الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«مكتب الاستطلاع الوطنى».. 50 عامًا من التجسس

«مكتب الاستطلاع الوطنى».. 50 عامًا من التجسس
«مكتب الاستطلاع الوطنى».. 50 عامًا من التجسس


عندما تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى عيون وآذان لها فى مناطق خطيرة بل وعدائية فإنها تلجأ إلى «مكتب الاستطلاع الوطنى» National Reconnaissance Office  ليقوم بهذه المهام الخطيرة بمنتهى الدقة. وشهدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الشهر الماضى  مرور57  عامًا على إنشاء المكتب، ويعتبر «مكتب الاستطلاع الوطنى» NRO أحد أهم أجهزة المجتمع الاستخباراتى الأمريكى الـ17، بل إنه يعتبر من بين أهم خمسة أجهزة والذين يطلق عليهم «الخمس الكبار» وهى: «وكالة الاستخبارات المركزية» CIA، «وكالة الأمن القومى» NSA، «وكالة استخبارات الدفاع» DIA، «الوكالة  الوطنية للاستخبارات الجغرافية» NGA إلى جانب الـ NRO.

أنشئ مكتب الاستطلاع الوطنى «NRO» فى عام 1966  لكن لم تكشف وزارة الدفاع الأمريكية عن وجوده إلا عام1992، ويقع مقره الرئيسى فى مقاطعة  فيرفاكس  فى ولاية فيرجينيا، وهو المسئول عن تصميم أقمار التجسس الصناعية وبنائها وإطلاقها  وصيانتها، يتكون من 3000  فرد بالإضافة إلى أنه يضم  أفرادًا من القوات المسلحة وCIA وموظفى وزارة الدفاع الأمريكية المدنيين. وقد بلغت قيمة ميزانية NRO لعام 2013 حوالى  10.3 مليار دولار، ويعتبر من بين أغنى أجهزة الاستخبارات الأمريكية.
 يعمل مكتب الاستطلاع الوطنيNRO ، على تصميم وبناء تطوير وإدارة أنظمة الأقمار الصناعية الفريدة والمبتكرة التابعة للحكومة الأمريكية التى تُستخدم فى الاستطلاع، كما أنه  يقوم بإجراء أنشطة استخباراتية من أجل الأمن القومى للولايات المتحدة.
ويوفر  المكتب المعلومات الاستخباراتية عبر الأقمار الصناعية للعديد من الوكالات الحكومية مثل الإشارات الاستخباراتية «SIGINT»  التى ترسل إلى NSA، والصور الاستخباراتية «IMINT» التى تحتاجها  إلى  «الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية»  NGA. هذا إلى جانب أن NRO  تقوم بتنسيق البيانات والمعلومات من خلال الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع من قبل الدوائر العسكرية ووكالة المخابرات المركزى الأمريكية CIA.
وفى نفس الوقت  تُعتبر أنظمة مكتب الاستطلاع الوطنى ذات أهمية حاسمة للأمن القومى وصانعى السياسة فى الولايات المتحدة ومقاتلى الحرب،  حيث تقوم هذه الأنظمة بزيادة الوعى بالأوضاع  العالمية السائدة والتصدى لأصعب التحديات الاستخباراتية التى تواجه البلاد.
وفى أحيان كثيرة تكون الأنظمة التابعة لـNRO هى الوسيلة الوحيدة التى يمكن من خلالها الوصول إلى مناطق شديدة الأهمية كما أنها  تستطيع  توفير البيانات من أجهزة الاستشعار الفضائية والحصول على معلومات فريدة.
ومن ضمن العملاء الرئيسيين الذين يتعاملون مع مكتب الاستطلاع الوطنى يأتى صناع السياسات، القوات المسلحة ومجتمع الاستخبارات، إلى جانب وزارات الخارجية، العدل، والخزانة والوكالات المدنية حيث يعتمد كلٍ منهم على القدرات الفريدة التى توفرها أنظمة NRO مثل استطاعته رصد انتشار أسلحة الدمار الشامل، تتبع الإرهابيين الدوليين ومهربى المخدرات والمنظمات الإجرامية، دعم عمليات حفظ السلام وعمليات الإغاثة الإنسانية، وتقييم تأثير الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق.
 بالإضافة إلى  ذلك،  فإن أنظمة NRO  تلعب  دورًا حاسمًا فى  توفير اتصالات عالمية وملاحة دقيقة وإنذار مبكر عند إطلاق الصواريخ أو شن اعتداءات عسكرية محتملة، وإشارات استخباراتية والتقاطها  صورًا للقوات الأمريكية لدعم الحرب على الإرهاب وغيرها من العمليات المستمرة.
وعلى صعيد آخر، يقدم الـNRO  خدمات داخل الولايات المتحدة  إذ تدعم الأقمار الصناعية الخاصة بها العملاء المدنيين فى حالات الإغاثة فى الكوارث، فضلاً عن البحوث البيئية حيث أنشأ العلماء قاعدة بيانات عالمية للبيئة باستخدام صور مكتب الاستطلاع الوطنى للمساعدة فى التنبؤ بتغير المناخ وتقييم إنتاج المحاصيل وإعداد خرائط للأنواع المهددة بالانقراض.
فبفضل حالة الترقب  الدائم، استطاع  مكتب الاستطلاع الوطنى NRO  أن يمنح صانعى القرار السياسى فى الولايات المتحدة ومحللى الاستخبارات ومقاتلى الحرب والمختصين فى الأمن الداخلى الأمريكى المعلومات الحيوية والدقيقة التى يحتاجون إليها للحفاظ على أمن وسلامة وحرية الولايات المتحدة.
