خطة «مكى» لاغتيال معارضى «الرئيس»

وفاء شعيرة
يبقى أمل «الإصلاح» قائما، إذا ما بقيت «العدالة» بيضاء من غير سوء.. قائمة بالقسط، لم يمسسها أذى.. أو تبتلى بالهوى.
إذا مسها الضُر، انتصرت للحق.. ولم ترتضِ لنفسها، أن تقف على المحك.
لا تنحرف يمينا أو يسارا.. فالحق أحق أن يقال جهارا.
لذا تبقى مخاوفنا مشروعة، غير مصنوعة.. لها شواهدها، وربما فوائدها.. وفوائدها التنبيه والتوجيه، إذ لن يجدى الحديث فى مراحل «التيه».
فالمشهد القضائى والتشريعى «مضطرب».. يقسمه مشروع قانون للطوارئ.. يراه البعض اغتيالا جديدا للحرية.. ويبرره من صنعوه ومن تحمسوا إليه بأن الضرورات تبيح المحظورات.. وأنه سيكون غير الذى فات!
هناك من يتحدث عن محاولات «إخوانية» لصبغ القضاء بصبغتهم الأيديولوجية.. وأن هناك «مذبحة جديدة» تنتظر معارضى المنصة سوف تطيح بكل من لا يأتمر بأوامر «ساكنى المقطم».
هذا القلق والانقسام فى حد ذاته، هو الأخطر - على الإطلاق - على مستقبل «العدالة».. هو ما يجرها، من حيث لا تدرى إلى وضع رقبتها تحت «المقصلة».. فحَمَلَة المباخر، دائما متواجدون.. يبررون.. وصباح مساء ينبطحون.. لكن أصحاب الحق - دائما - لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. فانتبهوا يا أهل العدالة لمذبحة العدالة!
وكأن الأيام لم تتقدم للأمام.. بقيت فى محلها.. وظلت ممارسات نظام مبارك على حالها!.. يحكمون بالطوارئ على المعارضة بالجلد صباح مساء، إذ سيجد كل من يعترض نفسه، موصوفا بأنه من الغوغاء والدهماء !
لم تكن هذه الصورة ببعيدة عن ذهن كل من تصور ما يمكن أن يكون عليه المشهد بعد أن أعلن وزير العدل «أحمد مكى» أنه بصدد طرح قانون «طوارئ» يعيد الانضباط للشارع، على حد توصيفه !
وكان أن تمثّل شبح السلطات المطلقة التى تمتعت بها الجهات الأمنية فى ظل نظام مبارك أمام عيون الجميع!
فقانون الطوارئ الذى طبقه الرئيس المخلوع حسنى مبارك «162 لسنة 1958» شهد إضافة بعض القرارات إليه كان آخرها قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2010 بمد حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب، وطوارئ مبارك تكون من 20 مادة معطيا لرئيس الجمهورية الحق أن يتخذ تدابير وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور.. والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام، واعتقالهم.. والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
كما يحق لرئيس الجمهورية مراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات.. وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها.
وأعطى هذا القانون الحق لمحاكم أمن الدولة الجزئية «الابتدائية» والعليا فى الفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه.
ونص فى المادة 14 منه على أنه يجوز لرئيس الجمهورية عند عرض الحكم عليه أن يحقق العقوبة المحكوم بها أو أن يبدل بها عقوبة أقل منها أو أن يلغى كل العقوبات أو بعضها أيا كان نوعها، أو أن يوقف تنفيذ العقوبات كلها أو بعضها.. كما يجوز له إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى، أو مع الأمر بإعادة الحاكمة.
وأكدت المادة 18 من هذا القانون: لا يترتب على تنفيذ هذا القانون الإخلال بما يكون لقائد القوات العسكرية فى حالة الحرب من الحقوق فى منطقة الأعمال العسكرية.
وهذا القانون استخدمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أوقات الثورة وأصدر مرسوما بقانون رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت.. وهذا المرسوم عاقب بالحبس والغرامة التى لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام أثناء سريان حالة الطوارئ بعمل وقفة أو نشاط ترتب عليه منع أو تعطيل أو إعاقة إحدى مؤسسات الدولة، أو إحدى السلطات العامة، أو إحدى جهات العمل العامة أو الخاصة عن أداء أعمالها.
∎∎
من «طوارئ مبارك» إلى «طوارئ مكى»، كان أن التقينا وزير العدل لمعرفة طبيعة قانونه الجديد.. المستشار أحمد مكى بادرنا قائلا : أنا لم أضع قانونا جديدا للطوارئ !
فقط عدلت القانون رقم 162 لسنة 1958 للأفضل!.. وإن كان التعديل لا يعجبك فسوف نلغيه !
مكى بعد أن قال لنا إنه فعل ما فعل حتى «لا تخرب البلد»، طالبنا بأن نتمهل حتى نقرأ القانون جيدا ونستوعب أبعاده.
وبصورة عامة، يعطى قانون مكى لرئيس الجمهورية حق القبض على المشتبه فيهم، أو معتادى الإجرام أو الخطرين على الأمن.. واعتقالهم والترخيص فى تفتيشهم وتفتيش أماكن وجودهم دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
كما يجوز للرئيس إصدار أمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضطبها، ومصادرتها وإغلاق أماكن طبعها !
