الأربعاء 7 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المسرح والبث المباشر

المسرح والبث المباشر
المسرح والبث المباشر


فى إطار مسرحة الواقع  والقدرة اللا محدودة الجديدة لوسائل  التواصل الاجتماعى على صنع مشاهد حية ذات طابع شديد الجاذبية يمكن ملاحظة البث المباشر الذى أطلقته سكاى نيوز عربية  الأربعاء 25 سبتمبر 2019 لسفر ودخول رائد الفضاء الإماراتى هزاع المنصورى  ومشاهدة وصوله إلى متن محطة الفضاء الدولية فى تمام الساعة الثانية والنصف فى الساعات الأولى  من صباح الخميس 26 سبتمبر 2019.

إذ تابع الملايين فى مصر والوطن العربى هذا الحدث الواقعى الذى يشبه الخيال، مما يجعلنا نتأمل البث المباشر للأحداث الكبرى والصغرى على هواتفنا المحمولة وتأثير ذلك على فرص متابعة ومشاهدة الفنون الدرامية، وعلى رأسها فن المسرح.
 إنها عناصر مسرحية متكاملة تصلك أينما كنت، وتستطيع جعلنا نسمع ونرى حوارًا من الفضاء مع هزاع.
إنه التأثير اللا محدود للتواصل عبر التقنيات والتطبيقات الحديثة.
 مما يذكرنا بحلم قديم مؤجل فى المسرح المصرى  ألا وهو المسرح الرقمى وهو نوع مسرحى معاصر يقوم على التواصل عبر الشبكة الدولية للمعلومات  وهو النوع المسرحى التفاعلى الذى تأخر كثيرا فى مصر، رغم محاولات نادرة لتطبيقه فى عدد من الدول العربية وعلى رأسها  العراق، فى إطار محاولة أهل المسرح هناك التواصل عبر الفضاء الإلكترونى  الأكثر أمنا من فضاء الواقع.
 فربما دعت الحاجة وهى أم الاختراع نظرا لصعوبة التجمع  البشرى فى بغداد المضطربة لتقديم المسرحية التفاعلية «فيس بوك»
فى مارس 2011 من إعداد وإخراج عماد محمد وبطولة الممثل العراقى محمد هاشم.
لقد شاركنا عبر البث المباشر رحلة هزاع العربى فى الفضاء وهكذا أمكن تفعيل تطبيق جديد لفعل المشاهدة.
 إنها ليست مشاهدة جمالية بالتأكيد لكن قدرتها على الجمع بين التشويق والخيال ومتابعة أقصى نقطة فى الفضاء الخارجى  حول الأرض من مقعدك المفضل فى غرفة المعيشة لهى مسألة جديرة بالتأمل، خاصة مع الإمكانية المتاحة للتأثير التفاعلى وإدارة حوار حى مباشر.
وهو أمر يدفع لتأمل  جديد لنظرية الاتصال الجماهيرى على أصعدة عدة منها الكتابة والصور الدرامية والتقارير الإخبارية فى ضوء التفاعل الرقمى معها، مما يمتد بالتأكيد للإبداع المسرحى الرقمي.
وللأمر أصل تاريخى ففى  بداية  تسعينيات من القرن الماضي، طور عدد من الفنانين والباحثين فى إطار حلقة دراسية بجامعة «كانسس» الأمريكية برنامجًا لإدماج الفضاء الإليكترونى الواسع الخصب للشبكة الدولية للمعلومات مع الإبداع  المسرحي.
 مما طرح أسئلة مهمة حول المشهد المسرحى الافتراضى الجديد، والمشهد  المسرحى الواقعي.
إلا أنه وفى عام 1996 م قدم المسرح الإيطالى  تجربة ملهمة سميت بمسرح «الويب» أو الإنترنت، مستخدمة تقنيات الفيديو كونفرانس.
ففى عام 1996م، نفذ – ج- ماثيو سانيدز مع فرانشيسكو فيردينللى «إيطاليا» تطبيقا مسرحيا لبرامج الكمبيوتر على العروض المسرحية.
