السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لماذا تغيرت استراتيجية «البيت الأبيض» خلال عام؟!

لماذا تغيرت استراتيجية «البيت الأبيض» خلال عام؟!
لماذا تغيرت استراتيجية «البيت الأبيض» خلال عام؟!


سبعة أشهر مرت على أول قمة تاريخية عقدت بين الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، و«كيم جونج أُن» رئيس «كوريا الشمالية». وها نحن –الآن- بصدد مشاهدة قمة ثانية، من المقرر عقدها يومى 27 و28 فبراير الجارى فى دولة «فيتنام»، وفقًا لما نشرته الصحف العالمية، وتأتى هذه القمة من أجل استكمال عملية إقناع «بيونج يانج» بالتخلى عن برنامج أسلحتها النووية.

لعقود اتخذت «الولايات المتحدة» موقفًا معاديًا تجاه «كوريا الشمالية» لعدة أسباب. ولكن مع تولى «ترامب» الرئاسة الأمريكية فى عام 2017، ساءت الأمور بعد جهره بموقفه العدائى الصريح تجاه الرئيس الكورى الشمالى. وتخلل تلك الفترة تصريحات تهديدية نارية بين الحكومتين، مما أثار القلق حول العالم من نشوب حرب مرتقبة. ومع ذلك، حدث تحول كبير فى سياسة «واشنطن» التهديدية مع «بيونج يانج»، فأصبحت التصريحات ودية، وهو ما أثار التساؤلات حول الأسباب.
بالفعل، كانت «الولايات المتحدة» متأهبة، لأى معركة تقف فيها أمام «كوريا الشمالية». فوفقًا لتقرير أعده صناع القرار الأمريكى، نشر أواخر 2017، أوضح أن الاستراتيجية الأمريكية مستعدة عسكريًا، أمام أى تهديد كورى.. فالنزاع الأخير بين الحكومة الأمريكية والكورية الشمالية، كان بسبب إجراء الأخيرة لسلسلة من الصواريخ والتجارب النووية، التى أظهرت قدرتها على إنتاج أسلحة نووية، تتطور بوتيرة أسرع من تقييم مجتمع الاستخبارات الأمريكى. وكشف التقرير، الذى بنى على معلومات استخباراتية، إلى أى مدى وصل التقدم النووى فى «كوريا الشمالية»، كما أشار إلى عمليات تطوير البرامج الصاروخية الأمريكية، وقدراتهم على إرسال قوات عسكرية منتشرة برًا، وبحرًا، وجوًا.
فعلى سبيل المثال –لا الحصر-، أكد صناع القرار، أن «الولايات المتحدة» نشرت أنظمة دفاع صاروخى باليستية متأهبة فى الداخل الأمريكى، وفى الخارج، فى خلال ربع القرن الماضى مشيرًا إلى أن نظم الدفاع الصاروخى الأرضية فى «الولايات المتحدة»، نشر بعضها فى جزيرة «جوام» الأمريكية التى تقع فى غرب المحيط الهادئ، بالإضافة إلى وجود 38 اعتراضية أرضية، تم نشرها فى عام 2017، وضع 34 منها كمنصة إطلاق فى منطقة «فورت جريلى» فى «ألاسكا»، وأربعة تقع فى قاعدة «فاندنبرج» الجوية، فى ولاية (كاليفورنيا). بجانب شروعهم -وقتها- فى بناء «رادار تمييز» طويل المدى (LRDR)، سينشر ويشغل فى قاعدة القوات الجوية فى (ألاسكا) بعام 2020، والذى سيوفر بدوره القدرة على «التمييز» على نطاق واسع من الفضاء.
وأضاف التقرير أن الأنظمة الأمريكية فى البحر منتشرة أيضًا فى «المحيط الأطلسى»، بعض مناطق البحر المتوسط، «المحيط الهندى»، «بحر اليابان»، و«المحيط الهادئ».. وغيرها.
