السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

60 % من نزلاء دور المسنين «أمهات»

60 % من نزلاء دور المسنين «أمهات»
60 % من نزلاء دور المسنين «أمهات»


عرفت مصر دور المسنين منذ عهد بعيد منذ بداية التسعينيات من القرن التاسع عشر على الأقل، إلا أن وجود هذا النوع من مؤسسات رعاية كبار السن ظل رمزيا ومحددا جدا حتى منتصف القرن العشرين، ثم شاع إنشاء دور المسنين ليصل إلى أعلى مستوياته منذ بداية تسعينيات القرن الماضى.


فلدينا الآن ما قد يزيد على 150 دارا للمسنين أكثر من نصفها فى القاهرة الكبرى وأكثر من 10٪ فى الإسكندرية، وتتنوع بقية الدور بين عدد من المحافظات، وفى المقدمة الغربية والدقهلية والبحيرة، أما المحافظات التى لم تعرف دور المسنين حتى الآن فهى محافظات الحدود: جنوب وشمال سيناء والبحر الأحمر والوادى الجديد ومرسى مطروح وبعض محافظات الصعيد.
كشفت آخر دراسة أقامها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن دور المسنين فى مصر والتى قام من خلالها بالمسح الشامل لهذه الدور أن أوضاع بعض دور المسنين لا تخلو من العشوائية، وأن 15٫6 ٪ من هذه الدور تعمل بدون لائحة داخلية أو نظام داخلى، وهذا يعنى أن تسيير شئونها يخضع للتقدير الشخصى للعاملين فيها ومتخذى القرار ومنفذيه من الأمور التى تقتضى التخصص والمهنية، وهذا الوضع لا يساعد على توفير رعاية سليمة لكبار السن.
وقد شكا بعض كبار السن فى عدد من الدور أثناء إجراء هذه الدراسة من الإتاوات التى تفرض عليهم للحصول على بعض الخدمات التى يفترض أنها مدفوعة المقابل!
الدراسة التى أشرف عليها الدكتور عزت حجازى الأستاذ بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أكدت أن مصر بها أكثر من 150 دارًا للمسنين، 61 ٪ منها فى القاهرة، و11 ٪ فى الإسكندرية، وأن 60 ٪ من المقيمين بالدور سيدات.
وأن هناك دورا للمسنين تحصل عى إعانة سنوية من وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية، وأن البعض يحصل على أموال بالجهود الذاتية من الجمعيات الأهلية، هذا بالنسبة للدور التى يكون الاشتراك فيها رمزيا.
وهذه الإعانات غالبا ما تكون ثابتة سنويا، ومع ارتفاع تكاليف المعيشة أصبحت هذه الدور تعانى من تدهور حالة البنية الأساسية والنقص الذى يصل إلى حد الخلل فى الجهاز الوظيفى فى الدار من الأنشطة التى تقوم بها الدار وتدنى نوعية الرعاية التى توفرها الدار للنزلاء.
وأكدت الدراسة رغم أن القرار الوزارى رقم 90 لسنة 1997 حدد المواصفات والمستويات العامة للخدمة فى دور إقامة ورعاية المسنين سواء المدير والطبيب والإخصائى الاجتماعى والنفسى وإخصائى العلاج الطبيعى والممرضات والمعاونات الصحيات وإخصائيى التغذية والجهاز الإدارى سواء محاسب وأمين المخزن وغيرهما وجهاز الإشراف النهارى والليلى والعمال والطباخين والحراس، إلا أن الواقع فى غالبية دور المسنين لم يلتزم بما جاء فى هذا القرار لعدة أسباب، منها التصور الشائع لدور المسنين ووظيفتها، فالكثيرون يرون أنها مكان إيواء وإعاشة أى توفير السكن والطعام وليس مكانا تتوافر فيه الفرص المستحقة لحياة كاملة كريمة والإقامة والطعام والعلاج وفرص الثقافة والترويح والتدريب والنشاط المنتج لمن يستطيع ويرغب.
ومازالت أعداد المتخصصين فى رعاية كبار السن قليلة، وإن غالبية دور المسنين من النوع صغير الحجم وضعيف الإمكانيات، فعدد كبير منها عبارة عن شقة صغيرة فى بيت أو عمارة بعدد من غرف النوم ومطبخ صغير وحمام واحد فقط، أى بدون مرافق ولا أثاث ولا تجهيزات، مما يحتاج المسن لحياة كاملة مشبعة.
كما أن الجهات الراعية لدور المسنين فى كثير من الأحيان إما جمعية خيرية إسلامية وجمعيات تحفيظ القرآن والجمعيات الشرعية أو جمعية خيرية مسيحية أو كنسية فى العادة، ومثل هذه الجهات يغيب عنها تصور دار المسنين كمؤسسة توفر حياة شاملة كاملة كريمة.
وأكدت الدراسة على وجود دور رعاية غير قليلة يوجد بها نقص فى الجهاز الوظيفى وعدم وجود رعاية اجتماعية ونفسية وعلاج نفسى وترويحى، الأمر الذى أدى إلى نتائج سلبية وهى تقليص خريطة الأنشطة اليومية فى الدار حتى تكاد تقتصر على النوم وتناول الطعام، وهذا أدى إلى اتجاه المسنين إلى قضاء وقت أطول من اللازم فى السرير، مما يترتب عليه ترسيخ الميل إلى العزلة والشعور بالاكتئاب وظهور قرح الفراش.