مدير «مكتب الاستطلاع الوطنى» يُعتبر مسئولا أمام  كل  من وزير الدفاع ومدير الاستخبارات الوطنية DNI عن  كل ما يتعلق بالفضاء الأمريكى وأنشطة الاستطلاع المحمولة جواً. وقد ترأس المكتب على مدار الـ57 عامًا الماضية  17 مديرًا  بدءًا من «جوزيف شايك» الذى يعتبر أول من شغل هذا المنصب فى (سبتمبر 1961 –مارس 1963) ثم أعقبه العالم «بروكواى ماكميلان»  فى (مارس 1963 - أكتوبر 1965).
وبعده تولى  «الكسندر إتش فلاكس» منصب المدير فى الفترة ما بين (أكتوبر 1965 - مارس 1967) وينسب له أنه دعا إلى زيادة كبيرة فى تمويل NRO  والعاملين بها، كما شجع على  تطوير نظام التصوير الكهربائى البصرى فى الأقمار الصناعية الاستطلاعية  الأمريكية. ويأتى بعده المهندس «جايمس بلومر» (ديسمبر 1973 –يونيو 1976) نال فى عام 2005  جائزة «تشارلز ستارك داربر»، نظرًا لإسهامه فى مشروع «كورونا»  وهى واحدة من ثلاث جوائز التى تشكل جائزة نوبل فى الهندسة.
أما  «مارتن فاجا»، الذى شغل هذا المنصب ما بين (سبتمبر 1989 -مارس 1993)، فقد قام بنزع صفة السرية عن مكتب الاستطلاع الوطنى.
وتعد «بيتى جاى ساب» أول امرأة تشغل منصب مدير الـNRO منذ عام 2012 وحتى الآن، وتعتبر أيضًا ثانى سيدة تشغل منصب مدير وكالة استخباراتية أمريكية بعد  «لتيتيا لونج» التى ترأست «الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية» 2010–2014.
على الرغم من  أنه  يتم الإعلان عن إطلاق مكتب الاستطلاع الوطنى للكثير من الأقمار الصناعية إلى الفضاء، إلا أن هذه المهمات تصنف عمومًا بكونها سرية بحيث لا يتم نشر الهدف الحقيقى والدقيق  من إطلاقها أو عناصرها المدارية، ومع ذلك أحيانا يتمكن بعض علماء الفلك من تتبع ومراقبة بعض الأقمار الصناعية  وقد يؤدى تسريب هذه المعلومات فى تحديد الحمولة.
ولكن فى بعض الأحيان يفرج NRO عن بعض الكنوز من المعلومات السرية الخاصة بالبعثات التى ترسل من أجلها الأقمار الصناعية والدليل على ذلك ما حدث فى 22 أكتوبر من عام 2015 حيث كشف مكتب الاستطلاع الوطنى  النقاب -حينها- عن تسجيلات تتضمن فيديو صامتًا و صورًا تعود إلى برنامج رحلة فضائية عسكرية قام بها الإنسان منذ عام 1960، فقد كان من المفترض أن تقوم سفينة الفضاء MOL بإرسال رواد الفضاء العسكريين إلى محطة فضائية صغيرة.
ومن أجل التغطية على الأمر، اختلقت الولايات المتحدة قصة أخرى وهى أن القوات الجوية الأمريكية كانت تريد اختبار «الفائدة العسكرية» من وجود الإنسان فى الفضاء، ولكن كان الغرض الحقيقى من البرنامج هو تشغيل قمر صناعى استكشافى واستطلاعى خاص بـ NRO. وبسبب ارتفاع تكلفة هذه الرحلة قام الرئيس  الأمريكى «نيكسون» بإلغائها فى عام 1969 ولكن قبل إلغاء الرحلة  قامت القوات الجوية باختيار 17 رائد فضاء من أجل MOL، بعض منهم انتقلوا إلى ناسا مثل «روبرت كريبين» الذى حلق فى الفضاء فى أول مهمة لمكوك فضائى فى عام 1981.
لم يقف الأمر عند ذلك الحد ولكن تم اكتشاف -أنه قبل  ظهور  جوجل إرث بأكثر من 30 عاما- كان يوجد فى عام 1970 برنامج قمر صناعى أمريكى  بالغ السرية يتجسس على البلاد الأخرى عن طريق التقاط صور ذات جودة عالية جدًا لسطح الكوكب أطلق عليه المجتمع الاستخباراتى «بيج بيرد» ولكن اسمه الكودى «السداسى»  أو «Hexagon».
والمثير فى الأمر أن الصور الخاصة بالقمر الصناعى «Hexagon» كانت أفضل بكثير من نظيرتها الموجودة حاليًا  على جوجل إرث، هذا إلى جانب أنه يقال إن الصور التى كان يلتقطها هذا القمر الصناعى سمحت لمحللى الاستخبارات الأمريكيين بحساب عدد القوات والدبابات والطائرات والقذائف السوفيتية بشكل حاسم وقاطع، ما جعل الولايات المتحدة متأكدة أن موسكو لا تنتهك معاهدات الحد من التسلح مما منع قيام حرب عالمية ثالثة. كان برنامج «Hexagon» يهدف إلى التوصل لإشارات إنذار مبكرة حول التهديدات المحتملة للولايات المتحدة.
قام مكتب الاستطلاع الوطنى   NRO بإطلاق 20 قمرًا صناعيًا «Hexagon» ما بين عامى 1971  و1986 ويرجع السبب فى التقاط كاميرات هذه الأقمار الكثير من التفاصيل لأن حجم هذه الأقمار كان كبيرًا، حيث يعتبر حجم كل واحد منها بمثابة حافلة مدرسة، فى حين أن وزن الواحد كان 30  ألف رطل، لذلك استطاعت هذه الأقمار التقاط صور تُظهر مساحة طولها 370 ميلًا.>