يبدو مما سبق، أن دولة كالولايات المتحدة، ليست فى حاجة إلى مفاوضات من الأساس لتوقف التهديدات النووية لكوريا الشمالية، لذلك كان طبيعيًا أن يتساءل العالم عن السبب فى هذا التغيير المفاجئ فى السياسة الأمريكية ناحية (كوريا الشمالية)، بداية من القمة الأولى، التى عقدت يوم 12 يونيو 2018، بدولة (سنغافورة)، مرورًا بإعلان مشترك يدعو  إلى «نزع السلاح النووى الكامل لشبه الجزيرة الكورية»، وصولاً إلى القمة الثانية لاستكمال المفاوضات.. حيث يقال إن (بيونج-يانج) لم تنفذ اتفاق نزع السلاح، فقد أعلن «مجلس الأمن الدولى» أنها لم توقف برامجها النووية والصاروخية، منتهكة عقوبات «الأمم المتحدة». كما أكدت وكالات الاستخبارات، والمحللون الأمريكيون، أن صور الأقمار الصناعية، أظهرت أن قاعدة صواريخ «يونجچيو دونج»، وموقع آخر قريب ما زالا نشطين، ومستمرين فى عمليات التطوير. ورغم هذا، لم يصدر عن «البيت الأبيض» (المستعد عسكرياً)، تصريح، أو إنذار.. بل رحب بعقد «القمة الثانية».
أما السر وراء تغيير «البيت الأبيض» لاستراتيجيته العسكرية فى أقل من عام، فقد ذكرها تقرير آخر، أعده صناع القرار الأمريكيون ونشر منذ أيام. وكانت كلمتا السر، «الصين»، و«روسيا».. فظهور الدولتين بقوة على المسرح الدولى، غير العديد من استراتيجيات «الولايات المتحدة» عالمياً.. حيث حاول الدب الروسى، والتنين الصينى، الاستفادة من تدهور العلاقات الأمريكية-الكورية الشمالية لصالحهما بحيث تضمنان طرد الجانب الأمريكى من المنطقة على الإطلاق. ويعد أحد أقوى الدلائل، هو اتخاذ «بكين»، و«موسكو» خطوات للحد من عقوبات «الأمم المتحدة» على «كوريا الشمالية».
ويشير التقرير إلى أنه يمكن تقسيم سياسة «الصين» إلى ثلاثة معسكرات، فيما يخص التعامل مع «كوريا الشمالية»، ولكن جميعها فى النهاية تؤدى إلى نفس النتيجة. المعسكر الأول يدعم التحالف بين «بكين» و«بيونج يانج» ويرى المعسكر الثانى ضرورة إعادة تقييم استراتيجية «بكين» بكاملها تجاه «بيونج يانج» فى ضوء المصالح الاقتصادية والسياسية المتغيرة للصين فى القرن الحادى والعشرين، فيما يرى المعسكر الثالث استحالة تجاهل الأساس التاريخى للعلاقات الوثيقة بين البلدين، باعتبارهما حليفين وثيقين بينهما قرون من الاتصالات.
ومع ذلك، تريد الحكومة الصينية أيضاً، تعزيز «نزع السلاح النووى» فى شبه الجزيرة الكورية، لضمان أمنها القومى. لذلك، تركت «بكين» الساحة لـ«واشنطن»، لكى تصبح هى المفاوض، بينما اختارت لنفسها دور الوسيط الدبلوماسى، والمحاور النشط فى المناقشات حول مستقبل شبه الجزيرة الكورية، وذلك من أجل ألا تظهر الحكومة الصينية فى صورة «المعارض الشرير»، وفى الوقت ذاته تضمن أمانها بإنهاء البرنامج النووى للشمالية.
فابتداءً من مارس 2018، غيرت «بكين» تكتيكاتها نحو «بيونج يانج» بهدف تحسين علاقاتهما بشكل رسمى، وتلا ذلك دفء دبلوماسى، كما التقى الرئيسان الصينى «شى جين بينج»، والكورى الشمالى «كيم» مرتين خلال العام الماضى.
