الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المدرس المُفترَى عليه والمُفترِى على أولادنا

المدرس المُفترَى عليه والمُفترِى على أولادنا
المدرس المُفترَى عليه والمُفترِى على أولادنا


واقعتان  حدثتا الأسبوع الماضى تكشفان واقع المدرسين المصريين، وأنه لن يخرج من تحت أيديهم إلا المنافقون والمتخاذلون والصامتون على الظلم والكارهون للآخر والعنصريون، الواقعتان تدقان جرس الإنذار، وتشيران إلى الخطر الذى يهدد الأجيال الجديدة، الواقعة الأولى خاصة بمدرس خصم له محافظ المنوفية شهرًا  من مرتبه لأنه رد عليه واعترض على كلامه.

المحافظ كان فى زيارة لمدرسة المساعى الثانوية بشبين الكوم وقال للمدرسين أمام الطلاب «أنتم السبب فى شكل المدرسة ده، بشكلكم ده، اللى جاى بشبشب واللى جايه بعباية واللى جاى بجلابية واللى مربى دقنه»، واعترض المدرس قائلا «لو سمحت مين اللى لابس جلابية ومين اللى لابسه عباية» فرد المحافظ: «إنت تطلع على المحافظة يتحقق معاك» وبالفعل تم التحقيق معه وفوجئ بقرار المحافظ بخصم شهر من راتبه، استنادًا إلى مذكرة إدارة التحقيقات بالمحافظة والتى انتهت إلى إدانة المدرس لخروجه عن مقتضى الوظيفة والتحدث بصوت عالٍ مع المحافظ وبطريقة غير لائقة لا تتفق مع الاحترام الواجب وأنه ليس من اختصاص المدرس الرد على كلام المحافظ أثناء زيارته للمدرسة.

الواقعة الثانية، إهانة مدرس لتلميذة صغيرة، تهكم عليها لأن بشرتها سوداء، وقال فى الفصل أعربوا « بسملة تلميذة سوداء»، وهو ما جعل الطفلة تبكى فنهرها وزاد من تهكمه عليها.

فى الواقعة الأولى،  لم تتحرك وزارة التعليم لحماية المدرس وحفظ كرامته بدعوى أن المحافظة  هى السلطة المختصة، وفى الواقعة الثانية اعتذرت منال ميخائيل محافظ دمياط للتلميذة الصغيرة وذهبت إليها فى المدرسة والتقطت معها صورة، وبعد إثارة الأمر فى الصحف والفضائيات تم إبعاد المدرس عن المدرسة، وأمرت النيابة بعد التحقيق معه، بحبسه أربعة أيام على ذمة قضية التنمر، ودعا وزير التعليم  بسملة إلى مكتبه وهدد من يقوم بنفس الفعل بعقاب رادع، هذا هو حال المدرس؛ جاني ومجنى عليه، مجرم وضحية، مذنب ومعتدى عليه، وفى الحالتين يدفع أولادنا الثمن، فى الواقعة الأولى إذا كان المدرس مظلومًا فعلًا ولم يرتكب أى مخالفة فماذا سيعلم أولادنا بعد ما حدث له ؟ هل يقول لهم تقبلوا الإهانة ولا تردوا على أصحاب السلطة، اقبلوا الذل ولاتحاولوا الحفاظ على كرامتكم، لن تجدوا أحدا يسندكم إذا ظلمتم، وإذا توليتم سلطة استبدوا ولن يقف أمامكم قانون، ولا تسمحوا لأحد أن يعارضكم، أو يعترض على كلامكم أو قراراتكم، لا تقبلوا المناقشة فقط أصدروا الأوامر وعاقبوا من يحاول أن يتكلم، وهكذا نخرّج أجيالًا من المتخاذلين، والمنافقين، والخانعين، والمستبدين الذين يضطهدون الضعفاء.

المدرس فى الواقعة الثانية عنصرى يرفض التنوع، ويجهل فضيلة احترام الآخر، ويتعالى على من يتصور أنهم أقل منه شأنًا، رغم أن كل الأديان تقول أن ذوى الفضل هم أصحاب الأخلاق الحسنة ومن يقدمون شيئًا نافعًا لبلدهم وللإنسانية بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس، هذا المدرس ماذا قدم لتلاميذه طوال السنوات السابقة؟ وما هى القيم التى علمها لهم، من المؤكد أنه غرس داخلهم كراهية الآخر والسخرية منه والتعالى عليه.

لا أدرى كيف ننقذ أولادنا من المدرس الجانى والمجنى عليه، أعلم أن القاعدة العريضة من المدرسين أسوياء ولكنهم أيضًا يعانون من مشاكل كثيرة مثل تكدس التلاميذ فى الفصول، والمرتبات المتدنية والتى تدفعهم إلى إعطاء دروس خصوصية أو البحث عن عمل إضافى للوفاء بالتزامات أسرته ومتطلبات الحياة، وهى أمور تنعكس على طريقة أدائهم فى المدرسة وعلاقتهم بالتلاميذ فى الفصول، ولعل وزارة التعليم والتى مازالت تحتفظ حتى الآن بصفة التربية والتى تسبق التعليم تدرك أن دورها ليس التعليم فقط ولكن أيضًا إنشاء أجيال سوية نفسيًا، وأن تربيهم على القيم الأخلاقية والإنسانية، وهذا لن يكون إلا من خلال مدرسين مؤهلين لهذا الدور، إنقاذ المدرسين ضرورة سواء كانوا جناة أو مجنيًا عليهم، وتطوير التعليم يبدأ بالمعلم، وهو أمر أهم كثيرًا من التابلت.