إيمان جنيدى.. المسرح وطنى وعنوانى

اماني اسامة
الموهبة لا ترتبط بسن أو مكان معين، لا تعترف بالتابوهات والقيود والحواجز، دائما ما تتمرد على الأوضاع لتشق طريقها نحو الإبداع، هكذا كان حال إيمان جنيدى ابنة محافظة بنى سويف، التى كسرت بمهاراتها القيود التى يفرضها المجتمع على عمل المرأة واستطاعت الحصول على لقب أول سيدة مايسترو فى الصعيد، لثبت أن النساء قادرات على النجاح فى مختلف المجالات حتى فى المهن التى ظلت حكرًا على الرجال فقط.
إيمان جنيدى التى تخرجت فى كلية التربية الموسيقية وعاشت حياتها فى حب الموسيقى منذ أكثر من 25 عامًا، فبعد تخرجها سافرت إلى عدة بلدان عربية بناء على ترشيح وزارة التربية والتعليم لها وخلال تلك الفترة شاركت فى بعض الأنشطة الفنية، وتم ترقيتها لتصبح موجه تربية موسيقية وتم اختيارها لتدريب طلاب الفريق الفنى بجامعة بنى سويف.
ففى منزل متواضع، بين أسرة فنية خالصة، فالأب مهندس وعازف على العود، والأخ شاعر، والأخت تعزف بفرقة موسيقية قبل اعتزالها وسفرها خارج مصر، نشأت إيمان الجنيدى، أول مايسترو من فئة السيدات بصعيد مصر، وكانت أول من خالف التقاليد من حولها، وتكسر لوائح قريتها التى تحصر الفتيات بين التعليم الأساسى، والزواج فى نهاية المطاف، فالأفكار المتأصلة حولها، أن الفتاة تحصل على تعليم بسيط لتجيد القراءة والكتابة فقط، لكن لا تتخطى حدود بلدتها الصغيرة، حتى تكون مثيلة لقريناتها من فتيات القرية، وهو ما رفضته إيمان وقررت تغيير مصيرها المرسوم بالأذهان بيدها، ودعم أسرتها.
بالتزامن مع اليوم العالمى للمرأة كان لـ«روز اليوسف» لقاء مع أول سيدة تتولى قيادة فرقة موسيقية لتحكى لنا عن تجربتها والمعوقات التى واجهتها خلال مسيرتها العازفة على ألحان النجاح والتفرد، حتى تصل لنجاحها على الساحة الفنية الثقافية.
وإلى نص الحوار:
> بداية.. صفِ لنا طبيعة حياتك قبل اللقب؟
- ولدت بمحافظة بنى سويف، والتحقت بكلية التربية الفنية بالزمالك عام 1980، واغتربت عن أسرتى لاستكمال تعليمى الجامعى فى المجال الفنى الذى اخترته برغبتى، وتخرجت فيها عام 1984.
>ماذا عن الزواج.. وهل كان عائقًا أمام رغباتك وطموحك؟
- كأى فتاة بعمرى الوردى بعد التخرج مباشرة، قررت أن أتزوج من رفيق رحلتى وداعمى بمسيرتى، فلم يكن الزواج عائقًا فى طريق أحلامى أبدًا، زوجى كان داعمًا لى وله دور كبير فى نجاحى وما وصلت إليه على مدار 40 عامًا من العمل بالمجال الموسيقى.
> عملت فترة بالخارج.. كيف كانت هذه التجربة؟
- قررت السفر، لاستكمال الدراسة خارج مصر، وتنقلت بين عدة دول عربية، والتحقت أثناء رحلتى بالخارج بفرق موسيقية خاصة، تدربت بينهم، وتعلمت منهم مبادئ موسيقية جديدة.
> وماذا عن قصة تعيينك بوزارة التربية والتعليم؟
- عقب عودتى إلى مصر مع بدايات الألفينيات، تم تعيينى بوزارة التربية والتعليم، لتعليم الموسيقى، حتى تم ترقيتى لدرجة موجه عام، خلال الفترة تمكنت من تعليم الشباب الموسيقى بمعاهد فنية بسيطة فى الدول العربية، من سن 18 إلى 35 عامًا، حتى مُنحت الثقة هناك، وبدأت فى تعليم فرق كبيرة، وبدأت مشوارى الفنى على المسرح، وذهبت الرهبة المسرحية عنى مرة تلو الأخرى، حتى عام 2005، عُدت إلى أرضى مرة أخرى، وتمت ترقيتى بالوزارة لموجه عام نظرًا لجهودى بالمجال الفنى.
> ماذا عن العمل بوزارة الشباب؟
- كان عملى بالتعليم، بجانب عملى بوزارة الشباب والرياضة، بعد أن عُدت إلى مصر، تلقيت دعوة لتدريب الشباب بمراكز الفنون على العزف، وتوسعت دائرة المعارف الخاصة بى، مما جعلنى أكتسب فى وقت قصير الثقة بالنفس.
> وإلى جانب التعليم والشباب كان لك دور مع شباب الجامعة فى بنى سويف؟
- أُنتُدبت للعمل بجامعة بنى سويف، وأصبحت المسئولة عن منتخب الموسيقى، وبدأت فى العرض على مسرحها، وتمكنت من الحصول وفرقتى، على مراكز متقدمة لا حصر لها، بين الجامعات الأخرى فى المسابقات الفنية التى تُقام سنويًا بين شباب الجامعات، أبرزها مسابقة إبداع التى تُجرى بين شباب الجامعات المصرية، سواء فى مجال العزف، الشعر، الغناء، القصص وغيرها.
