تعوَّض وأنظر حاليًا وكأن المشهد الفنى يُفرغ تمامًا بعد رحيله، وأرى أنه كمُخرج لم يأخذ حقه، فالبعضُ يصف أفلامه بأفلام الحركة فى حين أنها أفلام تقدم ألوانًا متباينة جدّا، وكل فيلم قدّمه كان يحمل روحًا خاصة، مثل فيلم (المتوحشة) لـ«سعاد حسنى» الذى يُعتبر تجربة مختلفة تمامًا لها حتى إن إخراجه للأغانى التى قدّمتها كان لافتًا ونابهًا جدّا ولا يشبه غيره، حتى إننى أرى أن أعماله تستحق أن تجرَى عليها دراسات للبحث والتعلم». الناقد «رامى عبدالرازق» تحدّث إلينا فى البداية عن علاقة «سمير سيف» بالممثلين تحديدًا فقال: «كان لديه تجارُب مميزة مع الممثلين؛ ففى فيلم (آخر الرجال المحترمين) نرى دورًا من أحلى أدوار «على الشريف» على الإطلاق، بالإضافة إلى أنه قدّم «نور الشريف» فى دور أيقونى فى العمل  نفسه، بجانب عدد كبير من الأدوار التى قدّمه فيها بشكل مختلف مثل (شوارع من نار) و(غريب فى بيتى) وغيرهما، بَيْدَ أنَّه ليس ممثلًا كوميديّا،  وقدّم أيضًا الفنان «عادل إمام» بشكل مختلف؛ خصوصًا فى فيلم (الغول)، وهذا كله لا يعود إلّا لإمكانيات المُخرج، فـ«سمير سيف» كان يمتلك قدرة على اكتشاف الجوانب الخفية من الممثلين وإظهارها للناس، بالإضافة إلى قدرته على العمل على الشخصيات بشكل ملفت جدّا، حتى إننا نتذكر جيدًا كل شخصيات (شمس الزناتى) بكل تفاصيلها، والغريب أنه توفى فى الأسبوع نفسه الذى تصدر فيه ترند «الشيخ عتمان» على السوشيال ميديا، وهذا يجعلنا نتوقف هنا ونقول إن هذا الرجُل استطاع أن يقدم أفلامًا عابرة للأجيال؛ فالجيل الذى شاهد (شمس الزناتى) فى السينما غير الجيل الذى شاهده فى التليفزيون غير الجيل الذى يجلس الآن خلف شاشات الهواتف وعلى السوشيال ميديا ويتشارك الكوميكس، ورُغم أن هذا الفيلم مقتبس عن الفيلم الأجنبى الشهير (العظماء السبعة)؛ فإن تمصيره بهذا الشكل وإعطاء كل الشخصيات فيه حقها رُغم وجود نجم بحجم «عادل إمام» فيما بينهم وفى الوقت نفسه اكتشاف «محمود حميدة» لأول مرّة والذى انطلق منذ ذلك الوقت ليصبح فنانًا عظيمًا». ثم يستكمل «رامى» حديثه عن ارتباط «سمير سيف» بسينما الأكشن قائلًا: «سمير سيف من المُخرجين الذين أخلصوا بشكل كبير جدّا للأكشن، والأكشن الكوميدى اللذين لم يكونا متطورين لدينا فى سينما الثمانينيات، وتعامل معهما أغلب المُخرجين فى هذا الوقت باستعلاء؛ لأنهم كانوا يتبعون النمط الأوروبى، إلّا أن «سمير سيف» استطاع أن يقدم أكشن كوميدى واضحًا جدّا بإخلاص ودقة ونعومة تكنيكية متفقة مع مزاج الجمهور المصرى، حتى إنه على مستوى التشويق قدّم تجارب ملفتة جدّا مثل (احترس من الخُط) وكان يمتلك القدرة على وضع ملامح الخفة داخل كل أفلامه مَهما كان نوعها». ويستكمل الناقد «أحمد شوقى» ما بدأه «رامى» فى الحديث عن سينما الأكشن عن «سمير سيف» قائلًا: «‏‏يُعتبر من المُخرجين القلائل الذين آمنوا بـ(سينما النوع) ولم يَعتبرها تقليلًا من قَدَره كباقى المُخرجين الذين لا يحبون أن يتم تصنيف أفلامهم أو وصفها بنوعيات محددة مثل أفلام أكشن أو كوميديا أو جريمة فقط، وأنه عندما قدمت «جمعية نقاد السينما المصريين» حلقة بحث عن (سينما النوع) عام 2014م شارك فيها بورقة بحثية عن «أفلام الأكشن»؛ لأنه كان مؤمنًا بها ويركز عليها فى أعماله». وفى النهاية يلخص الناقد «أحمد شوقى» حديثنا عن سينما المُخرج الراحل «سمير سيف» قائلًا: «يُقال أنه كان دائمًا ما يبدأ محاضراته لدارسى الإخراج بقوله إن السينما هى الترفيه قبل كل شىء، ولم يخجل من ذلك أبدًا، فى حين أن أفلامه من الأفلام القليلة التى جمعت ما بين الاثنين؛ الترفيه والقيمة.. فكانت أفلامًا وسيطة ما بين الأعمال التجارية التى يشارك بها نجوم الصف الأول وتحقق الإيرادات الضخمة ويتفاعل معها الجمهور ويتذكر منها بعض الجُمل، وفى الوقت نفسه كانت أفلامًا هادفة ذات قيمة فنية عالية دخلت ذاكرة السينما المصرية وأصبحت من العلامات البارزة فيها، فـ«سمير سيف» هو النوع الذى تحتاجه أى صناعة سينما فى كل زمان، فتجتمع معه القيمة الفنية والترفيه ويُرضى جميع الأذواق وتعيش من خلاله الصناعة، وحاليًا عندما ننظر إلى (الفيس بوك) نجد عددًا كبيرًا من الجُمل والتعليقات والمَشاهد المأخوذة عن أفلامه، تجعلنا نعرف كيف أنه ترك علامة كبيرة فى السينما المصرية.>