 وتبقى قيمة التجارب الإيطالية أكثر بساطة وأقل تكلفة، وهو ما تمثل فى محاولة إدخال  حلول التقنية لبرامج «الجرافيك» تسهل الصياغة المشهدية وتمنح المسرح فرصة للتواصل مع مشاهد داخل صالة المسرح الحقيقى يتابع على شاشة كبيرة، وبين مشاهد فى مكانه يتفاعل ويدلى برأيه ويقترح عبر استخدام التواصل الرقمي.
إنها صياغات إبداعية جديدة تجمع بين الطموح الفنى والاتصال بالجمهور العريض والمعرفة الرقمية.
 وإن كان المسرح الرقمى يتجاوز فى  مقدرته على الاتصال الجماهيرى مقدرة مسرح التليفزيون الذى منح المشاهدة  الأكثر انتشارا من مشاهدة قاعة العرض المحدودة.
 وكما أضافت الكاميرا خصائص جديدة للمسرحية المتلفزة ومنحت المسرح حيوية أكبر نحو رصد التفاصيل الدقيقة.
 فالشبكة الدولية للمعلومات  وبرامج الحاسب الآلى المتطورة  قدمت أيضا خصائص جديدة للمسرح.
أبرزها  توحيد «اللحظة الحقيقية» للمشاهدة  بين فضاء المسرح الحقيقى وجمهوره والجمهور اللا متناهى فى كل مكان حيث يتم  منح عنصر الزمن الواحد فرصة للانتشار المكانى اللامحدود وهى خاصية البث المباشر للأحداث التى تقوم على معالجة  فكرة الزمن، ليصبح واحدًا فى كل مكان، متجاوزًا خاصية التسجيل والصور الموثقة الخاضعة للمعالجة وعمليات الإعداد.
إنها حماسة المشاهدة الجماعية / الفردية معا، والتى تتيحها خاصية البث الرقمى المباشر.
وهى الحماسة التى أثارها داخلى مشهد البث المباشر لرائد الفضاء الإماراتى العربى هزاع والعالم كله يتابعه  معى وأنا أشاهده على شاشة هاتفى المحمول، كنموذج لفكرة المعرض الكونى الذى يجمعنا فى كل أنحاء العالم، مما يصنع جماليات جديدة للإعلام.
 وقد ذكرنى ذلك بالمشروع الفنى الملهم الذى تبناه عدد من المسرحيين السويسريين.
عام 1995 بعنوان «العرض الكوني» وذلك سعيا لاستخدام  الشبكة الدولية للمعلومات لصالح عملية  الإخراج المسرحي.
 وقد كان المشروع يسأل : هل حقا ممكن تقديم المسرح الرقمى ليضيف إضافات  جديدة للإنسانية وليقدم إبداعا يبقى لأجيال قادمة مثل إبداع شكسبير، صاحب مقولة وما الدنيا إلا مسرح كبير ؟
 وفى تأمل السؤال نتذكر أن شكسبير كان كاتبا شعبيا، وأن عرض البث المباشر من المحطة الدولية للفضاء كان عرضا شعبيا وبثا مباشرا اهتم به الناس وحظى بمشاهدة شعبية واسعة فى مصر والوطن العربي، وأن أحلاما كبيرة ممكنة للمسرح  والاتصال الجماهيرى مع التقنيات الرقمية والشبكة الدولية للمعلومات العالم الافتراضى الأكثر إنسيابية ومرونة وقدرة على التأثير.
 فهل ينتبه  صناع المسرح والدراما فى مصر مع المبدعين  فى مجال الإعلام لكونه أهم وسيط فى الاتصال الجماهيرى  لشعبية تقنيات البث المباشر وسهولتها وانفتاحها على جماليات جديدة لا محدودة، تتواصل مع لغات جديدة هى لغة الصورة والزمن  المختزل البسيط، والتكثيف والبعد عن البلاغة الكتابية التقليدية والطزاجة  والابتكار، وهى جميعها متصلة بالأفق الجديدة فى الاتصال الجماهيري، وفى القلب منه المسرح وقدرته على التأثير فى الثقافة المصرية والعربية.>