> كيف وصلت إلى قلب مايسترو الصعيد الأول من فئة السيدات؟
- المراكز المتقدمة، والنجاحات المتتالية، كانت السبب فى الخطوة الأهم بمسيرتى، فبدأت وزارة الثقافة التعرف على اسمى، وبدأوا فى جرد أعمالى، والجوائز التى حصلت عليها يومًا تلو الآخر، وأرسلوا لى دعوة، لأصبح مسئولة عن فرقة الموسيقى العربية فى قصر ثقافة بنى سويف عام 2005، كنت سيدة الفرقة الوحيدة، فكنت قائدة لفرقة جميعها من الرجال والشباب، حتى انضمت 10 فتيات للفرقة، لتصبح الفرقة مكونة من 40 عازفًا، كنت الأصغر سنًا بقصر الثقافة، وقتها كنت فى الثلاثينيات من عمرى، وشاركت وفرقتى فى العديد من المسابقات، وحصلت على تعليقات إيجابية من الموسيقار حلمى بكر، الموسيقار محمد قبيل، الفنان أحمد إبراهيم، والمايسترو عبدالحميد عبدالغفار.
> ما أبرز القيود التى واجهتك؟
ــ الطريق لم يكن ممهدًا أمامى، فأسرتى كانت داعمًا، لكن المجتمع الصعيدى كان رافضًا لما تفعله ابنتهم التى خرجت عن تقاليدهم المعتادة، وبدأوا فى بث الروح الثائرة، بأسرتى لإيقافى، والاكتفاء بتعليمى فقط، وأثار الكثيرون غضبى بسبب رفضهم عملى، فأهل قريتى حاولوا تحطيمى وإيقافى بشتى الطرق، لكن أسرتى لم تستمع لهم، فمنهم من قال كيف لسيدة أن تقف وتعطى ظهرها للجمهور؟، ومنهم من حاول افتعال غضب أبى، لكنه لم يستمع لهم، وتركنى أرسم طريق حياتى ومستقبلى بيدى.
> ماذا عن زملائك بالعمل؟
ــ يقولون «عدوك ابن كارك»، كان هذا الشعار المستحوذ على الجزء الأكبر بحياتى، فكان زملائى بالمهنة دائمًا ما يحاولون إحباطى، وتعطيل مسيرتى، وطالبنى الكثيرون بالاعتزال والتوقف عن العمل، أو الاكتفاء بما حصلت عليه، فكلما تقدمت خطوة، طالبنى زملائى بالاكتفاء بذلك والتفرغ لمنزلى، حتى وصل أن أحد أصدقائى رغم عمله بنفس المهنة ادعى أن الموسيقى «حرام» ويجب أن أتوقف عن ممارستها، لكنى قررت ألا أستمع لحديث من حولى، واستكملت مسيرتى.
> هل واجهتك أزمات أخرى؟
ــ هناك أزمة كانت ومازالت موجودة، نظرًا لعملى بالصعيد، سفر الفتيات معى خارج بنى سويف، كانت الأزمة الأخرى التى تواجهنى دائمًا، رفض العديد من الأهالى سفر بناتهم للعمل خارج الصعيد، والمشاركة بالمسابقات رغم موهبتهن الكبرى، إلا أننى تمكنت من إقناع بعض الأسر بذلك، لكن عارضنى عدد كبير، كانوا يغلقون هواتفهم حتى لا أتمكن من التواصل معهم وإقناعهم.
> لماذا تركت العمل بقصر ثقافة بنى سويف؟
ــ تفرغت عام 2011 لجامعة بنى سويف، وتركت العمل مع الفرقة العربية بقصر الثقافة، خاصة أن انتدابى بالجامعة كان الأهم بالنسبة لى، وبدأت فى التدريس بكليات كالتربية الرياضية، تربية الطفولة، ومنتخب جامعة بنى سويف.
> بعد تكوين أسرة.. هل واجهت أزمة فى التوفيق بين المنزل والعمل؟
ــ عقب زواجى فى العقد الثالث من عمرى، لم يعارض زوجى عملى، لأنه كان يعلم أهدافى جيدًا، ليس فقط الصعود على المسرح كمايسترو، ولكن الشغف بالموسيقى بشكل عام، فأصبح لدى أسرة جديدة، مكونة من زوج، و3 أبناء، تدعم عملى رغم التحديات التى تواجهنى.
> هل فكرت بالاعتزال؟
ــ لن أعتزل اليوم، أو غدًا، فلدى طموح لم يستكمل بعد، فالمسرح وطنى وعنوانى الذى أنتمى له دائمًا وأبدًا، فالطموح لا يتعلق بعمر، فهو مجرد رقم كُتب بشهادة الميلاد، أما عن الفن، فأنا دائمًا أعتبره مؤثرًا فى شخصية الفرد، فيجعله سويًا، لديه فكر واسع، ومحب للحياة، ويعزز الانتماء، فالفن يصقل روح الإنسان من وجهة نظرى.>