إلى جانب الرغبة فى إنهاء التهديد النووى ترى «بكين» أن المفاوضات والاتفاق الأمريكى-الكورى الشمالى سيؤدى فى النهاية إلى سحب «واشنطن» قواتها العسكرية من «كوريا الجنوبية»، فضلاً عن إنهاء القيادة شبه الموحدة بين القوات الأمريكية، والقوات الكورية الجنوبية (USFK).. ففور عقد الاتفاقية بين «واشنطن» و«بيونج يانج»، ستضطر القوات الأمريكية إلى الانسحاب شيئًا فشيئًا من «كوريا الجنوبية»، وستتبعها «اليابان»، وفقًا لنص «اتفاقية وضع القوات» (SOFA) و(هو اتفاق يعقد بين بلد مضيف وبلد أجنبى من أجل تمركز قوات عسكرية فى البلد المضيف لهدف معين). وقد كانت الحجة من تمركز القوات الأمريكية فى تلك البلاد، هو التهديد الكورى الشمالى الذى سينتهى إذا ما وافق «كيم» على إنهاء البرنامج النووى.
أما «روسيا» فتسعى طوال الوقت أن تحل محل «الولايات المتحدة» فى أى رقعة أرض تعجز الأخيرة عن السيطرة عليها. وقد رأى صناع القرار الأمريكى، أنه من الواضح أن «الكرملين» يشعر بالقلق من أن عملية سلام ناشئة بين «الولايات المتحدة» و«كوريا الشمالية»، يمكن أن تستبعده، لأن شبه الجزيرة الكورية مهمة بشكل خاص لـ«بكين»، لأن المشاريع الاقتصادية واسعة النطاق، التى تنتهجها هناك، تنطوى على مكاسب سياسية محتملة كبيرة، وعلى رأسها خط سكة حديد، وخط أنابيب مواز للغاز.
وتدور سياسة «موسكو» ناحية «كوريا الشمالية» –وفقًا للتقرير- حول ثلاث نقاط رئيسية. الأولى، هى: مفهوم «الكرملين» باعتباره لاعباً عالمياً، لا يمكن الاستغناء عنه، والذى يؤكد المشاركة الروسية فى أى عملية سياسية فى شبه الجزيرة الكورية. والثانية، نابعة من العلاقات الاستراتيجية الموسعة –الآن- بين «موسكو» و«بكين»، إذ تعزز «روسيا» تحالفها مع «الصين»، وتزيد من تطوير العلاقات مع الكوريتين. أما النقطة الأخيرة لنهج (روسيا)، فتتضمن إلقاء اللوم على «واشنطن»، بسبب المأزق السياسى الكبير، الذى ساد طويلاً فى شبه الجزيرة الكورية.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية أدركت التحركات الصينية والروسية، أمام «واشنطن»، فيما يخص منطقة شبه الجزيرة الكورية، مما أثار قلق «البيت الأبيض»، لذلك كانت أهم توصيات تقرير صناع القرار الأمريكى، هى ضرورة حفاظ «الولايات المتحدة» على وجود عسكرى قوى فى شرق آسيا، وزيادة العمل مع كل من «اليابان» و«كوريا الجنوبية»، لتعزيز التعاون العسكرى، لأن الدور الأمريكى فى المنطقة، هو تعزيز وجوده، وتنسيق السياسات مع حلفائه، بجانب التركيز على ضرورة وجود الدفاعات الصاروخية الأمريكية.
والآن، وبعد أن عرفت مساعى الدولتين، بجانب رغباتهما، هل تحقق «الولايات المتحدة» السلام مع «كوريا الشمالية»، ويكون سلامًا مشروطًا، يضمن توغلها فى الجزيرة؟!، أم أننا سنرى ألاعيب أخرى - كالمعتاد - تضمن فيها «واشنطن» مصالحها بشكل آخر؟! 