ويحق لرئيس الجمهورية فى جرائم القتل العمد والاعتداء على حرية العمل والسرقة بالإكراه والبلطجة وقطع الطريق والسكك الحديدية والتعدى بالتخريب أو الإتلاف أو الحرق للمبانى والمنشآت العامة أو الخاصة التى تقوم على حراستها القوات المسلحة أن يأمر بإحالتها للمحاكم العسكرية.
إلا أنه بعد إعداد المستشار أحمد مكى لقانونه الجديد، كان أن اعترض عليه عدد غير قليل من القضاة ورجال القانون إذ قال لنا حافظ أبوسعدة - المحامى وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان - أن مصر ليست بحاجة لقانون الطوارئ وأن البلطجة وقطع الطرق باعتبارهما ظاهرتين طارئتين على الشارع يجب مواجهتهما باستخدام قانون العقوبات الجنائية فإصدار قانون للطوارئ الآن يعيد إنتاج نظام مبارك الذى حكم البلاد ثلاثين عاما قامعا للحريات.
وقال جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس : قانون الطوارئ يسعى لفرض قيود على الحريات العامة، فقانون العقوبات الحالى به النصوص الكافية لمواجهة أعمال البلطجة أو قطع الطرق.
∎∎
محمد عبدالعال المحامى والناشط الحقوقى الذى قام بعمل دراسة قانونية على مشروع الطوارئ الجديد قال لنا : نحن نحتاج إلى عدد من القوانين أهم من قانون الطوارئ.. قوانين تحقق لجموع الشعب المصرى الذى يعانى 40٪ منه من الفقر العدالة الاجتماعية وزيادة الأجور والرعاية الصحية، خاصة أن هناك ترسانة قوانين بديلة لقانون الطوارئ، منها قانون العقوبات.
وأكد عبدالعال لنا أن قانون وزير العدل لا يختلف كثيرا عن قانون الطوارئ الذى استخدمه مبارك، إذ أعطى لنيابة أمن الدولة صلاحيات كبيرة ولجهاز الشرطة سلطة بالقبض على المواطنين واعتقالهم دون اتخاذ أى إجراءات قانونية !
وعند تظلم المواطن من قرار اعتقاله وحصوله على قرار بالإفراج عنه من نيابة أمن الدولة العليا يجوز لوزارة الداخلية اعتقاله مرة أخرى بمجرد صدور قرار الإفراج عنه.
وأضاف عبدالعال: «طوارئ مكى» لا يعطى حماية للمواطنين حيث نص بالقبض على أى مشتبه فيه ولم يعرف من هذا المشتبه فيه.. وهذا يعنى أن كل المصريين مشتبه فيهم.
أعطى القانون للحكومة حق الاعتقال فى حالة الاعتداء على حرية العمل ونطاق حرية العمل هذا اللفظ غير دقيق لأن حرية العمل مكفولة لكل المصريين، وبهذا القانون يكون كل الموظفين فى حالة اعتقال بسبب حرية العمل.
المستشار سامى زين الدين رئيس محكمة جنايات القاهرة قال لنا: نحن نحتاج الآن لقانون طوارئ يحارب البلطجة ويضم ضمانات قانونية للمتهمين عند اعتقال أى مواطن لابد أن يكون لأسباب واضحة فى قانون الطوارئ وأن يتم اعتقاله لمدة محددة وإذا كان البعض يرى أن قانون العقوبات يكفى لتطبيقه على حالات البلطجة وغيرها الآن، فأعتقد أن الوزير لا يريد أن يشوه قانون البلطجة بإضافة مواد جديدة إليه لمواجهة حالات الانفلات الأمنى والبلطجة.
∎∎
المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة السابق قال:
لا أفضل إصدار قانون لحل مشكلة فإذا كنا نريد حل مشكلة البلطجة يجب على الشرطة أن تتحرك وتمارس دورها فى ضبط الأمن فى الشارع المصرى بعودة عسكرى الدورية ودوريات الشرطة.
وأكد عبدالعزيز أننا يمكن أن نردع الانفلات الموجود فى الشارع المصرى ليس بإصدار قانون طوارئ وإنما بالشرطة وتطبيق قانون العقوبات بحزم وإضافة بعض المواد القانونية فلو قامت الشرطة بدورها على أكمل وجه وتم الاهتمام برجل الأمن وبعمله بدلا من الاهتمام بضمه إلى تشريفة موكب الرئيس كما كان يحدث فى العهد السابق بالإضافة إلى تفعيل دور قوات الأمن المركزى بالتأكيد تستطيع الشرطة القبض على المجرم وهو متلبس، وهنا لسنا محتاجين لقانون طوارئ.
وأنهى عبدالعزيز كلامه معنا قائلا: مازلت ضد القوانين الاستثنائية وأرى أن ما تضمنه قانون الطوارئ الذى أعده المستشار أحمد مكى وزير العدل عظيم وكان الأفضل وضعه ضمن فقرات فى قانون العقوبات بدلا من أن يكون قانونا استثنائيا وحتى نترك للقاضى تقدير الجريمة والعقاب الذى يستحقه من ارتكبها ولابد أيضا فى نفس الوقت أن نعطى ضمانات للمتهمين.
وقانون مكى فيه روح قانون الطوارئ فى ظل النظام السابق.. وهو القانون الذى لم يمنع الإرهاب ولم يمنع قيام ثورة 25 يناير!