وانتقلت الدراسة بعد ذلك إلى رصد التعرف على الأنشطة التى تقدمها دور المسنين فى مصر، ففى المجال الاجتماعى حيث تحرص كثير من دور المسنين على الحفاظ على العلاقة بين نزلائها من المسنين وأهليهم من خلال الزيارات المتبادلة فى الأعياد والمواسم والمناسبات الخاصة، إلا أن هذه الزيارات تبدو ضعيفة وغير ممكنة عند بعض المسنين نتيجة أن العلاقة ليست على ما يرام بينهم وبين أهليهم أو لا يوجد مكان مستعد لاستقبال الزائرين فى دار المسنين. وفى بعض الأحيان تكون المسافة بعيدة بين المسن وأهله.
وفى مجال الترويح وقضاء وقت الفراغ الذى يلعب دورا حيويا فى حياة المسنين لنزلاء الدار سواء من خلال الخروج للنزهة والرحلات وخلافه للأسف الشديد اكتشف أن كثيرا من دور المسنين تقتصر دور الترفيه على مشاهدة التليفزيون وسماع الراديو فى حالة عدم وجود تليفزيون.
وبالنسبة للأنشطة الثقافية كشفت الدراسة أنه من النادر أن نجد دار مسنين تهتم بإقامة محاضرات وندوات وعرض أفلام لنزلائها.
أما بالنسبة للنشاط الدينى فكشفت الدراسة أنه أكثر شيوعا فى الدار، ويتمثل فى الصلاة وقراءة القرآن أو الإنجيل وزيارة المساجد أو الكنائس.
وتعتبر التغذية فى دور المسنين أحد العناصر المهمة للعيش والحياة اليومية للمسنين، وكشفت الدراسة بسبب الارتفاع الفلكى فى تكاليف الغذاء بمختلف عناصره وجد أن عددا من الدور لا يستطيع توفير المواد الغذائية الصحية التى تتفق مع كبر سن نزلائها، الأمر الذى جعلها تتجه إلى نوعية غذاء متدنٍ، وهو الأمر الذى أدى إلى معاناة بعض المسنين فى الدور من سوء التغذية والإصابة بالأمراض المترتبة على عدم كفاية الغذاء، وفى حالات غير قليلة وجدت الدراسة أن بعض المسنين يعانون من صعوبة فى المضغ أو البلع أو الهضم أو ضعف الشهية.
واشتكى المسئولون فى بعض دور المسنين أثناء إجراء هذه الدراسة من عدم ارتياحهم إلى النزلاء الذين تكون لهم طلبات تغذوية خاصة، خصوصا حين يكونون غير قادرين على خدمة أنفسهم ويحتاجون إلى من يساعدهم فى تناول وجبات الطعام أو تكون لديهم مشكلات المضغ أو البلع أو الهضم.
وكشفت الدراسة أن من أبرز الآثار السلبية لسوء التغذية عند هؤلاء المسنين المرضى فى دار المسنين ضعف المناعة وتأخر التآم الجروح وطول فترة النقاهة فى حالة المرضى وتناقص كثافة العظام وإعاقة وظائف القلب والرئة وتناقص قوة العضلات والأنيميا وتدهور الوظائف الإدارية والاكتئاب والوفاة المبكرة.
وانتهت الدراسة مطالبة بوضع خطة لإصلاح وتطوير دور المسنين فى مصر.
فعلى المدى القريب نحن فى حاجة إلى وضع برنامج لإصلاح وتطوير أوضاع الدور «كل دار على حدة».
وضمان توافر موارد جميع الدور - للجمعيات التى تشرف عليها - لتقديم خدمة مناسبة والعمل على تصحيح الاختلالات فى الجهاز الوظيفى والتنفيذى الأمين والدقيق للقوانين ونظم ولوائح إنشاء دور المسنين.
والنظر فى تأهيل دار المسنين لتكون مصدر إشعاع ونقطة مركزية للرعاية الأسرية لكبار السن.
وعلى المدى البعيد نحن فى حاجة إلى نشر الوعى بقضايا التعمر وكبار السن والتعرف بما يمكن أن تقدمه دار المسنين والتوسع فى التخصصات الأكاديمية وبرامج التدريب التى تعد أخصائيين فى مختلف التخصصات التى تدخل فى رعاية كبار السن.
ووضع خطة عمل وطنية لرعاية كبار السن لتكون دليلاً عمليا لمختلف الجهات والأجهزة المعنية والعمل على توفير إمكانيات تنفيذها والعمل على تحقيق درجة كافية من التنسيق والتكامل بين الجهود المختلفة.
وفى النهاية - كما قالت الدراسة: - يهم أن نقول إنه لا يصح أن تكون رعاية كبار السن - ويعنينا هنا الرعاية المؤسسية - عملا عشوائيا أو كيفما اتفق.
وإنما يلزم أن تقوم على أساس تصور واضح واستراتيجية، وأن تتجه إلى تعيين مستهدفات إجرائية محددة وأن تتوافر متطلبات تحقيق المستهدف من المال والتجهيزات والعناصر البشرية المؤهلة المدربة، وأن يتابع العمل وتقييم المنجزات بصورة منتظمة وبشكل موضوعى وأن تكون هناك آلية لتصحيح المسار إذا اقتضى الأمر.